تحت مظلة «مركز تحوت للدراسات الاستراتيچية»، استضافت جمعية «الحالمون بالغد والعاملون له» فى عيد تكوينها العشرين- بالمشاركة مع «حزب الاتحاد»- جلسات استماع للشباب ممثلى الأحزاب السياسية، والجمعيات الأهلية، والقطاع الخاص، وبعض أصحاب الخبرة فى العمل الشبابى، بالإضافة إلى بعض شباب الباحثين، وطرحت عليهم هيكل مبادرة لمساندة الدولة فى توجهاتها نحو الشباب فى ظل متغيرات جديدة اجتماعية وثقافية وسياسية، حيث لا يجب تكرار التحارب، بدون مراجعة، فى انتظار نتائج مختلفة.
تغییر المنطلقات الفكریة الحاكمة للتعامل مع الشباب
اعتمدت المرتكزات الأساسیة لثورة یولیو ١٩٥٢ على قیام أجهزة الدولة بلعب دور الوصى على أفكار الشباب ورؤاهم، وتدخل النظام وتنظیمه الشعبى الحاكم، أیا كان اسمه، فـى تحدید أهـداف الـعمل مـع الشـباب، وتـهمیش دور الشـباب الـمنتمى لأى تیار أو توجه آخر له سیاسة معارضة أو حتى مختلفة.
ولـقد ارتـبطت تـوجـهات الـحكم بـاسـتخدام الشـباب لخـدمـة أهـداف الـنظام السـیاسـى فـى كـل مـرحلة، كـما حـدث فـى عهـدى الـرئـیس نـاصـر واعـتماده عـلى الـتنظیم الـطلیعى لـمنظمة الشـباب ثـم الـرئـیس الـسادات وسـیاسـته فـى دفـع الإخـوان والـتیارات الإسـلامـیة لـمواجـهة الـتیار الناصرى داخل الجامعات.
كـذلـك فـقد تـمت مـحاولات لـم شـمل الشـباب، ولـم تسـتمر، فـى عهـد مـبارك أهـمها تجـربـة «حـورس» الـتى تـبناهـا المجـلس الأعـلى للشـباب والریاضة.
وبــعد ذلــك فــى فــترة حــكم الإخــوان عــام ٢٠١٣ فــقد اعــتمد تــنظیم الإخــوان عــلى شــباب الإخـوان والسـلفیین، فـى فـرض سـیطرة الـنظام الـحاكـم عـلى الـشارع مـن الـقریـة إلـى الـمدينة، وتـبلورت حـركـتهم فـى مـحاصـرة مـدیـنة الإنـتاج الإعـلامـى والـتحكم فـیها، ثـم مــحاصــرة الــمحكمة الــدســتوریــة ومــنع اجــتماع أعــضائهــا، وفى اسـتخدامـهم حـول الـقصر الجـمهورى لـمواجـهة الـمظاهـرات، وخـلق شـبه جـیش نـظامـى مـوازٍ لـجهاز الشـرطـة یـفرض الـطاعـة ویـعاقـب المختلف عن أیدیولوجیتهم.
إلا أنـنا نـظن أن هـذه الـرؤیـة الـتى ظـن أصـحابـها أنـها كـانـت صـالـحة فـى فـترة الـحكم خـلال الـعهود الـثلاثـة لـثورة یـولـیو، ثـم عهـد الإخـوان، لـم تـعد صـالـحة فـى الـفترة الانـتقالـیة ومـرحـلة إعـادة بـناء الـدولـة الـتى نـعیشها الآن. إن مـا یشهـده الـمجتمع مـن تـنوع حاد فـى الأفـكار والرؤى یمثل تحديا خطیرا فى حد ذاته، وفرصة فى نفس الوقت.
لذلك یصبح مـن الضرورى بلورة سـیاسـة عـامة جـدیدة للشـباب تلتزم بـها أجهـزة الـدولـة، وتـشارك فـى صـیاغـتها الـجهات الـمعنیة بـرسـم هـذه السـیاسـة وتـنفیذهـا والشـباب أنـفسهم. وبـدون بـلورة هذه السـیاسة یـصبح مسـتقبل تجـربـة مـصر الـدیـمقراطـیة فـى خـطر فـى ظـل إحـساس قـطاعـات كـبیرة مـن الشـباب بـالـتهمیش والحـرمـان، وغـیاب مـعایـیر الجـدارة والـكفاءة فـى اخـتیار الـقیادات الشـبابـیة، وفـى ضـوء حـیاد أجهــزة الــدولــة (مــا عــدا الأمــن الذى أراه يكرر نفس التجارب بمسمى جديد هذه الأيام) فــى مــواجــهة ازدیــاد جــاذبــیة أفـكار الـتطرف والـعنف لـكل الـفئات ووجـوب مـواجـهة والـتعامـل مـع الاستقطاب السیاسى والدینى الحاد الموجود فى المجتمع.
إن صياغة هذه السياسة تصطدم بمجموعة من العقبات والتحديات وهى موضوع مقالة اليوم واترك مبادرات الحلول للمقالة القادمة.
التحدیات أمام وضع سیاسة الدولة للشباب:
١- من له الحق فى وضع سیاسة الدولة للشباب؟
نـطرح عـلى أنـفسنا هـذا الـسؤال الـمرتـبط بمن له الحق فـى تـغییر الـثقافـة الـقائـمة، علما بأن السـیاسـات الـوطـنیة للشـباب، یـجب ألا تـكون أحـادیة الـتوجـه، وأنـه مـن الـواجـب اسـتحداث ثـقافـة جـدیـدة قـائـمة عـلى احـترام تعدديه الأفكار.
الأصـل هـو خـلق قـاعـدة طـبیعیة مـن الشـباب تحترم اعـتبارات الجـدارة والـكفاءة لتولى المناصب العامة بعيدا عن تـدخـل الـدولـة الـمباشـر فـى الـتوظـیف (إلا فـى أضیق الحدود).
إن تـمكین الشـباب لـه مـعنى شـامـل لا یـقتصر فـقط عـلى إتـاحـة حـصص تـمییزیـة بـل یـتعداه إلـى مـناخ خـلق الـفرص (وظـیفة الـدولـة خـلق الـفرص ولـیس الـتوظـیف)، وفـتح أبـواب الـتنافـس الـشفاف بـین الشـباب وعـلى الـدولـة تهـیئة هـذا الـمناخ وتعزیز تكافؤ الفرص والمساواة. التحـدى هـو جـمع أصـحاب الـمصلحة سـویـا. وقـد تـكون الـدعـوة الـموجـهة مـن السـلطة الـتنفیذیة الـحاكـمة بـمشاركـة الـبرلـمان والـمجتمع الـمدنـى بـمعناه الـواسـع لهذا التجـمع هـى أفـضل السـبل لـتكون سـیاسـات الشـباب فـیها حـد أدنـى مـن الـتوافـق ویـترك لـكل حـزب سـیاسـى الـتعبیر عـن خـصوصـیته بـالـشكل الـذى یـراه طالما لا یتعارض مع الدستور والقانون.
التحدى الثانى یـتمحور حـول عـدم جـاذبـیة مـوضـوع وضـع رؤیـة وسـیاسـات عـامـة لـكثیر مـن فـئات الشـباب الـتى أصـابـها الـملل مـن كـثرة الحـدیـث الـنظرى عـن مـشاكـل الشـباب والحـلول الـلازمـة لـها خـاصـة فـى ظـل عـدم إصـدار دلـیل مبسـط عـن الـعوائـد الـمترتـبة مـن تـطبیق هـذه السـیاسـة عـلى جـمیع فـئات الشـباب، وبـلغة مبسطة تتلاءم مع احتیاجات كل شریحة منهم.
ویـظن الـبعض أنـه لا لـزوم لـوضـع سـیاسـات دولـة للشـباب، لأنـهم یـمثلون ٦٠٪ من الشعب، فكل سیاسات الدولة موجهة لهم على أى حال.
ویـتمثل التحـدى الـثالـث فـى تـأصـل ثـقافـة الاعـتماد عـلى الـدولـة الأب والأم الـتى تــنفق وتــدعــم وتــوظــف وتــضمن، وهو أمــر أصــبح غــیر مــمكن فــى كــل اقتصادات العالم ناهیك عن الدول التى تنفق أكثر مما تنتج.
التحـدى الـرابـع هو تحـدٍ ثـنائـى، یـتمثل فـى قـلة عـدد الجـمعیات الأهلیة الشـبابـیة الـمنوط بـها مـناقـشة وتـطبیق هذه السـیاسـات، إذا وضـعت، وعـدم ثـقة الـنظام الـحاكـم فـى هذه الجـمعیات القلیلة وتـوجـس الأمـن فـى أى نـشاط لـها یحتوى الشباب، ومن ثم عدم تمویلها بالقدر الذى یسمح لها بالمشاركة.
كـذلـك یـشمل هذا التحـدى عـدم وجـود إطـار تشـریـعى یـسمح بـمشاركـة نشـطاء الإنترنت والـفاعـلین فـى الـمبادرات الشـبابـیة بـصفة مـؤسسـیة بـعیدا عن ذواتهم الشخصیة.
التحـدى الـخامـس هو عـدم اسـتدامـة أى سـیاسـة فـى مـصر مـدة كـافـیة لـتحقیق أهدافـها حـتى فـى إطـار نـظام حـكم واحـد فـالـحكومـات تـتغیر فـى ظـل نـظام واحـد وتـتغیر مـعها السـیاسـات.. مـما یـلزم عـند وضـع سـیاسـة للشـباب، وضـع إطـار یضمن استدامتها.
التحـدى الـسادس هو مـركـزیـة الـدولـة الـمصریـة الشـدیـد، الـذى یـمنع أطـراف الـدولـة مـن الـمنظمات والجـمعیات والـتشكیلات الـلامـركـزیـة مـن الـمساهمة الفعالة لخدمة الشباب، ومن ممارسة تطبیق أى سیاسة.
ویـشمل التحـدى الـسابـع فـلسفة تـكویـن الـحكومـة فـى مـصر والـتى تـجعل مـن الـوزارات الـمختلفة جـزرا مـنعزلـة عـن بـعضها فـى أغـلب الأحـیان، لـذلـك فـإن سـیاسـات الشـباب قـد تسـتلزم ضـم مـلفات الـتعلیم والـثقافـة والإعـلام والشـباب فـى بـوتـقة واحـدة تـتكلم نـفس الـلغة وتـسانـد بـعضها الـبعض فـى تحـدیـد هویـة الأطـفال والشباب والعمل على غرس القیم الإیجابیة فیهم.
التحـدى الـثامـن، هو صـعوبـة جـذب والـتفاف الشـباب حـول رؤيـة تـتكلم عـن الـتعدديـة واحـترام الاخـتلاف وتـبادل السـلطة أمـام الـرؤى الـتى تسـتخدم الجهل والاحـتیاج فـى اجـتذاب الشـباب لأيـديـولـوجـیات ديـنیة أو دنـیويـة فـى تـوجـه أحـادى الـفكر ينتهى بالطاعة العمیاء وتصلب فى المواجهة.
ویكمن التحــدى فــى عــدم تــعود الــمجتمع عــلى هذه «الـطفرة الدیمقراطیة» المفترضة النابعة من نجاح ثورتین فى مدى ٤ سنوات وكذلـك الـوجـود الـملموس للشـباب الـمنتمى لـلتیارات اللیبرالیة، والدیـنیة السـیاسـیة، والـیساریـة عـلى الـساحـة، سـواء كـانـت سـاحـة شـعبیة، أو سـاحـة الـفضاء الإلكترونـى الـذى یـمتلئ بهذا الـوجـود. وتـكمن الخـطورة أیـضا فـى عـدم تـعود الأطـراف الـمختلفة عـلى وجـود الآخـر، وعـدم تـمثیلهم حـزبـیا حـتى یـختار الـشعب من بـینهم، واعـتمادهم عـلى كـثیر مـن الفبركة الإلكترونیة فى تشویه الآخر.
فى نـفس الإطـار فهناك تحـدى عـدم تـعود أجهزة الـدولـة الـمعنیة بـالشـباب والأمـن عـلى الـتعددیـة الـفكریـة وبـمحاولاتـها عـلى قـصر دورها عـلى إمـا إدارة دفـة الـعمل الشـبابـى بـأنـفسهم وفـرض فـكرها بـالانـتماء لـنظام الـحكم الـحالـى عـلى الـقطاعـات الـمختلفة للشـباب، وإمـا اعتبار كل مختلف عدوا یستوجب المحاربة.
التحـدى الـتاسـع: غـیاب الـقیم فـى الـتعامـل الـمجتمعى وخـلق ثـنائـیات مـتضادة بـین الأدیـان وحـتى داخـل إطـار الـدیـن الـواحـد وغـیاب أسـس الـمواطـنة واخـتیار عـدم الإیـمان بشرعیة المؤسـسات واللجوء إلى الشارع لأخــذ مــا يظن أنــه حق بــالعنف والتخریــب للتعبیر عــن المطالب والاحتیاجات