الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / د بدراوي يكتب في المصري اليوم: الإنسان والمدينة

د بدراوي يكتب في المصري اليوم: الإنسان والمدينة

د بدراوي يكتب في المصري اليوم: الإنسان والمدينة

كلما تعمقت فى معرفة جسم الإنسان (تشريحه وفسيولوجيته) تجد أن عظمة الله فى خلقه هى أساس فلسفة حياتنا التى نظنها مادية فى مسار يومها من حركة وأكل وشرب وطرق ومواصلات، وقانون وشرطة وجيش، وحكومة وشعب. ننساق فى خلافات هنا وهناك حولها، ونتناسى أن خلق جسم الإنسان وتكوينه هو أساس الهندسة والديناميكا والفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم الوضعية التى نبغ فيها البشر.

تعالوا معى فى رحلة داخل الإنسان، وقارنوا بينه وبين المدينة التى نعيش فيها! نعم، جسم الإنسان والمدينة.

إن حياة الإنسان قائمة على قدرته على التنفس وإدخال الأكسجين من خلال رئتيه لكل خلية فيه. حقيقة بسيطة يعلمها الأمى والمتعلم والطبيب والقاتل الذى إذا أراد إنهاء حياة إنسان خنقه ومنع عنه الهواء النقى رغم جهله بالفسيولوجيا. ويصل الأكسجين إلى كل خلية محمولا فى الدم داخل الأوعية الدموية الصغيرة والكبيرة فى شبكة متكاملة تصل إلى الأعضاء وخلاياها ليقوم كل منها بعمله.

لو انسد وعاء من هذه الأوعية الدموية حسب مكانه قد يؤدى ذلك إلى بتر طرف من الأطراف، أما إذا انسدت فى عضو مهم كالقلب أو المخ، فقد يؤدى إلى الوفاة.

ما هى رئة المدينة؟ رئتها فى حدائقها وخَضَارها، حدائق يجب أن تتناسب مع عدد السكان فى الحى والمدنية. إذا لم تتواجد رئات المدينة خنقت كما يختنق الإنسان إذا تقلصت رئتاه أو امتنع جسمه عن استنشاق الأكسيجين.

وماذا عن جهاز الإنسان الدورى (شرايينه وأوردته) التى يمثلها فى هندسة المدينة طرقه ومواصلاته التى تنقل الغذاء إلى كل مكان فى الجسم.

وكما فى الإنسان، تتفرع الشرايين الكبرى- ويمثلها فى المدينة الهاى وايز- إلى طرق فرعية وأفرع من الفروع، وهكذا فى بناءٍ له منطق يسمح بحركةٍ سلسة للدم وما يحمله بلا توقف.

إذا انسدت الشرايين، مرض الإنسان، وقد يموت. وإذا ضاقت بالجلطات والكوليسترول على الجانبين، تجمعت الحركة، وتوقفت السلاسة، وتورم الجسم.

نحن فى علم التشريح نعلم تمامًا أين يسير كل شريان، وأين يتفرع، وفى المدن الحديثة كذلك. إن لم يكن لها شبكة طرق واضحة تسمح بالحركة السلسة، تمرض المدينة، وقد تموت!

جسم الإنسان يتلقى الغذاء من جهازه الهضمى، يمتص منه ما يشاء، والفضلات تخرج من الجسم بولا وبرازا وعرقا، فإذا مُنع خروجها يمرض الإنسان وقد يموت، ونحن كذلك فى المدينة، فإن التعامل مع مخرجاتها- تمثل أغلبها الزبالة- أصبح علما له تطبيقات ووسائل للتخلص منها، فإن لم يكن لها حساب سقطت المدينة ومرضت.

وكما يخرج جسم الإنسان فضلاته بانتظام، وإلا فشل ومات، يخرج من جهازه البولى سائل البول الذى إن لم يخرج من الكُلْيَة، تتوقف عن العمل، كذلك فى المدينة، يجب أن يكون لديها جهاز توصيل المياه وإخراج الفضلات السائلة. إن أجهزة الصرف الصحى من أهم أجهزة المدينة لتعيش.

إذا هاجمت جسم الإنسان جراثيم أو فيروسات، فإن جهاز مكافحة الضرر يعمل ليصل إلى مكان اختراق الجسم مثل أجهزة المناعة والمكافحة، وترتفع درجة الحرارة، لأن الجسم فى معركة، تنتهى بضحايا من كرات الدم البيضاء، غير التى تم تدخلها لتحارب الدخلاء، أو لتسد مكان تسرب الدماء، ويأتى الجسم بمن يعيد بناء الجزء الذى تضرر، ألا يتشابه ذلك مع أجهزة الشرطة والدفاع فى الوطن؟!

ويتعرف الجسم ويحكم على نوعية الضرر بأجهزة استشعار ترسل رسائل للجهاز العصبى، ليحرك دفاعات الجسم فى الوقت المناسب، بأجهزة تعريف تعرف إذا كان خارجا عن النظام أم لا، ويحكم مثل أجهزة القضاء فى المدينة على مسبب الضرر.

العقل وأجهزة الاستشعار ووسائل المناعة والبناء هى حكومة المدينة وروحها ونفسها يلهمها ويقويها لتظل متماسكة وصحيحة لتبدأ خلاياها وتسمو بأفرادها وتسعد بوجودها.

أحيانا لا يصاب الإنسان بالمرض من خارجه، ولكن تبدأ الخلايا فى الجنون وتأكل من حولها، وتصيب الأعضاء بالخلل مثل السرطان، وهنا قد لا يستطيع الجسم- خصوصا إن كانت أجهزته ضعيفة ومناعته متآكلة- أن يكسب هذه المعركة، إلا بالاستئصال الكامل لجسم السرطان ومن حوله ومن يغذيه وإلا عاد من جديد وأجهز على باقى الجسم وأنهاه.

بماذا يُذكركم ذلك فى الوطن، أترك ذلك لخيالكم، لأننا نعيشه بشكل من الأشكال الآن.

جسم الإنسان هو خلق الله، وإذا أراد مجتمع أن يعيش فى قرية أو مدينة أو وطن، فعليه أن يعرف تشريحه وفسيولوجيته، وأن يعلم أن أكبر الضرر قد يحدث من أقل الشرر.

كم رأينا إنسانا يفقد الحياة بجلطة فى مخه، أو نزيف أو انفجار فى شريان! وكم تآكلت جودة الحياة بتوقف عمل الكلية أو الكبد!

وكم انهار جسم، واختنق لعدم وصول الأكسجين من رئتيه إلى كل خلية فيه أو حتى لمجرد عدم قدرته على التخلص من فضلاته ومخرجاته.

تعالوا ننظر إلى جسم الإنسان وإلى حياتنا ونأخذ العبرة. يجب أن يكون للوطن مايسترو يعرف ما يدور، وينسق، ويتناغم مع مفردات احتياجاته بتوازن، ويحمى خلاياه من دمارٍ، داخليا كان أو خارجيا، مع استمرار البناء والتجديد.

عقل الأمة وجهازها العصبى هما حكومتها التى يجب اختيارها بدقة وأن يحكم على كفاءتها دائما.

إننا كأفراد نمثل خلايا الجسم، وصحتنا تأتى من صحة كل البدن، وبلدنا هو بدننا، ونحن خلاياه. ليصح البدن يجب أن نكون أصحاء، ولكى نعيش، وننمو ونتكاثر لا بد أن يكون الوطن صحيحًا متكامل الأوصاف. وألا نستهين بأى وظيفة من وظائف جسم الوطن مهما بدت تافهة أو صغيرة.

التعليقات

التعليقات