الفرصة للإنقاذ (٤)
سياسات ومبادرة لتمويل التعليم
بقلم
حسام بدراوي
بدون فلسفة ورؤية واضحة وصدق مع النفس وكفاءة إدارة المنظومة التعليمية فسنظل ندورحول أنفسنا نتكلم ولا نحقق الأهداف. كلنا يعلم أنه لابد من زيادة التمويل لمؤسسات التعليم بمختلف مراحله على أن ترتبط هذه الزيادة برفع جودة المنتج وقياس مؤشراته وهو الأمر الذي لن يتحقق سوي بنمو مستدام لأكثر من ٨٪ سنوياً لثروة البلاد.
كذلك يجب تنويع مصادر التمويل بهدف تقليل الاعتماد على التمويل الحكومى ذى المحدودية وفتح مجالات مستقبلية لزيادة التمويل متعدد الروافد مع حسن إدارة الموارد الحالية والمستقبلية وترشيد إنفاقها..
أما التوسع فى تشجيع القطاع الخاص كى يساهم مساهمة فعالة و مشاركة فى إنشاء مؤسسات تعليمية أو تخصصات جديدة، فضلاً عن دوره فى تمويل وتحسين المؤسسات القائمة بالفعل فيجب ألا يكون بديلا عن الحق في الحصول علي تعليم عالي المستوي للفئات محدودة الموارد.
علينا أن نتفهم أن موارد التعليم ستزيد فقط بزيادة ثروة البلاد ، التي ستأتي من نمو مستدام لفترة من الزمن.. كذلك و؛أنا لست خبيراً إقتصادياً؛ ، أعلم أن هناك فرق بين قيمة الأصول وما نتكلم عنه من مخصصات ورقية حتي لو كانت دستورية ، وحقيقة السيولة المالية (cash flow) التي ستوفر إنفاقاً علي أهم أعمدة البناء الإنساني في مصر .
ولتحقيق هذه السياسات يجب مراعاة الأمور الآتية:
أولا: حتمية الاعتماد فى المستقبل القريب من الناحية الواقعية على تمويل الدولة كمصدر أساسى مع التدرج فى الاعتماد على مصادر أخرى مستقبلياً، و إن مربط الفرس فى ترجمة أولوية التعليم هو عندما تنافسه ملفات أخرى فى الموازنة، إن هذا لن يكون اختيارا منفردا من الحكومة، بل يجب أن يكون اختياراً مجتمعياً، يعمل بإيجابية نحو توجيه تمويل أكبر للتعليم على حساب ملفات أخرى، نعلم أنها مؤثرة فى المدى القصير على المواطنين.
وعندما تتوفر سيولة تسمح بزيادة الإنفاق علي التعليم كأولوية عامة ، فهناك أولوية أخري علي الدولة تقديرها…..أولوية الإنفاق لما هو متاح ، وهناك إختيارات صعبة علينا إعتبارها….
هل يتم الإنفاق عرضياً عي كل التعليم في كل المحافظات ، ولأنه أساساً قليل، فلن يتم الإستفادة منه بل سيذوب الإنفاق وتتسطح الإستفادة.
قد يكون الحل هو الإعتراف بالواقع وإنجاز التطوير في حجم حرج من المدارس أو في بعض المحافظات حتي يظهر الأثر. قد لا يكون في ذلك تحقيق العدالة ولكن الإختيار سيكون بين تحقيق النجاح في عدد محدود ولعدد محدود من التلاميذ الذين قد يكونوا أكثر تأثيراً في المستقبل ..
ثانيا: إن أي سياسات مطروحة هى حزمة سياسات مجتمعة لا تؤدى إحداها منفردة الغرض بل يجب توظيف الأمثل منها بشكل لا مركزى، ضماناً لتحقيق أفضل النتائج.
ثالثا: هذه السياسات يجب أن تتفاعل وتتنامى فى ظل المناخ التشريعى القائم ويمكن إجراء تعديلات محدودة فى بعض القوانين والممارسات إن لزم الأمر .
رابعا: أن تنطلق هذه التوجهات من سياسات يتم الاتفاق عليها وتعلن ويتم متابعتها خاصة التوجه نحو اللامركزية وسياسات رفع الجودة والسعى نحو استقلالية مؤسسات التعليم العالى وحريتها الأكاديمية ووضع بذرة نظام تمويل طلابي خصوصاً في التعليم العالي.
و يتضح من هذا الطرح أنه يتحتم علينا لتحقيق مستوى التمويل المنشود أن نطرح مجموعة من الإقتراحات :
أولا: زيادة تمويل الدولة وقطاعات المجتمع المختلفة وربطه بمعايير الأداء و وجوبية زيادة مخصصات الدولة للتعليم الأساسي حسبما جاء في الدستور كتوجه عام و وكان واجب التحقيق منذ خمس سنوات ، على أن يحسن توجيه هذه الموازنة للمدارس والجامعات والمعاهد فى المناطق الريفية وإعطاء مخصصات أكبر للمحليات .
ثانيا: إيجاد وتعزيز مصادر بديلة للتمويل التقليدى: و قد تشمل طرح سندات أو أذون خزانة بمسمى «تمويل التعليم» وذلك بأسعار فائدة متميزة ولآجال طويلة. كما يمكن تحصيل رسم رمزى على بعض المعاملات الحكومية لصالح الهدف نفسه إلا أننا نعلم أن هذا الطرح لا فائدة منه في ظل فقر الموارد، فهو إقتراض مرة أخري من المجتمع واجب السداد من الأجيال القادمة..
وقد يكون استخدام عائد نظام اليانصيب ( اللوتاري) بعد التسويق له في تمويل التعليم ذو مردود جيد( اليانصيب قانوني في مصر ومستخدم لتمويل التعليم في بلاد متعددة)
ثالثا:تشجيع أنماط المشاركة مع القطاع الخاص فى بناء المدارس ثم تأجيرها للدولة مما يساعد في توفير الإتاحة اللازمة حسب الدراسات الإكتوارية) وهناك دراسة سابقة لهذا التوجه محسوبة بدقة مما يحقق ربحا مشتركا بين الدولة وبين القطاع الخاص
ويجب وضع أهداف رقمية ذات آليات واضحة لجمع التبرعات والهبات، نظير تسمية المنشآت أو أجزاء منها بأسماء متبرعيها
إن رؤيتنا أن يستوعب القطاع الخاصة نسبة 20% من التلاميذ فى التعليم قبل الجامعى، شاملا أشكال التعليم التعاونى أو الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص.. برؤية واضحة للدولة لضمان الجودة والهوية الوطنية. أما بخصوص تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية فمن المحتم والواجب على الدولة وضع بذور نظم تمويل الطلاب حتى لا توضع أعباء على الأسر، إذا توفر لأبنائهم القدرة الذهنية والرغبة فى التعليم العالي، رابعا: الاعتماد على البحث العلمى والأنشطة المجتمعية كمصادر تمويلية: حيث تحدد كل مؤسسة هدفا ونسبة تمويلية تسعى إلى تحقيقها من خلال هذه الأنشطة، بما يتناسب مع دورها ورسالتها. وتشمل هذه الأنشطة الأبحاث والاستشارات وأعمال الترجمة والنشر وغيرها. كما تشمل تسويقاً لمنتجات التعليم الفنى بمدارسه ومعاهده والبرمجيات بأنواعها، فضلا عن الخدمات المجتمعية من دورات تدريبية أو منح شهادات أو استغلال مقنن لإمكانيات المؤسسة من قاعات ومعامل وأجهزة.
خامسا: إصلاح هيكل وأنظمة الإدارة المالية للتغلب على الهدر في الإنفاق أو تيسير إستقبال التبرعات والمساهمات وتذليل عوائق الصرف والطرح والمناقصات. وهى سياسة تهدف إلى تحقيق اللامركزية وتسعى لتحقيق قدر من الاستقلالية فى إدارتها المالية وفقا لحاجتها. وقد يتطلب هذا الإصلاح بعض التعديلات التشريعية المحدودة وبعض التعديلات الإجرائية.
سادسا: تسويق المنتج التعليمى المصرى بالخارج لاجتذاب الطلبة والدارسين، ويستلزم ذلك إعادة الثقة في المؤسسات التعليمية برفع جودة أداءها ، ولنا رؤية فى تشجيع الطلبة الوافدين والاستفادة من مصروفاتهم لدعم التعليم، لكن يجب أن تتوفر البنية التحتية، وارتفاع مستوى التعليم، على أن يكون مرئيا ومفهوما فى إطار معايير التعليم العالمية.
سابعا: حسن توجيه المساعدات الدولية فى التعليم من خلال وضع أولويات للمنح والمساعدات الدولية بحيث تنبع من احتياجات المجتمع وسوق العمل لتضييق الفجوات التمويلية. ونوصى بأن تراجع خريطة المنح الخارجية والاتفاقات الدولية لتشجيع الاستثمارات الخارجية فى التعليم وعقد اتفاقيات جديدة تخدم هذا الغرض وتبادر بشراكات جديدة وتعزز دور مصر فى المنطقة.
ثامنا: ترشيد الإنفاق فى مؤسسات التعليم وإجراء مراجعة للفاقد فى المواد واستهلاك الخدمات، على أن ُتشجع مؤسسات التعليم الراشدة بأن يقابل التوفير الحادث بها بزيادة فى موازناتها يتم توجيهها لأغراض أخرى تخدم رسالتها.
تاسعا: التوسع فى أنماط التعلم غير التقليدية: ويكون ذلك من خلال التوسع الموضوعى فى أنماط التعلم الحديثة نسبيا مثل التعلم عن بعد والاستفادة –بقدر محسوب- من الوسائل والمساعدات التعليمية التكنولوجية منخفضة التكاليف والتى لا تحتاج إلى تكاليف تشغيل وصيانة مرتفعة أو لمساحات كبيرة. وذلك يساهم أيضا فى زيادة عدد المتعلمين وترسيخ مفاهيم التعليم المستمر.
إن مسؤولية الدولة عن التعليم المدرسى سيظل معتمدا على موازنة الدولة بالدرجة الأولى، المسؤولة دستورياً عن الإنفاق عليه. ولاشك أن زيادة مساحة استيعاب القطاع الخاص المنضبط بقواعد حاكمة تحقق له وللمجتمع الفائدة، ، بأنواع المدارس المختلفة كما هو وارد فى الطرح، الذى سيتيح للدولة تركيز الإنفاق من المتاح، الواجب زيادته، على مدارس المجتمع المملوكة له بشكل أفضل، يتيح جودة أعلى للخدمة التعليمية.
ولعل التحدى الأكبر فى إدارة التعليم قبل الجامعى،هو إتاحة القوى البشرية المؤهلة للقيام أهم وظيفة في البلاد وهو المعلم، هو تحد سياسي و مجتمعى .. أن نسبة كبيرة من الإنفاق على العاملين فى وزارة التربية والتعليم، يجب أن تكون مسؤولية وزارة التضامن الاجتماعى( رمزيا) وليس وزارة التعليم.. فهى إعانات لغير القادرين وليست تعويضا عن عمل يمس جوهر التعليم.
إن الحقيقة المرة أن هناك مساحة واسعة لترشيد الإنفاق المتاح، رغم ضآلته النسبية، تحتاج إلى إرادة سياسية مؤيدة من المجتمع إن كان التعليم هو الأولوية الحقيقية كما يقول المجتمع.
أما التعليم العالى، فموارده متعددة فعلا، إذا حصلت مؤسساته على حريتها الأكاديمية، واستقلالها الإدارى واتبعت سياسات التطوير كما ذكرناها. الحقيقة أن مؤسسات التعليم العالى هى الفرصة وليست المحنة التى تواجهنا.