د بدراوى يكتب في المصري اليوم:
حوار حول الإيمان مع د. وهبة والحالمين
قالت صديقتى المثقفة:
هل قرأت مقال الدكتور مراد وهبة عن الخطاب الدينى القادم وعن وصفه للإيمان؟.
قلت:
د. مراد وهبة صديق عزيز وفيلسوف جميل ويكتب رؤيته للقرن الحادى والعشرين فى مجموعة مقالات تنويرية تستحق القراءة والتحليل، ولكنى أظن أن مقاله هذا فوق مستوى قارئ الجرائد اليومية الباحث عن المعنى السريع والخبر.
قالت:
عندك حق فى أن المقال ليس لقراء الجرائد ولكن نسبة مساحته العريضة فى الجريدة إلى مجموع المقالات والأعمدة والأبواب اليومية المنتظمة تكاد تتوافق مع نسبة القارئ المستهدف من د. مراد.
قلت:
دعينا نقرأ سويا عن معنى الإيمان الذى طرحه د وهبة فى مقاله فى إطار حديثه عن فلسفة الإجماع عند شيوخنا عبر التاريخ، مما يمنع التفكير والتأويل الذى يعتمد فى جوهره على تعددية فى المعانى واحترام الاختلاف الذى يمتنع عنه الإجماع، قبل الدخول فى تفاصيل المقال الذى يقودنا فى النهاية لابن رشد.
يقول د. وهبة إن الإيمان يعنى أن القلب ملتزم باعتقاد فى رسالة هو يقبلها، ومع التطور تحول لفظ اعتقاد إلى لفظ دوجما أى عقيدة. ومن ثم أصبحت العقيدة بديلا عن الاعتقاد. ويشير إلى أن، تاريخيًا، هذه الأفكار هى من صياغة سلطة خارجية قالت عنها إنها جوهر الدين والإيمان، وعلى المؤمن أن يسلم بها ثم بعد ذلك يبررها عقليا إن شاء أو يكتفى بالخنوع إليها بدون تساؤل، وفى الحالتين تكون العقيدة إلزامية. ويقال عمن صاغوها إنهم علماء عقيدة وهم يمزجون بين الإيمان والعقل ولكن بشرط أن يكون العقل هو عقل إيمان معين ومحدد وليس عقل إيمان بالمطلق… أى أن العقل والتفكير يتوقف عند سقف حددوه بإلزامية لا تسمح بالتفكير إلا فى إطاره.
وأنا يا صديقتى عندى تفسير لغوى إضافى وهو أن الإيمان يعنى تصديق ما ليس له برهان ثم العمل على أساسه. لذلك فإيمان البشر من ألف سنة سيختلف عن إيمانى الآن حيث اتضح بالعلم أن كثيرا مما كان يصدقه الناس بلا برهان ظهر له بالعلم براهين وأصبحت مساحة الإيمان مختلفة لأنه انتقل من القلب إلى العقل. وأنه كلما ازداد العقل معرفة قلت مساحة الإيمان التقليدى.
أى أن العقل والعقل وحده هو الطريق إلى الله وليس تصديق ما ليس له برهان كما كان فى الماضى.
قالت: إن الإيمان بالقلب والإيمان بالعقل والبرهان هما عندى متكاملان فى سبيكة واحدة، تعكس على سطحها المصقول وحدة الكون الأنيق المتناغم ووحدة خالقه.
التطرف عندى هو كسر هذه السبيكة وتناثر شظاياها لتثمر كرهًا وقسوة وضغينة وجرائم يذهب ضحيتها الملايين على مر القرن. وهنا لا فرق بين التطرف فى أى دين أو معتقد سياسى، أو تمييز عرقى أو اجتماعى.
قلت: أتذكر قصة بكاء تلميذ ابن رشد (مواليد 14 إبريل 1126م، قرطبة – توفى 10 ديسمبر 1198م، مراكش) بينما كان العرب يحرقون كتب معلمه، فالتفت إليه المعلم وقال: «إذا كنت تبكى حال المسلمين فاعلم أن بحار العالم لن تكفيك دموعا، أما إذا كنت تبكى الكتب المحروقة فاعلم أن للأفكار أجنحة وهى تطير لأصحابها».
ومعنى هذا أن أحوال المسلمين كانت (فى القرن الثانى عشر الميلادى الذى عاش فيه ابن رشد) تستدعى البكاء عليها.
ومن مآسى الدهر، أننا نستطيع أن نكرر كلمات ابن رشد وكأنها قيلت اليومَ رغم أن صاحبها مات من مئات السنين!، ويهذى البعض فى واقعنا ويقولون إن أحوالنا سيئة بسبب الآخرين، المجرمين، المتآمرين. وها هو ابن رشد يتكلم عن أحوال سيئة تستحق أن نبكى عليها قبل أى استعمار وتآمر.
فإذا اشتركت شعوب عبر الزمن على التطرف فى الفكر، والحدة والعنف فى فرض إيمانها، وقتل قادتها العادلين، وكذلك فى تخلفها الاقتصادى والسياسى فلا بد أن يكون هناك عامل مشترك يجمعها. وقد لا أكون صائبا، ولكن يطل على الإسلام فى هذه اللحظة بشكل كبير، وتطل علىّ المسيحية قبل فصل الدين عن الدولة بكل مآسيها ضد العلم والعلماء فى العصور المظلمة لأوروبا.
ولأنى أرى فى الناس أفضل ما فيهم، ولأنى أرى الصواب فيما أقرؤه لأنى أبحث عنه، فإننى أرى فى الإسلام عقلا وتسامحا ومحبة وعلما وتعاطفا، وعفوا ومغفرة، ولكن يظهر أننى أقلية فى المجموع لأن الشعوب الإسلامية كجمع تراكمى وتاريخى لا يتصرفون وفقا لهذه القيم بل بعكسها، ويعكسون جانبا فى الدين أراه أحيانا بين السطور الباحثة عن الشرور يمثل اتجاهات سلبية كما وصفت من حدة وعنف وتسلط فى الرأى واستخدام لمفردات الدين للوصول للسلطة والاستمرار فيها. أما أنا فأختار جوانب أخرى أراها فوق السطور من المحبة والارتكان للعقل والعلم والتسامح والشغف بجمال الحياة والإنسان وتقديرهم.
ولكن أرجع وأقول إنه إذا توافقت كل هذا الأمم الإسلامية على عكس ما فهمته، وتأخرت وازداد فقرها وجهلها وعنفها، فإننى أحيانا أشك فى أننى أنا المخطئ فى الفهم والتقدير ويزداد إيمانى بأهمية فصل الدين عن الدولة والسياسة، فإن التاريخ يقول لنا بوضوح إن متطرفى اليهودية والمسيحية والإسلام ومتطرفى الاعتقادات عموما لا يختلفون عن بعض، والشعوب التى نجت هى من فصلت الدين، وهو علاقة بين الإنسان والله، عن السياسة والحكم وكافة الأغراض الدنيوية.
قالت: وأنا معك فى ذلك- الدين عقيدة بين الإنسان والله، وليس له علاقة بالسياسة أو الحكم.