حلم العدالة
في العموم والخصوص
مقال ممنوع من النشر في المصري اليوم
ومنشور بعدها في الأهرام !!!!!!!!
بقلم حسام بدراوي
“لا تذهب الي قبرك وأنت تحمل أفضل ما لديك ، ومُتْ فارغا لتملأ حياة البشر”
رأيته تعبير بليغ وغير تقليدي، وفي هذا الإطار ، فأنا أنظر لمستقبل مصر بالتزام بطرح الأفكار التي تساهم في بناءها وفي قلب مستقبل البلاد يأتي نظام العدالة الناجز، الذي بدونه لا تقوم للدولة قائمة..
إن تحقيق العدالة هو الهدف ، و يجب أن يعتمد على إصلاح نوعي وفكري لمؤسسات العدالة ومؤسسات إنفاذ القانون «الشرطة» التي هي وسائله. دعامة العدالة هي واحدة من أهم دعامات الدولة المدنية الحديثة بجانب فتح آفاق المعرفة من بوابة التعليم والثقافة .
إن العدالة غير الناجزة أو البطيئة أو الانتقائية وإحساس المواطن بالظلم ينافي وجود الدولة المدنية الحديثة و لتطوير مؤسساتها ، التي هي وسائل المجتمع لتحقيقها، علينا مراجعة أنفسنا بصدق .
إن دولة الحق والقانون تقوم على أساس فصل السلطات وحماية حقوق الإنسان والأقليات، ودور العدالة لا يتحقق إلا بتأكيد فصل السلطات التشريعية، و التنفيذية، والقضائية، الذي يأخذ معناه الحقيقي، عندما تخضع كل السلطات للقانون. فالتشريع لا يمكن أن يعبر عن إرادة الأمة إلا في حالة احترام حقوق كل المواطنين، والسلطة التنفيذية لا يمكن أن تؤدي وظائفها كمالكة للقدرة علي القهر و للسلطة العامة بدون إحترام للقوانين وضمانات حقوق المواطنين.
إن مبدأي الشرعية والدستورية يفترضان وجود جهاٍز قضائي مستقل ومحايد وسًيادة القانون والنظام القضائي يلعبان دورا مركزيا في تعزيز وحماية الدولة والمواطنين.
وفيما يخص حقوق المواطنين ، فالأمر لا يتعلق فقط بالحقوق الإجرائية، كالحق ًفي محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة ومحايدة ومنشأة بقانون، وخاضعة لإجراءات محددة سلفا في القوانين، بل كذلك بالحقوق التي لا يجوز المس بها، حتى في حالات الطوارئ والاستثناء كالحق في السلامة من التعذيب، والمعاملات المهينة بالكرامة الانسانية، والحق في السلامة من الإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي.
إن خلطاً شديداً وقع بين مفهومي “قوة الدولة” واستبداد الدولة”. وقد أدى هذا الخلط إلى تصور بعض الاجهزة أن مفهوم قوة الدولة هو استبدادها وأن الديمقراطية تعنى أن تصبح الدولة رخوة دون أن تفطن أن موجب الديمقراطية أن تكون الدولة قوية بالقدر الذى تحمى به هذه الديمقراطية وتحقق بها الأمن وصولاً إلى العدالة.
إن الدولة القوية تعني قوة جهاز الشرطة ، لأنها يد الدولة في تطبيق القانون , وكذلك قوة الاجهزة الإدارية والتى تقاس بمدى تطورها لتواكب مجريات العصر ، وذلك يستدعى تخليص هذه الأجهزة من أثار عصور فلسفة الاستبداد الممتدة في وجدانها بدون اعتراف ، ولا يكون ذلك إلا بتنقية التشريعات من كل ما يُمَكّنها من تكوين وحماية هذا الاستبداد و من ناحية رفع مستويات الكفاءة العلمية بكيانها من ناحية أخري.
سيقول قائل أن استقلال سلطة جهاز العدالة لا يحتاج إلى تأكيد لأنه وارد في الدستور الحالي والسابق والأسبق، ولكني أركز هنا علي الاستقلال الفعلي وليس الشكلي ، فالقضية اصبحت أن فلسفة الدستور وفهمنا له ليست واضحة لدي بعض مؤسسات السلطة التنفيذية .
وبينما يتمتع القضاة، والمحامون، وأعضاء النيابة العامة بنفس حقوق الإنسان التي يتمتع بها أي إنسان آخر، فإنه يتعين حمايتهم بوجه خاص لأنهم الضامنون لتمتع الآخرين بهذه الحقوق. فإن لم يستطًع القضاة تقييم الوقائع وتطبيق القانون على الصعيدين الوطني والدولي، يصبح النظام القضائي نفسه تعسفيا ، وإذا لم يستطع المحامون الإتصال بموكليهم بحرية، فإن ً مبدأ تكافؤ الفرص والحق في الدفاع القاضي بمعاملة طرفي الدعوى الجنائية بنفس الطريقة، لن يكون محققا.
ومع ذلك، فإن الحماية الخاصة التي يتعين أن يتمتع بها القضاة والمحامون وأعضاء النيابة العامة توجب عليهم مسؤوليات خاصة. فمبدأ إستقلال القضاء لا يجيز لهؤلاء حق تجاوز حد سلطتهم لتحقيق منافع شخصية و الًتعدي على حقوق الأفراد ، ومن ثم لا يجوز للقضاة البت في الدعاوى طبقًا لأهوائهم الأيديولوجية أو الدينية ، إنما طبقا للوقائع و توصيفها القانوني.
يقول المستشار حسن البدراوي إننا نستطيع أن نقر أنه منذ إنشاء المحاكم الوطنية في مصر في عام ١٨٨٣ وحتي عام ١٩٩٤ . كانت جميع التغيرات التي تلحق بهذا القضاء تطويراً وتحسيناً لأداء ، هي من طبيعة كمية في الأغلب ، ولم تأتي الفرص حتى ألان لإحداث تغيرات كيفية اقتضتها الظروف منذ عقدين من الزمان ويزيد تقتضيها الظروف الآن بشدة وإلحاح.
إن التغيرات الكمية لم ترفع أو تزيل العبء الملقى على عاتق القضاء التي كانت أشد وأكبر من التغيرات الكمية التى لحقت به، و يتبين لنا على الفور أنه حتى على المستوى الكمي وحده فإن الفجوة تتسع بين معدل التحسن في الأداء القضائي ومعدل تزايد القضايا.
انتقل من العمومية الي الخصوصية في تطبيق العدالة وآخذ الاقتصاد مثالاً:
لقد وقعت عبر التاريخ الحديث تحولات اقتصادية واجتماعية شديدة التأثير ، واللجوء إلى التشريع في الأغلب الأعم لإتمام هذه التحولات , فمن نظام زراعي يستند إلى الملكية الزراعية العريضة ويندمج في النظام الاقتصادي الإنجليزي ، إلى نظام زراعي – صناعي وليد . إلى نظام رأسمالي مصرى بحت إلى نظام شمولي يقوم على التخطيط المركزى وتتوارى فيه الملكية الفردية, إلى نظام رأسمالي جديد يتمسك مع توجهاته المنفتحة بالقطاع العام إلى نظام رأسمالي يسعى للارتباط بالنظام العالمى الجديد ويتوجه إلى خصخصة القطاع العام.
إن إختيار الاقتصاد الحر والمفتوح هو الاختيار الذي يتجاوب مع تجربة مصر فى العقود الأخيرة ويتجاوب مع كل الظروف العالمية التى يفرض موقع مصر التعامل معها , ثم هو الذي يتجاوب بعمق مع تركيبة الشخصية المصرية فى إيمانها بالعمل الفردي وناتج هذا العمل, ولكن هذه الشخصية ذاتها التى عاشت فى ظل حكومة مركزية لأكثر من سبعة آلاف سنة تنتظر دورا للدولة فى هذا المجال.
إنني أتصور ان للدولة دوراً منتظراً فعلاً ، في إطار الليبرالية الاجتماعية التي أقرها الدستور ولكني أؤكد أنه ليس دوراً فى النشاط الاقتصادي ذاته ولكنه دور فى توجيه هذا النشاط وفتح الآفاق أمامه وتنظيمه وحمايته.
إن وضع الأحكام الكلية لتقليص دور الدولة الاقتصادي, يعنى أيضاً وضع الأحكام التى تمكن الدولة من دفع النشاط الاقتصادي الفردى إلى الأمام ، باختصار الإجراءات الإدارية، الاعتماد على التفتيش والرقابة اللاحقة بدلا من الأذون والتراخيص المسبقة، توظيف الإعفاءات الضريبية والجمركية فى تشجيع الاستثمار والقيام بدور إيجابى فى تكوين القواعد المعلوماتية الخادمة للاقتصاد الفردى و إعادة النظر في كثير من شؤون القضاء برؤية جديدة تضعه أمام مسؤوليات المستقبل , تكويناً, و تقييماً, وتقنية وإعادة النظر فى كثير من التشريعات الخاصة به والتى قامت على فلسفات مغايرة , وربط كل ذلك بفكرة العائد الاقتصادى لسيادة العدالة فى المجتمع.
بما أن الحرية الاقتصادية والنشاط الفردي الحر هو ما يحب أن يكون , فلابد من إزالة كل حاجز قانوني يقوض ممارسة هذه الحرية ، وفى هذا الصدد فلابد من تحقيق السرعة والكفاءة في الفصل في القضايا الاقتصادية ومنع أجهزة الدولة من الضغط علي اصحاب الأعمال لتحقيق مصالح سياسية أو إرهابهم. كذلك رفع مستوي أداء مؤسسات التحكيم إلى الحدود التي تتخطي بها مصر نقص الخبرة العلمية التي أصابت كيانها في هذا الصدد وتلتحق بالعالم المتقدم .
، وإن كان هذا التوجه الاقتصادي مقصد التشريع فعليه أن يضع في الاعتبار رفع جميع العوائق الادارية التى تسبق ممارسة الفرد للنشاط الاقتصادى التي تؤدي , إلى توسيع مجال لانحراف لصغار الموظفين مع كل ما يشيعه ذلك من إحباط لدى صاحب النشاط ومن عبث بكل حساباته الاستثمارية .
انه من بين خصائص الذاتية المصرية أنها تجعل الأصل فى التعامل مع القانون هو التحايل عليه, لذلك فإنه كلما كانت القائمة القانونية واضحة كل الوضوح قليلة فى أحكامها وتفريعاتها كلما كان ذلك أفساحاً لمعاني جديدة تتولد عند المواطن وتدفعه أكثر إلى تقبل القاعدة القانونية والتعامل معها بأمانة.
رأينا ذلك تطبيقاً في قانون الضرائب قبل 2011 ، والذي عادت عنه الدولة بعد ذلك، رغم نجاح التجربة، لمجرد المخالفة السياسية بغض النظر عن الفوائد التي تحققت من الثقة المتبادلة بين الممول والدولة.
أنه لعصور طويلة مضت, كانت العلاقة بين المواطن والدولة علاقة متسمة بالترقب وسوء الظن وقد انعكس ذلك على التشريع فى مناحى شتى, حيث كان يخاطب المواطنين بروح ملؤها الشك وسوء الظن … وعلينا الآن أن نحرص على تجريد كل تشريع من هذه الروح وأن يبنى على نظرة ملؤها احترام المواطن والثقة فيه.