هل سنحارب؟
د حسام بدراوي
قال الشاب: وكيف تُفرض علينا حرب عسكرية مادام لا يهدد حدودنا جيش مُعادٍ؟
قلت: لا يخفى عليكم أن الرئيس التركى أردوجان يعادى مصر وشعبها، ويأمل فى خلافة إسلامية تعود بنا إلى ماضٍ لا يتناسب مع آمالنا ولا يليق بمستقبلنا.. وهو بالتوجه الأخير بالتواجد بجيوشه فى ليبيا فإنه يخلق وضعًا عسكريًا شديد الخطورة ويضع المنطقة فى مواجهة عسكرية بين تركيا ومصر. وبالعقل والمنطق، لا يجب أن تسمح مصر بالاستيلاء على الثروات النفطية الليبية ولا بخلق بؤرة إرهاب تغذيها تركيا فى دولة حدودية مع مصر. الوضع قد يؤدى فعلًا إلى مواجهة عسكرية لا نرحب بها، ولكننا إذا خضناها فلابد من الانتصار فيها.
قالت زميلته: وهل الجيش المصرى يستطيع مواجهة تركيا؟
قلت: الجيش المصرى يتفوق فى قواته البحرية والجوية على الجيش التركى، ولكن الفروق فى كمية المُعَدّات ليست هى الفيصل الحاسم فى مثل هذه الأحوال، بل الذكاء والفطنة، والأعمال المخابراتية، والقيمة المضافة لامتداد الأراضى المصرية مع ليبيا بخطوط الإمداد التى تفتقدها فى هذه الحالة أى قوات تركية.
قال شاب آخر: ولماذا تصل العلاقة مع دولة مسلمة إلى هذه الحدة معنا؟
قلت: إننا مشغولون فى مصر يا ابنى بمعركة بناء وتنمية، منهمكون فى جهود لدعم الاستقرار وإعادة تأسيس الدولة المدنية الحديثة المتقدمة، وللأسف فإن تركيا تُحرِّكها مطامع اقتصادية غير عادلة فى الغاز الذى تم اكتشافه فى شرق «المتوسط»، ويحفزها عداء تاريخى مع اليونان، ورغبة مريضة فى إعادة الخلافة العثمانية، التى تعتبر مصر مدخلها، وكانوا قاب قوس أو اثنين من تحقيق حلمهم عندما استولى الإخوان على الحكم فى مصر.
قال الشاب الساخر: والله يا دكتور احنا مش فاهمين مين مع مين، وما موقف أوروبا، وبالأخص فرنسا وإيطاليا وألمانيا، بريطانيا تلعب مع أمريكا فى الأغلب، وما موقف روسيا، الشىء الوحيد المفهوم هو محور تركيا وقطر والإخوان، الذين يعلنون العداء لمصر، ولكن مَن مع قوات «حفتر»، ولماذا تسمى الحكومة فى ليبيا «حكومة الوفاق»، وهل تعترف بها الأمم غير المتحدة أم لا؟!.
قلت: للأسف معك حق، ولكن الواقع الوحيد هو انتهاك حرية ليبيا وضياع ثروتها. والواقع الجغرافى والتاريخى يؤكد أن مصر وليبيا بينهما حدود أرضية، وأننا نتأثر قطعًا بكل ما يحدث فيها. الكل طمعان، والكل يريد قطعة من «الكيك»، والشعب الليبى ضائع فى النصف. وعلى العموم، فقد أعرب الاتحاد الأوروبى عن قلقه بشأن انعكاسات موافقة البرلمان التركى على نشر قوات عسكرية فى ليبيا، مشيرًا إلى أن خطوات أنقرة ستزيد من عدم الاستقرار فى المنطقة. وأضاف البيان: «يكرر الاتحاد الأوروبى اقتناعه الراسخ بأنه لا يوجد حل عسكرى للأزمة فى ليبيا، فالإجراءات التى تدعم الذين يقاتلون خلال الصراع القائم فى ليبيا لن تؤدى إلا إلى زيادة زعزعة استقرار البلد، ويجب احترام قرار الأمم المتحدة بعدم إرسال أسلحة إلى ليبيا». وتدّعى أمريكا أنها على الحياد، وتؤيد روسيا قوات «حفتر»، فى حين تنقل تركيا، بالإضافة إلى لواء جيش، مرتزقة إرهابيين من سوريا إلى ليبيا. ماذا نسمى ذلك إلا خلق ساحة معركة فى جنب مصر؟!!.
قالت الفتاة الذكية اللماحة: وماذا سيكون دور إسرائيل فى هذه الحالة؟
قلت: ما أسعد إسرائيل باستهلاك واستنزاف مصر اقتصاديًا وعسكريًا، وفى رأيى أن تهديد مصر جنوبًا بسد إثيوبيا للتحكم فى مصدر مياه النيل، ووجود الحكم الإخوانى قبل الانقلاب على البشير فى السودان، ودور حماس أثناء أزمة يناير وبعدها، وعدم الاستقرار فى ليبيا، ثم الآن التدخل التركى العسكرى، مع استمرار الأعمال الإرهابية فى شمال سيناء، ما هو إلا حصار حول مصر واستقرارها وأمانها وتنميتها.. هذه ليست نظرية مؤامرة، بل هى خطة محكمة تحاول استعادة تفكيك البلاد بعد فشل مخطط الربيع العربى المصنوع، والذى نجح فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، وكله فى صالح دولة واحدة، هى إسرائيل.
قال الشاب الأول: وما العمل؟
قلت: عندما تشتد المحن علينا أن نقف صفًا واحدًا، عندما تتهدد الأمة علينا التكاتف والارتفاع فوق الخلافات السياسية ومضاعفة جهود التنمية فى نفس الوقت. ودعوتى هذه ليست لفئة واحدة من المجتمع، بل لكل المؤسسات الحاكمة والمحكومة، الخادمة والمخدومة، ونوفر طاقات مهدرة كثيرة فى الجدل، ونكون أكثر فاعلية فى العمل بجدية لأن أمامنا مواجهة تحتاج عزيمة الشعب كله فى لحظة ما.
قالت شابة ممن حولى: يعنى نرجع نعطى تفويضات.
قلت: فيما يخص التنمية، فلابد من المراجعة والمحاسبة والمتابعة والإقناع. أما فى أمور الحرب فعلينا الثقة فى المحترفين من رجال القوات المسلحة، ولابد أن لديهم من النظم الداخلية التى يتم من خلالها العمل العسكرى بكفاءة، ولكن فى المعارك الحربية ليس كل ما يُعرف يُقال فى وقته، وأحيانًا لابد من العمل المعلوماتى والمخابراتى، الذى لا يُعلن للعموم، ويتسم بالسرية، وهذه أمور بديهية.
قال شاب آخر: هل تظن أن هناك حلولًا دبلوماسية لهذه الأزمة مع تركيا؟
قلت: تعلمت من دراسة التاريخ أن التحرك العسكرى عادة ما يكون هدفه خلق وضع تفاوضى أفضل. إننى يا أولادى أثق فى جيش بلادى واحترافيته، وأثق فى الشعب المصرى وتحضره، وهو ما يعطينا أملًا وطمأنينة.