الخميس , 19 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / نصر أكتوبر ، وأمل في نصر جديد بقلم حسام بدراوي

نصر أكتوبر ، وأمل في نصر جديد بقلم حسام بدراوي

نصر أكتوبر ، وأمل في نصر جديد
إن من عاش ويتذكر نصر اكتوبر ٧٣ لابد ان يكون الآن عمره فوق الخمسين عاما ،
هناك بطولات لا يُحكي عنها ولا يعرفها شبابنا ،كبطولة الشعب المصري الذي عاد جيشه مهزوماً هزيمة قاسية ومذلة في ٦٧ ، مما إضطر رئيس البلاد للاستقالة كنتيجة للفشل. لم يقبل الشعب الاستقالة، ليس تأييداً للشخص ، كما رأيتها في ذلك الوقت ، بل كرمز لعدم قبول مصر الهزيمة.
وأتذكر نكتاً واستهزاءاً بالجيش المصري في العالم كله، والبلاد العربية ،بل أصبح الزي العسكري المصري مجال الاستهانة بالقول والفعل ، مع مذلة هجرة مواطنين يعيشون علي خط القناة الي داخل البلاد بالملايين.
هنا ظهر معدن حضاري للشعب المصري الذي قاوم الموجة السلبية الموجهة الي الجيش ورفع روحه المعنوية، واشترك كل صاحب شهادة متعلم في الجيش بدون معرفة وقت خروجه للحياة المدنية وتقبل الشعب مهاجري وطنه ، في منازلهم ومدارسهم ، وأعاد هذا الشعب لجيشه هيبته ومقامه.
هذه معركة لا يتكلم أحد عنها الآن ولا توجد لها ذكريات ولا أفلام سينمائية .
شعب مصر أحيا جيشه بعد الهزيمة وجيش مصر أحيا شعبه بانتصاره في أكتوبر.
علينا أن نعلم أن هناك دروس مستفادة نتذكرها ونذكرها في أكتوبر ولها معني الآن.
أولها: أن الجيش والشعب منظومة واحدة ، ولولا مسانده المجتمع المدني لقواته المسلحة ما كان النصر ، وكل محاولات تقسيم البلاد بفصل الجيش عن الشعب وتقسيم الشعب الي فئات أيديولوچية ودينية وجغرافية ستفشل بالوعي الحضاري لهذا الشعب العظيم..
ثانيها : أننا لو كنا دخلنا حرب أكتوبر بدون تغيير جوهري في مفهوم إدارة المؤسسة العسكرية والتأكيد علي حرفية الجيش العسكرية ، وعدم تشتيته بالعمل المدني والتنسيق بين المدنية والدبلوماسية والعمل الحربي ، ما كان النصر. لقد تعلمنا وقتها أنه لا يمكن تكرار فعل نفس الشئ بنفس الطريقة وانتظار نتائج مختلفة ، فتغير مفهوم العمل العسكري الذي قاد للهزيمة الي مفهوم جديد قاد للنصر.
ثالثهما : أنه لا نصر بدون أخطاء وتضحيات ، وما لا يُوثق فكأنه لم يكن . وكما نحلل الهزيمه علينا أن نحلل النصر. كانت هزيمة ٦٧ قاسية قاسية قاسية، ولكن حدث التغيير وتراكمت الخبرة ليحدث نصر ٧٣.
عندما حدثت حرب ٦٧ كنت في الثانويه العامه ، وكنا كشباب تحت إحساس كاذب بالقوة وفي إنتظار دخول تل أبيب في نهاية يوم ٥ يونيو. خَدعنا النفاق للسلطة ، وخَدَعنا الخوف من إبداء الرأي الحر ، وغابت الحقيقة بغياب المسائلة، وانتشر النفاق وكان الشعب في حالة نشوة كاذبة الي أن أفقنا وجيشنا يعود هرباً ، والعدو في سماء القاهرة.
درسٌ لا أنساه ، خلق في وجداني السياسي رفضاً لأحادية الفكر ، أو تصديق ما ليس له برهان. خلق في تركيبتي العقلية رفضا للنفاق ورغبة في الشفافية والإفصاح وإيمان بأهمية تداول السلطة المدنية. .
درس أفكر فيه الآن في عام ٢٠٢٤ بعد واحد وخمسين عاماً من حرب اكتوبر ، وبعد ٥٦ سنة من هزيمة مروعة للجيش المصري ووقفة رائعة لشعب مصر في مساندة بناؤه وعودة الكرامة اليه.
ماهي الدوله المدنيه الحديثه التي نتكلم عنها ، وما هي أسسها، ومفهومها حتي لا ننساق الي هزيمة جديدة بعد نصف قرن من الزمان .
الشعب المصري كله الذي وافق علي دستور يبدأ بهذه العباره:
“نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنيه”
.”يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور”.
هذه هي مقدمه الدستور والمادة الخامسة منه و الذي وافق عليه الشعب المصري بأغلبية ساحقة عام ٢٠١٤ ولم تلحق بهذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات في ٢٠١٩ كما حدث لغيرها. الدستور هو مرجعيتنا في اداره مصر والحفاظ عليها .
قالت لي شابة مثقفة : وما هي الدولة المدنية التي تقصدها ويقصدها الدستور،
وقال زميلها : ولماذا نريد دولة مدنية أساساً ، ولماذا نسميها هذا الاسم الذي يجعلها في مقابل للدولة الدينية أو الدولة العسكرية وهو ما يثير الحساسيات بلا معني.
قلت:
هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ليس كهبة من الحاكم ولكن كحق من واجبه الحفاظ عليه،
ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة من خلال آليات ناجزة للقانون والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فحكومة الشعب هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
من مبادئ الدولة المدنية الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، فالدولة المدنية لا يوجد بها تعسف ولا نقض للتعاقدات لصالح فئة عن فئة . وتتميز الدولة المدنية بتكافؤ الفرص بين المواطنين والمؤسسات بأسس معلنه ،
كذلك تتميز الدوله المدنيه بمبدأ احترام القانون و الديمقراطية والذي في جوهره يمنع أن تؤخذ الدولة غصباً من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو نزعة أيديولوجية
ويتم تداول السلطة فيها في إطار من حريه الفرد في التعبير و الترشح والانتخاب ،وتوضع كل مؤسساتها في نطاق المحاسبية، وتتوازن السلطات التنفيذية والرقابية والقضائية فيها فلا تتوغل سلطه علي أخري .
هذا بالضبط الذي أدي إلي الهزيمة المروعة لمصر عام ٦٧ وما أدت اليه فوضي ما بعد ٢٠١١
أما لماذا نريد حكما مدنيا بالتعريف الذي ذكرته، فذلك لأن تداول السلطة، والرقابة علي مؤسسات الدولة والتوازن بين السلطات هو الحامي للأفراد ولحقوقهم المذكوره في الدستور. إن إمكانية تداول السلطة تضع كل حاكم أمام لحظة تركه الحكم وحساب الجماهير، ويتعظ ولا يتغول علي الحقوق ولا يتسلط في الحكم..
إن المعاكس للحكم المدني هو الحكم الديني الذي يستخدم الدين والعقيدة لتحقيق سلطات سياسية ولا يعترف بالمواطنة الا لمن يدين بدينه. هو حكم ديكتاتوري متسلح بالدين..
والمعاكس الآخر هو أي نظام حكم ديكتاتوري يتسلح بتخويف الشعب لفرض ارادة فئة منه بالحكم
ويشترك الإثنان في شئ واحد هو عدم تداول السلطة سلمياً إلا بثورات وانقلابات أو هزائم عسكرية أو هدم أو اغتيالات.
الحكم الديكتاتوري بطبيعة فلسفته يعتمد علي القوة والطاعة في فرض إرادته، ولكن الأخطر منه هو الحكم الديكتاتوري الذي يتلحف بالرداء المدني ، وهو الحكم الذي يمنع المدنيين بشكل مباشر أو غير مباشر من الوصول للحكم ، ويجهض العمل الحزبي والسياسي حتي لا تكون للقوي المدنيه قيمة في الانتخابات ، ويتداخل في الحكم المدني من خلال التحكم في المؤسسات المدنية ، فلا تسير أمور البلاد أو يتخذ قرار إلا بموافقتهم ويختل التوازن بين السلطات، وتهمش كافة مؤسسات الدولة .
والخطير أنه بمرور الوقت تصبح حجه البقاء في الحكم وإيقاف تداول السلطة مرتبطه بغياب البديل أو عدم كفاءته وهو النتيجة الطبيعية لتهميش مؤسسات الدولة المدنية .
وكثيراً ما يفقد المجتمع ثقته في المؤسسات المدنية، ويتولد إحساس ويقين أن المجتمع المدني رخو ، بلا نظام ولا يصلح لإدارة البلاد.
قد يحدث كل ذلك في دولة ما أو بعضه وقد تؤدي الأحداث إليه ولكن التاريخ يقول أن جميع النظم الدكتاتورية، مهما أنجزت في لحظات، فهي كمن يبني قصراً من رمل على الشاطئ، تنتهي في الأغلب إلى انتهاكات للحريات أو انقلابات أو حروب أو ثورات أو اغتيالات تهدم ما تم انجازه وتعود بالبلاد الي نقطة الصفر مرة اخري
هزيمة الأوطان في الحاضر ، لن تكون عسكرية بل فكرية واقتصادية وسياسية ، وحتي لا تسقط مصر فريسة أمام حروب الجيل الخامس
فلندعو الشعب ونهيئ له الفرص للتمسك بالعلم والمعرفة ونهيئ لشبابنا التدريب والحصول علي المهارات التي يتطلبها المستقبل ، وعلي المستوي السياسي ، نحمي الدستور ونؤكد علي لزوم تداول السلطة السلمي والمسائلة للسلطة التنفيذية.
يا أولادي درس اكتوبر كبير ويمكن تطبيق نتائجه اليوم بالإصرار علي تعدد الآراء ، وحريه التعبير ، وإحترام الاختلاف الذي يُظهر الحقيقه ، والبناء لا الهدم ، والإيجابية ، والعمل كفريق يتكامل ، والإستفاده من طاقات كل مؤسسات الشعب.. بلا تخصيص ولا تمييز.

التعليقات

التعليقات