حسام بدراوي
قال الشاب الواعد السياسى: نشكرك على فتح بابٍ للحوار أوسع على صفحتك فى الفيس بوك تحت شعار«المستقبل يبدأ كل يوم.. دعوة للمشاركة»، ووضعت فيها تفاصيل للتوجه الأول فيما طرحته لإحداث تغيير ثقافى وسلوكى فى وجدان المجتمع، ونحن فى شغف لنستمع ونحاورعن التوجه الاقتصادى للبلاد، وكيف نشارك فيه.
قلت: يشمل التوجه الثانى من الاثنى عشر توجهًا «النمو الاقتصادى» واستدامته وتوازنه مع خلق فرص التشغيل، فلا يمكن للتنمية الإنسانية الوصول إلى أهدافها دون أن تتوازى مع برامجها برامج اقتصادية، تزيد من الثروة وتقضى على الفقر وتفتح مجالات العمل للمواطنين.
إن تحقيق النمو المتوازن والمستدام المقترن بزيادة فرص التشغيل يجب أن يقترن بإعطاء بعض الأولوية للفئات المحرومة من السكان دون التأثير على توازن موازنة الدولة، وذلك للإسراع بتحقيق معدل اقتصادى يبلغ من 7 % إلى 8% فى المتوسط سنويًّا على مدى خمسة عشر عاما متتالية. وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا باستدامة السياسات، وإقناع الشعب بها، واحترام فلسفتها، دون تراجع أو خروج عنها بهدف جماهيرى سياسى قصير المدى.
إن نمو الاقتصاد بشكل متوازن بهذا الشكل وهذه النسبة من جانب آخر أمرٌ لا يمكن تحقيقه أيضا دون اكتمال واتساع البنية الأساسية والمرافق العامة حتى يمكن أن تستوعب هذا النمو، خاصة الطرق والمواصلات والموانئ والمطارات، والعدالة فى تطبيق ناجز للقانون.. وقبل كل شىء تنمية الإنسان القادر على حمل عبء وفرصة التنمية والخارج من نظام تعليمى فعال يخدم هذه التنمية.
قالت الشابة السياسية: كيف ترى علاقة الحكومة ومؤسسات الدولة بالاقتصاد؟
قلت: رأيى أنه لابد من تعظيم قيمة الدولة كمنظم وراعٍ للعدالة وتكافؤ الفرص وتطبيق القانون، لكن من جانب آخر فإنه يجب تخفيف سيطرة الدولة على الاقتصاد، وعدم تدخلها المباشر كمنافس فى الأسواق.. بالرغم من أن القطاع الخاص يستوعب ٧٠٪ من العمالة حاليا ومسؤول فعلا عن أكثر من ذلك من الدخل القومى، فمازلت أرى رغبة البعض فى العودة إلى تدخل الدولة المباشر وغير المباشر فى ملكية قطاعات الإنتاج وتقديم الخدمات.
الدولة عليها الاستثمار فى البنية الأساسية، والقطاعات التى تحفز التنمية، مثل التعليم العام والمواصلات العامة والطرق والصرف الصحى.. وغيرها من الخدمات التى قد لا يبادر القطاع الخاص بالاستثمار فيها، فى بداية حركة التنمية. حتى فى هذا التوجه عليها أن تكون ميسرًا للتنمية حتى تدور عجلة الاستثمار وليست بديلا للمجتمع المدنى وقطاع الأعمال.
إن ملكية الدولة وإدارة الشركات والمصانع بحجة الحفاظ على منتج أقل سعرًا، هو وهم جربناه وعايشناه، ليس فقط فى مصر ولكن فى كثير من الدول التى انتهجت تاريخيا هذا النهج. لقد أثبتت التجربة فشل الحكومات، حتى وإن ظهر غير ذلك على المدى القصير.. فى إدارة الاستثمار باسم الشعب، لقد أدت تجاربنا وتجارب غيرنا إلى خسارة الشعب كله من جراء استمرار توزيع أرباح وهمية على العمالة والموظفين.. كأننا ندعم فئة من المجتمع على حساب المجتمع كله لإثبات نجاح النظرية بغض النظر عن النتائج.
قال الشاب الأول: هل هناك قطاعات محددة تقود مسارات التنمية؟
قلت: هناك أنشطة تقليدية وأخرى حديثة، بعضها ينتج خدمات قابلة للتداول عالميا، وأخرى تنتج سلعا وخدمات محلية، وقد تكون الست قاطرات القادرة على خلق فرص العمل، وهى، أولاها: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصادرات الخدمية المرتبطة بها، ثانيتها: الصادرات الصناعية كثيفة العمالة والمهارات، ثالثتها: التصنيع الزراعى غير التقليدى والحاصلات البستانية، رابعتها: السياحة بكل ما يحيط بها من أعمال لوجستية وفندقية وثقافية، خامستها: قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة عمومًا، وأخيرا: الإسكان والتشييد الذى يستوعب حوالى مائة مهنة ترتبط بتشغيل واسع للعمالة وعائد اقتصادى واجتماعى كبير.
قال الشاب: ما هو تركيزك الأساسى فى كلامك عن الاقتصاد؟
قلت: زيادة الثروة والقضاء على الفقر نهائيا.
إن إحصائياتنا الرسمية من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تقول إن معدل الفقر زاد فى آخر عقدين من الزمان من ١٦٪ إلى ٣٢٪، منهم ٤٪ زيادة فى آخر ٣ سنوات، أى أن التنمية الاقتصادية لم تتواز مع معدل الزيادة السكانية، وهو موضوع مهم بذاته، سنتكلم عنه.
إن خبرتى تؤكد أهمية مكافحة الأمية مع مكافحة الفقر، وبذل جهود لخلق فرص عمل بدلا من مجرد رصد المبالغ لمساعدة الأسر الفقيرة، ولكن مع ضمان خروج الفقراء من خط الفقر وعدم العودة إليه مجددا.
ملحوظتى أن كل خطط الدولة كانت عبر السنين تتكلم على خفض معدل الفقر، وأنا أتكلم عنالقضاء على الفقر نهائيا وهو هدف مختلف مع زيادة الثروة..
إن خبرات الصين فى القضاء على الفقر يمكن لمصر دراستها، وتتجسد بشكل رئيسى فى مواصلة مكافحة الأمية وزيادة فرص التعليم وحل تحديات البطالة باعتبارهما من أهم جذور الفقر، علاوة على زيادة التمويل وتطوير المشاريع المتعلقة بهذا المجال.
أما زيادة الثروة فلابد من تعليم محترم وزيادة جذب الاستثمارات الأجنبية لتصل إلى ٥٠ مليار دولار سنويا فى خلال ٥ سنوات، علما بأنها لا تزيد فى الوقت الحالى على ٥.٩ مليار دولار خارج استثمارات البترول، وهو ما يقل عن الاستثمار الأجنبى فى عام ٢٠١٧ الذى وصل إلى ٧.٧ مليار دولار (أرقام البنك المركزى). وتقول وزيرة الاستثمار إن هذه الأرقام لا تتضمن الاستثمارات التى تم ضخها فى محور تنمية قناة السويس، بالإضافة لقيم الآلات والمعدات الخاصة بالشركات.
هنا تكمن أهمية تنافسية مصر وثبات السياسات ونظم الضرائب وتطبيق العدالة الناجزة وحوكمة إدارات الدولة التى تعرقل الإنجاز وتعوق الاستثمار.
قال الشاب: وهل هناك مواثيق دولية يمكن الارتكان إليها حتى لا نخترع العجلة؟
قلت: هناك من الخبرات الدولية والمحلية ما هو متاح وممكن التطبيق.
القضية فى استدامة الاستراتيچيات وتراكم الخبرات، حيث إننا لا ننهى أبدا ما نبدؤه، ولا نستفيد من أخطائنا ولا نحلل تجاربنا لنتعلم..
وسأضع لكم وللقراء فى اللينك التالى استراتيجية لتنافسية مصر، وضعها ووثقها المجلس الوطنى المصرى للتنافسية، رؤية مصر ٢٠٣٠ فى التنمية الاقتصادية، والتقارير الدولية والأبحاث المتعلقة بهذا الأمر لزيادة المعرفة ورصد مؤشرات النجاح فيما تعرضه الحكومة من مبادرات.
إننى أدعو المختصين والحكومة إلى أن يشاركونا بالرأى ويفيدونا بخططهم ومؤشرات الحكم على تطبيقها، حتى يتسنى لنا كمجتمع مدنى وإعلام المتابعة والإشادة عندما يكون هناك ما يستحق، والنقد إذا لم تلتزم الحكومة بما تعلنه.
للمشاركة