الجمعة , 29 نوفمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / الفرصة للإنقاذ (١٠)‏ دمج القيم في التعليم بقلم ‏حسام بدراوى

الفرصة للإنقاذ (١٠)‏ دمج القيم في التعليم بقلم ‏حسام بدراوى

الفرصة للإنقاذ (١٠)‏
دمج القيم في التعليم
بقلم ‏حسام بدراوى
كتبت تسعة مقالات متتالية في المصري اليوم حول حالة التعليم وكيفية تطويره ، وأبدأ اليوم مجموع مقالات ‏مكمله حول القيم الواجب إدماجها في نسيج التعليم لأنها القاعدة التي تبني عليها شخصية المواطن المصري في ‏المستقبل. ‏
ولكي يكون لهذا الهدف وهذه المقالات قيمة أكبر فقد عقدت لقاءات مع التلاميذ والشباب وأحياناً بمشاركة أولياء ‏الأمور وأدرت حوارات معهم وشجعتهم علي المواجهة والصراحة معي وحتي النقد لأجيالنا كأولياء أمور وجدود ‏وصانعي سياسة. ‏
‏ قالت لي واحدة من الشباب: تقول لنا يا دكتور أن التعليم والإعلام والثقافة هى أهم أعمدة بناء الوجدان، وأن ‏الأسرة والمدرسة والمجتمع مسؤولون عما نراه من عنف وتحرش وفساد، وانتشار للكذب والغش والنفاق، إذن ‏عليكم ألا تنتقدوا الشباب بل يجب أن تلوموا أنفسكم كجيل مسؤول عن كل ذلك؟
قلت: عندك الحق كله يا إبنتى.‏
قالت: فلنبدأ بالتعليم، ما هو الموقف من وجهة نظرك؟
قلت: يقضى الطفل والشاب من عمره حوالى ثمانية عشر عاماً فى مؤسسات التعليم المسؤولة عنها الدولة، ومن ‏هنا تكمن أهمية وصول رؤية ورسالة قادة المجتمع الخاصة بحقوق المواطنة والانتماء إلى مصر والفخر والاعتزاز ‏بها، واحترام المرأة وحقوقها بشكل تراكمى مباشر وغير مباشر لأطفالنا وشبابنا. ولا يوجد مكان يتجمع فيه كل ‏المواطنين لمدة 14 سنة فى المدرسة و4 سنوات فى الجامعة فى إطار له جدران، محدد الزمان والمكان مثل ‏المؤسسات التعليمية.‏
وعلينا أن نعترف أنه إذا تخرج الشاب أحادى الفكر، متعصباً، وغير قابل للتعددية، عنيفاً أو متطرفاً أو رجعياً أو ‏يري الغش والكذب حق من حقوقه ليصل الي مبتغاه ، من هذه المؤسسات التعليمية، فلابد أننا نفعل شيئاً خطأ.‏
قالت الشابة: مع كل احترام، أنا أشك أن لدى الأجيال المسؤولة رؤية متفق عليها و استراتيجية تراكمية وأعتقد ‏وزملاء لى، أن سبب التحدى الذى يواجهه الشباب هو التباس أفكار جيل الآباء. نحن بكل أخطائنا نتاج عدم ‏وضوح رؤيتكم وتخبط أفكاركم.‏
قلت: هاتِ كل ما عندك..‏
قالت: أنتم جيل مع من سبقوكم التبست عندكم المفاهيم سياسياً واجتماعياً وثقافياً. هل نحن دولة مدنية حديثة كما ‏يقول بعضكم وكما نؤمن نحن أم دولة دينية سلفية.. الأمور أمامنا مختلطة. هل يحترم المجتمع حرية الرأى ‏ويحترم المرأة ومؤمن بالتعددية وعنده التسامح الذى يقبل المختلف عنه؟. أشك أن جيلكم مستقر على توجهاته، ‏أنتم فى صراع حول مفاهيم منذ بدء القرن العشرين وتلوموننا على ما حدث فى وجداننا.‏
قلت: حتى لا ندخل فى جدل بدلا من الحوار، فأنا أوافقك ولكنى أبحث عن الحلول.‏
قالت: نعود للتعليم..‏
قلت: فى كتاب د. طه حسين الشهير «مستقبل الثقافة فى مصر» كان يتحدث عن الأمية فقال بحكمة، إن محو ‏الامية لا يعنى تعلم القراءة والكتابة ولكنها محو أمية القراءة والكتابة والفهم، لأننا لو محونا أمية القراءة والكتابة ‏بدون فهم أصبح من يقرأ ولا يفهم، عرضة لان يتحكم فيه من يفكر. فالمسألة ليست قراءة وكتابة لكنها مسألة ‏تتضمن عمق فهم، وقدرة على الاختيار، واتخاذ القرار، والتمييز بين الخطأ والصواب.‏
إن تحدى التعليم مسألة عابرة للحدود، فلا يوجد شىء اسمه تعليم مصرى أو أجنبى فالتعليم واحد، لانه يقوم على ‏أسس واحدة والتطور يسير فيه على نفس النهج، لكن فى آخر 10 سنوات أصبحت التكنولوجيا والذكاء ‏الاصطناعي فرضاً رئيسياً فى الحياة، لن يمكن الإستغناء عنهما ، والتعليم يتغير تغيرات شامله فقد أصبحت ‏المعرفة متاحة للجميع وبدون تكلفة، فتغير دور التعليم من مجرد نقل المعرفة لأذهان الطلاب إلى معايشة الطلاب ‏فى المدرسة والجامعة و نموذج للمعايشة داخل إطار مؤسسة التعليم فى تسيج رقمى وإنساني فى نفس الوقت.‏
إننى أعى أنه من الممكن أن ننجح فى تطوير التعليم ونستخدم وسائل التطور بشكل فائق، لكننا قد نُخَرّج أيضاً، ‏المبتكر والعالم والمبدع و العبقرى ولكنه فى نفس الوقت، المتطرف فى الفكر والعنيف والكذاب والنصاب. ‏فالمسألة ليست فى إدخال منهج لحقوق الإنسان لمنع العنف أو إصدار التعليمات بمنع التحرش واحترام المختلف، ‏ولكنها طريقة حياة داخل المؤسسة التعليمية التى يخرج منها هذا الشاب/ الشابة قادراً على التمييز بين الحق ‏والباطل وأن يعيش فى إطار يحترم حقوق الاخرين من غير منهجية العنف الزائد الموجود فى المجتمعات ‏الحديثة. إن صنع الوجدان يتم فى مؤسسات التعليم، فى الاسرة، من الإعلام، فى مناخ الثقافة العامة والفنون. ‏وتتداخل فى التعليم أمور جديدة مثل الرياضة ، و اللعب والالكترونيات واستخدام الانترنت والوصول للمعارف ‏غير المحدودة واليوتيوب وغيرها.‏
كل هذه التكنولوجيا متاحة للأطفال والشباب بدون أى تحكم من جانبنا ومن يحاول الوقوف أمام استخدامها ‏فمصير جهوده الفشل.‏
هل هذه محنة أم فرصة..!‏
إذا تعلمنا كيفية استخدام أدوات العصر لخلق الوجدان الذى يسمح برسوخ قيم نتفق عليها وقبول الإختلاف ‏واحترامه والسلام مع النفس ومع الآخرين أصبحت لدينا فرصة للقفز فوق تحديات بُنيت عبر السنين. وإذا انتظرنا ‏أن يأتى الحل بالدعاء والتمنى فإن المجتمع سينزلق أكثر ويغرق فى تناقضات فُرضت على جيلنا ومن سبقونا ‏نتيجة الجهل، بين الحداثة والسلفية وبين التنوير والجاهلية وبين العلم والمعرفة وخرافات الماضى ومعتقدات خُلقت ‏فى وجدان الناس فى وقت كانت فيه المعرفه قليلة ومنهجية العلم غائبه.‏
والحكمه والخبرة تقول:‏
أولا: إنه لا يوجد نظام تعليمى يرتقى فوق مستوى معلميه، فلو أننا نتكلم عن منهج يُدرس وعن إدراك للحقوق يتم ‏تدريسه للاجيال الحديثة، وصناعة مستقبل، وصناعة شخصية فيجب تركيز هدفنا على القائمين على العملية ‏التعليمية من معلمين ومديرين لأنهم الميسرون لحصول الطالب على المعرفة فى المؤسسة التعليمية فيجب أن ‏نحدد هدفنا بالارتقاء بمستوى المعلم ومستوى التعليم معا.‏
الحكمة الثانية تقول، إنه لتحسين مستوى التعليم يجب تهيئة المناخ للمتعلم فإذا كان مناخ التعليم قبيحاً وليس به ‏جمال فلا تنتظر من المتعلم أن يحب الجمال أو أن يصفو وأيضاً لو كان المناخ مليئا بالكذب وانعدام الامانة فلا ‏يجب أن ننتظر من التعليم أن يرتقى لمستوى أعلى نظنه سيتواجد وحده.‏
الحكمة الثالثة تذكرنا بالذى يفرق الإنسان عن سائر المخلوقات وما الذى أودعه الله فى الانسان يميزه عنهم؟.. ‏الإجابة هى العقل و الخيال والحلم وتراكم المعرفة والإرادة الحرة فى اتخاذ قراره.‏
الأطفال هم أكثرنا خيالاً وأوسعنا حلماً ولو تأملنا العنف الذى نقدمه لأطفالنا فى الألعاب والأفلام السينيمائية ‏والرسوم المتحركة لأدركنا حجم البث الوجدانى الذى نغرزه فيهم ويشكل أحلامهم. و يجيء البث الآخر من مدعى ‏التدين بالخرافات التى لا أساس لها فى ديننا السليم الجميل لتكتمل منظومة وجدانية لا علاقة لها بالحداثة والعلم.‏
إن احترامى للأزهر الشريف يعلمه القاصى والدانى، إلا أن هذا لا يمنعنى من التساؤل فى كيفية التأثير على ‏وجدان طالب يقضى أربع عشرة سنة من الدراسة فى مدارس ثم أربعة أعوام فى جامعة فى التعليم الأزهرى ولم ‏يجلس بجانبه مسيحى ولم تجلس بجانبه فتاة- أن يتقبل أن يكون هؤلاء مواطنين معه لهم نفس الحقوق.‏
إذا كانت هناك سياسات فيجب تطبيقها على الجميع لأنه لا ينبغى أن يكون لدينا مسار يسمح بأحادية الفكر، ‏ومسار آخر يسمح بتعدديتة ،فالرسالة لا بد لها أن تتغير فأنا لم أصادف إلى الآن رسالة تجمع بين التوجهين. ‏نحن نريد إبداعاً أكثر فى دمج الأفكار وازالة الالتباس.‏
فى رأيى أن ذلك مسؤولية الحكومات وقادة المجتمع، ويجب أن نُظهر جدية حقيقية فى التعامل فى هذا الأمر. ‏بدون أن نُفَعل هذه المفاهيم الإنسانية ونُعَرفها وندمجها فى وسائل التكنولوجيا الجديدة فمن الصعب جداً أن نتوقع ‏جيلاً جديداً أكثر إبداعاً وأكثر عبقرية وأكثر تسامحاً وأقل تطرفاً فى نفس الوقت.‏
نعم يا ابنتى، عندك حق وعلى جيلنا أن يسعى معكم وبكم للخروج من هذا المأزق وتخطى الالتباس فى المفاهيم ‏وفرض طريق بلا تناقض بين ما نقول وما نفعل.‏
اتفقنا بعد الحوار الي تقسيم القيم الي مجموعات وهذا ما اتفقنا عليه:‏
أولا: الحرية والعدل والمسئولية،
ثانياً: الصدق و النزاهه والأمانه،
ثالثاً: العلم والدقه والإتقان. ‏
رابعاً: الشجاعة والمواطنة والسماحة والرحمة والإحسان ، والغفران، والرأفه، والإمتنان ، والبر والتكافل والصبر ‏الإيجابي.‏
خامساً: الجمال والسعادة والقناعة
سادساً: الصداقة والمحبة والعطاء
سابعاً: النظافه وتوازن البيئه وإحترام الذات ‏
واتفقنا أن نترك الأولويات النسبيه بين القيم لمناقشه أخري. ‏
كيف ندمج هذه القيم في التعليم ‏
هذا هو مضمون المقال القادم. ‏

التعليقات

التعليقات