كلمة مشاركة البروفيسور حسام بدراوي في مؤتمر فينيسيا حول حوض البحر المتوسط
الجمعة ٦ سبتمبر ٢٠٢٤ باللغه العربية:
“صديقي البروفيسور سابوريتو
السيدات والسادة، الزملاء الموقرون،
أشارككم بشغف أهداف المؤتمر واستعدادي للمشاركة في خطط عملنا المستقبلية.
تعلمون جميعًا أن موقع مصر في البحر الأبيض المتوسط ليس جغرافيًا فحسب؛ بل هو متجذر بعمق في التاريخ والثقافة.
كانت مصر منارة للمعرفة والثقافة. أصبحت مدينة الإسكندرية واحدة من أهم مراكز التعلم في العالم القديم.
كانت مكتبة الإسكندرية رمزًا لدور البحر الأبيض المتوسط كمكان يلتقي فيه العلم، حيث اجتذبت العلماء من جميع أنحاء المنطقة. هذه التقليد للتبادل الفكري هو شيء نواصل استلهام منه اليوم.
تتميز مصر بأنها رمز للاستمرارية والصمود. ورغم التحديات العديدة، حافظت مصر على هويتها الثقافية وكانت قوة استقرار في البحر الأبيض المتوسط.
لقد كان البحر الأبيض المتوسط دائمًا أكثر من مجرد مسطح مائي. إنه مهد للحضارات، ومفترق طرق للثقافات، وشاهد حي على التراث المشترك للبشرية.
من الفينيقيين والإغريق إلى المصريين والعثمانيين، كانت هذه المنطقة مركزًا للتبادل – للبضائع، والأفكار، والأشخاص – على مدار آلاف السنين.
ولكن اليوم، ونحن نقف على تقاطع المجد الماضي والإمكانات المستقبلية، يعد البحر الأبيض المتوسط أيضًا مرآة للأزمات العالمية والفرص.”
**البحر الأبيض المتوسط كمركز تاريخي:**
“في هذا الحوض العظيم، قامت الإمبراطوريات وسقطت، وتشابكت الأديان، واندماجت الثقافات.
البحر الأبيض المتوسط ليس مجرد ميزة جغرافية؛ بل هو رمز للاتصال البشري.
لكنه كان أيضًا مسرحًا للصراع – مكانًا أدت فيه الاختلافات في الدين والثقافة والسياسة إلى النزاعات.
هذه الازدواجية، هذا التوتر المستمر بين الصراع والتعاون، هو ما يجعل البحر الأبيض المتوسط فريدًا، ولهذا السبب فإن مستقبله بالغ الأهمية للعالم.”
**دور المؤسسات:**
“ندرك أهمية المؤسسات مثل اليونسكو التي سعت منذ فترة طويلة إلى استغلال إمكانات البحر الأبيض المتوسط لتعزيز السلام والتعاون.
في عام 1995، أطلقت اليونسكو برنامج البحر الأبيض المتوسط، وهو مبادرة جريئة تهدف إلى تعزيز المؤسسات الجديدة، والمنظمات غير الحكومية، والمشاريع عبر المنطقة.
وقد بُني هذا البرنامج على الاعتقاد بأنه من خلال الحوار والتعاون، يمكن أن يصبح البحر الأبيض المتوسط نموذجًا للتعايش السلمي.
لا تزال العديد من هذه المبادرات نشطة اليوم، مما يعد شهادة على القوة الدائمة للدعم المؤسسي في تشكيل مصير المنطقة.”
**التحديات والفرص اليوم:**
“لكن البحر الأبيض المتوسط اليوم يواجه تحديات جديدة – تحديات ذات طابع عالمي ولكن لها تأثير حاد بشكل خاص على هذه المنطقة.
عدم الاستقرار السياسي، وأزمات الهجرة، وتدهور البيئة هي فقط بعض من القضايا الملحة.
تواصل المؤسسات التقليدية لعب دور حيوي، لكنها غالبًا ما تكون مثقلة بما يفوق قدراتها.
في الوقت نفسه، هناك شعور متزايد بأن هذه التحديات لا يمكن حلها بواسطة المؤسسات وحدها.
نحتاج إلى طاقة الشباب، إبداعهم وابتكارهم.”
**مجتمع الجيل الجديد للبحر الأبيض المتوسط:**
“هنا تكمن الفرصة. جيل اليوم من الشباب أكثر اتصالاً من أي وقت مضى بفضل التقدم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
إنهم يخلقون لغة جديدة – إطارًا ثقافيًا ولغويًا مشتركًا يتجاوز الحدود الوطنية.
هؤلاء الشباب ليسوا مجرد متلقين سلبيين للثقافة؛ بل هم مبدعون نشطون، يشكلون هوية جديدة للبحر الأبيض المتوسط تكون شاملة، وديناميكية، وموجهة نحو المستقبل.”
**اقتراح ملتقى افتراضي:**
كما ناقشت مع البروفيسور سابوريتو،
“مع وضع هذا في الاعتبار، أؤيد الاقتراح بأن نتخذ خطوة جريئة إلى الأمام: إنشاء ملتقى افتراضي جديد – مكان لقاء رقمي حيث يمكن للأشخاص من جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط الاجتماع معًا لتبادل الأفكار، والمشاركة في الحوار، وبناء رؤية مشتركة للسلام والتسامح.
لن يكون هذا الملتقى مجرد منصة؛ بل سيكون مجتمعًا، مساحة يتم فيها سماع أصوات الشباب حيث يمكنهم قيادة الطريق في مواجهة تحديات المنطقة.”
**الخاتمة:**
“في الختام، فإن مصير البحر الأبيض المتوسط ليس مجرد مسألة الحفاظ على الماضي؛ بل يتعلق ببناء المستقبل. إنه يتعلق بتمكين الجيل الجديد من تحمل مسؤولية تراثهم المشترك واستخدامه كقاعدة لمجتمع أكثر سلامًا وتسامحًا في البحر الأبيض المتوسط. دعونا ندعمهم في هذا المسعى، لأنه بذلك نضمن أن يظل البحر الأبيض المتوسط منارة للحضارة – ليس فقط في التاريخ، ولكن في السنوات القادمة.”
“شكرًا لكم
حسام بدراوي”