مقال في المصري اليوم بعنوان “في كتابه الأحدث.. حسام بدراوي يدعو إلى «الجرأة على التفكير»
الأربعاء 15-05-2024 | بقلم : أسماء أمين |
لطالما كان الدكتور حسام بدراوى مهمومًا بقضايا التعليم، داعيًا إلى الإبداع والابتكار، رافضًا للجمود، مُسلطًا الضوء على أهمية التطور والتطوير، داعمًا للشباب، يلتفت إلى آرائهم، يستمع لهم، يناقشهم ويناقشونه، مخصصًا جزءًا من وقته دائمًا لـ«شباب الحالمين بالغد»، وليس غريبًا أن يدعو فى كتابه الأحدث إلى «الجرأة على التفكير»، فالكتاب إشارة لأهمية إدراك الواقع، خطوة للتواصل وللاختيار، حتى نضع رؤى سليمة لمستقبلنا، إذ أكد «بدراوى» أن فى كل محنة فرصة، وبالنقاش والتطوير نستطيع أن نستخرج الفرص من المحن. فى 276 صفحة، صدر حديثًا كتاب «الجرأة على التفكير» للدكتور حسام بدراوى، عن دار المعارف، والذى شارك فيه المؤلف أفكاره مع القارئ، كما شارك معهم ما ضربه بريشته من لوحات فنية، عرضها قبل كل فصل من كتابه، الذى تضمن 3 فصول، تحمل عناوين مهمة، فتناول الفصل الأول «العقل والتفكير»، والفصل الثانى «الجرأة على التفاؤل»، والذى تطرق فيه لأزمة مرضه، أما الفصل الثالث والأخير فتناول «الجرأة على الفهم»، ليكتمل هدف المؤلف الرئيسى وهو طرح أفق جديدة، والإشارة لأهمية التنوير والمعرفة والقدرة على الاختيار.
والكتاب مجموعة من المقالات ضمن سلسلة «الجرأة على التفكير» التى أطلقها المفكر الدكتور حسام بدراوى، فى محاولة منه لرفع شعار «نتحاور لنفهم»، مؤكدًا أن الإدراك الذاتى بالعقل هو قدرة الإنسان وأعظم ما يميزه بها عن باقى خلقه.
وفصول الكتاب- كما قال إبراهيم عيسى- دراسات نظرية تدور مع دوائر الحياة من الدين إلى الفن، وتمضى مع كل سبل الواقع من العلاقات السياسية إلى العلاقات العاطفية، وهى رقيقة برقة قلب صاحبها، ودقيقة بدقة عقل صاحبها، وهى مكتوبة للقلب كى تصعد منه للعقل وليس العكس. أشار المؤلف إلى أن العقل والتفكير هما معجزة الخلق فينا، مؤكدًا أن القدرة على الاختيار الأفضل تنبع من مدخل المعرفة واستخدام العقل والمنهج العلمى فى التفكير، لافتًا إلى أن الإنسان هو الكتاب الجامع لكل موجودات الخلق، ففيه الجسد والروح، المادة والطاقة، الحياة والموت، الديمومة والزمان، كله فى وقت واحد.
عرَّف «بدراوى» مفهوم التطور الثقافى، ونوه إلى الفرق بين الفكرة والمفكر، قائلًا: «قد لا أقتنع بفكرة ولكن لا أخاصم المفكر»، مؤكدًا أن الأفكار لا تنتهى صلاحيتها، إذ إن المعرفة والمعلومات تتكاثر وتحدث فيها طفرات وتنشأ منها أفكار جديدة ويتبقى الأنسب والأصلح. وتوسع فى الحديث عن تناسخ المعلومات، وتناول مفاهيم الجينات والميمات بأسلوب بسيط يخاطب فيه القارئ العادى، لافتًا إلى أن ميمات التعصب يخلقها الجهل فى كل العصور، وكلما ازداد الإنسان جهلًا فإنه يتهرب من الحوار وازداد إصراره على ما يظن أنه مطلق، ولا يستطيع إقناع الآخر بمعتقداته.
ولم يكتفِ المؤلف بتناول التفكير فى قالبه العلمى، بل تطرق إلى الحرية، والزواج، والكلمة واختلاف المعانى، والعقل والتفكير فى الكون، فتحدث عن فلسفة الأديان، وطرح فكر د. مصطفى محمود والعقاد، كما نوه لما قاله الإمام على بن أبى طالب، رضى الله عنه: «رأس الفضائل وينبوع الأدب هو العقل، الذى جعله الله تعالى للدين أصلًا وللدنيا عمادًا»، مشيرًا إلى أن التفكير العقلانى الناضج عبر التاريخ قد أوجد إمكانية التوازن للإنسانية، وترك لنا مهمة التفكير بعقولنا، وأصبحنا نطلب البرهان ونتشكك ثم نتناقش ثم نقتنع ونراجع الأقوال لنصدق ونسعى لتفسير ما لدينا من تراكم معرفى لم يكن لدى أجدادنا.
لطالما تحدث أغلب المفكرين عن طه حسين، وكلٌّ منهم يرى بصيرته فى ملف التعليم، ودعوته إلى أن يكون مجانيًا لكل مصرى ومصرية، وتأثير كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر) الذى يظل جزءًا مهمًا لصناعة التنوير والمعرفة والثقافة، وقد سلط المؤلف الضوء على رؤية طه حسين لأهمية التعليم والفكر، وتعريفه للأمية، التى أضاف لها أمية الفهم، محذرًا من الوقوع فى براثن المعرفة المنقوصة أو المحورة.
وليس فقط عميد الأدب العربى، بل أشار فى فصل «الحكمة وجمال الكلمة» إلى المتنبى وأشعاره، فاستعرض بعض أبيات المتنبى التى تحمل القصة والعبرة فى شؤون الحياة، وتظل حاضرة حتى الآن، قائلًا إن «المتنبى لم يكن ملكًا ولا أميرًا ولا قائدًا ولا صاحب جاه، ولكنه فخر العرب وترجمان حكمتهم، وهو الرجل الفرد الذى نظم فى ديوان واحد ما نثرته الحياة فى سائر دواوين التجارب والعظات». أما «العقاد» فتطرق إلى حكمته وأفكاره، فأشار إلى أنه كان صاحب فكر، لغته العربية شامخة وحجته عاتية وقدرته العقلية شاملة، وقد أشار «بدراوى» إلى سبب جمعهما فى فصل واحد، فقال: «العقاد والمتنبى يثريان العقل والوجدان، وجمال الكلمة والتمكن من ناصية اللغة وسلاسة المنطق والحكمة».
وفى شأن الهوية الثقافية والوطنية، تحدث «بدراوى» عن الجنس الثالث أو اللا جنس، عن الميديا الغربية وتصدير ثقافات منافية لمجتمعاتنا، وإنشاء مؤسسات تدافع عن هذه الثقافات الدخيلة، يقول: «يوجد من يريدون طمس هويات موجودة رغبة فى توحيد الجميع ثقافيًا، وهو قصر نظر وعدم قدرة على الرؤية المتكاملة لجمال التنوع داخل الكيان الواحد»، مؤكدًا أن جمال البشرية هو تعدد الهويات الثقافية لمجموعات الناس الذى يعطى البشرية ثراء وحيوية، ولايزال واجبنا بنضوج المعرفة أن نتعلم كيف نعيش سويًا بل نتمتع ونتعلم من بعضنا البعض.
والفكر والأفكار وإعمال التفكير ليس فقط شأن الشباب والكبار، لكنه يوجد فى الأطفال الصغار الذين يواصلون طرح الأسئلة، التى غالبًا ما تكون كبيرة على عمرهم، ولا يفلح الأهل فى الإجابة عليها، ولا يستطيعون مجاراة أطفالهم فى أسئلتهم الاستكشافية المتواصلة، وقد اتجه «بدراوى» إلى أكثر الأسئلة تكرارًا على ألسنة الأطفال، منها ما هو الضمير؟ لماذا السماء زرقاء؟ كيف تطير الطيور؟ يقول: «الفضول والخيال هو أصل الإبداع والابتكار، وهو بذرة التطور والحضارة»، موجهًا الآباء بضرورة تشجيع أطفالهم على السؤال.
اختار «بدراوى» تبسيط المفاهيم، فتطرق إلى نظريات علمية لبيان ضرورة إعمال العقل للخروج من الظلام، مشيرًا إلى تطور ما يستوعبه العقل الإنسانى ونضوجه منذ آلاف السنين حتى الآن، ومن المفاهيم التى حاول تبسيطها للقارئ «التنوير» و«الليبرالية» و«العلمانية»، وذلك بعد أن شهد محاورات بين الشباب الذين يصرون على رأيهم فى بعض القضايا، وقد يتخاصمون دون فهم واضح لمصطلحات يستخدمونها دون وضعها فى سياقها الصحيح، فأشار إلى أن الليبرالية والعلمانية والمدنية تنادى بعدم استخدام الدين للحصول على مكاسب سياسية وركائزها احترام معتقدات كل مواطن، وأن الدين هو علاقة بين الفرد والله عز وجل.
أكد الدكتور بدراوى فى كتابه على ضرورة إعمال العقل، لافتًا إلى حقوق الإنسان وحرية الاختيار.