اناسيكلوسيس (Anacyclosis)
بقلم : حسام بدراوي
بمناسبة قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفشل محاولات الحزب الديمقراطي حتي الآن في إبعاد الرئيس السابق ترامب فان فرص نجاحة وعودته للحكم قاربت في استطلاعات الرأي ال٥٠٪ ، وهو الأمر الذي أعاد إلي ذاكرتي ويبينار كنت قد حضرته في جامعه برينستون الأمريكيه للدكتوره آنًا جريزمالا باس الأستاذ في العلاقات الدولية، والدكتور فرانسيس فوكوياما المعروف بكتابه “نهايه التاريخ” وآخرين ، حول ما يسمونه الترامبيزم ، نسبة الي الرئيس ترامب إستنباطا من الشعبويه “”populism التي تمثل منهجه.
فما معني أناسكلوسيس عنوان هذا المقال ، وما هي الشعبوية التي يقصدونها ؟
ولنبدأ بالتعريفات والعودة الي المراجع ثم نناقش الموضوع.
اناسيكلوسيس (أو الدوارانية) هي نظرية في علم الاجتماع والسياسة تدًعي بأن تطور النظم السياسية لها حركة دورانية. وتستند النظرية على أن هنالك ثلاثة تصنيفات مبنية على نظم الحكم الدستوري في اليونان القديم وهي: الحكم من قبل شخص، الحكم من قبل قلة، والحكم من قبل عدد كثير.
اناسيكلوسيس أو الدوارانية تنص أيضاً على أن هنالك ثلاثة نظم أساسية من الحكم تعتبر “حميدة” وهي: (الملكية، والأرستقراطية، والديمقراطية) وهي بطبيعتها ضعيفة وغير مستقرة، وتميل إلى التدهور بسرعة.
وهنالك ثلاثة نظم أساسية من الحكم تعتبر “خبيثة” وهي (الطغيان، الأوليغاركية، وحكومة الدهماء). و “حكومة الدهماء” تشير إلى حكم الرعاع، وليس مفهوم الديمقراطية الذي نعرفه الآن.
وفقا للنظريه ، فأنظمة الحكم “الحميد” تضع مصلحة الجميع في الحسبان، في حين أن أنظمة الحكم “الخبيث” تهتم فقط بفئة قليلة من الناس. ومع ذلك، فإن الفساد السياسي يجعل كل الأنظمة تتدهور وتتحول من نظام إلى نظام آخر بحركة دائرية.
اصل النظرية ومفهومها
يرجع إلى المؤرخ والسياسي اليوناني بوليبيوس ،وقد استخدمها وطورها أفلاطون وبعده ارسطوطاليس في كتبهم.
النظرية تبين بأن الحركة الدورانية السياسية بدأت مع تطور الإنسان في المرحلة البدائية التي كان يعيش فيها الإنسان في القبيلة. وكل قبيلة تلجأ إلى اختيار ملكاً لها يكون هو الأكثر حكمة. ولكن بعد ذلك يورث الحكم الملكي إلى الأبناء الذين لا يكونون بنفس الحكمة ، والذين سوف يستغلون سلطتهم ويصبحون مستبدين ويتحول نظام الحكم من الملكية إلى الطغيان.
بعد مرحلة الطغيان الفردي ستخرج فئة قلة من الناس تكون مستائة من ذلك الاستبداد وتنقلب عليه وتُحول الطغيان إلى نظام جديد وهو الأرستقراطية ويبدأ حكم القلة.
وكما هو الحال في الملكية، سيورث الأرستقراطيين السلطة إلى أبنائهم الذين سيستبدون بالحكم وتتحول الأرستقراطية إلى الأوليغاركية التي تُعرف بأنها حكم من قلة تعتمد على الفساد والاستبداد.
وتدور الأيام ، وبعد ذلك يصل الشعب إلى مرحلة الانفجار ويطالبوا بحكم اوسع يشترك فيه اغلب الناس وهذا الحكم هو ما نسميه (حكم من قبل العدد الكثير من الشعب).
ومع الوقت سيطالب الناس بأشياء غير معقولة معتقدين انهم يستحقونها، وبلا تخطيط ، ويصبح ممثلين الشعب عبارة عن ديماجوجيين يقولون للناس كل ما يريدون أن يسمعون بدلاً من قول الحقيقة أو المعقول.
وتتحول الديمقراطية إلى حكم الدهماء والغوغاء. وطبيعي مع هذا الحكم ان تنتج الفوضى ويكثر العهر السياسي من اجل استمالة الرعاع ويصبح هنالك صراع بين الديماجوجيين من اجل السيطرة على الفوضى. وتتم بعدها تصفية بقيتهم ويخرج من بينهم شخص يطالب بسلطة مطلقة بما أنه هو المنقذ وتنتهي هذه الدائرة بالرجوع إلى حكم الفرد الذي يدمج الملكيه بالطغيان لصالح الشعب حسب وجهة نظره.
أما الغوغاء والرعاع والدهماء فالغوغاء فى اللغة هي الصوت والجلبة والكثير المختلط من سفلة الناس.. أما الدهماء فهم عوام الناس، ويقال رجل من الدهماء، أى مشعوذ يتلاعب بعقول الناس. أما الرعاع فهم سفلة الناس وجهلتهم وسفهاؤهم. وللأسف الشديد فإن الغوغاء منهم شرائح تنتمى إلى السوشيال ميديا الآن، وأصبح لهم تأثير ومكانة لا يستحقونها. فمنهم من هو متدنى الأخلاق، ملوث الفكر، ينعق مع كل ناعق، ويسب كل مفكر.
وعلى طول ما قرأت فى أحداث التاريخ وما كان للغوغاء أو السوقة من أدوار لم أجد لهذه الفئة دورًا مشرفًا يستحق الإشادة أو الثناء بل نجدهم هم من يقوم بالنهب والسلب والتعدى على الأملاك والأعراض والجرأة على اسالة الدماء وإذكاء النعرات القبلية والمذهبية. هذا مسلك الدهماء الذين يشكلون فى كل مجتمع نسبًا متفاوتة حسب تحضر المجتمع ورقيه.. هذه الفئة موجودة فى العشوائيات وبعض التجمعات البشرية، مثل تجمعات بعض المهن غير المستقرة وغير المنضبطة بسلطة القانون والنظام، ومثل هذه الفئات تحمل الاستعداد القيمى لممارسة الفوضى والتحفز لها عند كل مناسبة مواتية.
الآن هناك دهماء من نوع جديد وهم من يتم التلاعب في اذهانهم بالكذب ونظريات المؤامرة فيؤمنون انهم علي الحق المطلق وغيرهم علي الخطأ المطلق مهما كانت الطرق المؤسسية والقانونية تقول عكس ذلك. لا يختلف هؤلاء عن المتعصبين الدينيين الذين يتلاعب باذهانهم رجال الدين باسم الله
وللأسف هنالك دائما من يعى أهمية هذه الفئة فيحتوى مسلكها من خلال خطاب دينى مبرمج أو خطاب أيديولوچى منمق، او بأكاذيب مقنعه باسم الحاجة أو التطلع بدون قيم إلى نقمة باسم الأيديولوجيا المتبناة، ويستثمر التعصب الفئوى والقبلى والعرقى والإقليمى بين فئات الغوغاء والسوقة لصالح التعصب ويستعملهم كمطايا لأهداف شخص واحد أو فئة معينة أو فئات ما كانت لتصل لأهدافها لولاهم فهم الوقود المحرك للفوضى الاجتماعية وللنعرة القبلية والتعصب.
إن ما سمعته وشاهدته فى هذا الويبينار يبدأ بتعريف الشعبوية populism، وأن أسباب ظهورها هو فشل النظم الحاكمة الحالية وكافة الأحزاب فى تحقيق طموحات وحقوق الشعوب. والحقيقه أن التوجه الشعبوى يهدف فى النهاية إلى إحداث الفوضى باستخدام هذه المداخل، عالمًا بأن حكم الغوغاء دائمًا غير مستدام، وأنه فى النهايه فهناك فئة ستستأثر بالحكم لصالح نفسها وتعيد الغوغاء إلى موضعهم. الحكم الشعبوى يبدأ بالتشكيك فى القضاء ومؤسسات الرقابة وإنفاذ القانون، ويستخدم الإعلام لتقليب فئات الشعب على بعضها.
الحكم الشعبوى يبدأ فوضويًا وينتهى تسلطيًا.. بعد تآكل مؤسسات الديمقراطية، وتشكيك الشعب فيها.
ما إن يصل الشعبوى إلى الحكم حتى يجد نفسه فى مأزق، فإما أن يجرى حلولًا ديماجوجية للحفاظ على مؤيديه على حساب الدولة، وإما البحث عن غريم آخر بعدما أطاح بالساسة الحاكمين قبله».
الديمقراطية ليست فقط فوز الأغلبية بالحكم لمدة محددة، بل بقبول الأقلية بنتائج الانتخابات.
السؤال هو وماذا لو رفض الحاكم تسليم السلطة؟
سيستخدم الحاكم في هذه الحالة الدهماء في تهديد مجالس النواب ويضغط علي الأعضاء لرفض نتائج الانتخابات واعادتها وقد يؤدي ذلك لأعمال عنف ويتم ضرب الديمقراطية في مقتل. ( هذا وصف جزئي لما حدث في الكونجرس الأمريكي من أنصار ترامب بعد انتخابات الرئاسة الماضية وهو ما لم يُتصور أحد حدوثه).
في الدول العريقة ديمقراطيا ما زلت أعتقد ان الدساتير والعرف سيتم احترامهم في النهاية ولكن بعد ما حدث في الانتخابات الأمريكية الأخيرة فإن انقسام الشعب الامريكي قد يستمر والترامبيزم والشعبوية الفوضوية ستظهر أسوأ ما في الانسان الأمريكي، خصوصا التعصب للرجل الأبيض ضد الملونيين والمهاجرين الجدد وعدم قبول نتائج الانتخابات والعودة إلي وأد حرية التعبير والتدخل الأمني في الجامعات كما نري الآن ، فما بالك فيما يحدث وسيحدث في الدول النامية.
الديمقراطية لا تعتمد علي عدد المتظاهرين ولكن علي صندوق الانتخاب في ظل حرية المواطنين للترشح والتصويت بدون ضغوط ولا ترهيب ولا منع ولا رشوة ولا تلاعب في الأذهان باستخدام الدين كوسيلة او بالأكاذيب باستخدام الإعلام والسوشيال ميديا.
مبادئ حقوق الإنسان لا تتجزأ ان كان الايمان بها حقيقياً.
في الديمقراطية لا تظهر قوة الجيوش باستيلاءها علي السلطة استغلالا لموقف بحجة ضمان الأمن ووأد الفوضي لأنها لا تقسم علي حمايه شخص أو حزب أو حاكم ، بل تقسم علي حماية الدستور والقانون فقط، كما أوضح رئيس الأركان في الولايات المتحدة للرئيس السابق ترامب عندما حاول استمالته .. وهو ايضا ما فعله ابو غزاله عندما نزل الجيش المصري لحماية الدولة اثناء احداث الأمن المركزي عام ٢٠٠٥ وهو ما لا يحدث في أغلب دول العالم الثالث حيث تصبح المؤسسات الأمنية هي الحاكم المطلق البديل ، ونعود الي نظرية اناسيكلًوسيس حيث ينحصر الحكم في مؤسسة واحدة بلا تداول للسلطة ثم الي حاكم واحد في دوارانية سياسية تأخذ الدول الفقيرة الي فقر أكثر والي انعدام للحريات وحقوق المواطنين والأمثلة أمامنا متعددة عبر التاريخ