الأربعاء , 15 يناير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / ذكريات يناير….. دروس الحاضر‏ بقلم ‏حسام بدراوي

ذكريات يناير….. دروس الحاضر‏ بقلم ‏حسام بدراوي

ذكريات يناير….. دروس الحاضر
‏ ‏
بقلم حسام بدراوي
كلما أتي شهر يناير يدور في ذهني قصة مصر كما رأيتها في ٢٠١١ بما هو متاح لدي من معلومات والتي ‏لخصتها ثم وثقتها في مذكراتي التي لم أنشرها. أعلم من خبرتي أن الأحداث إذا كتبت وقت حدوثها ، غير ما ‏يكتب بعدها. بعض الأحداث، تختلف الانطباعات حولها وتختلط الرؤي بها تأثرا بمعرفة تتكشف بمرور الزمن ، ‏وانطباعات قد تختلف ، وقد تتعدد بعد الحدث. ‏
لذلك آليت علي نفسي كتابه وتسجيل أفكاري ، وتوثيق انطباعاتي يوماً بيوم ولحظةً بلحظه..وحتي إذا غَيرتُ رأيا ‏بتكشف حقائق جديدة ، فإن الرجوع الي قراءة مشاعر اللحظه وتحليل واقعها وقت حدوثها مهم في تسجيل ‏التاريخ..‏
ما أهمية الكتابة عن ذلك في يناير ‏‎25‎؟؟
إنها أحداث سوريا ، وجلوس متطرفي الأمس ممثلين للدين علي كرسي الحكم ودخول اسرائيل تتريض في ‏جنبات سوريا وتستولي علي أسلحة الجيش السوري وتقسيم البلاد الي مقاطعات ، وإعطاء الجنسية السورية ‏للمليشيات ولأفراد من المخابرات الإسرائلية تمهيداً لأحداث الغد. ‏
أهمية ذلك أن نتذكر تاريخ يمكن إعادته في مصر لضعف الذاكرة ودخول أجيال جديدة في المعادلة السياسية لم ‏تعيش التجربة. ‏
‏ لقد اكتشفنا أنه كان أحد أهم أهداف من يديرون ثورة يناير من ـ خلف الستار-أي الإخوان المسلمين والمخابرات ‏الأمريكية والبريطانية – كان تدمير رأس المؤسسة الأمنية في وزارة الداخلية وخلق توتر شديد بين أي زي ‏رسمي والشعب. مع ذلك، فقد إحتفظت القوات المسلحة باستقلاليتها وظهرت سليمة وواثقة، ولكنها تميل لمساعدة ‏أي هيكل مدني ما عدا الحزب الوطني والذي كان يحكم السياسات والانتخابات، لكنه لم يحكم البلاد فعليّاً ، ولنا ‏في هذا كلاماً عندما يحين وقته.‏
كان تفكيك جهاز أمن الدوله هدفاً، وهو عقل وزاره الداخلية والتأكيد من خلال إقالة قياداته ، وسرقة مستنداته، ‏وتغيير إسمه ، تركه عرضة لغضب الشباب الثائرين مما كان يرضي المنظمين، ليكون جهاز أمن الدولة ضحية ‏الثورة التي لابد لها من ضحايا.‏
لسوء الحظ كان الإخوان المسلمون والسلفيون هما البديل الوحيد للحزب الوطني، كان لديهما التنظيم والتمويل. ‏المؤكد أنه لم يتظاهر الشعب في التحرير لتسليم السلطة للحكم الديني المتعصب. ‏
مره أخري لدًي الكثير الذي يقال في هذا الأمر، وأنا كنت شاهداً علي الأحداث ومشاركاً فيها، ومعلناً مسبقاً أن ‏تركيبتي الثقافية والسياسية ضد التوريث ، ولكن مع الديمقراطية، وهو ما سبب لي الكثير من الضرر في ‏مسيرتي السياسية ، إسقاطاً مقصودا في الانتخابات بواسطة بعض قادة الحزب الذي كنت أحد نجومه ..‏
كان خلق فراغ سياسي هو الفخ الذي وقعت فيه مصر وقد أعمتها الدعاية الهائلة التي صُنعت لاستبعاد كافة القوى ‏السياسية المنظمة إلا الإخوان المسلمين.‏
لابد أن نتذكر هنا أن هذا الفخ ما زال ممكنا ، فالتاريخ والتجربة علمتنا أن الفراغ السياسي لا تملأه أجهزة ‏الأمن مهما كان تنظيمها وقوتها لأنها في النهاية تمثل النظام الحاكم الذي إن سقط سقطت معه أجهزته ولا يتبقي ‏غير الفراغ السياسي الذي يملأه الأكثر تنظيماً وتمويلاً ومساندة من الأجهزة المخابرتية الدولية التي تريد نشر ‏الفوضي حسب إحتياجها المخطط. ‏
لم يشكل الإخوان المسلمون أي خطر ظاهر على امتيازات القوات المسلحة وقتها، وفي الواقع أعتقد أنه لم يكن ‏لديهم النية لتفكيك البنية التحتية لديكتاتورية الحكم في مصر وإخضاع أنفسهم للأجواء المتقلبة في العملية ‏الديمقراطية. لم يريدوا إلا الاستيلاء على موقع مبارك في القمة واستخدام زَخم الثورة في إجراءات ديمقراطية ‏شكلية للوصول للحكم بتهديدات خلف الستار بإشعال النار في الشارع المصري في حالة عدم نجاحهم، وقد نجحوا ‏في ذلك.‏
‏ كان عدو الإخوان الأول هو جهاز أمن الدوله، و المخابرات المصرية والذي يعلمون عنهم كل شيء. يعلمون ‏مصادر ثروتهم والعلاقات الداخلية والخارجية التي يقومون بها مع الاستخبارات الدولية في العالم وخاصه ‏الولايات المتحدة، والمملكه المتحده.‏
‏ نجح الإخوان المسلمون في التخلص من جهاز أمن الدوله كما أوضحت ، بلا مقاومه من بعض قاده البلاد ‏الذين كانوا علي اعتقاد أن الجهاز يساند التوريث من ناحية ، وفي إطار آخر فقد كان وضعه أمام الثوار فريسة ‏للغضب من السلطة علي وجه العموم يجنب القوات المسلحة مواجهة مع الثوار . ولاحقًا وضع الإخوان مادة في ‏دستورهم يمنع أيًا من القادة المدنيين المؤهلين لمنافستهم من من الترشح لمنصب رئيس البلاد لمدة عشر ‏سنوات وبذلك تخلصوا من التنظيم القادر علي منافستهم ومن الأفراد المؤهلين لمنافستهم.‏
في فبراير 2011 ، وقبل وقوع نظام مبارك وتخليه عن السلطة، وأسجل، أنه بينما تحصن المتظاهرون في ‏ميدان التحرير، دخل محمد مرسي ممثلا للإخوان و سعد الكتاتني، في مفاوضات علنية و سرية مع رئيس جهاز ‏المخابرات ونائب رئيس الجمهورية عمر سليمان للحصول علي نصيب أكبر من السلطة في مقابل إيقاف ‏الثورة. وقد حضرت شخصيًا أحد هذه الاجتماعات في الخامس من فبراير، وفي هذا الاجتماع مثّل محمد مرسي ‏الإخوان المسلمين بعد هروبه من السجن بمساعدة هجمات من مسلحين، والتي إشتُبه حينها أنهم مقاتلين من ‏حماس عبروا الحدود من غزة لهذا السبب ، وقد تأكد ذلك لاحقًا. ‏
وبصفتي السياسية حينها طرحت اعتراضي لعمر سليمان نائب الرئيس متسائلاً عن وجود هارب من السجن في ‏لقاء للقوي السياسية، إلا أنه حثني علي تمرير الأمر ، ورجاني أن أثق به وألا أخلق المزيد من التوتر والارتباك ‏في المفاوضات ،حيث يحدث الكثير أكثر مما يبدو على السطح . ‏
بعدها تم استبعادي من أية مفاوضات مستقبلية وأُقصيت تمامًا خوفًا من ألا أكون لاعبًا بالفريق، كما إعتبر بعض ‏مساعدي الرئيس مبارك من الحرس القديم وقتها أن وجودي يجب أن يكون شكلياً فقط لأني قد أمثل خطرًا ‏عليهم بعد انتهاء الأحداث. ‏
فور خلع مبارك، ضغط الإخوان وتبنوا البرنامج الأمني العسكري المطروح وهو الانتخابات البرلمانيه أولًا ‏والدستور والإصلاح لاحقًا، أما القلة-وأنا ضمنها-والتي جادلت أن الديمقراطيات الجديدة تحتاج لوضع بعض ‏الإرشادات الأساسية قبل الاندفاع إلى صناديق الاقتراع فقد تم إبعادها ومهاجمتها وتهميشها. وأذكر أنني والأستاذ ‏منير عبد النور والأستاذة مني ذو الفقار قد حاولنا إثناء قيادات اللحظة من الاندفاع نحو إجراء الإنتخابات ‏البرلمانية قبل الإنتخابات الرئاسية ولم نفلح حيث كان واضحاً أن غياب الحزب الوطني بعد حله وكان يضم أكثر ‏من ٣ مليون عضو سيعطي الإخوان البرلمان علي طبق من فضة .‏
خلال هذه الفترة الانتقالية وبعد فوز الإخوان بما يزيد قليلًا عن 40%من مقاعد البرلمان -كما كان متوقعًا-مقابل ‏كتلة منقسمة سياسية وغير منظمه، أظهر الإخوان الوجه الآخر لهم ، وألقوا اللوم على المتظاهرين في العنف ‏الموجه إليهم من الدولة وادعى الإخوان مرارًا وتكرارًا بأن النشطاء، بيادق لوكالات الاستخبارات الأجنبية. وفي ‏البرلمان، انتهز الإخوان كل الفرص المتاحة لمدح جهات إنفاذ القانون ومنعوا كل المحاولات لمحاسبتهم بعد أن ‏سيطروا عليهم.‏
تناقض في المواقف أصبح جلياً بعدما إنتقل الإخوان من طرف طاولة الحكم كمعارض الي طرف الحاكم..‏
وبمجرد حلف مرسي لليمين،بعد التهديد بالحرب الأهلية إن لم تعلن النتيجة علي هواهم، هنأ الشرطة (أعداء ‏الماضي القريب ) على إصلاح نفسها مشيراً إليهم بجرأة، بصفتهم الشركاء المبجلون في ثورة 2011. وغني ‏عن القول أن انتهاكات الأمن زادت خلال ولاية مرسي القصيرة، وعززت ميليشيات الإخوان المسلمين الإكراه ‏الرسمي، فقد كان هدفهم هو تأليف كافة القوى لصالح الحفاظ على قبضتهم على السلطة.‏
وأُذًكر أن الرئيس “المنتخب ديموقراطيًا” !! التابع للإخوان المسلمين ونظامه خالفوا كل قوانين وأعراف ‏الشرعية. حاصر أنصار الرئيس المحكمة الدستورية العليا لأكثر من 30 يومًا لإعاقة العدالة وتأخير الحكم في ‏قضيتين حاسمتين يتعلقان بدستورية كل من الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى.‏
خلال تلك الفترة منح الرئيس نفسه الحق في التشريع وتحصين كل قراراته من الملاحقة القضائية، وأقال النائب ‏العام مخالفًا ليمينه الدستورية وعين شخص من اختياره، مخالفًا أيضًا حدوده الدستورية، وبذلك أصبح الحاكم ‏الأعلى لمصر، الرئيس التنفيذي والمُشرع والقاضي.‏
فلنَتَذكر ، التاريخ و الحقائق حتي لا نتوه في تمنيات جديدة، قديمة تعتمد علي النسيان وفقدان الذاكرة. ‏
و لننظر الي سوريا اليوم ونتعظ ، فلا توجد في السياسة صدف. ‏
الحياة اختيارات ولا يصح في كل مفترق طرق أن نعيد إختيار نفس الطريق وننتظر نتائج مختلفة. ‏
قد يظن البعض أن القبضة الأمنية القوية علي الحركة السياسية هي ما يحمي البلاد ، وأظن العكس ، في أن ‏زيادة مساحة الحرية في إطار القانون وإشراك المجتمع وإحترام الحقوق وظهور معارضة ومحاسبة هو الطريق ‏الي بناء مناعة مجتمعية ضد الفوضي والثورة والتشبه بنموزج أحداث الشام.. ‏

التعليقات

التعليقات