حسام بدراوي: الظرف «الاستثنائي» لقدوم الرئيس السيسى «انتهى» (1- 2) «حوار»
دبراوي: بقاء الوضع الحالي صعب.. والدولة تتعالى في الرد على انتهاكات حقوق الإنسان
حوار د بدراوي مع صحيفة المصري اليوم
في حياته عشرات من المحطات، مر عليها طبيباً وأستاذاً، نائباً وسياسياً، مطوراً وصاحب رؤية فريدة في الإصلاح للمستقبل.
لا تعرف من أي المحطات تنطلق في حوارك معه، فهو «خزينة أسرار متشعبة» تتحرك بين الناس، يحمل دوماً ابتسامة ورد صافية.. ودافئة.
تظل هناك «محطة فاصلة» في حياته السياسية هي الأعمق والأبلغ تأثيراً، عندما أصدر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، قبل رحيله عن الحكم بخمسة أيام فقط، قراراً بتعيينه أميناً عاماً للحزب الوطنى الديمقراطى خلفاً لصفوت الشريف.. في الوقت الذي كانت فيه الحناجر تصرخ في «التحرير» مطالبة بإسقاط النظام!.
كانت ساعات وأياماً ثقيلة، استطاع خلالها د. حسام بدراوى أن يقنع «مبارك» في النهاية بترك الرئاسة والاستجابة إلى مطالب «شباب يناير».
قبل هذه المحطة بسنوات قليلة، كان «بدراوى» العضو الأبرز في لجنة السياسات «مطبخ السياسة للحزب الأوحد». كانت له وجهة نظر قيمية «مختلفة» هي الأقرب إلى المعارضة، حتى وصفه البعض بأنه الإصلاحى في «منظومة التدمير»!
في الجزء الأول من الحوار يختص د. حسام بدراوى «المصرى اليوم» بشهادة تاريخية- كسياسى- عن حال السياسة المصرية الآن، بعد ثورتين قضتا على الكتلتين المتناحرتين على مدى سبعة عقود وهما «تنظيم الحزب الحاكم» و«تنظيم الإخوان المسلمين».
يتطرق الحوار إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018، وتقييمه لفترة الرئاسة الأولى للرئيس السيسى.. الأداء والشعبية.
لا أنكر أننى وقفت حائراً، وأنا أعد لهذا الحوار.. ليس لموسوعية الضيف كطبيب وسياسى.. ولكن لكونه «شاهداً حقيقياً» على العصر، شاهداً على ثورتين، سبقت كلتيهما تداعيات، وتبعتهما عدة متغيرات. وهو أدى بدفة الحوار إلى التحرك بين «التاريخ».. و«الجغرافيا».. وهو- أيضاً- ما لم يمانع فيه «بدراوى» بشرط أن يكون «التاريخ» نقطة انطلاق إلى المستقبل.. وإلى الحوار:
المصري اليوم تحاور «الدكتور حسام بدراوى »
■ في البداية سألته: في عام 2004 أسست مع مجموعة من زملائك جمعية لمكافحة «الفساد» وتعاونت مع منظمات المجتمع المدنى لإنشاء تحالف أطلق عليه «أمل» في إطار مكتبة الإسكندرية لإعلاء مضمون مكافحة الفساد ودعم الشفافية.. كيف ترى محاربة الدولة الآن للفساد؟
– أولاً لابد لنا أن نُعرِّف الفساد. ففى أحيان كثيرة يرى الناس أن الجرائم هي فساد، فإذا توافرت الأسس القانونية التي تجعل من ممارسة ما جريمة فهى جريمة وعقوبتها حددها القانون. بينما الفساد هو انطباع لدى الناس من تكرار جريمة يحصل بها الفاسد إما على ثروة أو سلطة وهو يعمل في إطار الدولة.
■ ..بمعنى؟
– إن ما يحدث بين اثنين في القطاع الخاص هو «جريمة» فقط. ولكن أن تكون الدولة طرفاً فيها، وهى الموكلة بحماية أموال الشعب، فهذا فساد. وهو ما يعنى الحصول على امتياز غير مستحق نظير «رشوة» قدمت بشكل أو بآخر. فالفساد مرتبط بـ«حوكمة الدولة» وكثير من صوره تنتهى بالإدارة الحكيمة للدولة.. فمحاربة الفساد ليست في كشف جريمة ولكن في القضاء على أسبابه.
■ وما المثال على ذلك؟
– الدولة يعمل فيها 7 ملايين مواطن لخدمة الآخرين، بينما هي تحتاج إلى مليونين فقط. إذن هناك خمسة ملايين مواطن يعملون بمرتبات قليلة، والعمل الذي يقوم به شخص واحد ينفذه سبعة أشخاص. الناس مضطرة أن تدفع «رشاوى» لتسيير أعمالها.. هذا «فساد».
■ وإلى أي مدى نجحت الدولة في «محاربة الفساد»؟
– لا أعتقد أنها نجحت، هي نجحت فقط في كشف «وقائع فساد» وتحويلها إلى جرائم ألقى القبض على مشتبه في ارتكابها.
■ هناك حملات كبرى لـ«الرقابة الإدارية» وجهت ضربات موجعة لفاسدين.. كيف ترصدها؟
– شىء جيد جداً.. إنما هو «يُخوِّف» الآخرين ولكنه لا يقضى على الفساد.. ما يقضى عليه هو «الحوكمة» والإدارة السليمة.
■ من مواجهة الفساد إلى مواجهة العالم.. منذ ثورة «30 يونيو» تتلقى الدولة المصرية ضربات موجعة من منظمات دولية في مقدمتها «هيومن رايتس ووتش».. هناك من يتهم هذه المنظمة على وجه التحديد بأن تقاريرها «مدفوعة».. بينما يرى البعض أن تقاريرها تحمل «بعضاً» من المصداقية أو خطأ من الدولة المصرية في سرعة الرد والتعامل.. كيف تنظر إلى وضع حقوق الإنسان في مصر؟
– عندما انضممت إلى عضوية المجلس القومى لحقوق الإنسان تغيرت لدىّ مفاهيم كثيرة. فما كنت أعتقد- وأنا سياسى «مبتدئ»- أنه خدمات للمواطنين، انقلب واستقر في وجدانى إلى حقوق. وخلال هذه الفترة حدث لدىّ نضج في حقوق المواطنة عموماً. وفى عام 2009 طلب منى أن أعد تقريراً عن حالة حقوق الإنسان في مصر، وأنا داخل الحزب الحاكم.. وخرجت منه توصيات أرسلتها لرئيس الجمهورية في ذلك الوقت.
■ ما أبرزها؟
– إن مسألة حقوق الإنسان واجبة ومطلوب منّا أن نرد عليها. وأن فكرة «ماحدش له دعوة بيا» أصبحت فكرة بائسة في عالم الكل يطلع فيه على كل شىء. وضرورة وجود شفافية كاملة في المعلومات حول أوضاع المعتقلين والمسجونين في إطار قانونى. و«مفيش حاجة اسمها اعتقال بدون سبب».
■ وما رأيك في الحملات الدائرة الآن؟
– يبقى أمر مهم وهو أن كثيراً من منظمات حقوق الإنسان تتجنى على الدولة المصرية. ولكن نجد- أيضاً- أن جزءاً كبيراً من الانتقادات الموجهة لها مساحة من الصحة. ففكرة «يا أنت معايا يا ضدى» و«أنت موافقهم تبقى ضدى» هي أفكار غير ديمقراطية. ولا مانع إطلاقاً من أن أعترف وأقول صراحة «أنا غلطان».
■ إلى أي مدى حققت الدولة المصرية ذلك؟
– يؤسفنى أننى ألحظ أحياناً أن هناك «تعالى» في الرد على الاتهامات بوجود انتهاكات في حقوق الإنسان!
■ ما المقصود؟!
– يعنى «مين أنت عشان تسألنى»، أي أن هذا مواطن مصرى وأن ما يحدث هو في إطار الدولة المصرية وليس من حق أي فرد من خارج مصر أن يسألنى! وأحيانا يكون هذا الرد على أشياء الدولة معها حق فيها. ولأن المعلومات الأمنية دائماً ما تشير إلى أن بعض هذه المنظمات تتلقى تمويلاً من الخارج فالدولة تضطر إلى أن «تأخذ الكل في الرجلين» فتصبح المنظمات الجيدة وغير الجيدة كلها في سلة واحدة. وبالتالى يظهر الأمر في النهاية أنك ضد حقوق الإنسان، مع أنك- كدولة- عكس ذلك!.. فمصر ليست ضد حقوق الإنسان، ولكن في التعامل مع القضية «أقل كفاءة».
■ ما التعامل «الكفء» الذي تراه مناسباً؟
– ضرورة الإعلان عن حقائق قائمة وموجودة «بلا خوف» طالما أنها في إطار القانون. فقد وجدت حينما كنت ألقى محاضرات لضباط الأمن أن انتهاكات حقوق الإنسان في أقسام الشرطة ليس سببها سياسياً، ولكن نقص في الكفاءة المهنية. فإذا استخدمنا العلم والطب الشرعى والتكنولوجيا تضيق دائرة الاتهام إلى عدد قليل من الناس. والعكس صحيح حينما يقل العلم فينتهى الأمر إلى انتهاكات في حقوق الإنسان.
■ وكيف ترى الأوضاع داخل الأقسام.. حتى في التعامل اليومى؟
المصري اليوم تحاور «الدكتور حسام بدراوى »
– القضية أننا لا نستخدم العلم بالقدر الكافى في الحصول على المعلومات دون «إهانة».
■ وماذا عن الاستخدام «السيئ» للسلطة.. أو الاستخدام المفرط للقوة مثلاً؟
– هو عدم قدرة في الحصول على المعلومة، فيلجأ إلى «العقاب البدنى» للحصول على اعتراف ما. وعلاجها يتعلق بزاويتين الأولى أن استخدام العنف غير مسموح به، والثانية تعظيم «الثقافة» واستخدام قدرات علمية وتدريبية أكبر.
■ في لقائه الأخير مع الرئيس الفرنسى ماكرون طرح الرئيس السيسى رؤية مصر وحقها في حماية نفسها من الإرهاب مؤكداً أن «مصر لا تتهرب من الإجابة على مسألة حقوق الإنسان».. كيف نترجم ذلك إلى الغرب؟
– هناك انطباع لدى الغرب بأن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر. وهذا الانطباع أصبح راسخاً نتيجة إشارات وسائل الإعلام إلى ذلك.
■ وكيف يمكن أن نغير هذا الانطباع؟
– لابد من وجود خطة لذلك، تعتمد في الأساس على الشفافية والإعلان عن الأوضاع الحقيقية، وإعلام يتحدث بالحقائق على مدار الوقت ولا تظهر به تناقضات. القضية ليست في أن يخرج الرئيس ليقول إنه ليست لديه انتهاكات في حقوق الإنسان لأنه يقصد ذلك فعلاً، ولكن القضية الحقيقية فيمن يتعاملون مع الناس في الشارع يومياً. للذى يستوقف المواطن البسيط ليسأله: «أنت مين؟». نحن في مصر نحتاج إلى توسيع لثقافة «فهم الحقوق». فأحياناً نجد تناقضاً في ردود فعل المجتمع تجاه قضية «اغتصاب فتاة» مثلاً، فربما يتهم المجتمع الفتاة نفسها، ونسمع كلاماً غريباً من أنها «لابسة ملابس أغرته»!..وعندما تتحدث عن ضرب الأطفال في المدارس، تجد من يقول لك: «كلنا اتعلمنا بالخرزانة». كل هذه ثقافات خاطئة.. فنحن لدينا انتهاكات في الحقوق بسبب اللون والدين والجغرافيا.
■ وهل ترى أن الدولة المصرية «غير موفقة» في التعامل مع هذا الملف عبر الهيئة العامة للاستعلامات مثلاً التي فشلت من قبل في تعريف العالم بـ30 يونيو «ثورة أم انقلاب».. هل نحن قادرون؟
– من خلال تجربتى الشخصية خارج مصر ومتابعاتى عالمياً، أستطيع أن أقول إننا غير ناجحين في عرض صورة مصر الحقيقية أمام العالم. مصر تحدث فيها إيجابيات كثيرة وأيضاً هناك سلبيات كثيرة. ولكن السلبيات دائماً ما تتصدر المشهد. وهذا هو دور الأجهزة المنوطة بذلك، التي أرى أنها لا تقوم بهذا الدور كما يجب.
■ مثل ماذا؟
– كل دول العالم تقع فيها أحداث إرهابية، لكن لا توجد دولة منعت فيها السياحة غير مصر. فالاعتقاد السائد عالمياً أننا في منطقة خطرة، والأحداث الإرهابية تقع في كل شارع. وهنا المتلقى لا يفرق بين القاهرة وبيروت وقت الحرب ولا ما يحدث في اليمن. هو يتلقى المعلومات عبر نوافذ محددة. وتندهش حينما تصلك أسئلة غريبة من الخارج «أنت بتقدر تروح شغلك»؟..وهو دليل أن صورتنا لا تصل إلى العالم.
■ ما السبب.. ومن المسؤول عن ذلك؟
– إننا دائماً ما نتحدث لبعضنا البعض «كلنا بنكلم أنفسنا» ونستبعد دائما الآخر، نتكلم مع المؤيدين ونستبعد المعارضين. وظيفة السياسى أن يقنع المعارض قبل المؤيد. لكن للأسف نحن نسعد بآراء المؤيدين وردود أفعالهم التي تقول: «أنت جميل.. وأنت عظيم»، لكن في حقيقة الأمر وقد يكون هناك أشخاص يعملون ضد مصر- وهم على خطأ- ولكنهم يملكون القدرة والإقناع ووسائل الاتصال.
■ مثل من؟
– أحد أبناء قادة الإخوان في الخارج، الذي يملك القدرة على الاتصال والحديث والإقناع، حتى إننى كنت أتلقى اتصالات تحمل استفسارات عن هذا الشاب وما يقوله.. وتجد ردود أفعال غريبة من الإعلام- خاصة الحكومى- ففى زيارة الرئيس الأخيرة تجد الفضائيات تجرى حوارات مع الوزراء والمسؤولين المصريين المرافقين للرئيس. أنت في أمريكا عليك أن تتحدث إلى الآخر.. والآخر يتحدث إلى شعبك! لديك جالية قدمت أعمالاً جبارة.. لديك معارضون ولكنهم عقلاء، يمكن التحدث معكم بالمنطق.. لكن أذهب إلى نيويورك لأتحدث إلى الوفد المصرى المسافر معى على نفس الطائرة.
■ على مدى 4 عقود منذ إطلاق الرئيس السادات لـ«المنابر» وعودة الأحزاب تدريجياً.. وحتى ثورة يناير.. ما تقييمك للتجربة الحزبية؟.. وهل فشلها بالدرجة الأولى كان متوقفاً على عرقلة «الحزب الحاكم الأوحد».. أم أنها هي الأخرى قد أصابها نوع من «الترهل»؟
– سيل من الاتهامات تم توجيهها إلى الحزب الوطنى، على أساس أنه هو سبب «عرقلة» الأحزاب الأخرى، ورغم ذلك لم تظهر هذه الأحزاب رغم خروجه من المعادلة السياسية، وهو ما يعنى أن هذه الاتهامات كانت باطلة. وللحقيقة- وأنا أتحدث هنا كسياسى- ليست الأحزاب فقط، ولكن مؤسسات أخرى كثيرة كان من المفترض أن يكون لها دور وقت الأزمة.. ولكنها اختفت. في يناير 2011 لا الحزب اجتمع، ولا الحكومة اجتمعت، ولا البرلمان ولا أي مؤسسة أخرى.. وأصبح القرار في يد رئيس الجمهورية فقط!.. وهذا يعنى أن المؤسسات في مصر كانت «شكلية» وليست «فعلية»، بل إن الأحزاب السياسية لم تكن القائد في الشارع أو «الميدان». وعندما تم حل الحزب الوطنى، كان السؤال المتردد على لسان الناس: «إزاى الحزب الوطنى وقع في لحظة».. وكانت إجابتى الدائمة أنه «ما وقعش في لحظة»!.
■ لماذا؟
– أيديولوجية أي حزب في مصر مرتبطة بالسلطة التنفيذية، لأنها هي الأقوى بلا نزاع. ولكى تنجز أعمال دائرتك كنائب، عليك أن تنضم إلى الحزب الأقرب للسلطة التنفيذية وهذا واقع.
■ هذا كان سابقاً.. ما رأيك في الموقف الآن؟
المصري اليوم تحاور «الدكتور حسام بدراوى »
– بعد ثورتين الآن.. لا يوجد حزب حاكم، ونجم عن ذلك «فراغ سياسى». فالقوتان الأساسيتان في البلد كانتا «الحزب الوطنى» التابع للرئيس، والذى وقع بوقوع الرئيس وتنظيم «الإخوان». وبعد رحيل الكتلتين، حدث الفراغ الذي أحدثك عنه الآن. وكان طبيعياً أن تملأ السلطة التنفيذية هذا الفراغ. وهنا نصل إلى حقيقة مؤكدة أن السلطة التنفيذية في مصر لها دور كبير- بشكل أو بآخر- في صنع القرارات، وكل ما حولها هو «مجرد ديكور»!.
■ وكيف الخروج- حسب رأيك- من مرحلة «الديكور»؟
– أن تكون هناك «محاسبة حقيقية» أمام السلطة التنفيذية. والدستور نفسه ذكر أن الحكومة يتم تشكيلها من الحزب الذي حصل على الأغلبية. وحيث إنه لا توجد أغلبية حزبية، فدخلت الدولة بسلطتها التنفيذية وملأت مكان الأحزاب.. وأصبحت الدولة هي «الأحزاب»، وهى «البرلمان» وهى «الحكومة»، وكل من يعارضها، وكأنه يمس «كيان الدولة»!.
■ وكيف تقيم هذا الوضع سياسياً؟
– في غاية الخطورة.. وفى اعتقادى أن كل ذلك يتم بحسن نوايا!.
■ كيف؟
– حسن النوايا في أن أجهرة الأمن تعمل في إطار أنه «لا بديل» وأن «المساس» يعنى المساس أو الإضرار بالدولة.. وهذا هو مكمن الخطر..لأن ذلك هو الوضع الذي كان قائماً «أيام مبارك»..!
■ ألا تعتقد أن ذلك فيه بعض «المبالغة»؟
– «أينشتاين» له مقولة مهمة: «تكرار فعل نفس الشىء في انتظار نتائج مختلفة هو دليل الغباء».. فما بالك لو كنت تعيد تكرار نفس الشىء بلاعبين «أقل كفاءة».. و«أقل خبرة»!.
■ وما رأيك في ظهور واستمرار الأحزاب القائمة على أساس دينى؟
– كتبت في مقالات صحفية عن «نصف الديكتاتورية.. ونصف الديمقراطية»، فكل نظام حاكم له مميزات وعيوب نراها ونعرفها. فالديكتاتورية في الحكم بالرغم من عدم تأييدنا لها، لها فوائد أحيانا، والديمقراطية بالرغم من دعوتنا إليها، لها مضار أحيانا. الديكتاتورية قد تأخذ البلاد عبر مضيق التخلف أحيانا بطريق مختصر، والديمقراطية قد تجعل أغلبية الجهل تختار أسوأ ما في المجتمع ولا تتيح اتخاذ إجراءات مهمة قد تتوافق مع أغلبية اللحظة، ولكنها قد تخدم مستقبل البلاد أكثر. والآن لنا أن نسأل أنفسنا سؤالاً مباشراً: «هل نحن في دولة مدنية أم دينية؟». للأسف نحن بين الاثنتين.. أنت تقول إنك أمام دولة مدنية حديثة، ولكن بعض الممارسات تدل على أننا «دولة دينية»!.
■ مثل ماذا؟
المصري اليوم تحاور «الدكتور حسام بدراوى »
– إنك حتى الآن أمام «أحزاب دينية» تمارس العمل السياسى، رغم ما نص عليه الدستور. وأمام بعض القوانين التي تتدخل في الاعتقاد وحرية التعبير، إذا مست الدين أو شعائر غير مقدسة. إذن نحن في المنتصف بين «المدنية والدينية».
■ وهل سياسة «فى المنتصف» أو «البين بين» هي في حدود «المدنية والدينية» فقط؟
– ينعكس ذلك على الاقتصاد المصرى أيضاً. فهل نحن أمام دولة تؤمن بـ«الاقتصاد» الحر.. أم أننا في دولة «هى المستثمر» وصانع الفرصة؟ الإجابة ببساطة: «فى المنتصف»، نحن نقول إننا دولة تحتاج إلى استثمار، ولكن الحقيقة أن ذلك منخفض جداً.
وأنا- كقطاع خاص- أقول لك إنه يتعرض لمضايقات. والقطاع الخاص الأجنبى لا يرغب في المجىء لك في الوقت الحالى على الأقل. وبالتالى الدولة هي التي تقوم بالاستثمار.. وهل نطرح نفس السؤال: هل نحن دولة مؤمنة بـ«حرية الاقتصاد».. أم أننا دولة «يسارية»؟!
■ بماذا تفسر هذا «التناقض» إن صح التعبير؟
– دستورنا يقول ويحدد استحقاقات لا ننفذها.. فالإرادة السياسية ليست «إرادة رئيس» وحده، ولكن لمنظومة سياسية تحكم البلد. لقد قلصنا العمل المؤسسى في شخص الرئيس، ما جعل كل شىء جيد يعود إليه، وكل شىء سيئ يعود عليه أيضاً.
■ في ثورة 1919 خرجت مصر بفكرة قوية في تكوين «الوفد المصرى» كهيئة شعبية أولاً، ثم تحولت الفكرة لحزب سياسى.. كيف تظهر أحزاب قوية قادرة على التأثير في الناس.. أم أن الحالة الاقتصادية تلقى بظلالها على «الحياة السياسية»؟
– الحزب السياسى هو تنظيم له أيديولوجية معلنة، وله تمويل واضح يساعد الجمهور على الانضمام إليه وتحقيق برامجه، ولو تواجد في الشارع. وبدون ذلك لا يكون حزباً. ووسط هذه الإجراءات الأمنية من الصعب أن تتحرك الأحزاب في الشارع، وحين تنظر إلى أيديولوجياتها تجد أن من بين أكثر من مائة حزب هناك 3 أيديولوجيات فقط!.. فالأحزاب في مصر الآن «غائبة الأيديولوجيات»، وحركتها في الشارع «مشلولة»، والتمويل يحتاج إلى تبرع، وهو أمر ينظر إليه بنظرة تشكك.
■ في الحديث عن التمويل عندما سأل الأستاذ هيكل الرئيس عبدالناصر: «لماذا لا تنشئ أحزاباً» فرد عليه: «لو أننى فعلت ذلك لأصبح هناك أكثر من 30 حزباً أمريكياً».. هل هذه النظرة ما زالت سائدة؟
– دعنا نتحدث عن كوننا مؤمنين بالحياة الحزبية أو غير مؤمنين بذلك. فلو كنا غير مؤمنين بها، فلنعلن طريقا جديدا. ولكن طالما دستورنا حدد أن الحياة السياسية قائمة على الأحزاب، فعلى الدولة أن تدعم ذلك. وسيظل التمويل هو القضية الأساسية. ولا بد أن نكون على ثقة بأن الشعب المصرى لديه «حكمة» في الاختيار. فقد تمكن من تغيير نظام قائم منذ ثلاثة عقود، أقصى نظاماً «دينياً» في أقل من سنة، وهو ما لم يحدث في تاريخ الشعوب، ولا يوجد حكم دينى رحل في مدة عام.. وأنا لدىّ إيمان خاص بأن «محدش حيضحك على الشعب المصرى تانى» فلنترك الأحزاب تعمل.. والشعب عليه الاختيار.
■ بعد حل الحزب الوطنى اتجهت لتكوين «حزب الاتحاد».. ما السبب في فشل التجربة؟
– لم تفشل، فقد كونته بعد ثلاثة أشهر فقط من ثورة يناير. وأثناء لحظة التأسيس، كنت أعقد اختباراً لنفسى وللآخرين، وعندما انضم لى أكثر من مائتين وخمسين ألف عضو، كانت إشارة إلى أننا على الطريق الصحيح. وأنا على قناعة بأن حل الحزب الوطنى قد سلم البلد للإخوان على «صينية من ذهب»، وكان يجب أن تكون هناك تنظيمات سياسية قوية ضد «الإخوان». وعليه فقد صنعت بالحزب «منصة» جديدة، لها 4 نواب في البرلمان، يمكننى الحديث منها، بدلاً من الحديث معى كـ«وطنى» سابق.
ولذلك كنت على قناعة بالهجوم على الإخوان على مدى العام الذي حكموا فيه، حتى إننى وضعت نفسى في «دائرة الانتقام» منهم بسبب آرائى المعلنة. وفى انتخابات ٢٠١٥، كانت الدولة ما زالت في مرحلة «ترانزيت»، وأعتقد أنها ستنتهى بالانتخابات الرئاسية المقبلة. والوضع بالكامل كان «أمنياً» أكثر منه «سياسياً». والعمل في الشارع كان صعباً.. أما الآن، فلدينا نائب واحد للحزب تحت قبة البرلمان.. وأعتقد أنه بعد انتخابات الرئاسة المقبلة سيكون للحزب شأن آخر في انتخابات المحليات، ثم الانتخابات البرلمانية.
■ في الحديث عن انتخابات الرئاسة 2018، إلى متى سيظل نظام حكم الرئيس السيسى بلا «ظهير سياسى»؟
– وجهة نظرى المتواضعة أنه من الصعب بقاء هذا الوضع، ولا بد من تغييره. وهنا أنا لا أتحدث عن الرئيس السيسى بشخصه، ولكن هو أو غيره. لا بد أن ننتخب رئيس الجمهورية في إطار «فكر حزبى» معلن، لأننا في النهاية ننتخب كيانا سياسيا له قاعدة جماهيرية وسياسات وبرامج معلنة، ينتخبه الناس على أساسها. وأنا على قناعة- وكثيرون غيرى- أن الرئيس السيسى جاء في «شكل استثنائى» خلال الفترة الرئاسية الأولى. جاء في صورة «البطل المنقذ»، الذي لولاه، ولولا استدعاء الشعب للجيش- ما أمكننا الخروج من حكم الإخوان. ولكن هذا الظرف «الاستثنائى» انتهى. وبالتالى فالرئيس مطالب بـ«كيان سياسى» أو «فكرة سياسية» على الأقل، تخرج منها تشكيلة الحكومة.
■ ما تقييمك للفترة الأولى، وما الذي تطلبه منه كسياسى في الفترة الرئاسية المقبلة؟
– في رأيى أنه أبلى بلاء حسناً بعد سنوات من الانهيار السياسى والاقتصادى عقب ثورتين. وكانت مهمته الأساسية الإبقاء على وجود الدولة، ومشروعاته الاقتصادية كانت ضرورة لبنية اقتصادية تساعد على تحقيق انطلاقة مستقبلية.. واعتماده المطلق على القوات المسلحة يمكن أن أفسره بـ«الأمان» والاستناد إلى جهاز أكثر انضباطاً.. لكن المطلوب منه في الفترة المقبلة إذا انتخب أن ينفتح «مدنياً»، ويكون للمجتمع المدنى دور واضح وداعم لحرية الأحزاب في العمل الشعبى.. أتمنى أن تكون هناك محاربة حقيقية للفساد، وليس مجرد الكشف عنه. أن يكون هناك تشجيع للقطاع الخاص يسمح له بخلق فرص عمل وألا تنافسه على المستوى الاقتصادى، لأن منافسة الدولة للقطاع الخاص «غير عادلة»، ونحن جربناها في الستينيات وانتهت بـ«كارثة». وأتمنى أن تكون هناك ثورة في مؤسسة القضاء، لأنها المؤسسة التي تضمن العدالة والحريات، كذلك التغيير في فكر جهاز الشرطة ليكون أكثر علماً ومهنية.. أعتقد أن الفترة المقبلة لابد أن يكون لها شكل آخر.
■ بعد «الترانزيت» و«المرحلة الاستثنائية»، ما المواصفات التي تراها مطلوبة في الفترة الرئاسية المقبلة؟
– الرئيس السيسى- كشخص- له محبة ومودة من الناس، ولكننا نريد أن ننتقل إلى «مؤسسات». وفى رأيى الفترة المقبلة تتطلب وجود «حزب أغلبية» في البرلمان. ودعنى هنا أُشِر إلى أن الدستور أعطى رئيس الوزراء سلطات قد تقارب سلطات رئيس الجمهورية. ومعنى ذلك أن «الأغلبية» الحزبية في يوم من الأيام، يمكن أن تكون لحزب غير متوافق مع الرئيس. وهو ما يقتضى أن يكون الرئيس قادماً من «فوران سياسى» يدعمه بأفكار وظهير شعبى.
في الجزء الثانى:
أتوقع 3 سيناريوهات لـ«الرئاسة» واتهام شفيق بالخيانة «عيب»