الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / المصري اليوم 2010 – النهصة والأمل في الإصلاح 1

المصري اليوم 2010 – النهصة والأمل في الإصلاح 1

 

النهضة والأمل في الإصلاح
المصري اليوم مايو 2010

فى البداية أود أن أؤكد أن رؤى المستقبل كلها متداخلة، ولا يمكن النظر إلى مصر المستقبل جزئيا، بل لابد من أن تحوط رؤيتنا للإصلاح جوانبه كلها فى وقت واحد، سواء كان ذلك سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا.
إن تماسك الإصلاح واستدامته يرتبطان بالتنمية فى جميع مجالاتها، وبالرغم من أن صوت الدعوة إلى الإصلاح السياسى هو الأعلى بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، إلا أن ذلك لا يجب أن يلهينا عن أن البنية الأساسية لعملية الإصلاح تبدأ وتستمر وتتواصل بالتنمية الإنسانية وأن التعليم هو مدخلها الرئيسى.إن الإنسان هو الأساس، والقدرة التنافسية لأى مجتمع تعتمد فى النهاية على مجموع قدرات أفراده، التى تتضاعف قيمتها بالعمل الجماعى والمشاركة الفعالة. إن وظيفتنا الأولى هى بناء القدرات وتوفير الفرص، ونجاحنا كمجتمع هو أن نترك الحرية للأفراد للاختيار بين فرص متعددة.. بعدالة ونزاهة ومساواة فى الحقوق.

إن القدرة على الاختيار هى موضوع الساعة وموضوع المستقبل، إننا نستطيع أن نجعل من كل فرصة أمامنا مشكلة وأزمة، وأن نرى ونكتشف فى كل أزمة تواجهنا فرصاَ جديدة يمكن استثمارها والتنمية من خلالها، وسيعتمد ذلك على طريقة نظرتنا إلى الأمور ومعالجتنا للواقع الذى يطرح فرصاَ متعددة للانتقال إلى عهد جديد من النهضة.

إن القدرة على الاختيار الأصوب، والأفضل، والذى يراعى القيم الأصيلة الواجب إدماجها فى وجدان الفرد والأسرة والمجتمع كله- تنبع من مدخل المعرفة واستخدام العقل والمنهج العلمى فى التفكير.

إن مشروع الإصلاح لتحقيق نهضة مصر ليس مجرد أرقام على ورق ولا جمل صماء ومعانى مجردة.. إن روح الإصلاح يمثلها فى النهاية الإنسان وراء الأفكار، أفرادا وجماعات وكيانات يزداد عددها يوما بعد يوم لتصبح فى لحظة فارقة حجما حرجا يزيد من سرعة الإنجاز، ويؤتى نتائج أعمق وأوسع وأكثر تأثيرا.

إن الإصلاح يصبح لا قيمة له، إن ظل حبيس الأوراق بل يمرض ويموت إن لم يخرج إلى الحياة، ويصبح لا معنى له إن كان هدفه فوزا يحققه فرد أو مؤسسة فى نقاش أو جدل سياسى، أو صوتا يعلو على صوت آخر فى تنافس حول من يكسب الجماهير.. إن الإصلاح المنشود تظهر قيمته التاريخية والمستقبلية عندما يصبح حقيقة مفعلة، عندما يتم تنفيذه ليظهر أثره على المجتمع.

إننى أؤمن أن هناك اثنتى عشرة دعامة رئيسية يمكن أن تؤثر فى نهضة مصر التى نسعى إليها، وسوف أعرض منها فى هذه المقالة الدعامات الأربع الأولى، على أن أستكملها فى مقالتين متتاليتين، ومجمل هذه الدعامات:

الأولى: إحداث تغيير ثقافى وسلوكى فى وجدان المجتمع من بوابة التعليم،

الثانية: تخفيف سيطرة الدولة وتدخلها المباشر فى شؤون الأفراد والمؤسسات.

الثالثة: إجراء تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى بهدف تحفيز النمو، واستدامته وتوازنه.

الرابعة: التخلى بصورة جذرية عن نمط التكدس المكثف للسكان فى مناطق جغرافية معينة.

الخامسة: وجوب التوقف عن التفكير السلبى الذى يدور فى حلقة الفقر الفكرى والاقتصادى.

السادسة: خلق أدوار جديدة لجميع الأطراف المعنية والفعالة فى إطار اقتناع حقيقى بالمشاركة المجتمعية.

السابعة: التطوير والابتكار وريادة الأعمال عن طريق تقدم البحث العلمى.

الثامنة: إصلاح الجهاز الإدارى فى الدولة.

التاسعة: الحفاظ على البيئة من أجل الأجيال القادمة.

العاشرة: إيجاد دور فعال لمصر فى أفريقيا والشرق الأوسط.

الحادية عشرة: تجمع المجتمع حول إلهام قومى كبير.

الثانية عشرة: القيادة الملهمة.

وأبدأ بالدعامة الأولى للنهضة، وهى إحداث تغيير ثقافى وسلوكى فى وجدان المجتمع من بوابة التعليم، لترسيخ قيم المشاركة وريادة الأعمال وزيادة القدرات التنافسية، وتأكيد القدرة على الابتكار والإبداع، وترسيخ مبادئ التسامح وقبول التعددية والديمقراطية كمنهج حياة، وتعظيم قيمة التفكير العلمى والعمل كفريق، والإحساس والإيمان بالمواطنة كأساس لتوافق فئات المجتمع.

والتعليم هو المحور الأساسى لهذه الدعامة وهو الذى يشغل قلبى ووجدانى.

أما الدعامة الثانية فهى تخفيف سيطرة الدولة وتدخلها المباشر فى شؤون الأفراد والمؤسسات، وهو أمر ندعو ونسعى إليه، ولكنه يحتاج تغييرا فى ثقافة المجتمع، الذى ما زال رغم نقده اللاذع للحكومة، وشكواه المستمرة من بيروقراطية الدولة، وانتهاكها لحقوقه أحيانا يسعى إلى تدخل نفس الدولة فى حياته وكأنه يناقض نفسه، وكأننا لم نصل بعد إلى مرحلة النضوج التى تعطى الحق فى المزيد من المشاركة من أفراد ومؤسسات المجتمع المدنية، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وهو ما يعنى مزيدا من الحرية، فى إطار احترام الشرعية والدستور.

وبغض النظر عن رأى الفرد أو المؤسسة فى الدستور، فلا بد من وجوده، ولابد من احترامه. إن احترام دستور البلاد مع الرغبة فى تعديل بعض بنوده، أو الاحتجاج على بعضها الآخر، لا يزال أفضل عشرات المرات من عدم احترام أى شرعية، وخلق حالة من الفوضى التى تؤدى إلى تداعى الكل، إذا أصر كل فرد منا أو مؤسسة على شرعيتها الخاصة بها.

ويتبقى تخفيف سيطرة الدولة فى الاقتصاد، وعدم تدخلها المباشر كمنافس فى الأسواق، بل كمنظم وراع للعدالة وتكافؤ الفرص- مسألة تحتاج إلى التأكيد وتحليل الوضع الراهن.

فبالرغم من أن القطاع الخاص يستوعب فعلا 70% من العمالة، ومسؤول فعلا عن أكثر من ذلك من الدخل القومى فمازلت أرى رغبة البعض فى العودة إلى تدخل الدولة المباشر فى ملكية قطاعات الإنتاج بدلا من الاستثمار فى البنية الأساسية، والقطاعات التى تحفز التنمية مثل التعليم، والصحة، والمواصلات العامة والطرق والصرف الصحى وغيرها من الخدمات التى قد لا يبادر القطاع الخاص إلى الاستثمار فيها فى بداية حركة التنمية.

أما ملكية وإدارة الشركات والمصانع بحجة الحفاظ على منتج أقل سعرا، فهى وهم جربناه وعايشناه ليس فقط فى مصر، ولكن فى كثير من الدول التى انتهجت تاريخياً هذا النهج.

 لقد أثبتت التجربة فشل الحكومات حتى وإن ظهر غير ذلك فى المدى القصير، فى إدارة الاستثمار باسم الشعب، لقد أدت تجاربنا وتجارب غيرنا إلى خسارة الشعب كله من جراء استمرار توزيع أرباح وهمية على العمالة والموظفين.. وكأننا ندعم فئة من المجتمع على حساب المجتمع كله لإثبات نجاح النظرية بغض النظر عن النتائج.

إن دور الدولة فى إطار التغيرات التى تحدث سياسيا واقتصاديا، يجب أن يحدد، وبوضوح، فلا انسحابها الكامل أمر صحيح، ولا احتكارها كل أدوات التنمية أيضا صحيح.

وسيجد القارئ أننى فى طرحى مثلا لتطوير التعليم أضع موضوع تحديد دور الدولة فى أولويات التطوير وأناقشه، بدون قيود فلسفية ولا صورة ذهنية محددة مجتمعيا لما يجب أن يكون.

إننا يجب أن نؤمن بدور المجتمع المدنى الذى يملأ فراغا تتركه الحكومة، فى إطار فكر اقتصادى وثقافى وسياسى جديد.

فإذا لم يتحرك هذا المجتمع لملء هذا الفراغ، أو إذا عاندته الدولة وحددت مساحة حريته، فتكون وكأنها تخلق فراغا مجتمعيا يسمح بانتهاك حقوق المواطنين الذين انسحبت الدولة من وظيفة كانت تؤديها لهم، ولم تسمح فى الوقت ذاته للمجتمع بأدائها.

بل إن الدولة عليها تحفيز مؤسسات المجتمع المدنى على النشاط الذى يكمل دور الحكومة، ويحفز أيضا القطاع الخاص، الذى يحترم دوره التنموى، فى إطار مسؤوليته الاجتماعية بالإضافة إلى تحقيقه الربح لمساهميه.

كذلك فإن دور الحكومة المنظم والمراجع، والضامن للعدالة وتكافؤ الفرص، والحكم، والمطبق للقانون.. يحتاج إلى حكومات قوية لها رؤية وعليها التزامات.

إن الأسهل على الحكومات فى الدول النامية هو السيطرة والتحكم، والأصعب هو تحفيز المجتمع على المشاركة فى إطار عام دون انتقائية نرصدها، وتؤثر سلبا على حركة المجتمع المدنى.

وتشمل الدعامة الثالثة إجراء تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى بهدف تحفيز النمو، واستدامته وتوازنه مع خلق فرص التشغيل، فلا يمكن للتنمية الإنسانية الوصول إلى أهدافها دون أن تتوازى مع برامجها برامج اقتصادية، تزيد من الثروة، وتفتح مجالات العمل لخريجى المؤسسات التعليمية بجميع أشكالها.

إن تحقيق النمو المتوازن والمستدام المقترن بزيادة فرص التشغيل يجب أن يقترن بإعطاء بعض الأولوية للفئات المحرومة من السكان دون التأثير على توازن موازنة الدولة، وذلك للإسراع بتحقيق معدل اقتصادى يبلغ من 7% إلى 8% فى المتوسط سنويا على مدى خمسة عشر عاما متتالية. وهو أمر يمكن تحقيقه باستدامة السياسات، وإقناع الشعب بها، واحترام فلسفتها، دون تراجع أو خروج عنها بهدف جماهيرى سياسى قصير المدى.

إن نمو الاقتصاد بشكل متوازن بهذا الشكل وهذه النسبة، من جانب آخر، أمر لا يمكن تحقيقه دون اكتمال واتساع البنية الأساسية والمرافق العامة حتى يمكن أن تستوعب هذا النمو خاصة الطرق والمواصلات والموانى والمطارات، والعدالة فى تطبيق حازم للقانون وتحفيز وتأييد المشروعات الصغيرة.. وقبل كل شىء تنمية الإنسان القادر على حمل عبء وفرصة التنمية والخارج من نظام تعليم محترم، وهو مرة أخرى يؤكد على محورية التعليم.

ويجب فى هذا الإطار تحديد القطاعات التى يجب أن تقود مسارات التنمية، سواء كانت أنشطة تقليدية أو أخرى حديثة، بعضها ينتج خدمات قابلة للتداول عالميا، وأخرى تنتج سلعا وخدمات محلية، وقد تكون القاطرات الست للنمو والتى اقترحها تقرير التنمية البشرية لمصر عام 2005، قادرة على خلق فرص العمل وهى أولا: قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة عموما،

ثانيها: الصادرات الصناعية كثيفة العمالة والمهارات،

ثالثها: التصنيع الزراعى غير التقليدى والحاصلات البستانية،

رابعها: السياحة بكل ما يحيط بها من أعمال لوجيستية وفندقية وثقافية،

خامسها: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT والصادرات الخدمية المرتبطة بها، وأخيرا الإسكان والتشييد الذى يستوعب أكثر من ثمانين مهنة ترتبط بتشغيل واسع للعمالة وعائد اقتصادى واجتماعى كبير.

وتؤكد الدعامة الرابعة على أهمية التخلى بصورة جذرية عن نمط التكدس المكثف للسكان فى مناطق جغرافية معينة، على طول الشريط الضيق لنهر النيل، وإعادة رسم خريطة مصر ليس فقط للحفاظ على الأراضى الزراعية، بل لأن المنطق والعلم يدعمان ذلك التوجه وهو أمر لا يحدث وحده، ولا بد للدولة أن تحفزه، وتدفع إليه.

إن المدخل الرئيسى للتحدى السكانى فى مصر، ليس فقط فى خفض نسبة نمو السكان التى تلتهم نتائج التنمية، بل فى التوزيع الجغرافى لهم، ليس بالفرض والإجبار، بل بالتحفيز والجذب، وتنمية قدراتهم بالتعليم والثقافة والرعاية الصحية الحقيقية.

وإلى اللقاء فى المقالة القادمة التى سأتناول فيها الدعامات الأخرى المكملة لتلك الرؤية التى أطرحها للنهضة، من وازع إيمانى بوجود الأمل فى الإصلاح وقناعتى أن التعليم هو المدخل الرئيسى لهذا الإصلاح وهذه النهضة

 

IMG_4084

التعليقات

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *