الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوي يكتب على مقهي الحالمون بالغد.. الدستور

د بدراوي يكتب على مقهي الحالمون بالغد.. الدستور

د بدراوي يكتب على مقهي الحالمون بالغد

قال الشاب الثائر دائما: إيه رأيك يا دكتور فى الكلام عن الاحتياج لتعديل الدستور؟ هو إحنا بنغير الدستور على مقاس السلطة الحاكمة ولّا لابد أن تتغير قواعد الحكم لتتوافق مع الدستور؟

وقال آخر: لو إتغير الدستور فمعناها أن فى عقد واحد من الزمان كان عندنا ٤ دساتير مختلفة، دستور ٧١ المعدل فى عام ١٩٨٠ ليلائم الحاكم ويمد مدة بقائه فى الحكم، ودستور المجلس العسكرى الذى حكم البلاد سنتين، ودستور الإخوان عام ٢٠١٢، ثم دستور ما بعد ٢٠١٤.

وقال ثالث: لأ، وكل الدساتير باختلافاتها الفلسفية تم استفتاء الشعب عليها، ووافقت الأغلبية عليها كلها، بالرغم من تعارضها فى المضمون.. بجد إحنا مش فاهمين حاجة يا دكتور، يعنى كل من يحكم يغير الدستور على مقاسه وفى كل مرة يوافق الشعب بأغلبية كبيرة.. ده كلام لا يصدقه أى عاقل.

وانبرى رابع بانفعال قائلا: كيف يوافق الشعب على المتناقضات بأغلبية فى كل مرة يتم فيها الاستفتاء؟.. إما أن النتائج مزورة، وإحنا متعودين إن كل نظام حاكم بيقول كده على من كان قبله، وإما أن ديمقراطية الصندوق الانتخابى لشعب تصل الأمية فيه إلى أكثر من الثلث، والفقر والاحتياج إلى النصف، لا تصلح للاختيار.

وقال خامس بخبث: يا دكتور حسام، لماذا لم يتم انتقال السلطة بعد تنحية مبارك فى الإطار الدستورى وقتها، وإجراء انتخابات رئاسية بعد ٦٠ يوما، كما كان يقول الدستور، وكنا تجنبنا كل المآسى التى حدثت بركوب الإخوان على البرلمان والحكم وتلوين البلاد بالإسلام السياسى أحادى التوجه الذى ثار الشعب عليه أيضا.

وقالت شابة بعنف: هوه مش الدستور موجود علشان لما تختلف الفصائل تكون هناك مرجعية، ولا يعلو صوت من يركب اللحظة على الآخرين بحكم تنظيمه أو تمويله أو قوته اللحظية.

بصراحة لو تم تغيير الدستور خامس، سنكون دولة بتهرج فى مسائل الجد.

أغمضت عينىَّ لحظات، ثم نظرت إليهم بكل الحب والمودة والفهم لأسباب انفعالاتهم وقلت:

أولا، لقد كان رأيى الذى قلته، وأعلنته، وقت ثورة يناير هو الانتقال الدستورى لعهد جديد، ولكن لم يستمع إلى هذا الرأى لا الرئيس مبارك ولا المجلس العسكرى وقتها.

ثانيا، أنا أوافقكم تماما لأهمية استدامة الدستور فترة زمنية كافية لتتحقق أغراضه وأن تكرار تعديل أو تغيير الدستور فى كل أزمة سياسية أو تغيير النظام الحاكم يفقد الثقة فى سبب وجود الدستور.

ثالثا، أن الدستور لا يجب أن يكون مفصلا لكل أغراض الحكم، بل أن يكون قليل الكلام، يبنى فلسفة للحكم، ولكن يترك مساحة لتعدد سبل الوصول إلى الأهداف، وأعتقد أن هذا هو سبب الاختلاف حول الدساتير التى أتت بعد دستور ٧١. حيث دخلت فى تفاصيل تنفيذية ونسب مالية محددة للإنفاق على بعض الحقوق والخدمات، ونظم أوجب اتباعها تفصيلا، وهى أمور تتعدد الأحزاب السياسية فى أسلوب التوجه إليها، فصعب تنفيذها من السلطة الحاكمة الآن.

رابعا، كل دستور يجب أن يكون فى مضمونه وسيلة تعديله وإلا جعلنا المستقبل رهنا بفكر أجيال سبقته قد لا تكون أفكارها مناسبة لتغيرات تحدث فى الحياة، لذلك مرة أخرى فإننى أرى أن الدستور لا يجب أن يكون مفصلا، بل يترك الوسائل لتعددية الأحزاب السياسية طالما يحدد الأهداف الكبرى، ولا مانع من تعديله إن كانت لذلك فوائد مستدامة.

مثلا، أن يقول الدستور أن يكون التعليم متاحا بجودة عالية بعدالة ولكل الأعمار، وأن يكون التعليم والرعاية الصحية أولوية فى إنفاق الدولة، مع تمكين كل الشباب رقميا، وبناء الشخصية المصرية السوية، المنافسة عالميا، وذلك بغض النظر عن قدرات المواطن المالية.

هنا، الدستور لا يجب أن يتكلم عن تعليم فنى أو أزهرى، ولا عام ولا خاص، ولا عن عدد مدارس وجامعات ولكنه يلزم المجتمع بالإتاحة والجودة والعدالة والأولوية فى الإنفاق ويترك للأحزاب والمتقدمين إلى الشعب كمرشحين بيان أسلوبهم فى تحقيق ذلك.

خامسا، أعود إلى الصندوق الانتخابى وأمية الشعب، وهو الأمر الذى أراه مهما لأن الحقيقة أن الشعب المصرى أثبت بمتعلميه وأمييه وفقرائه وأغنيائه أن لديه حسا حضاريا عند الاحتياج. إن الديمقراطية ليست فقط صندوق الانتخاب ولكن يسبق الصندوق أمانة الدولة فى العرض، وإعلام الدولة الذى يثقف وينشر الحقيقة، ويمنع شراء الأصوات أو استخدام الدين للتأثير على الناس، ويلى صندوق الانتخاب وسائل الفصل بين السلطات والتوازن بينها، والمحاسبية، والثورة التى نحتاجها فعلا هى فى مؤسسة العدالة الناجزة. الديمقراطية أيها الشباب ليست حلا مثاليا، ولكنها مازالت أفضل الحلول إذا كنا جادين فى نقل البلاد إلى صيغة الدولة المدنية الحديثة. أنا لا أوافق على ديمقراطية الإيليت المتعلمين فقط، وأرى أن من حق الجميع إبداء الرأى، وهناك وسائل لإحداث هذا التوازن.

قال أول المتحدثين: يعنى سيادتك موافق على إجراء تعديلات دستورية على ما وافقنا عليه منذ أربع سنوات فقط؟

قلت: لأنى أتفهم خوفكم من فتح باب التعديلات الدستورية الذى قد ينتهى بتعديل ما لا نريد تعديله وعدم تعديل ما نريد تعديله، ورغم رغبتى فى تعديلات بعينها كعودة مجلس الشيوخ الذى يوازن الاختيارات الشعبوية للبرلمان، وإخراج التفصيلات من صياغة الدستور، إلا أننى أوافقكم على عدم المساس بالدستور الحالى الآن، ونلزم بتعديل الدستور السلطة المنتخبة فى ٢٠٢٢، ويكون محتوى التعديل المقترح جزءاً من التزاماته التى ننتخبه على أساسها، فيصبح ملتزما بها من يتم انتخابه، بشرط عدم إجراء أى تعديل دستورى يعطى حقوقا يستفيد منها من يحكم فى مدة حكمه، أو فى زيادة سلطات أو تغيير فى مدة حكم.

ولابد أن أقول لكم إن الرئيس السيسى أعلن أكثر من مرة أنه لن يسمح بتعديل دستورى يمس مدة رئاسة البلاد، وهذا هو ما يهمنى فيما تحاولون قوله بين السطور… وأنا أعلم أنه صادق وأمين مع نفسه ومع الشعب.

التعليقات

التعليقات