الأربعاء , 8 يناير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / أعظم المهن وأجدرها بالتقدير ‏ بقلم ‏حسام بدراوي

أعظم المهن وأجدرها بالتقدير ‏ بقلم ‏حسام بدراوي

أعظم المهن وأجدرها بالتقدير ‏
حسام بدراوي
مهنة الطب وخدمة المرضى هى من أعظم المهن وأجدرها بالتقدير ولكن كما يحدث فى كل شىء حولنا، تطورت ‏المعرفة ووسائل الحصول عليها، وتطور تدريس الطب وتداخلت فيه الرقمية، وتغيرت وسائل تقديم الخدمات ‏وسرعتها. الطبيب والممرض والخدمات المساندة كلها تعمل فى تناسق وتكامل، وبناء النظام الصحى لأى دولة ‏يعتمد على إدارة رقمية لها رؤية، وبنية إنسانية مكلفة، وسنوات دراسة وتدريب طويلة، وتمويل مستدام. تقع ‏الجامعات ومؤسساتها الصحية وأطقمها للبحث والتطوير فى قلب ذلك، ونظم التأمين الصحى التى تضمن استدامة ‏التمويل. ‏
قال لى الشاب خريج كلية الطب: هل تتصور يا دكتور أن أوائل الدفعة لا يريدون وظيفة فى الجامعة الآن، ‏ويهربون من التعيين فى وزارة الصحة، والأغلبية تبحث عن السفر لأوروبا وأمريكا والخليج.‏
قلت: أعلم ذلك، مع أن العمل فى الجامعة أو فى وزارة الصحة يُكسب الخبرات ويفتح طرق التفوق والحصول ‏على الشهادات العليا ثم التعيين كأعضاء هيئات تدريس أو استشاريين، مما يرفع القامه ويزيد الشرف. ‏
ضحكت زميلته وقالت: الزمن اختلف يا دكتور.. ما نلاقيه من معاملة غير منصفة من أهالى المرضى والإعلام ‏بلا تقدير لساعات عملنا غير الإنسانية أو مرتباتنا الهزيلة التى لا تفتح بيوتا ولا تسمح ببدء الحياة جعل ما كان ‏مطلبا وغاية، رفضاً وهروباً من صغار الأطباء.‏
والآن نقرأ عن قانون جديد لتنظيم المهنة فلسفته هي للأسف تغليظ العقوبات علي الأطباء بلا تفرقة بين الإهمال ‏والخطأ الطبي والمضاعفات التي قد تحدث نتيجة الإجراءات المتعارف عليها في الممارسات الطبية والجراحية ‏، والتسرع في حبس الأطباء . ‏
قلت ‏‎: ‎‏ ما لا يعرفه المجتمع أن الأطباء يلاقون الأمرين من نقص مستلزمات في المستشفيات العامة ، يشترونها ‏فى أحيان كثيرة من أموالهم، وساعات عمل متصلة وأعداد كبيرة من المرضى وعليهم مواجهة جمهور غاضب ‏يُحّمل الطبيب أحياناً ما لا ذنب له فيه، لوفاة قريب أو نقص إمكانات أو حدوث مضاعفات يقبل بها العلم والمهنة.‏
إن عدد الأطباء البشريين وفقا لآخر إحصائيات نقابة الأطباء حوالى ‏‎240000‎، منهم حوالى مائة الف طبيب ‏بمصر والباقى خارج مصر نتيجة إعارات أو هجرة، تتزايد بشكل مطرد فى السنوات الأخيرة ولا سيما بعد فتح ‏أبواب دول كثيرة لاستقبال الأطباء المصريين والترحيب بهم، ‏
ومعلوماتى أن آلاف فيزات السفر تعطى للأطباء لأوروبا وأمريكا لتغطية احتياجات هذه الدول ، ويوجد بالخليج ‏وبالذات في السعودية حوالي مائة الف طبيب مصري. ‏
و هناك نقطة مهمة فى العجز في أعداد الأطباء بالنسبة لعدد السكان ، ينتج من عدم توازن توزيع الأطباء على ‏المحافظات ناهيك عن غياب بعض التخصصات مثل طبيب الأسرة والتخدير والرعاية المركزة وغيرها..‏
قال الشاب اللماح : إذن هى مسألة إدارة للموارد البشرية.‏
قلت: قد يكون هروب الأطباء مرتبطا ارتباطا وثيقا بفن الإدارة ولكنه مرتبط أيضا بالعائد المادى والمعنوى ‏وعوامل الجذب المالية والأكاديمية فى العالم.‏
‏- وأضفت: وفى رأيى أن التقدير المعنوى للطبيب وحمايته هو العنصر الأكثر تأثيرا، وغيابه قد يكون سببا ‏مباشرا لفهمنا هجرة الأطباء وتركهم عملهم. لقد لاحظنا كم الاعتداءات المتكررة والضرب والإهانة للأطباء ‏والاعتداءات على المنشآت الصحية اليومية دون رادع وهو ما يؤلمنى ويحزننى.‏
قال واحد من صغار الأطباء: لقد سمعتك أكثر من مره تتكلم عن تغير دور وزارة الصحة عما كان، فماذا كنت ‏تقصد؟
قلت: إن الوزارة عليها قيادة تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية، من خلالها أو بالشراكة مع القطاع الخاص، ‏على أن يتحمل التكلفة نظام التأمين الصحى. الدولة هى منظم تقديم الخدمة وليس مقدمها، وراعى الجودة ‏وواضع معاييرها، وجامع البيانات ومحللها ومنفذ سياسة الدولة المعلنة، وكذلك المسؤول عن الصحة العامة، ‏والغذاء الصحى والبيئة، ومقاومة الأمراض المتوطنة والأوبئة والأمراض المزمنة والمحفز للحياة الصحية ‏للمواطنين. الوزارة هى عقل الدولة فى رعاية المواطنين الصحية، وقد نجحت أخيرا فى التخلص من فيروس ‏سى الكبدى الوبائى، كما نجحت عبر التاريخ فى تخلص البلاد من البلهارسيا، وشلل الأطفال، والسل الرئوى ‏وغيرها من الأمراض المتوطنة، وكان برنامجها فى تطعيم الأطفال ناجحا ومؤثرا فى تقليل نسب وفيات الأطفال ‏وزيادة متوسط عمر المصريين إلى ‏‎72‎‏ سنة بزيادة تصل إلى ‏‎20‎‏ سنة عما كان فى الخمسينيات. هذا إنجاز ‏تراكمى للدولة يستحق الإشادة، بأيدى أطبائها وأطقمها الصحية..‏
إن كنا ننوى الإصلاح، فالعامل البشرى فى الرعاية الصحية من أطباء وتمريض ومهنيين ومديرين هو الهم ‏الأكبر. يا أولادى هذه أعظم مهنة وأجدرها بالاحترام والتقدير. مهنه الرعاية بالبشر المتكاملة أركانها بأجنحة ‏التمريض والعلاج الطبيعى والصيدلة الإكلينيكية والبحث العلمى الطبى والخدمات المساعدة والمساندة لمهنة ‏الطب والحكماء..‏
سألني الجميع عن رأيي في القانون الجديد لتنظيم المهنة، فقلت:‏
قرأت وأوافق علي ما كتبه صديقي د.أسامه حمدي ، خريج جامعة المنصوره والأستاذ المرموق بجامعة هارفارد ‏بالولايات المتحدة تعليقاً علي قانون تنظيم المهنة الجليلة والضوضاء حوله وموقف نقابة الأطباء بعنوان “وماذا ‏بعد أيها الحكماء؟ “‏
يقول وأوافق:‏
من المهم أن كل شكوى أيًا كان مصدرها أو متلقيها ضد الطبيب يجب أن تتم “فلترتها” أولًا من اللجنة الطبية ‏العامة أو لجنة المسؤولية الطبية العليا قبل أو حين عرضها على النيابة وفي مدة قصوى محددة، وذلك لتجنب ‏الابتزاز والشكاوى الكيدية والتشويه المتعمد لسمعة الطبيب قبل التقاضي، وكذلك تجنب تراكم الآلاف من ‏الشكاوي، ورغم تفرد القاضي بالحكم —كما يقتضي القانون والدستور- وهو طبعًا ما نؤيده لثقتنا التامة في ‏القضاء المصري، فإن رأى لجنة طبية خاصة من الاستشاريين “في نفس التخصص” له الأهمية القصوي في ‏تحديد جسامة الخطأ الطبي أو الإهمال الطبي الجسيم، حتى وإن كانت غير ملزمة للقاضي في حكمة، وفي الغرب ‏عادة ما يأخذ القاضي بها للتخصص. ‏
إنني أثني علي الغاء عقاب الطبيب بالحبس للخطأ الطبي الغير متعمد، فلا يوجد طبيب معصوم من الخطأ ‏صغيرًا أو كبيرًا.‏
وعلينا التفرقة بين الخطأ الطبي، والإهمال الطبي الجسيم في التعريف والعقوبة .‏
كما أن علينا اقرار عقاب رادع للمعتدي على الطبيب والمنشأة الطبية لفظًا وفعلًا.‏
علينا التفرقة بين الغرامة والتعويض المدني، فالطبيب لا يخطئ بحق الدولة ليدفع غرامة لها في حالة الخطأ ‏الطبي، وقضيته ليست جريمة كما تم التعديل، فالمحكمة يجب أن تحكم فقط “بالتعويض” المدني الذي يُدفع ‏للمريض وأهله من شركات التأمين علي أخطاء المهنة كما هو حادث في الغرب ويكفيها تكلفة الإجراءات ‏القضائية.‏
إن هناك فارق كبير يا سادة بين الاهمال الطبي الجسيم Gross Negligence وتعمد الايذاء Intentional ‏Harm ، والحبس للطبيب يكون فقط ان رأى القاضي أنه تعمد الجريمة أي “تعمد الايذاء” ‏
إن علينا كذلك تحميل المؤسسه أو المنشأة الطبية المسئولية وعقابها في حالة الاهمال المؤسسي (مثل عدم ‏توافر المستلزمات الطبية، عدم سلامة الأجهزة، عدم توافر الأدوية، عدم توافر الطقم الطبي المؤهل، عدم الرقابة ‏على حسن التدريب والأداء)، فالمسؤوليه في الكثير من حالات الإهمال الجسيم مسؤولية مشتركه بين الطبيب ‏والمنشأة الطبية، ويتحملها الاثنان معًا بنسب متفاوته.‏
ومرة أخري يجب ضبط التعريفات بدقة مع ضرب الامثلة ( ماذا نقصد بالتحديد من كلمة الخطأ الطبي؟، ‏والإهمال الطبي الجسيم؟، وتعمد الايذاء؟ وإحترام نسب المضاعفات الممكنة في كل إجراء طبي ).‏
ولابد من عدم وضع قانون مطاط يقبل التفسيرات والتأويلات ليصبح مشكلة في المستقبل، مثل “مع عدم الاخلال ‏بعقوبة أشد منصوص عليها في قانون آخر”، فرغم أنه لا يوجد الآن قانون آخر أغلظ عقوبة -على حد علمي-، لا ‏يوجد ضامن أن تسن قوانين أخرى في المستقبل أشد عقوبة، فتطبق على الأطباء. ‏
اعتقد أنه لو تم تعديل مشروع القانون ليتضمن هذه النقاط لأراح الجميع، وحقق التوازن المرجو له، والمطلوب ‏منه، وحافظ على حق الطبيب، وضمن حق المريض، وفك الاشتباك الحالي دون إنفعال أو تبادل للإتهامات، ‏وأعاد الود والألفة بين الجميع، فالقانون العادل مطلب للجميع، خاصة وأنه القانون الأول الذي يحمي الطبيب ‏والمنشأة الطبية من الاعتداء اللفظي والفعلي ويحمي المجتمع من مدّعي المعرفة الطبية ، مع وجوب منع إعلان ‏الأطباء عن أنفسهم بالفترينات في الشوارع وكأن تخصصهم سلعة تباع وتشتري ، ومحاسبة ومنع البرامج ‏التلفزيونية مدفوعة الأجر من بعض الأطباء والكثير منهم لا يملك المؤهلات اللازمة لإبداء الرأي في ‏التخصصات أو الإعلان عن وسائل علاج بدون مرجعية طبية وأكاديمية متعارف عليها وموثقة. ‏
هذا وقت التكاتف بين أجهزة الدولة وممثلى خدمات الرعاية الصحية وليس وقت الخلاف. هذه دعوة مننا للجميع ‏أن نستمع لبعض لأننا شركاء الوطن.‏
نرفق لكم لينك هذا الفيديو الخاص بموضوع مقال اليوم:

التعليقات

التعليقات