من تربة الأرض إلى سماء المعنى
بقلم
د. حسام بدراوي
في لحظة تأملٍ صامتة، التقيت بصورة زهرة نادرة تُدعى Elata، تُعرف بين الناس باسم “زهرة الروح القدس”.
تبدو كأنها خُلقت من وحي الأساطير—بتشكيلها المذهل، تنبثق منها حمامة بيضاء تبسط جناحيها كأنها تهبط من السماء برسالة طمأنينة وسلام.
هذه الزهرة، وإن نبتت في تربةٍ رطبة في أعماق الغابات الاستوائية، إلا أن معناها الروحي يتجاوز جغرافيتها. فهي ليست مجرد كائن نباتي، بل مرآة لعطش الإنسان إلى المقدّس، ورمز لفكرة القيامة بعد الألم، والنور بعد الظلمة فسميت بهذا الاسم.
هل الطبيعة تقصد ذلك ؟ أم أن الروح هي من تُسقط معناها على الأشياء؟
في تفتّح زهرةٍ نادرة على هيئة حمامة، يجد القلب البشري مرآةً لروحه المتعطّشة للمعنى.
ليس مهمًا إن كانت تزهر فقط في أسبوع الآلام، أو في أي وقت من العام، فالأهم أن حضورها يُوقظ فينا دهشة الخلق، وإشراق الرموز.
الطبيعة لا تتكلم، لكنها توحي.
وفي كل زهرة، وكل جناح، وكل لون، رسالة خفية لمن يفتح قلبه لا عينيه فقط.
زهرة الروح القدس ليست مجرد نبات، بل صورة منسوجة من الجلال والسكينة، تشبه الوحي الصامت الذي يمرّ على الإنسان في لحظة صفاء.
هكذا، حين ربط بعضنا تفتح الزهرة بأسبوع الآلام، فنحن لا نصفُ الطبيعة بقدر ما نعكسُ مشاعرنا نحن، حاجتنا للرجاء، ولجمال يُداوي الألم.
فهل نرى في الزهرة رمزًا للقيامة بعد الألم؟ أم هي دعوة لنكتشف أن الروح تتفتح، كلما لمسها الحب؟
وهكذا، كما تتفتح الزهرة في صمت، تنفتح أرواحنا حين يُلامسها الجمال الحقيقي—ذلك الذي لا يُعلن نفسه، بل يُوحي.
زهرة Elata نداءٌ الحياة لليقظة، دعوة لأن نرى في تفاصيل الطبيعة إشارات تعبر بنا من المادي إلى المعنوي، ومن المشاهدة إلى البصيرة.
لعلّنا حين نُصغي جيدًا، سنكتشف أن الكون كلّه قصيدة غير منطوقة، وأننا نحن، الكائنات المتسائلة، جزء من هذا النشيد الإلهي العابر للزمن.