الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / مصر المبهرة.. كمان وكمان بقلم د بدراوي

مصر المبهرة.. كمان وكمان بقلم د بدراوي

مصر المبهرة.. كمان وكمان
حسام بدراوي
شاهدت مع مجموعة من شباب جمعية «الحالمون بالغد» حفل الأقصر المهيب، الرائع، وجمال إخراجه، وخلط التاريخ بالحاضر، والمُعَد مسبقا بالواقع فى لحظتها. شاهدنا ما يستطيعه الفنان، والإدارى، والسياسى المصرى من إبداع وإنتاج، مملوء بالاختيارات الممتازة لمقدمين، ومغنيين، وراقصين، فى إطار موسيقى مبدع يلمس القلوب والوجدان.
ما هذا الجمال وهذا الرقى!!.
قال لى الشاب الناقد دائما: إذن نستطيع يا دكتور، من يعد حفلا كهذا، بهذه المهارة، وهذه الدقة، بل يكرره مرة بعد الأخرى، يستطيع بالقطع تغيير كيفية إدارة مؤسسات الدولة ويرتقى بها.
وردت زميلته قائلة: أنا منبهرة بتاريخ بلادى يا دكتور، وقدرة شبابها فى الحاضر لإبرازه، لكن ذلك يجعلنى حزينة على بعض ما أراه من قصور لا علاقة له بالغنى أو الفقر، بل بإدارة الأمور.
قلت: ردا على التعليق الأول، نعم مصر تستطيع التغير وتطوير مؤسساتها. أما الحزن، فإننى أتفهمه، بل والغيظ أحيانا من عدم استخدام قدراتنا بالشكل الأفضل لتحقيق أهدافنا.
ولكى أكون إيجابيا، تعالوا نختار ثلاث مؤسسات تتواصل معها الجماهير من الداخل والخارج بشكل دائم، وتؤثر على حقيقة صورتنا أمام العالم، ثم بمنطق الكفاءة والدقة التى شاهدناها فى تنسيق وإدارة حفل الأقصر، نحدد أمورا يمكن إصلاحها ببساطة ونقترح حلولا لتحدياتها.
قال الشاب الذكى: أقترح أولا مطار القاهرة الدولى، فهو أول ما يتعامل معه الزائر لمصر وآخر ما يراه وهو مغادرها.
قالت زميلته: وأنا أقترح شبكة الطرق الرائعة الجديدة والإنجاز الذى تم فيها ولكن للأسف «إلا خمسة».
وابتسمت شابة من الجالسات وقالت: أعود بكم إلى الأقصر، وتكرار القول إنها أكبر متحف مفتوح على الكرة الأرضية، وأتكلم على الفندقة والسكن المؤقت فيها.
ابتسمت وسألت أول الشباب: وماذا فى مطار القاهرة تريد أن تقول؟.
قال: أولا يجب أن نسميه مطار القاهرة التاريخى الدولى. وأغمض عينى يا دكتور وأرى المطار بصالاته وأروقته متحفا كبيرا مملوءا بخليط من تاريخ مصر، يبهر السائح عند وصوله، وتصله قدرة البلاد على الرقمية والتحديث فى نفس الوقت. أتخيل أننا لا نملأ أوراقا مطبوعة فى الطائرات القادمة أؤكد أن لا لزوم لها، وأن تؤخذ بصمة العين للقادم بدلا من وثائق متعددة يُطلب منه ملأها.
أتصور تعدد أبواب الدخول، فلا يتزاحم القادمون، ومنع المنظر السخيف للعشرات من المستقبلين بيافطات تحمل معنى التمييز والوساطة من أولى لحظات الوصول.
كل المطارات فيها خدمات مدفوعة للاستقبال المميز، لكننا ننفذها بشكل غير مريح.
أتصور أن التليفون المحمول والبار كود لإثبات التطعيمات والشهادات أصبح هو وسيلة التأكد وليس الأوراق المطلوب تقديمها.
فى كل مطارات العالم لا أرى تصفف المغادرين أمام موظف الجمارك الذى ينظر فى كل جواز سفر، ويتزاحم المسافرون المغادرون أمام باب واحد للخروج. كل المطارات فيها أبواب خضراء يمر منها المسافر إن لم يكن يحمل ما يستحق سداد الرسوم مع الإيحاء بالثقة فى الجميع.
أتصور مطار القاهرة التاريخى الدولى مكانا مبهجا، لا تتعدد فيه إجراءات التحقق، فالجواز يختم فى الخروج والدخول، ثم يتحقق من الختم موظف آخر على بعد مترين من الأول، ولم أفهم أبدا هذا الإجراء إلا لو كان كل موظف ينتمى إلى مؤسسة تختلف عن الأخرى.
ويجىء الخروج من المطار، وعدم وجود نظام مواصلات محترم يستطيع المسافر أن يأخذ دوره فى التاكسيات التى تقف متتالية أمامه، أو الخروج إلى موقف السيارات المتصل ببهو المطار. ناهيك عن دخول السيارات وخروجها كالمتاهة التى لا يوجد لها نمط ولا نظام. وحتى ماكينة أخذ التذاكر فى الأغلب يقف جانبها موظف يعطيك التذكرة، كأننا لا نعترف بآليات النظم ولا بقيمة الرقمية فى الحصول على الحقوق.
أتصور يا دكتور مطار القاهرة كما رأيت فى احتفال الأقصر، كل واحد عارف شغله، والهدف هو راحة المواطنين وخدمتهم.
وإذا كنا نستطيع هنا، فبالقطع نستطيع هناك.
قالت زميلته: طيب خرجنا إلى الشارع، وانتقلنا إلى مجموعة الطرق والممرات التى أنشأتها الدولة بجهد عظيم وإنفاق جبار، وأغمض عينى أنا أيضا وأتخيل أن كل الطرق قد تم تخطيطها كما متبع فى كل العالم المتقدم، وأتخيل أن اليافطات والإرشادات التى لابد لها معايير هندسية فى حجمها لتراها العين، وفى أماكنها لتسبق بمدة ومسافة كافية المخارج التى يقصدها المسافر، موجودة فى أماكنها.
بجد لا أفهم أن تكون إشارات ويافطات الإرشاد غائبة ولا تتواجد تكرارا بمسافات قبل المخارج.
قلت: معكم كل الحق، فالمطار والميناء البحرى هما أول ما يراه القادم وآخر ما ينطبع فى ذهن المغادر عن جدية الدولة فى إدارة مرافقها بالعلم، والدقة، والمرونة، ويزيد عليها الجمال والذوق وتدريب العاملين، واستخدام ما لدينا من تاريخ يتم وضعه فى إطار حضارى جديد، بثنائية وثلاثية أبعاد، وندمج المستقبل بالتاريخ.
لابد أن هناك أفكارا وإبداعات يمكنها أن تجعل المرور من هذه الأماكن تجربة إنسانية ترفع من مستوى تنافسية مصر فى العالم.
أتصور مسابقات للأفكار، وأتمنى رقمية فى الأداء، وعدم تغلب المظهر الأمنى على العلاقات.
وأضفت: أما بخصوص تكرار احتفالية الأقصر كل سنة والإعلان عنها، فأعتقد أن ذلك ليس غائباًعن وزارة السياحة والآثار والثقافة.
قال شاب: يشار إلى أن عدد الغرف الفندقية المتاحة فى الأقصر 3000، وعدد تراخيص الفنادق العائمة 268 مركبا، يعمل بشكل فعلى 100 مركب، وهو ما أعتقد أنه لا يتوافق مع ما يجب أن ننتظره من سياحة داخلية وخارجية لهذه المدينة الفريدة من نوعها وشكلها وتاريخها فى العالم.
قلت: دعونى أكرر معكم إيمانى بقدرة شباب اليوم على محاكاة عظمة الماضى، إن مسيرة الملكات والملوك إلى مقر إقامتهم الجديد، منذ شهور، كان حدثا مبهرا وأداءً عظيما لكل من شارك وساهم، ويجىء احتفال طريق الكباش فى الأقصر ليزيد من أثر ذلك، فمصر لا مثيل لها وتاريخها فريد، ولنا الفخر أن نكون أحفادا لأصحاب هذه الحضارة.
وأن ما رأيناه من تنسيق وإخراج وموسيقى وأداء وأوركسترا تشرف، وقائد أوركسترا عالمى، مع إضاءة غير عادية وعرض للآثار يجعلنى فخورا وسعيدا بقدرة بلادى فى الحاضر، وتعطينى الأمل.
إن الحضارة المصرية من أعظم الحضارات التى شهدها العالم، فلم تقتصر عظمتها فقط على الجانب المعمارى، وإنما كانت حضارة شاملة معماريا وثقافيا وعلميا وأدبيا وفكريا. ولقد دون المصريون القدماء أقوالهم فى أدب الحكمة وأمثالهم الشعبية على الحجارة كما دونوها على أوراق البردى.
أحب المصريون القدماء الأخلاق بمفاهيم الإنسانية فى كل مكان وزمان فأحبوا الفضيلة واحترام الآلهة وأماكن عبادتها، وكرهوا الكذب والسرقة ورفعوا من قيمة العمل وعلموا الصغير احترام الكبير وتوقيره، وعلموا الرجل كيف يعامل ويحنو على زوجته وكيف يكون بارا بوالديه.
ومن الحكم والأمثال الموجودة على جدران المعابد قالوا:
■ اصلح نفسك أولا إذا أردت أن تصلح الناس.
■ لا يستسلم للنوم من كان يخشى الغد.
■ اكبح لسانك ولا تجعله يسبق تفكيرك.
■ لا تمشى بحذاء غيرك حتى لا تتعثر خطواتك فتقع وتنكشف حقيقتك.
■ لا تلق بحجر فى البئر فقد تحتاج لأن تشرب منها ثانية.
■ إن الشجرة التى تستظل بظلها زرعها من عاش قبلك، فلا تنس أن تزرع غيرها.
وامتد الحوار مع شباب الحالمين بالغد وشيوخه واستمعت إلى واحد منهم يكرر سؤالا أسأله لنفسى: لماذا لا يُدرس علم المصريات فى بلادنا، ألسنا أولى بحضارتنا وتاريخنا؟.
وقالت زميلته: مش معقول إحساسنا الإيجابى بمصر من ليلة واحدة فى القاهرة وأخرى فى الأقصر. عايزين من ده كتير فى إعلامنا.
وعلقت قائلا:
مصر يا شباب لا مثيل لها وأنتم تحملون بذور الحضارة فى چيناتكم، فافخروا بماضيكم وثقوا فى حاضركم واعملوا لمستقبلكم.

التعليقات

التعليقات