الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / مقومات نجاح السياسة التعليمية

مقومات نجاح السياسة التعليمية

مقومات نجاح السياسة التعليمية
حسام بدراوي
إن مقومات نجاح أى سياسة تعليمية يجب أن تعتمد على عدد من الأسس، من أهمها:
أن التعليم والتعلم عمليتان مستمرتان، تبدآن من المولد حتى نهاية الحياة.. إلا أن التعليم النظامى يمثل أهم حلقاته، ويؤدى الدور الرئيسى فى إكساب الفرد مهارات الاتصال ومعرفة اللغة والرياضيات والفنون والحاسب الآلى والقدرة على الحصول على المعلومة والتعلم الذاتى والسلوكيات المتصلة بكل ذلك والقدرة على التكيف مع متغيرات المستقبل.
إن تطوير التعليم عملية هادئة ومتدرجة، ولا ينبغى إحداثها بصورة مفاجئة، ومن الضرورى أن يُمَهد لها بين المنفذين والمستفيدين، إلا أن ذلك يجب ألا يعوق أهمية سرعة الحركة فى تغيير سبل الإدارة المركزية، وتمكين إدارة المناطق التعليمية والمدارس، وتحديث أساليبها وتطوير وتعديل مسؤولياتها (اللامركزية تبدأ من التعليم والرعاية الصحية).
كذلك فإن تطوير التعليم فى المجتمع المصرى ينبغى ألا ينعزل بأى شكل عما يحدث من تطوير فى نظم ووسائل التعلم فى العالم كله. وعلينا أن نتذكر أن المدرسة مازالت هى وحدة التعليم الأساسية، وعلينا تطوير وجودها ومفهومها، والمعلم هو خليتها الحية، وإدارتها هى جهازها العصبى، وأى تطوير لابد أن يعتمد على إعداد المعلم، حيث إنه هو صانع التطوير الأول وهو وسيلته، ولابد من إعادة النظر فى أحواله الاجتماعية والمادية والعمل على رفع مكانته الأدبية فى المجتمع.
تقول الحكمة إنه «لا يرقى مستوى أى تعليم فى أى أمة فوق مستوى مدرسيه».
كل نجاح لابد له من استراتيجية، وفى الأمم كثيرة عدد السكان مثل مصر لابد من التطبيق التدريجى وتحقيق حجم حرج من الإنجاز له قوة ذاتية محركة لباقى المجتمع تجعله راغبًا فى نفس النجاح، ولابد من حماية التطوير التدريجى تشريعيًا.
أحيانًا، تخلق المجتمعات تحديات لنفسها وتغرق فيها، وتستهلك طاقة الدولة، ومنها على سبيل المثال تحدى عنق زجاجة التعليم الثانوى، ويرتكز التغلب عليه فى رأيى فى توفير أماكن لجميع الطلبة فى التعليم العالى وجعل العرض أوسع من الطلب.. ولنا فى هذا توجه واستراتيجية تحفظ حقوق الشباب فى التعلم.
وحتى تتحقق رؤية تطوير التعليم فى مصر، لابد أن نأخذ فى الاعتبار أهمية التحديد الدقيق لوضع التعليم الراهن بمنظور مقارن بما يدور حولنا على المستويين الإقليمى والعالمى، بصدق، وليس لإرضاء الذات أو إرضاء القيادة السياسية، وأن يتم ذلك فى إطار من المسؤولية التى تدعمها سياسة تعليمية شفافة معلنة ومفعلة واقعيًا بشكل لا مركزى، فى إطار زمنى معروف، مع محاسبية تقييمية بنّاءة من أصحاب المصلحة والإعلام واحترام لقيم متفق عليها تسمح ببناء وجدان سَوى لشباب فخور ببلاده ولديه الأمل فى مستقبله.
إننى أؤكد تكرارًا على أهمية استدامة الالتزام بمرجعية واستراتيجية معلنة، يتم مراجعتها كل عدد من السنوات. وقد اقترحنا فى رؤية التطوير تشكيل مجلس أعلى للتعليم يضمن استدامة التطبيق مهما تغيرت الحكومات.
وفى إطار هذه الرؤية، علينا التحول إلى الرقمية كمنهج فكرى متكامل فى الإدارة والتدريس والتقييم والمتابعة. على الجميع التفكير رقميًا والتفاعل رقميًا والحصول على المعارف رقميًا وإلا خرجنا من المنافسة العالمية.
وحيث إن الامتحانات المركزية تمثل تحديًا مجتمعيًا فإن استخدام التقييم الطلابى ممكن أن يكون وسيلة لدعم التطوير وليس هدفًا فى حد ذاته ولا مشكلة. ويؤكد العلم أن مرتكزات التقييم وفلسفته لا تتغير بتغير وسيلته لأنها تعتمد على معايير عالمية هى:
ـ الصلاحية: أى أن الامتحان يقيس فعلا ما هو مطلوب قياسه وفق المنهج المحدد.
– الموثوقية: أى أن الامتحان يعطى ذات النتائج للطلاب حتى إذا تغيرت وسائله.
– العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص.
لقد تغيرت النظرة إلى مفهوم التقييم، فأصبحنا نراه وصفًا بدلًا من قياس الأداء، ملف أعمال بدلًا من درجة لقياس لحظى فى زمن محدد، بنائيًا تشخيصيًا وليس مُصدر أحكام.
فى حقيقة الأمر أن النجاح فى الامتحانات هو دلالة على نجاح المدرسة والمدرس وليس الطالب، لأن كل التلاميذ والطلاب لديهم القابلية للنجاح إذا تم تعليمهم جيدًا.
ولابد لنا أن نعترف بأن الانتقال من الرؤية والسياسة إلى التطبيق يواجه دائمًا مستجدات جديدة، وأننا يجب أن نقف أمامها، نواجهها ونناقشها بالعقل والموضوعية، ساعين إلى تخطيها، وصولًا إلى النتائج المرجوة منها، وعلينا أن نتشارك مع المجتمع فى فهم هذه التحديات والثبات على سياسات التطوير حتى يمكن الانتقال من المكان الذى نقف فيه إلى المكان الذى نقصده..
ويأتى فى مقدمة التحديات:
(أولًا): ضعف ثقة المجتمع فى مؤسسات التعليم الحكومية الرسمية، وظهور نُسق لا نظامية موازية للنظام التعليمى خارج المدرسة، والانتشار الكبير للدروس الخصوصية.
(ثانيًا ): ضعف الثقة فى الركن الأساسى للعملية التعليمية وهو المعلم وانخفاض قدره الاجتماعى وتقليص صلاحياته فى تقييم وتقويم التلميذ.
وتجدر الإشارة إلى أن انحسار ريادة المعلم وتراجع دور المدرسة التنويرى يأتى فى مقدمة التحديات التى يجب مواجهتها.
(ثالثًا): انخفاض درجة إتقان اللغات بما فيها اللغة العربية وضعف المستوى فى الرياضيات والعلوم، وابتعاد الشباب عن التخصص فيها.
(رابعًا): انخفاض حجم الأنشطة الطلابية أو انعدامه فى كثير من الأحوال، بكل ما يحمل من معان سلبية فى بناء الشخصية.
(خامسًا): وجود فجوة كبيرة فى مناهج التعليم وعدم ملاحقتها للتسارع الحادث فى المعارف، وضرورة الربط بينها وبين احتياجات المجتمع وسوق العمل والتطور التكنولوجى الحادث فى العالم.
(سادسًا): الانتشار الجغرافى غير المسبوق للمدارس فى كل أنحاء مصر، بما فيه من إيجابية الإتاحة، إلا أنه يشكل تحديًا كبيرًا فى إداراتها مركزيا، وصعوبة بالغة فى الارتفاع بمستواها وتقييم أدائها.
(سابعًا): وجود أكثر من فترة دراسية فى حوالى ٢٠٪ من المدارس، وبالتالى انخفاض ساعات التمدرس وزيادة ظاهرة غياب التلاميذ بشكل ملحوظ خصوصًا فى المرحلة الثانوية، مما يهمش دور المدرسة فى بناء شخصية التلاميذ ويهدر القيمة التربوية لوجودها.
(ثامنًا): عدم التعامل سياسيًا بشكل إيجابى مع أصحاب المصلحة ليكونوا شركاءً وليسوا أعداءً.. مع تحميل الوزارة المركزية وحدها منفردة مسؤولية إحداث التغيير وإدارته، من وجهة نظرها، وبدون استراتيجية معلنة.
(تاسعا ): عدم اكتمال البنية التحتية للتحول الرقمى فى التعليم للطلبة فى منازلهم، والمدرسين فى فصولهم، والإدارة المدرسية البعيدة كل البعد عن الرقمية.(الاستثمار فى توفير الإنترنت لكل المدارس وكل بيوت الفقراء هو استثمار فى التعليم).
وسيظل العامل البشرى وقصور تدريب المدرسين على التعامل الرقمى والتربوى سببا رئيسيا فى تأخر حركة التطوير.
إننى أرى أن التباطؤ فى مواجهة تلك التحديات بإرادة قوية ووفق خطة متكاملة معلنة سيؤدى بشكل مباشر إلى التأثير السلبى على حقوق الأطفال والشباب من خلال تهميش أكبر للفقراء، وعدم قدرة التعليم بوضعه الحالى على دعم الحراك الاجتماعى الإيجابى كناتج مباشر أو غير مباشر له. كما أنه سيؤدى إلى انتقال الفئات الأكثر قدرة ماديًا إلى التعليم الخاص والأجنبى داخل وخارج مصر، مما قد يخلق خللًا مجتمعيًا وفوارق طبقية كبيرة.
إن تحميل الفئات الأكثر فقرا تكاليف تزيد على طاقتها فى الدروس الخصوصية وعدم استفادة مؤسسات التعليم الرسمية من هذا الإنفاق الخاص يعنى الكثير من الفرص الضائعة والمجانية غير الحقيقية، والأثر الاجتماعى السلبى على الشعور العام.
السؤال هو: هل نستطيع تخطى كل ذلك؟
والإجابة: نعم، نستطيع.
السؤال الأهم هو: كيف يتم التطبيق؟
قد يكون بعض من احتياجات ذلك:
١- توفير الموازنة اللازمة ومراقبة كيفية الإنفاق.
٢-الإعلان عن، والتمسك باستراتيجية محددة الزمن.
٣- تحقيق حجم حرج من النجاح السريع المتكامل رأسيا فى كل استراتيجيات التطوير فى عدد من المحافظات أثناء التطبيق العرضى فى كل البلاد الذى قد يحتاج وقتًا أطول.
٤- تسويق استراتيجية التطوير بين كل أصحاب المصلحة، من: مقدمى خدمة وطلاب وأولياء أمور وإعلام.
٤-البدء بمديرى المدارس (مفتاح مهم) مما يستلزم تطبيق اللامركزية.
٥- الالتزام بقواعد الجودة العالمية المعلنة.
٦- تطوير مناهج اللغات، والرياضيات، والعلوم، والتكنولوجيا بما يتفق مع المعايير الدولية.
٧- تدريب المدرسين ورفع مستواهم الأكاديمى والعناية الاجتماعية بهم والكليات التى يتخرجون فيها.
٨- حماية التطوير تشريعيًا وقانونيًا.
٩- خلق منافسة بين المحافظات، مع التحفيز المادى والمعنوى للدخول فى قائمة المحافظات التى تحظى بالتطوير الرأسى السريع.
١٠- استمرار وتكرار الإعلان عن الإصرار السياسى على تحقيق التطوير، وعن المؤشرات التى الواجب مراجعتها مع المجتمع للتأكد من النجاح.

التعليقات

التعليقات