الأحد , 22 ديسمبر 2024

نعم .. مصر قوية

نعم .. مصر قوية
حسام بدراوى
تجمع حولى شباب الحالمين بالغد وبادرونى بالأسئلة حول المخاطر التى تتعرض لها مصر فى هذه المرحلة من حاضرها. قال واحد منهم: ما هى أهم المخاطر التى تتعرض لها مصر الآن؟. وقالت أخرى: إن الخطر الحقيقى فى سد إثيوبيا، فنهر النيل هو محور حياة مصر!!. وقال ثالث: بصراحة أنا أرى أن كل ذلك مرتبط بإسرائيل فهى الخطر الحقيقى التاريخى وقد تكون وراء كل خطر آخر!!. وردت شابة أخرى قائلة: يا جماعة الخطر الحقيقى من الداخل أكثر منه من الخارج، الخطر هو تغيير هوية المجتمع إلى مجتمع سلفى رجعى يعود بنا إلى الوراء ويبعدنا عن الحداثة والعلم!!.. وانبرى واحد من الشباب قائلا، بصراحه أنا خائف من الفوضى التى تهدم كل شىء فى حالة ترك حبل الحريات التى ننادى بها بدون قانون رادع وناجز يحترمه الجميع ويطبق بدون انتقائية!!.
قالت الشابة المثقفة الذكية: السؤال يا دكتور حسام هو، هل نحن دولة قوية لنستطيع مواجهة كل هذه التحديات؟.
نظرت إليهم متفهما مخاوفهم ومدركا قلقهم، وقلت بهدوء: كل ما ذكرتموه تحديات حقيقية،. فتحدى المياه من الجنوب جوهرى وتتداخل فيه أجهزة مخابراتية من دول كبرى. وما حدث فى مجلس الأمن يدلنا بوضوح أن مواقف روسيا والصين ليست داعمة لمصر، ولا نستطيع بعد تجاربنا أن نعتمد على مساندة أمريكية أو غربية تخلو بنا ساعة الاحتياج، ومن وجهة نظرى فإن إسرائيل تقف وراء الأحداث بشكل من الأشكال. ونعم أوافقكم أن التحدى الحضارى هو بيننا وبين إسرائيل على المدى الطويل.. وأثنى على من ذكر تحديات الداخل الثقافية والوجدانية والاقتصادية، ولكن أهم سؤال فى كل ما ذكرتم هو هل نحن دولة قوية لمواجهة كل ذلك؟!.
والإجابة هى تلخيصا نعم.. والإجابة تفصيلا هى كالآتى:
مصر تملك واحدًا من أقوى الجيوش إعدادًا فى العالم، وتملك قوات مسلحة مدربة جيدًا وأغلب عناصرها متعلمة تعليمًا عاليًا. مصر قوية عسكريًا ولو لم تكن، لكانت مرتعًا لمن يهددها كما يحدث حولنا فى العراق وسوريا ولبنان وليبيا.. طبعا كلنا نعلم أن العتاد والطائرات والصواريخ والأساطيل يجب أن يكون وراءها العقول والخبرات والكفاءة والقدرة على إدارة المعارك واختيار وقتها ومكانها. العبرة فى البشر وراء العتاد، وأنا واثق أن قواتنا المسلحه تملك هذه المقومات والمقدرات وتعلم أهميتها وجدواها.
فنعم، نحن أقوياء عسكريا.
مصر يا شباب تملك ثروة بشرية، كبيرة فى العدد، والقيمة، صغيرة فى العمر، فـ ٦٥٪ من تعدادها عمرهم أقل من ٤٠ سنة.. هذه ثروة جبارة قادرة على التعلم والتدريب واكتساب المعارف وخلق الفرص. هذه الثروة البشرية، هبة من الله إذا أحسنا إعدادها، وهو ما نملك أن نفعله وننفذه. التعليم والرعاية الصحية هما سبيل جعل هذه الثروة، القوة الرئيسية للبلاد والركيزة الأولى للتنمية فيها. إن بناء الشخصية المصرية الواثقة من نفسها، الفخورة بماضيها وحاضرها، والتى تملك الأمل فى مستقبلها فى أيدينا، وعقد واحد من الزمان يغير الكثير.
هذه هى قوة مصر الكامنة، وأمل مصر فى مواجهة التحديات كلها واستخدام ما أعطاه لنا الله من فرص وثروات.
قالت نفس الفتاه الذكية: وهل عندنا ثروات؟.
ابتسمْت وقلت: ياااااه، تعالى أعدد لكى بعضا منها.
نحن لدينا أكبر مخزون تاريخى من حضارة العالم، وما علينا سوى إظهاره والاستفادة منه سياحيًا ليدر ثروة اقتصادية غير مسبوقة.
نحن لدينا شمالا أجمل شواطئ البحر الأبيض وشرقا شواطئ البحر الأحمر التى لا مثيل لها.
نحن نملك أهم ممر مائى على الكرة الأرضية، قناه السويس، الذى يربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، حفرها أجدادنا بدمائهم. هذا الممر المائى الذى يساند موقع مصر الجغرافى العبقرى من الممكن أن يكون ممر التنمية الرئيسى فى البلاد.
مصر تملك ثروه من الغاز تحت أرضها وفى أعماق بحارها قد تكون من مداخل اقتصادنا المستقبلى بحدود لم تصل إليها من قبل.
مصر تملك ثروات معدنية فى أراضيها، يتم اكتشافها الآن ولم نعرف بوجودها من قبل.
مصر تملك أكبر سوق تجارية فى الشرق الأوسط. نعم سوق مصر قوة تجذب الاستثمار وتفتح الآفاق.
مصر تملك شمسًا ساطعة أغلب السنة ومصادر رياح معروفة وتستطيع إصدار طاقة نظيفة تكفيها وتكفى أوروبا أيضًا.
مصر تملك قوة ناعمة من الفن والثقافة والمعرفة علينا إعاده فتح الآفاق أمام انطلاقها وإبداعها مرة أخرى. إن قوة مصر الناعمة كانت سببا فى تأثيرها على من حولها، وما زالت تملك نفس الإمكانات إذا رفعنا عنها القيود وأزلنا من أمامها المعوقات.
مصر تملك مخزونا حضاريا فى شعبها وقدرات كامنة فى شبابها وشيوخها لا تحتاج لانطلاقها سوى للحرية واحترام القانون،
وتحتاج لجلى الصدأ من عليها بالتعليم والثقافة والفنون.
مصر طبعا قوية يا شباب، ومن الممكن أن تكون أكثر قوة وأكثر استقرارًا بالإدارة الواعية والعمل الجاد من الجميع.
على فكرة، كلامى ليس شعارات، ولكنه كلام علمى وله مرجعية ومنهجية وممكن الحدوث. مصر قوية وستزداد قوة، وعلينا التكاتف سويًا لتحقيق ذلك.
قال شاب من الحضور: وما الطريق لتحقيق ذلك؟
قلت: استدامة تنفيذ المخططات التى يجب أن تكون معلنة، والتى تنشأ بالمشاركة بين حكمة الخبرة، وطاقة الشباب.. والقيادة الواعية. يمكن تحقيق ذلك بالاستماع إلى مختلف الآراء وتقديم البدائل من الخبراء.. من الممكن تحقيق ذلك بالإيمان أن الإبداع والابتكار لا يحدث إلا فى إطار من الحرية وليس الفوضى.
قالت الشابة المثقفة: وما هو أساس كل ذلك؟
قلت: ستستغربون مما أقول، إنه نظام الحكم السياسى.. السياسة هى مدخل تحقيق سعادة الشعوب وتمكينها من إمكاناتها وزيادة قوة البلاد، لذلك فإن الدولة المدنية الحديثة هى أساس وركيزة كل ذلك.
قالت: وما هى الدولة السياسية المدنية الحديثة التى تقصدها؟
قلت: إن بـناء الدولة المدنیة الحـديـثة يبدأ باخـتیار نهائى لـهويـة الـدولـة، والـعمل عـلى تـوطـید أركـانـها مـع الاحـترام لـكل مـعتقدات الـمواطـنین وديـانـاتـهم وحـريـتهم فـى مـمارسـة شعائرهم، فى إطار من القانون بدون تدخل الدين فى العمل السياسى.
وأذكركم بمقولة ابن رشد «التجارة بالأديان هى التجارة الرائجة فى المجتمعات التى ينتشر فيها الجهل، فإن أردت التحكم فى جاهل، لا عليك إلا أن تغلف كل باطل بغلاف دينى».
الـدولـة الـمدنـیة الـتى أقصدها هنا هى دولـة تـحافـظ وتحـمى كـل أعـضاء الـمجتمع، بـغض الـنظر عـن انـتماءاتـهم الـقومـیة أو الديـنیة أو الـفكريـة. هناك عـدة مـبادئ يـنبغى تـوافـرها فـى الـدولـة الـمدنـیة والـتى إن نـقص أحـدها فـلا تـتحقق شـروط تـلك الـدولـة أهمها:
– أن تـقوم تـلك الـدولـة عـلى السـلام والـتسامـح وقـبول الآخـر والـمساواة فـى الـحقوق والـواجـبات، بـحیث تـضمن حـقوق جـمیع الـمواطـنین،
– ألا يـخضع أى فـرد فـیها لانـتهاك حـقوقه مـن قـبل فـرد آخـر أو طـرف آخـر. فـهناك دومـا سـلطة علیا هى سـلطة الـدولـة والـتى يلجأ إلـیها الأفـراد عـندمـا يـتم انـتهاك حـقوقـهم أو تهدد بـالانـتهاك، فـالـدولـة هى التى تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
– كـذلـك تحترم هذه الدولة مـبدأ الـمواطـنة الـذى يـعنى أن الـفرد لا يُـعرف بـمهنته أو بـديـنه أو بـإقـلیمه أو بـماله أو بسـلطته، وإنـما يُـعرف تـعريـفًا قـانـونـیًا اجـتماعـیًا بـأنـه مـواطـن، أى أنـه عـضو فـى الـمجتمع لـه حـقوق وعلیه واجبات، وهو يتساوى فیها مع جمیع المواطنین.
– هذه الدولة تطلق الإمكانات لأفرادها بإطلاق حريتهم التى يحكمها القانون، وتتيح أن تكون مصر أقوى وأبقى، يحميها شعبها وجيشها وثقافتها وحضارتها.
– الشىء الذى أود إضافته هو أن من يريد تغييرًا فعليه البدء بنفسه، وأعلم صعوبة تطبيق الديمقراطية فى ظل الفقر والجهل، وهذه هى معضلة مصر التى علينا التكاتف للمرور من خلالها. قوة مصر وضعفها فى بنيتها الإنسانية. قوة مصر فى علو صوتنا ورغبتنا فى الحصول على الحريات، وضعفها فى عدم التقيد بقواعد القانون الذى يضبط هذه الحريات.
– مصر لتكون قوية فى مواجهة تحديات الخارج، يجب أن تكون قوية من الداخل، وسيظل إيمانى وأملى فى بناء قدرات شبابها وأطفالها والاستفادة من خبرة كبارها.

التعليقات

التعليقات