السبت , 21 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / مفهوم العدالة الاجتماعية فى الجمهورية الجديدة – حسام بدراوي

مفهوم العدالة الاجتماعية فى الجمهورية الجديدة – حسام بدراوي

مفهوم العدالة الاجتماعية فى الجمهورية الجديدة
بقلم د.حسام بدراوي
لم تتطرق رؤية ‏‎2030 ‎للعدالة الإجتماعية بوضوح فوجدت من جانبي انه لابد من الاشارة اليها بشكل يمثل ‏تصور لرؤية علي الدولة تحويلها الي استراتيجية معلنة وقد يكون الحوار الوطني مسرحاً لذلك. ‏
إن هناك فلسفتين مختلفتين تتعاملان مع العدالة الاجتماعية: الفلسفة الأولى تتعامل مع العدالة الاجتماعية كنتيجة ‏يتعين الوصول إليها بغض النظر عن عدالة الوسائل، وكما يدعو البعض فى مصر الآن. والفلسفة الثانية ‏تتعامل مع العدالة الاجتماعية على أنها عدالة تكافؤ الفرص ومكافأة المجهود، وفى نفس الوقت إتاحة خدمات ‏وحقوق معينة للجميع، كالتعليم والرعاية الصحية والمواصلات العامة والصرف الصحى والمياه النظيفة مثلًا، ‏بغض النظر عن تفاوت الدخل. وهى الفلسفة الأقرب إلى عقلى ووجدانى فى تحقيق حد معروف من الحقوق، ‏وفى نفس الوقت مكافأة العمل والاعتراف بتعدد واختلاف القدرات والرزق.‏
ولقد أثبتت الدراسات والتجارب أن السياسات الاقتصادية التى تعضد الاستثمار فى القوى البشرية وتكافؤ الفرص ‏تسهم فى دعم النمو الاقتصادى والتشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية أكثر من مجرد الأخذ من الأقدر للتوزيع ‏على الأقل قدرة.‏
ويتحقق تكافؤ الفرص من خلال الإنفاق على نظام تعليم أساسى لا يفرق بين الغنى والفقير أو المهمش، ونظام ‏أساسى للخدمات الصحية لا يميز بين الطبقات، وسبل انتقال عامة كريمة إلى العمل من خلال الاستثمار فى ‏البنية التحتية، ومناخ أعمال شفاف يمنع الاحتكار ويحمى أصحاب الأعمال الصغيرة ويُضَمِنهم في العملية ‏الإنتاجية وفي خلق فرص عمل كريمة وتوليد دخول لأسرهم. فإذا قامت الحكومة بدورها فى وضع لبنة الفرص ‏المتكافئة والمتاحة بشفافية للجميع، يسهم الجميع من خلال عملهم فى تحقيق النمو الاقتصادي- (زيادة حجم ‏الكعكة)- ونمو الدخل لجميع العاملين من خلال جنى ثمار النمو الاقتصادى الذى يساهم فيه كل العاملين- أى ‏نصيب أكبر من الكعكة لكل مجتهد. ومن خلال ثمار هذا النمو تتاح الفرصة لإعادة توزيع نسبة منه على ‏المهمشين كما تم تعريفهم.‏
السؤال هو : وعلى من تقع مسؤولية تحقيق العدالة الاجتماعية؟
‏ إن تحقيق العدالة الاجتماعية بهذا المفهوم يقع على الدولة كمنظم وضامن للحقوق، وعلى المواطن القادر على ‏استعمال أمواله لخلق فرص عمل جديدة، والعامل بجهده وإتقانه لعمله لتحقيق مزيد من الدخل والرفاهية له ‏ولأسرته ومجتمعه.‏
وتحتاج مثل هذه السياسات الموجهة لتحقيق النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية إلى موارد ضخمة، وإدارة ‏كفؤة، ورؤية واضحة للدولة وواضعي السياسة.يعني كلامي أن الجمهورية الجديدة في فلسفتها شريك مباشر في ‏وضع سياسات العدالة الإجتماعية وفي بناء قدرات الأفراد والمؤسسات المجتمعية وتفهمهم لأدوارهم. ‏
السؤال التالي هو : وأين تقع منظومة الضرائب فى تحقيق العدالة؟
أقول: يواجه إرساء منظومة ضريبية كفؤة ومنصفة عدة تحديات في الدول النامية، التي تمثل الأعمال الصغيرة ‏والأعمال غير الرسمية التى لا تسهم فى دفع الضرائب النصيب الأكبر من الاقتصاد، إضافة إلى تهرب الكثير ‏من أصحاب المهن الحرة فى ظل منظومة ضريبية ضعيفة غير ممكنة، وبالتالي غير قادرة على الحصر ‏والتحصيل الرسمى من خلال الإيصالات. فمثلًا سنجد فى مصر أن أقل من عشرين بالمائة من المؤسسات تسدد ‏أكثر من ثمانين بالمائة من الضرائب، ليس فقط لأن نظام التحصيل غير كفء، ولكن لوجود هؤلاء الأفراد ‏والمؤسسات الصغيرة خارج نطاق رادار التنظيم والمتابعة.‏
الضرائب ليست هدفًا فى حد ذاتها، ولا هى عقوبة على الغنى لمجرد أنه يجنى أرباحا، لأن الدولة ليست شركة ‏هادفة للربح. وبالتالى فإن المستويات المطلوبة من الإيرادات الضريبية تختلف من دولة إلى دولة حسب قدرتها ‏على توفير الخدمات التى يقررها المجتمع. إن هدف العدالة الاجتماعية يتحدد فى الأصل بمجالات الإنفاق العام ‏وتلعب الضرائب دورا مهما لتحقيق هذا الهدف.‏
إذًا، فإن دور الضرائب فى تحقيق العدالة الاجتماعية يتحقق بتمويلها بكفاءة لأوجه الإنفاق العام بصورة منصفة ‏للفقير والقادر على حد سواء. وتكون الضرائب منصفة للفقير بكونها تشاركية تكافلية.. بمعنى أن للفقير نصيبًا ‏من دخل كل مجتهد كاسب للعمل يشارك بنسبة محددة من دخله للإنفاق العام لدعم التكافل الاجتماعي والتمكين ‏العادل للفرصة، ومنصفة للقادر بأنها تحقق الكفاءة الاقتصادية، فلا تقضى على حافز العمل أو تتسبب فى هروب ‏الاستثمار خالق فرص العمل.‏
إننا يجب أن نضع فى الاعتبار أن مصر تنافس دولًا أخرى فى جذب الاستثمار إلى السوق المصرية، لأن قدرتنا ‏الذاتية على الأقل فى الوقت الحالى لن تستطيع خلق مليون فرصة عمل سنويا لتستوعب احتياجات الزيادة ‏السكانية المتصاعدة. إن نمو الاستثمار وتحصيل الضرائب من أرباحه يساهم فى توفير الخدمات ومناخ الأعمال ‏الذي يمكّن الجميع من الإنتاج والإبداع والنمو. فكلما زادت القدرة على العمل والإنتاج وتحقيق الأرباح، زادت ‏معدلات النمو وكبرت الكعكة الاقتصادية، واتسعت القاعدة الضريبية- أى زادت مستويات الضرائب بسبب زيادة ‏عدد المشتغلين من ناحية، وزيادة الدخول الناتجة عن النمو الاقتصادى- ومن هنا، يتضح أن السياسة الضريبية ‏يجب أن تحقق مزيجًا أمثل من الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.‏
وحسب فهمى غير المحترف، فإن الضرائب تنقسم إلى ثلاثة أنواع أساسية، هى: الضرائب على الدخل، ‏والضرائب على الاستهلاك، وضرائب مستخدمي الخدمة. وفي الدول الصناعية يأتى النصيب الأعظم من ‏التمويل من الضرائب على الدخل، ثم ضرائب الاستهلاك بأنواعها، مثل ضريبة المبيعات والقيمة المضافة، حيث ‏تعتبر هذه الدول ضرائب الاستهلاك ضرائب غير عادلة لأنها تُفرض على السلع التي يشتريها الفقير والغنى ‏بنفس النسبة. والطريقة الوحيدة للإعفاء من هذه الضريبة هى «عدم الاستهلاك»، أى تفادى الشراء، وقد يتفادى ‏الفقير شراء الألبان والوجبات للأطفال، وبالتالى يتضرر الفقراء منها أكثر من الأغنياء. لذلك يجب أن تختلف ‏نسبة هذه الضريبة حسب نوع المنتج وكيفية استفادة أو ضرر المجتمع منه لتحقيق العدالة.‏
أما فى مصر، فإن لضرائب الاستهلاك النصيب الأعظم من إيرادات الضرائب، وهى تحقق غرض زيادة ‏الإيرادات دون تحقيق هدف التكافل ولا العدالة .. فإذا أرادت الحكومة مثلا تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال ‏المنظومة الضريبية، يتعين عليها إعادة دراسة المزيج الضريبي الحالى وكيفية تحقيق المزيج الأمثل بين الكفاءة ‏الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.. ولكن يجب البدء أولًا بكيف يمكن أن يحقق الإنفاق العدالة الاجتماعية ‏المطلوبة، ثم ما المزيج الضريبي الأمثل الذي يحقق الموازنة بين الكفاءة الاقتصادية والإنصاف لدافعي ‏الضرائب والعدالة الاجتماعية. والأهم كما أرى لتحقيق العدالة هو كفاءة منظومة إدارة تحصيل الضرائب.‏
إن العدالة الاجتماعية تتأتى بتوفير حقوق المواطن من الخدمات العامة، كما قلت فى التعليم والرعاية الصحية ‏والنقل العام والبنية التحتية وتطبيق القانون على الجميع وتحقيق تكافؤ الفرص لكل مواطن بناءً على قدراته ‏ومهاراته وليس لمجرد وجوده. وكل ما أذكره هنا يحتاج إلى تمويل من المجتمع وإدارة كفؤة من الحكومة ورقابة ‏على الإنفاق العام ليحقق أهدافه المعلنة. فإذا جاءت حكومة وثبتت عمالة زائدة، أو صرفت أرباحًا لم تتحقق، أو ‏تعسفت لتغلق مصنعًا أو وحدة إنتاج، فإنها وإن أرضت فئةً من المجتمع إلا أنها بالقطع قد انتهكت فلسفة العدالة ‏الاجتماعية للكل لصالح فئة، وإن كان لها حق من وجهة نظرنا ونظرها.‏
إننى ومن خلال هذا العرض، وأنا غير متخصص، واتكلم بلغة المواطن الذي يدرس ويدقق فيما يتم تداوله ‏سياسيًا على الساحة، أردت أن أشارك الرأي والفهم لعبارات يتم تداولها وشرحها بغير معناها مما يؤدى إلى ‏عكس المقصود منها. فكم من الجرائم يتم ارتكابها تحت اسم العدالة الاجتماعية فى مصر. ‏
الحوار الوطني عليه ان يخرج بورقة لفلسفة العدالة الاجتماعية وعلي الحكومة ان تترجم ذلك الي استراتيجيات ‏واضحة ومعلنه ..‏

التعليقات

التعليقات