يونيو بين الحق والباطل
بقلم
حسام بدراوي
يونيو هو الشهر السادس في السنة في التقويم الجريجوري وأحد الأربعة شهور التي تتكون من 30 يوم، يسمى في العراق وبلاد الشام حزيران، وأحياناً في مصر يونْيَه، وفي تونس والجزائر جوان.
شهر يونيو هو أحد شهرين يحدث فيهما انقلاب الشمس )الشهر الآخر هو ديسمبر،( وفي هذا الشهر يتحول مدار السرطان في نصف الكرة الشمالي نحو الشمس مما يعني أن 20 يونيو أو 21 يونيو هو الانقلاب الصيفي الشمالي والانقلاب الشتوي الجنوبي. هذا يعني أن هذا التاريخ سيكون له أكثر ضوء نهار في أي يوم في نصف الكرة الشمالي والأقل في نصف الكرة الجنوبي. هناك 24 ساعة من ضوء النهار في القطب الشمالي و 24 ساعة من الظلام في القطب الجنوبي.
يرتبط شهر يونيو في ذهني بحدثين هامين ، واحد منهم أثر سلباً في صنع مستقبل الشرق الأوسط والعالم وهو هزيمة 67 الفارقة ، وواحد منهم وضع نقاطاً فوق الحروف وهو 30 يونيو الذي أوضحت فيه الطبقة المتوسطة في مصر بشبابها وكبارها قدرتهم علي تغيير الواقع عندما يريدون .
كل شئ في التاريخ له بنيان وليس هناك صدف .الواقع الاجتماعي في عهد عبد الناصر كان له بصمة علي بناء الفكر السياسي في المستقبل، وفي بناء لحظة الهزيمة في يونيو 67 وتسلسل الاحداث بعدها الي اللحظة الحالية.
في الستينات ، بدأ التعدي الممنهج علي الحريات والخصوصيات بلا رحمة، وربط مصير مصر بالإتحاد السوفيتي ، وطرح أفكار اليسار التي تقترب من الشيوعية رغم الإعلان الرسمي عن عدم الانحياز السياسي ، وهو ما أدي الي جعل كل شئ في مصر ملكاً للدولة ، وجعل كل المواطنين ، موظفين لديها ، بلا مبادرات فردية أو أحلام شخصية..
كان نظاما خلق تناقضاً داخلي وداخل شباب مصر وقتها ونحن في مرحلة التكوين العقلي والوجداني بالفخر بكوننا مصريين تأثراً بالحشد الذهني لأيديولوجيات الفترة الزمنية التي كانت مصر تعيش فيها، والألم من ظلم و انتهاك الحريات التي كنا نراه حولنا وأحياناً يقترب منا، تناقضاً جعلني أرفض وأنا في المرحلة الاعدادية أن أنضم لمنظمة الشباب التي كان كل شباب الوطن يذهبون اليها غصباً، وفي نفس الوقت أبكي علي وفاة عبد الناصر وكأن مصر قد ماتت معه.
هزيمة ٦٧ كانت ضربة قاسمة لي و لجيلي، وأنا في نهاية المرحلة الثانوية ، شعوراً بالمهانة وعدم تصديق كل ما يقال لنا بعد ذلك.
أثناء حرب ٦٧ كنت مثلي من شباب عمري نسير في الشوارع حيث نسكن ننادي بإطفاء الانوار حتي لا نتعرض لقصف طائرات العدو ليلاً ، وفي أول يومين أذكر تكرار ندائي لوالدي من تحت منزلنا ” دخلنا تل أبيب ولا لسة”.
كان شعورنا وقناعتنا أننا الأقوى وأنها مسألة ساعات وتنتهي اسرائيل ونحن نقرأ كذب مانشتات الإعلام بنجاحنا باسقاط مئات الطائرات المعادية والحقيقة كانت هزيمة جيشنا قاسية في أول ٦ ساعات من المعركة.
تجربة طبعت الكثير في وجداني بين تناقضات سابقة لهذه الأيام وفخر ثبت كذب دعائمه في دقائق.
قرأت بعد النكسة لنزار قباني :
إذا خسرنا الحرب لا غرابة
لأننا ندخلها..
بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها..
بمنطق الطبلة والربابة ،
خلاصة القضية
توجز في عبارة
لقد لبسنا قشرة الحضارة
والروح جاهلية…
ما دَخل اليهودُ من حدودنا
وإنما..
تسربوا كالنملِ.. من عيوبنا.
حتي وأنا أكتب هذه السطور بعد أكثر من نصف قرن من الزمان، يعود الي نفس شعور الألم الذي عاناه كل شباب الوطن والذي لم يمحوه جزئياً إلا نصر أكتوبر 73 .
عاد الجيش المصري منهزماً وأعاد شعب مصر لجيشه كرامته بانضمام متعلميه وشبابه بارادة حرة إلي تكوينه فقام الجيش بمحو آلامه بعد ٦ سنوات من الألم والذل والمهانة.
ولكني أفكر في نفس الوقت في وصف نزار قباني لموقفنا الحضاري و أخشي أننا لا زلنا منه نعاني .
إن ندوب جرح نكسة 67 ما زالت آثارها تطاردني وأنا أبحث عن التنوير والحداثة رافضاً مجرد قشورهاً ، وساعيا لحقيقتها وجوهرها. لذلك سيجد القارئ بين كلمات مقالاتي وكتبي بحثاً عن النور والتنوير والعلم والمعرفة وإيماناً بفرصتناً في أطفالنا وشبابنا لكي يتحرروا من ثوابت سلفية تجعل مما هو إنساني ، إلاهي ، لكي تتحكم في العقول ، ونفاق خَلَقه الخوف من السلطة الدنيوية ممن لا يؤمنون بحق المواطنين في الكرامة والحرية.
أثناء ثورات الشباب أعوام 71 و 72 ، طلباً لاسترداد الأرض المحتلة في سيناء يذكرني بما يحدث في الجامعات الأمريكية اليوم ضد القمع والإبادة للشعب الفلسطيني بحيوية شباب مصر في هذا الزمن ضغطاً من أجل تحرير سيناء وازالة الاحتلال الاسرائيلي.
…كان التيار اليساري في بداية السبعينيات شديداً، والتيار الإسلامي السياسي ينمو بسرعة وعنف ، و يتوارى تيار العقل بين واقع خلقه عبد الناصر وواقع أنشأه السادات ، و إتفاق مخابراتي أمريكي بنشر الفكر الوهابي في مصر..
كانت ساحة جامعة القاهرة تصطدم فيها هذه التيارات ، ما بين يساريين نتاج منظمة الشباب والتنظيم الطليعي، وما بين إسلاميين تنمو لهم مخالب بتمويل وتنظيم يعاد تكوينه، وبين تيار مدني ، يري في الحرية والديمقراطية أملا لمصر وطريقاً لها، وكنت أنا من هؤلاء.
كانت وسيلتي في المشاركة هي دخول اتحاد الطلاب ، وكتابة المقالات علي مجلات الحائط التي كان يمزقها اليساريين والإسلاميين وهم أعداء بعض ولكن اتفقا علي عدم قبول الرأي الحر العقلاني..
ان الانتماء والوعي بالوطن تراكمي وخاص وجمعي في نفس الوقت ، ينمو بمعايشة وحياة مع الجغرافية والتاريخ…
الجانب المشرق في شهر يونيو هو ثورة الثلاثين منه ، وهي أول ثورة في التاريخ محدده الزمن وقام بها سلمياً الطبقة الوسطي في مصر لتغيير وضع سياسي وإعلان عن رفض الاخوان وحكمهم.
أرجو أن لا تعتقد أي فئة من المجتمع أنها فوق المحاسبة أو الإرادة الجمعية للشباب المصري العظيم.
أعود لهزيمة 67 ونصر 73 لأذكر الجميع الشعب المصري يملك حساً حضارياً اعمق واقوي مما يظن الكثيرين .
أذكر الجميع ان الهزيمة كانت هزيمة لادارة الحكام للبلاد في ذلك الوقت الذي بالرغم من ذلك ساند جيشه واستعاد أرضه.
لم تكن حرباً دينية بل عمل وطني متكامل عمل فيه الشعب مع جيشه لتحقيق هدف مشترك بلا تفرقة بين مؤسسات الدولة.
ولكن ما لا يستسيغه عقلي أن العالم المتحضر يبني فلسفته في القرن الواحد والعشرين في التعامل مع البشر و في انشاء القوانين المنظمة ، علي أسس دينية لا علاقة لها بالعلم. بل أن كل ثورة التنوير والجرأة علي التفكير في العصور الوسطي الظلامية تفصل الكنيسة والمعبد عن ممارسة السياسة لأن رجال الدين في هذا الوقت استخدموا الله بجلاله للتحكم في البشر ، ونعود نحن في القرن الواحد وعشرين ونسمح ونؤيد نموذج بناء الدولة الدينية الصهيونية اليهودية القائمة علي تعليمات التوراة كما يقولون لشعب الله المختار دوناً عن بقية شعوب العالم ووعده لهم بأرض فلسطين وحقهم في إبادة مالك الأرض
وحماية الساميين اولاد سام بن نوح بالذات . واذا قالت الدراسات وعلم اللغات ان الساميين هم أيضا العرب قبل العبرانيين يتغاضي عن ذلك لحماية نسل يعقوب جد بني إسرائيل .
ان ما شاهدته من محاكمة رئيسة جامعة كولومبيا المصرية نعمت شفيق واتهامها من السناتور الأمريكي لها انها تسعي للعنة جامعتها لعدم إيمانها بالدفاع عن أولاد سام ابن نوح لهو ما لم أتخيله ولا اتوقعه.
ألا ترون العته الذي تمارسه البشرية في الغرب نتيجة تحكم الصهيونية في عقول مالكي المال والسلاح والقوة لتحقيق الإبادة لشعب فلسطين والتثبيت في الأذهان لأوهام حقوق تاريخية لشعب الله المختار وقلب المجرم شهيداً والضحية مجرماً.
إن ما أشاهده وأسمعه من رجال السياسة في الغرب الآن يبدو وكأنه عودة لعصور الظلام في أوروبا.إنها خطة بدأت بإزاحة الشعب الفلسطيني عن أرضه ثم بهزيمة مصر في 67 ثم في حرب الإبادة التي يراها العالم الآن …
ما لا أستسيغه ولا أتفهمه أيضا أن شعوبنا العربية كلها لا يخرج منها تعبير عن مساندة ولا رفض للإبادة التي تمارسها إسرائيل.
ما لا أستسيغه ولا أتفهمه ولا يصح أن ولا جامعة واحدة في العالم العربي سُمح لشبابها بإعلان سخطهم علي ما يجري في غزة وفلسطين.
إن كان هناك عته ديني سياسي في الغرب فهناك انبطاح واستسلام يكتفي بالبيانات في الشرق.
“ما زال الأمل في مصر”.