تجمع حولى شباب الحالمين بالغد وبادرونى بالأسئلة حول المخاطر التى تتعرض لها مصر فى هذه المرحلة من حاضرها. قال واحد منهم: هل تمثل تركيا خطرا علينا شرقا؟ وقالت أخرى: إن الخطر الحقيقى هو من سد النهضة فى إثيوبيا الذى قد يؤثر على حياتنا، فالمياه ونهر النيل محور حياة مصر!!وقال ثالث: بصراحة أنا أرى أن كل ذلك مرتبط بإسرائيل فهى الخطر الحقيقى التاريخى وقد تكون وراء كل خطر آخر!! وردت شابة أخرى قائلة: يا جماعة الخطر من الداخل أكثر منه من الخارج، الخطر هو تغير هوية المجتمع إلى مجتمع سلفى رجعى يعود بنا إلى الوراء ويبعدنا عن الحداثة والعلم! وانبرى واحد من الشباب قائلا، بصراحة أنا خائف من الإرهاب ومن أثره على علينا. قالت الشابة المثقفة الذكية: السؤال يا دكتور حسام هو، هل نحن دولة قوية لنستطيع مواجهة كل هذه التحديات؟؟.
نظرت إليهم متفهما مخاوفهم ومدركا قلقهم، وقلت بهدوء: ما ذكرتموه تحديات حقيقية، فوجود تركيا على الأراضى الليبية على حدودنا الشرقية ليس هدفه فقط الاستيلاء على ثروات ليبيا ولكن تهديد مصر على المستوى العسكرى والاقتصادى وكذلك بما يحملونه من حقد الإخوان ورغبتهم فى العودة إلى السيطرة على مصر. وتحدى المياه من الجنوب جوهرى وتتداخل فيه من وجهة نظرى إسرائيل وتركيا بشكل من الأشكال. ونعم أوافقكم أن التحدى الحضارى هو بيننا وبين إسرائيل على المدى الطويل. وأثنى على من ذكر تحديات الداخل الثقافية والوجدانية والاقتصادية، ولكن أهم سؤال فى كل ما ذكرتم هو هل نحن دولة قوية لمواجهة كل ذلك؟!
والإجابة هى تلخيصا نعم، والإجابة تفصيلا هى كالآتى:
مصر تملك واحد من أقوى عشرة جيوش إعدادا فى العالم، وتملك قوات مسلحة مدربة جيدا وأغلب عناصرها متعلمة تعليما عاليا. مصر قوية عسكريا ولو لم تكن، لكانت مرتعا لمن يهددها شمالا وشرقا.. طبعا كلنا نعلم أن العتاد والطائرات والصواريخ والأساطيل يجب أن يكون وراءها العقول والخبرات والكفاءة والقدرة على إدارة المعارك واختيار وقتها ومكانها. العبرة فى البشر وراء العتاد وأنا واثق أن قواتنا المسلحة تملك هذه المقومات والمقدرات وتعلم أهميتها وجدواها.
فنعم، نحن أقوياء عسكريا.
مصر يا شباب تملك ثروة بشرية، كبيرة فى العدد، صغيرة فى العمر، فـ٦٥٪ من تعدادها عمرهم أقل من ٣٠ سنة.. هذه ثروة جبارة قادرة على التعلم والتدريب واكتساب المعارف وخلق الفرص. هذه الثروة البشرية هبة من الله إذا أحسنا إعدادها، وهو ما نملك أن نفعله وننفذه. التعليم والرعاية الصحية هى سبيل جعل هذه الثروة، القوة الرئيسية للبلاد والركيزة الأولى للتنمية فيها. إن بناء الشخصية المصرية الواثقة من نفسها، الفخورة بماضيها وحاضرها، والتى تملك الأمل فى مستقبلها فى أيدينا، وعقد واحد من الزمان يغير الكثير.
هذه هى قوة مصر الكامنة، وأمل مصر فى مواجهة التحديات كلها واستخدام ما أعطاه لنا الله من فرص وثروات.
قالت نفس الفتاة الذكية: وهل عندنا ثروات؟.
ابتسمت وقلت: ياااااه، تعالى أعدد لكى بعضا منها. نحن لدينا أكبر مخزون تاريخى من حضارة العالم، فمصر متحف كبير وما علينا سوى إظهاره والاستفادة منه سياحيا ليدر ثروة اقتصادية غير مسبوقة. نحن لدينا شمالا أجمل شواطئ البحر الأبيض وشرقا بطول الحدود شواطئ البحر الأحمر التى لا مثيل لها. نحن نملك أهم ممر مائى على الكرة الأرضية، قناة السويس الذى يربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، حفرها أجدادنا بدمائهم. هذا الممر المائى الذى يساند موقع مصر الجغرافى العبقرى من الممكن أن يكون ممر التنمية الرئيسى فى البلاد.
مصر تملك ثروة من الغاز تحت أرضها وفى أعماق بحارها قد تكون من مداخل اقتصادها المستقبلى بحدود لم تصل إليها من قبل. مصر تملك ثروات معدنية فى أراضيها، يتم اكتشافها الآن ولم نعرف بوجودها من قبل.
مصر تملك أكبر سوق تجارية فى الشرق الأوسط.
مصر تملك قوة ناعمة من الفن والثقافة والمعرفة علينا إعاده فتح الآفاق أمام انطلاقها وإبداعها مرة أخرى. إن قوة مصر الناعمة كانت سببا فى تأثيرها على من حولها وما زالت تملك نفس الإمكانات إذا رفعنا عنها القيود، وأزلنا من أمامها المعوقات.
مصر تملك مخزونا حضاريا فى شعبها وقدرات كامنة فى شبابها وشيوخها لا تحتاج لانطلاقها سوى للحرية واحترام القانون،
وتحتاج لجلى الصدأ من عليها بالتعليم والثقافة والفنون.
مصر طبعا قوية يا شباب، ومن الممكن أن تكون أكثر قوة وأكثر استقرارا بالإدارة الواعية والعمل الجاد من الجميع..
على فكرة، كلامى ليس شعارات، ولكنه كلام علمى وله منهجية، ممكن الحدوث. مصر قوية وستزداد قوة، وعلينا التكاتف سويا لتحقيق ذلك. قال شاب من الحضور: وما الطريق لتحقيق ذلك؟
قلت: استدامة تنفيذ المخططات التى يجب أن تكون معلنة، والتى تنشأ بالمشاركة بين حكمة الخبرة، وطاقة الشباب.. يمكن تحقيق ذلك بالاستماع إلى مختلف الآراء وتقديم البدائل من الخبراء.. من الممكن تحقيق ذلك بالإيمان أن الإبداع والابتكار لا يحدث إلا فى إطار من الحرية.
قالت الشابة المثقفة: وما هو أساس كل ذلك؟
قلت: ستستغربون مما أقول، إنه نظام الحكم السياسى.. السياسة هى مدخل تحقيق سعادة الشعوب وتمكينها من إمكاناتها وزيادة قوة البلاد، لذلك فإن الدولة المدنية الحديثة هى أساس وركيزة كل ذلك.
قالت: وما هى الدولة السياسية المدنية الحديثة التى تقصدها؟
قلت: إن بـناء الدولة المدنیة الحديـثة هو دعامة اخـتیار لـهويـة الـدولـة والـعمل عـلى تـوطـید أركـانـها مـع الاحـترام لـكل مـعتقدات الـمواطـنین وديـانـاتـهم وحـريـتهم فـى مـمارسـة شـعائـرها فى إطار من القانون.
الـدولـة الـمدنـیة الـتى أقصدها هنا هى دولـة تـحافـظ وتحـمى كـل أعـضاء الـمجتمع بـغض الـنظر عـن انـتماءاتـهم الـقومـیة أو الديـنیة أو الـفكريـة. هناك عـدة مـبادئ يـنبغى تـوافـرها فـى الـدولـة الـمدنـیة والـتى إن نـقص أحـدها فـلا تـتحقق شـروط تـلك الـدولـة أهمها:
– أن تـقوم تلك الـدولـة عـلى السـلام والـتسامـح وقـبول الآخـر والـمساواة فـى الـحقوق والـواجـبات، بـحیث تـضمن حـقوق جـمیع الـمواطـنین، ألا يـخضع أى فـرد فـیها لانـتهاك حـقوقه مـن قـبل فـرد آخـر أو طـرف آخـر. فـهناك دومـا سـلطة علیا هى سـلطة الـدولـة والـتى يلجأ إلـیها الأفـراد عـندمـا يـتم انـتهاك حـقوقـهم أو تهدد بـالانـتهاك، فـالـدولـة هى التى تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
– مـن مـبادئ الـدولـة الـمدنـیة الـثقة فـى عـملیات الـتعاقـد والـتبادل الـمختلفة، كـذلـك مـبدأ الـمواطـنة والـذى يـعنى أن الـفرد لا يُـعرف بـمهنته أو بـديـنه أو بـإقـلیمه أو بـماله أو بسـلطته، وإنـما يُـعرف تـعريـفا قـانـونـیا اجـتماعـیا بـأنـة مـواطـن، أى أنـه عـضو فـى الـمجتمع لـه حـقوق.. وعلیه واجبات، وهو يتساوى فیها مع جمیع المواطنین.
– ومـن أهم مـبادئ الـدولـة الـمدنـیة أنـها لا تـتأسـس بخـلط الـديـن بـالسـیاسـة، كـما أنـها لا تـعادى الـديـن أو تـرفـضه فـرغـم أن الـديـن يـظل فـى الـدولـة الـمدنـیة عـامـلا فـى بـناء الأخـلاق وخـلق الـطاقـة لـلعمل والإنـجاز والـتقدم، حـیث إن مـا تـرفـضه الـدولـة الـمدنـیة هو اسـتخدام الـديـن لـتحقیق أهداف سـیاسـیة، فـذلـك يـتنافـى مـع مـبدأ الـتعدد الـذى تـقوم عـلیه الـدولـة الـمدنـیة، كـما أن هذا الأمـر قـد يـعتبر مـن أهم الـعوامـل الـتى تـحول الـديـن إلـى مـوضـوع خـلافـى وجـدلـى وإلـى تفسـیرات قـد تـبعده عـن عـالـم الـقداسـة، وتـدخـل بـه إلـى عـالـم المصالح الدنیوية الضیقة. كـذلـك احترام مـبدأ الديمقراطـیة والـتى تـمنع أن تـؤخـذ الـدولـة غـصبا مـن خـلال فـرد أو نـخبة أو عائلة أو أرستقراطیة أو نزعة أيديولوجیة.
– هذه الدولة تطلق الإمكانات لأفرادها بإطلاق حريتهم التى يحكمها القانون، وتتيح أن تكون مصر أقوى وأبقى، يحميها شعبها وجيشها وثقافتها وحضارتها.
– مصر حتى تكون قوية فى مواجهة تحديات الخارج، يجب أن تكون قوية من الداخل.