الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / مكافحة الفساد في التعليم – فبراير 2008

مكافحة الفساد في التعليم – فبراير 2008

مكافحة الفساد في التعليم
بقلم د حسام بدراوي.
فبراير ٢٠٠٨

أظهرت الكثير من الدراسات التي أجريت خلال العقد الماضي التأثير السلبي للفساد على التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدول، فقد لوحظ أنه يزيد من تكلفة الصفقات، ويقلل من كفاءة وجودة الخدمات، ويشوه عملية صناعة القرار، ويقوِّض القيم الاجتماعية. ولذا فإن الدراسات التي تم إجراؤها حديثاً أكدت تأثير الفساد على توفير الخدمات- ومن ضمنها التعليم. وبالرغم من أنه يبدو من الصعب تقييم حجم الفساد في القطاعات المختلفة بطريقة دقيقة، فإنه يمكن افتراض كونها ظاهرة ليست بالهامشية، فالتعليم على سبيل المثال يتأثر بهذه الظاهرة بثلاث طرق:

A. يتأثر التعليم من ناحية عن طريق الضغط الذي يمارسه الفساد على الموارد العامة، وبالتالي على ميزانية التعليم التي تمثل في أغلب الدول أكبر (أو ثاني أكبر) جزء من الإنفاق العام.
B. من ناحية أخرى، يؤثر الفساد على التعليم عن طريق تأثيره على تكلفة الخدمات التعليمية وحجمها وجودتها.
C. من ناحية ثالثة، فإن أثر الفساد في التعليم على وجدان وثقافة المعلمين والمتعلمين والأسر طويل المدى، وينعكس على أداء الأفراد والخريجين سلبا طوال حياتهم المهنية.

وفي الواقع، فإن حجم الميزانية المخصصة للتعليم والعدد الكبير للأفراد المشتركين في الأنشطة التعليمية والاحتكار الذي يمارسه التعليم الحكومي في أغلب الدول، ووجود علاقة تقديرية بين الموظفين الحكوميين والعامين في القطاع الخاص في مجال التعليم..، كلها عوامل تؤدي إلى العديد من التعاملات بين الدولة – بصفتها راعية – وبين المواطنين، بشكل يتداخل تقريبا مع كل أسرة في المجتمع مما يجعل الفساد في هذه العلاقات ذو أثر هائل على التنمية والاستقرار الاجتماعي بالإضافة إلى الأثر الذي نتطرق إليه في التعليم.

ويعد الفقر ورواتب الموظفين الحكوميين المنخفضة من بين العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى الفساد، وبالتالي فإنه كلما زادت الدولة فقرًاَ، زاد فيها معدل الفساد الأصغر، وهو الذي يمكن تعريفه على أنه فساد يصغر فيه حجم التعامل المالي وحجم ما يشتريه. ففي الدول شديدة الفقر أحياناً ما يعتبر هذا النوع من الفساد تصرفاً طبيعيًّا أو طريقة متوقعة للحصول على الخدمات، على عكس الصور الكبيرة من الفساد التي يمكن رؤيتها في أي مكان، والتي توجد في الطبقات العليا من صناعة القرار في تركيبة القوى في المجتمعات المختلفة. ولكن الأبحاث الموجودة في هذا المجال، توضح أن للفساد أيضاً علاقات باستقرار النظم السياسية، والأطر القانونية الموجودة، وشفافية المعلومات المنشورة، ومعدل مسئولية الأفراد والمؤسسات، وكفاءة طرق الحكم المطبقة، وأهمية وخصائص المساعدات الأجنبية، وغيرها من العلاقات.

وتوضح المراجعة السريعة للأبحاث الموجودة في هذا المجال عدم توفر وثائق كافية تتعامل بطريقة شاملة ومنظمة مع الأوجه العديدة للفساد الموجودة في مجال التعليم, ولكنه من الواضح أنه يجب اعتبار الحرب ضد الفساد في دائرة التعليم أولوية قصوى لأنها لا تؤثر فقط على حجم الخدمات التعليمية وجودتها وكفاءتها، وبالتالي نتائجها، ولكنها تؤثر أيضاً على العدالة في التعليم وثقة الجمهور في نظم التعليم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عبء الفساد المالي الذي يقاس بنسبة الدخل التي تستقطع من المواطن في هيئة رشاوى أو تكلفة غير شرعية هي أكبر بكثير بالنسبة للأسر الأكثر فقراً من غيرها. وفي هذا الصدد يواجه المخططون التعليميون تحدياً كبيراً يتمثل في تطوير طرق مبتكرة لبناء نظم مؤثرة ومسئولة وشفافة قادرة على تقديم الخدمات بطريقة تتميز بالكفاءة والعدالة.

ونهدف في هذا الجزء من الكتاب إلى فتح الباب لمناقشة الأخلاقيات والفساد في التعليم بهدف ايجابي هو تحسين صناعة القرار وإدارة النظم التعليمية واحترام رأى أصحاب المصلحة من أولياء أمور وطلاب ومدرسين ومديرين وغيرهم.

تعرِّف الأبحاث الفساد بطرق مختلفة، فيمكن تخيل أن الخواص الرئيسية للفساد في قطاع التعليم هي نفس خواصه في القطاعات الحكومية الأخرى، وفي هذه الحالة يمكن تعريفه على أنه “استخدام المنصب الحكومي للكسب الشخصي” وهو تعريف يغطي العديد من الأنشطة مثل المحسوبية أو طلب الرشوة أو محاولة الحصول عليها عن طريق الابتزاز أو محاباة الأقارب أو سرقة المال العام … إلخ. ويوضح تعريف آخر مثير للاهتمام العلاقة بين السلوك الفاسد ونتائجه، ويصر على أهمية عامل الانتظام عن طريق تعريف الفساد على أنه “الاستخدام المنتظم للمنصب الحكومي في تحقيق مكاسب شخصية ينتج عنها تقليل جودة أو توفر الأموال أو الخدمات العامة”. وعند تطبيق هذا التعريف على التعليم يمكن أن يؤدي إلى التعريف التالي للفساد: “الاستخدام للمنصب الحكومي أو الوظيفة في المؤسسة التعليمية، لتحقيق مكاسب شخصية تؤثر تأثيراً ذا بال على الحصول على التعليم أو جودته أو العدالة فيه”. ويرى البعض أن مجرد تحقيق مكاسب مادية غير شرعية بغض النظر عن الأثر السلبي على التعليم من العاملين في المؤسسة التعليمية يجب أن يدخل في إطار الفساد في النظام التعليمي.

وتفرق بعض التعريفات بين الفساد الأصغر السابق تعريفه والفساد الكبير الذي يقع في حدود مجال الموظفين الحكوميين ذوي المناصب العليا والسياسيين الذين يصنعون القرارات التي تتضمن عقوداً أو مشاريع كبرى (مثل قرارات طباعة الكتب، أو اختيار المؤلفين أو دور النشر التي تصل تكاليفها في المدارس المصرية إلى أكثر من مليار جنيه). وعند تطبيق هذا التعريف على مجال التعليم سوف يعني التمييز بين الموظفين الذين يمارسون الفساد الكبير بسبب مناصبهم الكبيرة في إدارة القطاع التعليمي (وبالذات المناصب المتعلقة بالمساعدات الأجنبية حيث يمكن للمبالغ الكبيرة من المال أن تغري بالسلوك الفاسد) وبين هؤلاء المتورطين في الفساد الأصغر بسبب تأثيرهم المحدود على إدارة النظام التعليمي وبالذات مواردها المالية كالمعلمين. ويمكن هنا توضيح أن الفساد الكبير يوجد على الأرجح على المستوى القومي، ولكن في حالة النظم التعليمية اللامركزية يمكن أن يتورط فيه أفراد على المستويين القومي والمحلي. ويسري هذا أيضا على الدول التي توجه فيها المساعدات الأجنبية إلى المستوى المحلي.

وإحدى المشاكل التي يمكن أن تظهر عند دراسة الفساد في التعليم هي معرفة الفرق بين السلوك الفاسد والسلوك النزيه بسبب أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية في فهم الفساد. فأحد الأمثلة التي تحتاج إلى النظر والتحليل في التفرقة بين الفساد والنزاهة هي مثلا: الأولوية في القبول لأبناء خريجين مؤسسة تعليمية بعينها أو تعيينهم بها، فهل يعتبر هذا فساداً أم اعترافاً بحق العاملين في المؤسسة التعليمية؟ فهناك على الأرجح منطقة غير واضحة بين الحق الذي يؤمن به البعض وبين الفساد أحيانا، وتكمن المشكلة في تحديد هذه المناطق بين الاثنين وعلينا تحديدها، في إطار من الشفافية وعدم السرية.

يمكن لجميع مجالات التخطيط والإدارة أن تتأثر بظاهرة الفساد، وبالتحديد نظم المعلومات وبناء المدارس والتوظيف والترقيات (بما فيها نظم الحوافز) وتعيين المعلمين وتوريد التجهيزات والكتب المدرسية وتوزيعها وتوزيع المصاريف الخاصة (كالإعانات المالية). والامتحانات والشهادات والأنشطة التي تمارس خارج المدرسة وغيرها. ولكن الفرص لممارسة الفساد في هذه المجالات ليست متساوية ولا تتضمن نفس الأشخاص ولا تحدث بنفس درجة التكرار وليس تأثيرها العام على عمل النظام التعليمي بنفس القوة، سواءً كان هذا التأثير متعلقاً بالتكاليف المادية أو الإنسانية أو كفاءة النظام أو بالآثار الضارة للفساد على القيم الأخلاقية. ولهذا فإنه من المفيد أن يتم تطوير تدريجي عن طريق الملاحظة لتقسيم المجالات الرئيسية التي يمارس فيها الفساد في التعليم حيث يمكن لإعادة تنظيم النظام الإداري المساعدة في علاج هذه المشكلة.

يمكن لمساعدة القارئ والباحث مناقشة جدول تقسيم المجالات الرئيسية في التخطيط والإدارة التي تحتوي على فرص لممارسة الفساد في التعليم ممثلة في (الجدول رقم 1). ونجد في الجدول أنواعاً عديدة من الممارسات الفاسدة التي يمكن أن تظهر في كل من هذه المجالات، مثل المحسوبية وتجاوز المعايير والاختلاس وغيرها، بجانب التأثيرات الممكنة لهذه الممارسات على الوصول للموارد والجودة والعدالة والأخلاقيات. ففي جميع الحالات يمكن بالطبع أن يكون للممارسات الفاسدة تأثير سلبي على الأخلاقيات (بمعنى تعلم الأطفال القيم والسلوكيات الأخلاقية). ويمكن توضيح فرق آخر بين الآثار المباشرة وغير المباشرة للفساد، فيمكن على سبيل المثال توقع التأثير المباشر على جودة التعليم في حالة الممارسات الفاسدة في مجالات التوظيف والترقيات وتعيين المعلمين، بجانب تصرفاتهم، وإن كان للممارسات المذكورة لاحقاً في مجالات كبناء المدارس وتوريد التجهيزات والطعام والكتب المدرسية وتوزيعها تأثيراً غير مباشر على الجودة

التعليقات

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *