الجمعة , 20 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / مفهوم العدالة الاجتماعية فى الجمهورية الجديدة

مفهوم العدالة الاجتماعية فى الجمهورية الجديدة

إننى أرى أن هناك فلسفتين مختلفتين تتعاملان مع العدالة الاجتماعية: الفلسفة الأولى تتعامل مع العدالة الاجتماعية كنتيجة يتعين الوصول إليها بغض النظر عن عدالة الوسائل، مثلما فعلت الشيوعية، وكما يدعو بعض السياسيين فى مصر الآن. والفلسفة الثانية تتعامل مع العدالة الاجتماعية على أنها عدالة تكافؤ الفرص ومكافأة المجهود، وفى نفس الوقت إتاحة خدمات وحقوق معينة للجميع، كالتعليم والرعاية الصحية والمواصلات العامة والصرف الصحى والمياه النظيفة مثلًا، بغض النظر عن تفاوت الدخل. وهى الفلسفة الأقرب إلى عقلى ووجدانى فى تحقيق حد معروف من الحقوق، وفى نفس الوقت مكافأة العمل والاعتراف بتعدد واختلاف القدرات والرزق.
ولقد أثبتت الدراسات والتجارب أن السياسات الاقتصادية التى تعضد الاستثمار فى القوى البشرية وتكافؤ الفرص تسهم فى دعم النمو الاقتصادى والتشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية أكثر من مجرد الأخذ من الأقدر للتوزيع على الأقل قدرة.
ويتحقق تكافؤ الفرص من خلال الإنفاق على نظام تعليم أساسى لا يفرق بين الغنى والفقير أو المهمش، ونظام أساسى للخدمات الصحية لا يميز بين الطبقات، وسبل انتقال عامة كريمة إلى العمل من خلال الاستثمار فى البنية التحتية، ومناخ أعمال شفاف يمنع الاحتكار ويحمى أصحاب الأعمال الصغيرة ويُضَمِنهم في العملية الإنتاجية وفي خلق فرص عمل كريمة وتوليد دخول لأسرهم. فإذا قامت الحكومة بدورها فى وضع لبنة الفرص المتكافئة والمتاحة بشفافية للجميع، يسهم الجميع من خلال عملهم فى تحقيق النمو الاقتصادي- (زيادة حجم الكعكة)- ونمو الدخل لجميع العاملين من خلال جنى ثمار النمو الاقتصادى الذى يساهم فيه كل العاملين- أى نصيب أكبر من الكعكة لكل مجتهد. ومن خلال ثمار هذا النمو تتاح الفرصة لإعادة توزيع نسبة منه على المهمشين كما تم تعريفهم.
سألت شابة من الحالمين بالغد: وعلى من تقع مسؤولية تحقيق العدالة الاجتماعية؟
قلت: إن تحقيق العدالة الاجتماعية بهذا المفهوم يقع على الدولة كمنظم وضامن للحقوق، وعلى المواطن القادر على استعمال أمواله لخلق فرص عمل جديدة، والعامل بجهده وإتقانه لعمله لتحقيق مزيد من الدخل والرفاهية له ولأسرته ومجتمعه.
وتحتاج مثل هذه السياسات الموجهة لتحقيق النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية إلى موارد ضخمة، وإدارة كفؤة، ورؤية واضحة للدولة وواضعي السياسة.يعني كلامي أن الجمهورية الجديدة في فلسفتها شريك مباشر في وضع سياسات العدالة الإجتماعية وفي بناء قدرات الأفراد والمؤسسات المجتمعية وتفهمهم لأدوارهم.
عاد الشاب الأول ليسأل: وأين تقع منظومة الضرائب فى تحقيق العدالة؟
قلت: يواجه إرساء منظومة ضريبية كفؤة ومنصفة عدة تحديات في الدول النامية، التي تمثل الأعمال الصغيرة والأعمال غير الرسمية التى لا تسهم فى دفع الضرائب النصيب الأكبر من الاقتصاد، إضافة إلى تهرب الكثير من أصحاب المهن الحرة فى ظل منظومة ضريبية ضعيفة غير ممكنة، وبالتالي غير قادرة على الحصر والتحصيل الرسمى من خلال الإيصالات. فمثلًا سنجد فى مصر أن أقل من عشرين بالمائة من المؤسسات تسدد أكثر من ثمانين بالمائة من الضرائب، ليس فقط لأن نظام التحصيل غير كفء، ولكن لوجود هؤلاء الأفراد والمؤسسات الصغيرة خارج نطاق رادار التنظيم والمتابعة.
الضرائب ليست هدفًا فى حد ذاتها، ولا هى عقوبة على الغنى لمجرد أنه يجنى أرباحا، لأن الدولة ليست شركة هادفة للربح. وبالتالى فإن المستويات المطلوبة من الإيرادات الضريبية تختلف من دولة إلى دولة حسب قدرتها على توفير الخدمات التى يقررها المجتمع. إن هدف العدالة الاجتماعية يتحدد فى الأصل بمجالات الإنفاق العام وتلعب الضرائب دورا مهما لتحقيق هذا الهدف.
إذًا، فإن دور الضرائب فى تحقيق العدالة الاجتماعية يتحقق بتمويلها بكفاءة لأوجه الإنفاق العام بصورة منصفة للفقير والقادر على حد سواء. وتكون الضرائب منصفة للفقير بكونها تشاركية تكافلية.. بمعنى أن للفقير نصيبًا من دخل كل مجتهد كاسب للعمل يشارك بنسبة محددة من دخله للإنفاق العام لدعم التكافل الاجتماعي والتمكين العادل للفرصة، ومنصفة للقادر بأنها تحقق الكفاءة الاقتصادية، فلا تقضى على حافز العمل أو تتسبب فى هروب الاستثمار خالق فرص العمل.
إننا يجب أن نضع فى الاعتبار أن مصر تنافس دولًا أخرى فى جذب الاستثمار إلى السوق المصرية، لأن قدرتنا الذاتية على الأقل فى الوقت الحالى لن تستطيع خلق مليون فرصة عمل سنويا لتستوعب احتياجات الزيادة السكانية المتصاعدة. إن نمو الاستثمار وتحصيل الضرائب من أرباحه يساهم فى توفير الخدمات ومناخ الأعمال الذي يمكّن الجميع من الإنتاج والإبداع والنمو. فكلما زادت القدرة على العمل والإنتاج وتحقيق الأرباح، زادت معدلات النمو وكبرت الكعكة الاقتصادية، واتسعت القاعدة الضريبية- أى زادت مستويات الضرائب بسبب زيادة عدد المشتغلين من ناحية، وزيادة الدخول الناتجة عن النمو الاقتصادى- ومن هنا، يتضح أن السياسة الضريبية يجب أن تحقق مزيجًا أمثل من الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
وحسب فهمى غير المحترف، فإن الضرائب تنقسم إلى ثلاثة أنواع أساسية، هى: الضرائب على الدخل، والضرائب على الاستهلاك، وضرائب مستخدمي الخدمة. وفي الدول الصناعية يأتى النصيب الأعظم من التمويل من الضرائب على الدخل، ثم ضرائب الاستهلاك بأنواعها، مثل ضريبة المبيعات والقيمة المضافة، حيث تعتبر هذه الدول ضرائب الاستهلاك ضرائب غير عادلة لأنها تُفرض على السلع التي يشتريها الفقير والغنى بنفس النسبة. والطريقة الوحيدة للإعفاء من هذه الضريبة هى «عدم الاستهلاك»، أى تفادى الشراء، وقد يتفادى الفقير شراء الألبان والوجبات للأطفال، وبالتالى يتضرر الفقراء منها أكثر من الأغنياء. لذلك يجب أن تختلف نسبة هذه الضريبة حسب نوع المنتج وكيفية استفادة أو ضرر المجتمع منه لتحقيق العدالة.
أما فى مصر، فإن لضرائب الاستهلاك النصيب الأعظم من إيرادات الضرائب، وهى تحقق غرض زيادة الإيرادات دون تحقيق هدف التكافل.. فإذا أرادت الحكومة مثلا تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال المنظومة الضريبية، يتعين عليها إعادة دراسة المزيج الضريبي الحالى وكيفية تحقيق المزيج الأمثل بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.. ولكن يجب البدء أولًا بكيف يمكن أن يحقق الإنفاق العدالة الاجتماعية المطلوبة، ثم ما المزيج الضريبي الأمثل الذي يحقق الموازنة بين الكفاءة الاقتصادية والإنصاف لدافعي الضرائب والعدالة الاجتماعية. والأهم كما أرى لتحقيق العدالة هو كفاءة منظومة إدارة تحصيل الضرائب.
إن العدالة الاجتماعية تتأتى بتوفير حقوق المواطن من الخدمات العامة، كما قلت فى التعليم والرعاية الصحية والنقل العام والبنية التحتية وتطبيق القانون على الجميع وتحقيق تكافؤ الفرص لكل مواطن بناءً على قدراته ومهاراته وليس لمجرد وجوده. وكل ما أذكره هنا يحتاج إلى تمويل من المجتمع وإدارة كفؤة من الحكومة ورقابة على الإنفاق العام ليحقق أهدافه المعلنة. فإذا جاءت حكومة وثبتت عمالة زائدة، أو صرفت أرباحًا لم تتحقق، أو تعسفت لتغلق مصنعًا أو وحدة إنتاج، فإنها وإن أرضت فئةً من المجتمع إلا أنها بالقطع قد انتهكت فلسفة العدالة الاجتماعية للكل لصالح فئة، وإن كان لها حق من وجهة نظرنا ونظرها.
إننى ومن خلال هذه المقالة، وأنا غير متخصص، واتكلم بلغة المواطن الذي يدرس ويدقق فيما يتم تداوله سياسيًا على الساحة، أردت أن أشارك الرأي والفهم لعبارات يتم تداولها وشرحها بغير معناها مما يؤدى إلى عكس المقصود منها. فكم من الجرائم يتم ارتكابها تحت اسم العدالة الاجتماعية فى مصر

التعليقات

التعليقات