الخميس , 30 يناير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / مستقبل البشرية ‏بقلم ‏حسام بدراوي

مستقبل البشرية ‏بقلم ‏حسام بدراوي

مستقبل البشرية ‏
بقلم ‏
حسام بدراوي
في عام ‏‎2022‎، أطلقت شركة ‏OpenAI ‎نموذجها الشهير ‏ChatGPT، وهو نظام ذكاء اصطناعي يمكنه ‏التفاعل مع البشر بطريقة طبيعية وغير مسبوقة. خلال أشهر قليلة فقط، وصل استخدام النظام إلى ملايين ‏المستخدمين حول العالم، مما جعله أسرع تطبيق انتشاراً في التاريخ.‏
ولكن المفاجأة الكبرى جاءت بعد ذلك ، ففي أقل من عام، أُدخلت تحسينات جعلت الذكاء الاصطناعي ليس فقط ‏قادراً على الإجابة على الأسئلة، بل أيضاً كتابة المقالات، إنشاء الأعمال الفنية، برمجة التطبيقات، وحتى تقديم ‏حلول طبية أولية. ستسبب هذه القفزة‎ ‎تغيير صناعات بأكملها، من التعليم إلى التسويق،‎ ‎لتوفير الوقت والتكاليف ‏وابداع حلول جديدة.‏
الحدث الأبرز في نفس الفترة، كان أطلاق شركة ‏Neuralin (‎المتخصصة في ربط الدماغ البشري ‏بالتكنولوجيا‎) ‎تجارب ناجحة على البشر و أصبح الحديث عن دمج الذكاء الاصطناعي مع العقل البشري ليس ‏خيالاً علمياً، بل واقعاً وشيكاً ، و ما كان يُعتقد أنه سيحدث خلال عقود أصبح واقعاً في غضون شهور.‏
إن التسارع التكنولوجي سيترك كثيراً من الناس في حالة قلق فكيف يمكننا التكيف مع عالم يتغير أسرع مما ‏نتعلم؟ “التكنولوجيا لا تنتظر أحداً، وهي تتطور بسرعة لا تعطي عموم البشر فرصة للاستيعاب الكامل”.‏
في ظل هذا تعالوا نستكشف إنسانيتناأساساً. الإنسانية هي مفهوم متعدد الأبعاد يشير إلى السمات الأساسية التي ‏تُميز البشر عن غيرهم من الكائنات، وهي تعكس القيم والمبادئ الأخلاقية التي تحكم تعامل الإنسان مع نفسه ‏ومع الآخرين ومع الطبيعة.‏
‏ من منظور فلسفي تعني الإنسانية الإيمان بقيمة هذا المخلوق وكرامته الفطرية، بغض النظر عن العرق، أو ‏الدين، أو الجنس، أو أي اختلاف آخر ، وتتجلى في الاعتراف بقدرة الإنسان على التفكير، والاختيار، و ‏الإبداع، وإيجاد معنى لحياته.‏
‏ من منظور أخلاقي فالإنسانية تُشير إلى مجموعة قيم اتفق عليها البشر عبر السنين وسابقة للأديان السماوية. ‏فالعدل والصدق وعدم ايذاء الغير و تقدير عمل الخير و الوقوف مع الحق والتسامح قيم تصف حقيقة الإنسانية و ‏وصل اليها البشر منذ منذ آلاف السنين . ‏
‏ من منظور اجتماعي فالإنسانية تعني الانتماء إلى جماعة بشرية واحدة، تعترف بالمصير المشترك لها وبعد ‏نضجها للبشرية جمعاء.‏
من منظور ديني وروحي فالإنسانية هي الإيمان بأن الإنسان خُلق بتكريم خاص من الله، وأنه مسؤول عن إعمار ‏الأرض وفقًا لقيم الخير والمحبة.‏
أما من المنظور العلمي والتاريخي فالإنسانية تشير إلى تطور البشر ككائنات عاقلة تمتلك قدرات فريدة مثل ‏التفكير المجرد، وإعمال العقل ‏‎.‎
تاريخيًا، الإنسانية تُبرز إنجازات هذا المخلوق القابل للتطور في بناء الحضارات، و التعرف والإبداع في ‏الفنون واستكشاف العلوم والكون .‏
الإنسان كفرد ، فريد ومتميز، و له حق في التعبير عن رأيه واختيار مسار حياته وهو ما يمثل حريته.‏
وهو مسؤل تجاه نفسه و الآخرين والمجتمع والطبيعة بإختياره وهذا من دلائل تميزه عن باقي المخلوقات.‏
السؤال المحوري‎ ‎الذي يجب أن يدور في الذهن هو: “ما هو مستقبل الإنسان في عالم يتغير أسرع مما يمكننا ‏استيعابه؟
ما هو مستقبل الذكاء الإنساني في ظل نمو الذكاء الاصطناعي؟‎ ‎وكيف يمكن أن يتحول هذا الذكاء إلى شريك ‏للإنسان بدلاً من مجرد أداة.؟
هل سيصبح البشر أقل أهمية إذا تجاوزتهم الآلات في التفكير؟
ما هي إمكانية ظهور “الإنسان الهجين‎”‎‏ الذي يدمج بين العقل البشري والتكنولوجيا، عندما تزرع رقاقات ذكية ‏في الدماغ.؟
لابد ستظهر تحديات غير مألوفة، كأزمة الثقة بين الإنسان والآلة ، و إمكانية صراعات اجتماعية جديدة بين من ‏يملكون التكنولوجيا ومن لا يملكونها.‏
هل ستحدث تحولات تواجه قيمنا وهوياتنا؟
هل سيبقى مفهوم “العائلة‎” ‎أو “العمل‎” ‎كما هو؟
كيف يمكن للفن والثقافة أن يكونا أدوات للحفاظ على إنسانيتنا في عالم مفرط التكنولوجيا؟
ما هو مصير المشاعر الإنسانية الراقية والإحساس ؟
إن التحدي الآن ليس فقط في مواكبة هذا التغيير، بل في فهمه وتوجيهه نحو مصلحة الإنسانية.‏‎”‎
إن التحولات التي ستواجه القيم والهوية البشرية في المستقبل نتيجة التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ‏تثير تساؤلات عميقة حول ما يعنيه أن نكون بشرًا. ‏
هل ستبقى هويتنا مرتبطة بعقولنا فقط، أم ستتوسع لتشمل أجهزتنا الذكية؟
إذا كان الإنسان يعتمد على رقاقات تُحسن ذاكرته أو تُعزز قدراته، فهل سيُعتبر ما يتذكره “ذكرياته‎” ‎أم “بيانات ‏مُبرمجة‎”‎؟
مع تطور الحياة الافتراضية وتقنيات الواقع المعزز، قد يختار الناس عيش حياة مزدوجة بين العالم الحقيقي ‏والافتراضي، فهل سنفقد الصلة بين هويتنا الحقيقية وهويتنا الرقمية؟
السؤال المخيف هو هل يجب أن يُعامل الذكاء الاصطناعي المتقدم ككائن له حقوق؟‎ ‎إذا كان روبوت معين يمكنه ‏التفكير والتعلم واتخاذ قرارات، فهل هو “مجرد أداة‎” ‎أم كيان يستحق حقوقاً هو الآخر؟
‏ هناك تزايد في استخدام الروبوتات الاجتماعية لرعاية كبار السن، مما يثير تساؤلات حول دور العائلة التقليدي.‏
مع منصات التواصل الافتراضية المتقدمة، قد تصبح العلاقات الإنسانية أكثر سطحية ، فهل يمكن أن يستبدل ‏الذكاء الاصطناعي الأصدقاء الحقيقيين، خاصة إذا كان يفهمنا ويستجيب لاحتياجاتنا بشكل أفضل وأقل تعقيداً ؟
إن التكنولوجيا تميل إلى توحيد العالم من خلال منصات عالمية ، مما قد يؤدي إلى تآكل الثقافات التقليدية ، ‏والسؤال الذي سيفرض نفسه هو كيف سنحافظ على الهوية الثقافية و تنوع الثقافات؟
لا يمكن لأحد إيقاف ظهور أشكال جديدة من الفنون الرقمية فهل ستظل القيم التقليدية مثل “الأصالة‎” ‎و‎”‎الإبداع‎” ‎مهمة في الفن؟ وأصل اليً موضوع حساس هو الروحانية والدين ‏
‏ فمع قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم إجابات “شبه مطلقة‎” ‎وتحليل القضايا الأخلاقية، هل ستضعف ‏الحاجة إلى الدين كمصدر للتوجيه؟ أم أن التكنولوجيا ستفتح أفاقاً جديدة للتأمل في الكون وتعزيز ‏الروحانية؟
قرأت عن بعض المشروعات المستقبلية تهدف إلى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متخصصة في تقديم ‏النصائح الروحية أو تفسير النصوص الدينية ، فهل ستُعتبر هذه الأدوات امتداداً للدين أم تهديداً له؟
إن التحديات القادمة ليست فقط تكنولوجية، بل أخلاقية وثقافية .. السؤال المحوري هنا: كيف يمكننا استخدام هذه ‏التحولات لتعزيز “الإنسانية‎” ‎بدلاً من فقدانها؟
وفقًا لأحدث الدراسات والإحصاءات‎ ‎فإن التوزيع الديني للسكان على مستوى العالم يقارب الأرقام التالية:‏
‏1.‏ المسيحية بطوائفها : حوالي ‏‎31% ‎من سكان العالم حوالي 2.4 مليار شخص
‏2.‏ الإسلام بطوائفه : حوالي ‏‎24% ‎من سكان العالم حوالي 1.9 مليار شخص‎.‎
‏3.‏ غير المتدينين: حوالي ‏‎16% ‎من سكان العالم يشملون الملحدين وغير الملتزمين بأي دين .‏
‏4.‏ الهندوسية: حوالي ‏‎15% ‎من سكان العالم حوالي 1.2 مليار شخص.‏
‏5.‏ البوذية: حوالي ‏‎7% ‎من سكان العالم حوالي 500 مليون شخص و تتمركز في شرق آسيا .‏
‏6.‏ أديان أخرى: حوالي ‏‎7% ‎مثل السيخية، اليهودية، الطاوية، الديانات التقليدية للأفارقة ‏والأمريكيين الأصليين‎.‎
وبالعقل فإن التحولات الإنسانية الحالية والمستقبلية و تصاعد أهمية التكنولوجيا وتمكين الأفراد من البحث عن ‏المعرفة بأنفسهم، ستزداد النزعة الفردية في الإيمان.‏
و قد يتبنى المزيد من الأشخاص “إيمانًا شخصيًا‎” ‎بعيدًا عن المؤسسات الدينية التقليدية، مما يؤدي إلى انتشار ‏الأنماط الروحانية الفردية.‏
أما دورالذكاء الاصطناعي في تفسير النصوص الدينية فسيتوسع لا محاله مع تقديم تفسيرات أكثر شمولية ‏ودقة.فهل ستُعتبر هذه التفسيرات مصدراً معترفاً به دينياً؟ أم ستثير خلافات بين الطوائف والجماعات الدينية؟
مع التقدم العلمي الذي يجيب عن أسئلة وجودية كبرى،‎ ‎قد يتحول الدين ليصبح أكثر تركيزًا على القيم ‏الأخلاقية والروحانية ويوحد بذلك بين الأديان .‏
‏ في كل الأحوال سيواجه القادة الدينيين التقليديين تحديات في مواكبة التطور .بعضهم قد يستخدم التكنولوجيا ‏لتوسيع نفوذهم، بينما قد يجد آخرون صعوبة في الحفاظ على تأثيرهم.‏
‏ إن الرؤية المستقبلية للأديان في ظل التحولات الإنسانية قد تؤدي الي اندماج القيم الروحية بالتكنولوجيا ، و قد ‏تظهر أشكال جديدة من “الدين التكنولوجي‎” ‎أو الروحانيات التي تجمع بين القيم الدينية التقليدية والتكنولوجيا ‏،مثل ظهور تطبيقات ومنصات تقدم تجربة دينية رقمية بالكامل، مثل الصلاة الجماعية الافتراضية أو الحج ‏الافتراضي.‏
إن الأديان ليست مجرد عقائد، بل أنظمة اجتماعية ونفسية تلبي احتياجات الإنسان للمعنى والروحانية والمحبة ‏ورغم ذلك فأن الصراع بين الأديان تاريخياً كان سبباً للحروب والكراهية حتي بين طوائف الدين الواحد ، و قد ‏تؤدي التحولات الإنسانية المستقبلية الي تغيير شكل الأديان وطريقتها، لكنها بالقطع لن تلغيها. ‏
السؤال الأهم: كيف يمكن للإنسان ان يتوافق ويوجه التطور السريع ليتخطي عقبات الماضي ويتجنب ‏أضراره في المستقبل مما يعني اعادة التعريفات وتحديد القيم التي نريد البناء عليها.‏

التعليقات

التعليقات