الدكتور حسام بدراوي يكتب لـ «الموقع»: المعركة بين الخير والشر:
أخشي الخلط بين معاني القيم الإنسانية وهدف المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة واليونسكو ومحكمة العدل الدولية ورؤية إنشاءها وبين تصرفات من يملك زمام الحكم والقوة والسلاح في العالم باسمها الآن، فـ يُخلق لدينا ولدي أطفالنا وأجيالنا القادمة وجدان سلبي تجاه معاني جميلة ومُحترمة لأننا نعيش لقطة تاريخية يتم فيها هذا النفاق بين المعني والفعل.
أري أن علينا أن ندافع عن القيم وأن نستعيد المؤسسات المعبرة عنها لأن المعركة هي بين الخير والشر وأحد أهداف الشر هو الاستيلاء علي هذه المؤسسات وتحويلها إلى مؤسسات منافقة لمعاني وجودها وتحوير معاني القيم مثل حقوق الإنسان وحقوق الطفل والتسامح والتعاطف والمحبة والعدل والعدالة وغيرها حتي يمكن قتلها في النفوس فينتصر الشيطان ونحن نساعده بدون أن ندري.. لا يعني ازدواجية معايير الغرب ولا شر قادتهم ولا تغلغل الصهيونية في نسيج وجدانهم أن نكفر نحن بالقيم والفضيلة لسقوطها عندهم.
إن القيم الانسانية تطورت عبر تاريخ طويل للبشر، فـ لا يجب أن نسمح لأطفالنا بالتغاضي عنها لمجرد أن قادة أشرار يسيئون عرضها واستخدامها ويحورون مقاصدها لتخدم مصالحهم.
هذه هي المعركة بين الخير والشر التي يجب أن ينتصر الأخيار فيها.
وعلي المستوي المحلي الوطني توجد أيضا معركة بين الخير والشر.
وفي حوار مع الشباب قالت لي شابة جريئة ذكية: تقول لنا يا دكتور إن التعليم والإعلام والثقافة هي أهم أعمدة بناء الوجدان، وإن الأسرة والمدرسة والمجتمع مسؤولون عما نراه من عنف وتحرش وفساد، إذِن عليكم ألا تنتقدوا الشباب بل يجب أن تلوموا أنفسكم كجيل مسؤول عن كل ذلك؟.
قلت: عندك الحق كله يا ابنتى.
قالت: فلنبدأ بالتعليم، ما هو الموقف من وجهة نظرك؟
قلت: يقضى الطفل والشاب من عمره حوالى ثمانية عشر عاما فى مؤسسات التعليم المسؤولة عنها الدولة، ومن هنا تكمن أهمية وصول رؤية ورسالة قادة المجتمع الخاصة بحقوق المواطنة والانتماء إلى مصر والفخر والاعتزاز بها، واحترام المرأة وحقوقها بشكل تراكمى مباشر وغير مباشر لأطفالنا وشبابنا.. ولا يوجد مكان يتجمع فيه كل المواطنين لمدة 14 سنة فى المدرسة و4 سنوات فى الجامعة فى إطار له جدران، محدد الزمان والمكان مثل المؤسسات التعليمية.
وعلينا أن نعترف أنه إذا تخرج الشاب أحادى الفكر، مُتعصبا، وغير قابل للتعددية، عنيفا أو متطرفا ومتحرشا من هذه المؤسسات التعليمية، فلابد أننا نفعل شيئا خطأ.
قالت الشابة: مع كل احترام، أنا أشك أن لدى الأجيال المسؤولة رؤية متفق عليها واستراتيچية تراكمية وأعتقد وزملاء لى، أن سبب التحدى الذى يواجهه الشباب هو التباس أفكار جيل الآباء.. نحن بكل أخطائنا نتاج عدم وضوح رؤيتكم وتخبط أفكاركم.
قلت: هاتِ كل ما عندك.
قالت: أنتم جيل مع من سبقوكم التبست عندكم المفاهيم سياسيا واجتماعيا وثقافيا.. هل نحن دولة مدنية حديثة كما يقول بعضكم وكما نؤمن نحن.. أم دولة دينية سلفية.. الأمور أمامنا مختلطة.. هل يحترم المجتمع حرية الرأى ويحترم المرأة ومؤمن بالتعددية وعنده التسامح الذى يقبل المختلف عنه؟.. أشك أن جيلكم مستقر على توجهاته، أنتم فى صراع حول مفاهيم منذ بدء القرن العشرين وتلوموننا على ما حدث فى وجداننا.
تنادون بحرية التعبير وحقوق الإنسان وتقيّدوا حرية المواطنين وتنتهكوا حقوقهم بحجة الحفاظ علي الاستقرار.
قلت: حتى لا ندخل فى جدل بدلا من الحوار، فأنا أوافقك ولكنى أبحث عن الحلول.
قالت: نعود للتعليم..
قلت: فى كتاب د. طه حسين الشهير «مستقبل الثقافة فى مصر» كان يتحدث عن الأمية فقال بحكمة، إن محو الأمية لا يعنى تعلم القراءة والكتابة ولكنها محو أمية القراءة والكتابة والفهم، لأننا لو محونا أمية القراءة والكتابة بدون فهم أصبح من يقرأ ولا يفهم، عرضة لأن يتحكم فيه من يفكر..
فالمسألة ليست قراءة وكتابة لكنها مسألة تتضمن عمق فهم، وقدرة على الاختيار، واتخاذ القرار، والتمييز بين الخطأ والصواب.
إن صنع الوجدان يتم فى مؤسسات التعليم، فى الأسرة، من الإعلام، فى مناخ الثقافة العامة والفنون.. وتتداخل فى التعليم أمور جديدة مثل اللعب والإلكترونيات واستخدام الإنترنت والوصول للمعارف غير المحدودة واليوتيوب وغيرها.
كل هذه التكنولوجيا متاحة للأطفال والشباب بدون أى تحكم من جانبنا ومن يحاول الوقوف أمام استخدامها فمصير جهوده الفشل.
هل هذه محنة أم فرصة..!
إذا تعلمنا كيفية استخدام أدوات العصر لخلق الوجدان الذى يسمح بالتسامح وقبول التعددية وقبول الآخر واحترامه والسلام مع النفس ومع الآخرين أصبحت لدينا فرصة للقفز فوق تحديات بنيت عبر السنين. وإذا انتظرنا أن يأتى الحل بالدعاء والتمنى فإن المجتمع سينزلق أكثر ويغرق فى تناقضات فرضت على جيلنا ومن سبقونا نتيجة الجهل، بين الحداثة والسلفية وبين التنوير والجاهلية وبين العلم والمعرفة وخرافات الماضى ومعتقدات خلقت فى وجدان الناس فى وقت كانت فيه المعرفه قليلة ومنهجية العلم غائبه.
والحكمه والخبرة تقول:
أولا: إنه لا يوجد نظام تعليمى يرتقى فوق مستوى مُعلميه، فلو أننا نتكلم عن منهج يدرس وعن إدراك للحقوق يتم تدريسه للأجيال الحديثة وصناعة مستقبل وصناعة شخصية فيجب تركيز هدفنا على القائمين على العملية التعليمية من معلمين ومديرين لأنهم الميسرون لحصول الطالب على المعرفة فى المؤسسة التعليمية فيجب أن نحدد هدفنا بالارتقاء بمستوى المعلم ومستوى التعليم معا.
الحكمة الثانية تقول:
إنه لتحسين مستوى التعليم يجب تهيئة المناخ للمتعلم فإذا كان مناخ التعليم قبيحًا وليس به جمال فلا تنتظر من المتعلم أنْ يُحب الجمال أو أن يصفو وأيضا لو كان المناخ مليئا بالكذب وانعدام الأمانة فلا يجب أن ننتظر من التعليم أن يرتقى لمستوى أعلى نظنه سيتواجد وحده.
الحكمة الثالثة تذكرنا بالذى يفرق الإنسان عن سائر المخلوقات وما الذى أودعه الله فى الإنسان يميزه عنهم؟..
الإجابة هى الخيال والحلم وتراكم المعرفة والإرادة الحرة فى اتخاذ قراره.
الأطفال هم أكثرنا خيالا وأوسعنا حلمًا ولو تأملنا العنف الذى نقدمه لأطفالنا فى الألعاب والأفلام السينيمائية والرسوم المتحركة لأدركنا حجم البث الوجدانى الذى نغرزه فيهم ويشكل أحلامهم.. ويجىء البث الآخر من مدعى التدين بالخرافات التى لا أساس لها فى ديننا السليم الجميل لتكتمل منظومة وجدانية لا علاقة لها بالحداثة والعلم.
نعم يا ابنتى، عندك حق وعلى جيلنا أن يسعى معكم وبكم للخروج من هذا المأزق وتخطى الالتباس فى المفاهيم وفرض طريق بلا تناقض بين ما نقول وما نفعل.
القيم ليست شعارات تُرفع وإنما قناعات تُترجَم من خلال تصرفاتنا وسلوكنا وتعاملنا مع الآخرين.. هي مبادئ متضمنة في أفعالنا وعلاقاتنا.
ان المعركة بين الخير والشر معركة عالمية ومحلية ولا يجب أن ننزلق إلى أساليب الشر لنحقق خيرًا للبشرية.