الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / افحص أكثر.. شخِّص أبكر.. اعزل أفضل.. وأنقذ اقتصادك حسام بدراوي

افحص أكثر.. شخِّص أبكر.. اعزل أفضل.. وأنقذ اقتصادك حسام بدراوي

افحص أكثر.. شخِّص أبكر.. اعزل أفضل.. وأنقذ اقتصادكحسام بدراويالأربعاء 15-04-2020 00:11

قال لى صديقى الدكتور أسامة حمدى، مدير مركز چوزلين لأبحاث السكر فى جامعة هارفارد، جملة فى غاية الأهمية بعدما قرأ رسالتى بأهمية تعميم اختبار كورونا فى مصر لمحاصرة المرض، قال: أخيرًا فهمها العالم يا دكتور حسام، افحص أكثر.. شخِّص أبكر.. اعزل أفضل.. وأنقذ اقتصادك…!!.

قلت له: لقد قرأت ما كتبت وأود أن تزيدنى علمًا بما وصلتم إليه فى هارفارد.

قال: أخيرًا فهم العالم المتقدم أن الطريقة المثلى لمجابهة الوباء هى الفحص المبكر والسريع لأكبر عدد من المواطنين المحتملة إصابتهم، والتحديد الدقيق للمشتبه فيهم وعزلهم فورًا، لأنه من المستحيل اكتشاف لقاح أو دواء فى الفترة الوجيزة القادمة. وهذا يعنى أنه إذا فحصت أكثر، فعدد الحالات المصابة سيكون بالتأكيد أكبر بكثير، ولكنه سيمكنك بكفاءة من حصر الفيروس والقضاء عليه بسرعة. وكلما كنت جاهزًا لذلك وفى فترة وجيزة بعد ظهور المرض، كان النجاح شبه مضمون بلا شلل للاقتصاد، كما ذكرت أنت فى مقالك السابق. لذلك كان معدل الفحص فى كوريا الجنوبية فى بداية الوباء ٥٢٠٠ فحص لكل مليون نسمة، فلم تحتج لشل اقتصادها بالحظر المطلق كما فعلت الصين، وانتصرت تمامًا على الفيروس وانخفضت الوفيات فيها إلى ١.٢٪ من الحالات المصابة. ولم يدرك العالم الغربى ذلك إلا متأخرًا، ولكنه فهم الدرس بالطريقة الصعبة وغيَر خططه سريعًا وأصبح يسعى محمومًا لزيادة الفحص مع تطبيق الحظر للحد من انتشار الوباء. وتتصدر ألمانيا المشهد، حيث تجرى حوالى ١٥ ألف فحص لكل مليون نسمة، تليها أستراليا ١٣ ألفا، فى حين أن معظم العالم الغربى بين ٧-٩ آلاف تحليل للمليون نسمة. ولقد قامت الولايات المتحدة بإجراء ٢.٦ مليون فحص حتى الآن، بمعدل ٧٢٠٠ تحليل لكل مليون نسمة، وكندا ٩٨٠٠، لذا لا عجب من العدد المهول للحالات التى تم تشخيصها هناك وفى فترة وجيزة.

قلت له: إن كل الإحصاءات التى اطلعت عليها تقول إن المعدلات فى مصر فى حدود المعقول.. إلا أن تقارير وزارة الصحه تقول إنه قد أجرى فى مصر حوالى ٢٥ ألف تحليل لكامل الدولة، أى بمعدل ٢٤٤ تحليلًا لكل مليون نسمة فقط. وهو عدد قليل بالمقارنة بالدول الأخرى.

رد قائلا: لقد غدت نصيحة الخبراء حول العالم واضحة، افحص أكثر وحدد بدقة المشتبه فيهم وانشر الوعى السليم عن خطورة الوباء، تصل سريعًا إلى بر الأمان، خاصة إن كانت نسبة الوفيات عندنا كبيرة، لأن المقام فى هذه النسبة يعكس عدد المفحوصين المشخصين، فلو فحصت وشخصت ١٠٠ شخص، وكانت وفياتك ٨ أشخاص، فإن نسبة وفياتك ٨٪ أعلى بكثير إن فحصت وشخصت ٢٠٠ شخص وظلت وفياتك ٨ أشخاص فيكون معدلك حينها ٤٪.

لذا إذا نظرنا للولايات المتحدة، فإن نسبة الوفيات فيها ٣.٨٪، وفى ألمانيا أكثر الدول فحصًا ٢.٣%. لكن الكثير من الدول توهمت انخفاض عدد الحالات عندها لقلة الفحص أو لعدم الدقة فى تحديد المشتبه فيهم أو ظنت أنها بمأمن ونامت تحلم بمعجزات الأدوية الحالية والمستقبلية. لذا فإن الخبراء فى إدارة الأزمات تحولوا سريعًا بعد فهمهم إلى العناية بعدد المفحوصين ودقة اختيارهم، وهو ما لم توصِ به منظمة الصحة العالمية، ربما لتخيلها أن دول العالم الفقيرة لن تستطيع مواكبه تكاليف الفحص الجماعى. ولكن القصور فى الرؤى يؤدى إلى التوفير على المدى القصير، ولكن التكلفة تكون أكثر ضخامة على المدى الطويل لاستمرار انتشار المرض من خلال الأشخاص المصابين وغير المشخصين. لذا لا عجب من ثورة بعض الدول المتقدمة على بعض نصائح المنظمة..

قلت: وماذا عن التطبيقات الإلكترونية التى تجعل الجمهور طرفاً فى مساعدة الدولة فى حصر المشتبه فيهم؟.

قال: تقوم بعض الدول الآن بتوزيع تطبيقات تساعدها فى حصر المشتبه فيهم بدقة كما فعلت كوريا فى بداية الأزمة. وأسعدنى منذ ٣ أيام أن مصر دشنت تطبيقًا على التليفون اسمه «صحة مصر» متصلاً بالرقم القومى، ليس فقط للتوعية، ولكن لتتبع الحالات والأعراض والمساعدة، وهو استخدام أمثل للتكنولوجيا الرقمية، ولكن يبقى التوسع الكبير فى الفحص، والتوقف عن عبارات الإشادة بأنفسنا حتى نعبر بسلام إلى شط الأمان.

قلت له: بصراحة إننى أرى الدولة- وعلى مستويات متعددة- تقوم بواجبها، ولابد لنا أن نفهم أن ثقافة الشعب تحتاج إلى دفعات إعلامية وثقافية مركزة ليكون المواطنون جزءًا من الحل وليسوا المشكلة. ولقد تواصلت مع جهات متعددة تستمع إلى الاقتراحات وتقوم بالمبادرات لتحمى المجتمع من الفيروس ومن جهل البعض الذين ينشرون اللامبالاة، أو الذين يودّون ضرب مصداقية الدولة بأى طريقة بلا وطنية ولا حق. ما نراه جيدا لابد لنا من تأييده وتشجيعه، وما نراه ناقصًا فلننصح بإيجابية ونبادر ونقترح.

وتدخل فى الحوار الدكتور أحمد الجيوشى، نائب وزير التعليم السابق، فى نقاش معى، قائلا: يبدو أن جائحة الكورونا لم تجتح العالم صحيا فقط، وإنما توسعت دائرة الاجتياح لتشمل معظم مناحى الحياة الإنسانية بكل أنشطتها الاقتصادية، ولأن الدول وجدت نفسها فى قلب العاصفة دون مقدمات، ولأن الفيروس الخطير تميز عن غيره من عائلة الكورونا غير الكريمة بشدة انتشار العدوى من الإنسان للإنسان، فلم تكن هناك حلول سريعة ومؤثرة سوى الإجراءات الوقائية المتمثلة فى الحد من فرص اقتراب الأشخاص من بعضهم البعض، وبالذات فى الأنشطة التى تتميز بالكثافات البشرية، وعلى رأسها المدارس والجامعات، فكان القرار الذى أجمعت عليه معظم دول العالم هو تعطيل الدراسة فى المدارس والجامعات، إلى أن تنجلى الأزمة.. وهى إجراءات وقتية بطبيعة الحال، لكن لأن «التعليم» عملية متكاملة تبنى أهدافها التعليمية صفاً دراسياً بعد آخر، فكان لزامًا على مؤسسات التعليم أن تتخذ القرارات المناسبة للتكيف مع قرار إغلاق المدارس، وفى نفس الوقت تنظيم العملية الدراسية بشكل ما أو بآخر للطلاب وهم فى بيوتهم، وكان الحل السريع الممكن هو توظيف أدوات «التعلم عن بعد» وأساليب «التعليم الإلكترونى» لهذا الغرض، على اعتبار أنها فترة مؤقتة وستنتهى بعد عدة أسابيع أو عدة شهور على الأكثر، وكان الغرض الأساسى من تطبيق آليات التعلم عن بعد أو التعليم الإلكترونى هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من عمر العام الدراسى الذى توقف فجأة تحت وطأة الوباء.

ولكنى أود التنبيه إلى أن دور المدرسة «الطبيعية» أو الجامعة هو بالأساس دور تربوى قبل أن يكون دورا تعليميا، وأهداف العملية التعليمية ذاتها فى كل المراحل تتمحور (ويجب أن تتمحور) حول «بناء الإنسان» معرفيا ومهاريا وسلوكيا وقيميًا.. ولا تقتصر أهداف العملية التعليمية أبدا على مجرد صقل «المعارف» من خلال الاطلاع والدخول لمصادرها الإلكترونية التى تتيحها الشبكة العنكبوتية الدولية (الإنترنت) للطلاب وهم فى آسرة نومهم!!. وأعتقد أن هذا ما تنادى به يا دكتور فى كل مقالاتك وأنت المعروف عنك ولعك بالتكنولوچيا.

قلت له: أوافقك، وأُذكّر القارئ بأن الركيزة الرابعة من رؤية مستقبل التعليم التى أنادى بها والتى لا أملّ من تكرارها هى بناء الشخصية المتكاملة للتلميذ والطالب فى جميع جوانبها ليصبح مواطنا سويا، معتزا بذاته، مستنيرا، مبدعا، فخورا ببلاده وتاريخها، شغوفا ببناء مستقبلها، قادرا على الاختلاف وقابلا للتعددية.. علما بأن ذلك لا يتم دون الثقافة والفن والموسيقى وممارسة الرياضة، وهذا لا يتم أيضا إلا بالمعايشة والممارسة داخل إطار المؤسسة التعليمية بالتواصل الإنسانى الذى يخدم هذا الغرض.

التعليقات

التعليقات