الثلاثاء , 3 ديسمبر 2024
الرئيسية / أخبار / 2020 / حوار د بدراوي مع الوفد

حوار د بدراوي مع الوفد

د. حسام بدراوى : تدخلات أجنبية فى إثيوبيا لتعطيل مفاوضات سد النهضة

يؤمن المفكر السياسى الدكتور حسام بدراوى أنه لا مستقبل للشعب والوطن دون الإصلاح الحقيقى للتعليم، حتى أنه جمع آراءه فى إصلاح التعليم فى كتاب بعنوان «التعليم.. الفرصة للإنقاذ»، وهو كتاب بمثابة توثيق لقيمة التعليم فى حياتنا باعتباره الملف الأهم والأكبر فى مصير بلادنا نحو التنمية والتقدم.

الدكتور «بدراوى» طبيب مرموق تخرج فى كلية طب قصر العينى، وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة ثم جامعتى «ووين ستيت» و«نورث ويسترن» بالولايات المتحدة، كما حصل على الدكتوراه الفخرية فى العلوم من جامعة «كارديف مترو بوليتان» البريطانية 2014 لجهوده فى وضع سياسات التعليم، واختير محاضرا سياسيا فى جامعة روما، ونشر أكثر من 120 بحثا أكاديميا، وله العديد من المؤلفات المتخصصة فى طب النساء والتوليد والصحة والتعليم، ولم تقف جهود المفكر السياسى الكبير عند حاجز التعليم باعتباره كان رئيسا للجنة التعليم بالبرلمان سابقا لمدة خمس سنوات، بل بذل جهودا مضنية فى ميدانه الأول الصحة والطفولة والأمومة كونه أستاذ طب نساء وولادة.

كما أن الدكتور «بدراوى» برلمانى مخضرم ورائد فى العمل الميدانى وصاحب بصمة متميزة فيه، فقد شغل عضوية العديد من المجالس من بينها المجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس الوطنى المصرى للتنافسية، عين أميناً للحزب الوطنى خلال ثورة يناير لكنه استقال بعد 5 أيام لعدم الاستجابة لمطالب الشباب.

«الوفد» حاورت المفكر والمثقف الكبير الدكتور حسام بدراوى وهذا نص الحوار.

< بعد مرور سنوات عديدة كيف تقيم أحداث الربيع العربى؟ وما رأيكم فى الطرح الذى يؤكد أن الثورات العربية هى التى أفرزت حكم الإسلام السياسى وهل كان ذلك مقصودا؟

<< طبعا.. بعد مرور زمن يكون الحكم على الأمور أفضل، لأن هناك أشياء كثيرة ومعلومات جديدة تقول إنه بالتأكيد كان هناك تدخل مخابراتى على مستوى عالٍ بهدف ما حدث فى المنطقة العربية من فوضى وانقسام وتسليم السلطات إلى إما الإسلام السياسى ممثلا فى الإخوان أو الإسلام المتطرف مثل داعش والتنظيمات المتطرفة، لكن فى نهاية الأمر هناك طرف فائز وحيد فى هذا وهو دولة إسرائيل، فكل الأطراف خسرت إلا إسرائيل، فقد تمكنت من كل شىء فهى المستفيد الأكبر مما حدث فى المنطقة.

< فى رأيك لماذا ساند الأمريكان الإخوان وتخلوا عن مبارك إبان ثورة يناير2011؟

<< رأيى أن هذا كان قرارا قد اتخذ فى مرحلة سابقة ولم يكن وليد اللحظة أو الثورة، فقد تم استغلال مشاعر الشباب المحترم، الذين كانوا ينادون بالعزة والكرامة والحرية فى أول ثلاثة أيام، لكن كان هناك – بالقطع – تدبير لتسليم السلطة إلى الإسلام السياسى، وأتصور – كما سمعت من رئيسة البرلمان البريطانى، وهى صديقة لى- أن هذا كان مخططا من قبل ذلك بمدة ست أو سبع سنوات بهدف أن نتقاتل داخليا بعضنا البعض ونترك الغرب فى حاله، لكن هذا أيضاً يدل على سوء تقدير لأنه فى كل الأحوال دائما كانت الأجهزة الأمنية ترى أن مجرد كون السيدات محجبات فهذا يعنى أن الإسلام السياسى قد تغلغل فى نفوس الناس، ونفس هؤلاء السيدات هن من تظاهرن ضد الإخوان فى 30/6.

< هل تعتقد أن مشروع الشرق الأوسط الجديد لا يزال قائما بعد التغيرات التى حدثت فى الوطن العربى عقب ثورات الربيع العربى؟

<< فى رأيى أن المشاريع السياسية طويلة الأمد لا تقف، فهى تكسب جولات وتخسر جولات، لكنها تعيد نفسها فى السياق ذاته، فمن أنشأ الإخوان المسلمين هى المخابرات البريطانية، ففى بداية ثورة 1952 كان الإخوان المسلمون طرفا رئيسيا فى الساحة السياسية، وأيام الرئيس أنور السادات–رحمه الله- كانوا طرفا رئيسيا أيضاً، فهو الذى أخرجهم من السجون حتى يتصدوا للشيوعيين وفى زمن الرئيس مبارك هم الذين أسقطوه، إذن المواقف السياسية تختلف لكنه تيار يسير لأنه مسنود وممول ومنظم، حتى تنظيم حماس هم طرف من الأطراف والرئيس دونالد ترامب بنفسه قال إن «داعش» خلقها الرئيس أوباما والمخابرات البريطانية، وهذا رئيس أمريكا الذى يقول ذلك، فالأمور كلها كان هدفها هز دول الشرق الأوسط، وأعتقد أنهم لم ينجحوا فى مصر مثلما نجحوا فى البلاد حولها.

< كيف ترى المشهد السياسى وعلاقته بالخارج على ضوء المتغيرات فى العلاقات الأمريكية المصرية؟ وهل العلاقة مع الولايات الأمريكية علاقة ندية أم استراتيجية؟

<< سؤال صعب، فلا أحد يحب أن يكون مكان السلطة السياسية فى مصر اليوم فى علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، لأن الولايات المتحدة تملك خيوط كل شىء، فهم يساعدوننا فى ملف إثيوبيا، ويعملون مشروعا متدنيا وحقيرا بشأن القضية الفلسطينية، وهم يمدوننا بالسلاح، فهم يقفون إلى جوارك وفى الوقت نفسه يقفون ضدك، فالموقف صعب جدا، لكن أعتقد أنه يدار بحكمة فى الوقت الحالى حتى نحفظ التوازن، وحفظ التوازن لابد له من تنازلات، فنحن لا نستطيع فعل شىء غير ذلك، ولا داعى أن نخوض فى النقد، لأننا ننتقد خارج كرسى السلطة، بعيدًا عن مكان اتخاذ القرار للبلد، فنحن نعتمد اعتمادا كبيرا على المساعدات والمساندات والتمويل والاقتراض، وفى الوقت نفسه، المساندة العسكرية والسياسية فيما يخص سد النهضة، فالموقف معقد، لكننى شخصيا واحد من الناس الذين لم يعودوا يثقون فى أى إدارة أمريكية، وأعلن صراحة أننى خدعت فى الحلم الأمريكى وفى القيم الديمقراطية التى كانت الولايات المتحدة فى وقت من الأوقات نظن أنها تنشرها.

< كيف تقيم تحركات الدبلوماسية المصرية الخاصة بسد النهضة وهل ترى أن هناك تدخلات أجنبية؟

<< أعتقد أن هناك تدخلات أجنبية، فأنا لا علم لى بالأسرار، لكن موقف إثيوبيا المتعنت الأخير وعدم حضورها الاجتماع فى واشنطن موقف بالنسبة لى يدل على أن هناك تدخلا مساندا لهم يجعلهم يقفون أمام رغبة الولايات المتحدة والبنك الدولى، لكن من الذى يمول أو يصنع ذلك؟ لا أعرف، لكنه موقف سخيف وأعتقد أن الخارجية المصرية تقوم بعمل محترم فى مواجهة ذلك سواء فى العلن أو الخفاء، وأن هناك إدارة حكيمة لهذه الأزمة، مرة أخرى أعود وأقول من المستفيد؟، فلابد دائما من البحث عن المستفيد وعن حلم إسرائيل من النيل للفرات، فمصر هبة النيل فعلا، والمياه هى أساس كل شىء والتحكيم فى سد النهضة أو مياه النيل فيه جزء من الضغط السياسى وقد يكون العسكرى على مصر، وفى الوقت نفسه طلب إسرائيل بتوصيل مياه النيل إليهم لا أستطيع فصله عن الأحداث التى تجرى الآن.

< هل يمكن تدخل الصين لمساعدة مصر خاصة أنها من أكبر الدول التى ساهمت فى سد النهضة وتبلغ استثماراتها المائة مليار دولار فى أفريقيا؟

<< لا أعرف هل من الممكن أن تتدخل الصين سياسيا فى هذه القضية ولماذا، فالصين تبحث عن مصالحها الاقتصادية بوضوح، ولا أرى لهم موقفا سياسيا مع قضية أيديولوجية أو مع فكرة إنسانية، فهم يعملون بهدف تحقيق تفوق اقتصادى وسياسى وعلمى فى كل المجالات ولا يفهمون غير هذه اللغة، فلا أعلم هل من الممكن أن يساندوننا إلا إذا خلقنا مصالح لنا معهم تفوق مصالح بقية الدول الأفريقية.

< هل ترى أن هناك تحولا جذريا حدث فى سياسة مصر الخارجية بعد تولى الرئيس السيسى الحكم؟

<< أعتقد أنه لا يوجد هناك تحول سياسى، فنظام الرئيس الراحل مبارك كان محافظا على التوازن دون مواجهات ودون أن يأخذ مصر إلى منحدرات لا يستطيع الخروج منها، وأعتقد أن النظام الحالى يفعل نفس الشىء، ثانيا: أيام الرئيس مبارك كان النظام وسيطاً ما بين المختلفين، لأن مصر كانت لها قيمة إقليمية، وأعتقد أن قيمتنا الإقليمية انخفضت جدا، وأصبحت المحادثات فى سوريا والخليج تحدث دون وجودنا، والمواقف اختلفت، وهذا هو الأثر السلبى الذى تركته ثورة يناير 2011 على مصر، أنها قللت من قيمة مصر الإقليمية وتأثيرها، فالجانب الذى نطلق عليه جانب المواجهة وخلق دور لمصر يعتمد دائما على ثلاثة أشياء القوة العسكرية والتأثير الثقافى وهو ما نسميه «القوة الناعمة» والتأثير الاقتصادى، وهو نوعان إما تأثير اقتصادى إيجابى كأن تتزايد ثروتك فيصبح السوق المصرى هو أهم سوق لكن من غير قوة اقتصادية لن يحقق ذلك، أو بالعمالة المصرية فى الدول العربية، وأرى أن العمالة المصرية فى الدول العربية انخفضت رغم أن تحويلات المصريين زادت سواء من أوروبا أو بقية العالم، وأرى أن قوتنا الناعمة – تقريبا- تختفى، فتأثيرنا الثقافى انخفض والقوة العسكرية مرتبطة بحكمة عدم الانزلاق إلى مواجهات حربية، فالموقف صعب جدا خارجيا، وقلبى مع النظام السياسى الذى يتعامل مع موقف خلقته ثورة يناير على مصر دون إرادتها.

< ماذا عن قراءتك لصفقة القرن وهل ترى أن هناك إجراءات أمريكية بالفعل لتنفيذها أم أنها لم تعلن بعد؟

<< الصفقة تحدث بين أطراف، لكن ما رأيناه هو صفقة من جانب واحد، فهم قرروا دون وجود الجانب الآخر وهو فلسطين، والجانب الآخر وهو الجانب المؤثر عسكريا وإقليميا، وهو نحن «مصر» لسنا موجودين، وبقية الجانب الإقليمى «سوريا والعراق» ضعيف؛ والجانب الخليجى لا يستطيع أن يأخذ موقفا، فهى ليست صفقة ولكنها فرض رأى من جهة واحدة، لكن فرض الرأى دون طرف آخر قابل ومستعد لن يحدث، ويشغلنى هنا ما قاله الرئيس «ترامب» فى أحد خطاباته عندما طلب منى الجميع عدم إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وأعلنت ذلك لم أر غضبا أو تغييرا فى موقف الدول وانتظرت إلى جانب التليفون أسبوعين حتى يتكلم أحد فلم يحدث، إذن ما كان من الممكن أن يحدث صدمة وموجة عارمة من العمل الشعبى منذ 20 سنة، من الممكن أن يتم اليوم ببساطة شديدة، وهذا نتيجة الخريف العربى الذى قضى على قدرة الدول العربية على المواجهة.

< ما المدخل الأساسى لتطوير التعليم فى نظرك وهل ترى أن الدولة بالفعل اتخذت خطوات جادة نحو التطوير؟

<< هذا سؤال مهم جدا.. فقد كنت طرفا فى صنع رؤية مصر 2030 فى التعليم، حيث استدعتنى وزارة التخطيط لأكون على رأس مجموعة من الخبراء لوضع رؤية مصر 2030 سنة 2014 وقد تساءلت وقتها لماذا لم تنفذ البرامج السابقة، فقررنا أن نضع الرؤية ونخرج منها باستراتيجية تنفيذ وأهداف رئيسية وأهداف فرعية ومؤشرات قياس ومدة زمنية وتكلفة ومسئولية، حتى ننقل الرؤية إلى واقع يمكن تحقيقه، وهذه الرؤية بها خمس ركائز بسيطة لكن كل ركيزة يخرج منها عشرات الأهداف، الركيزة الأولى هى الإتاحة والجودة وعدم التمييز وهى سهلة جدا حسابها، لأن الإتاحة ترتبط بعدد تلاميذ ونمو سكانى والأولاد والبنات والقرى والمراكز والجودة أصبح لها معايير وهذه المعايير دولية، وعدم التمييز واضح المعانى فالكل سواسية، الركيزة الثانية هى حوكمة إدارة التعليم، وتشمل أولا وزارة التربية والتعليم وهى أكبر موظف فى مصر ولا يمكن أن تدير وزارة بهذا الحجم دون أن تكون لديك أسس الإدارة العلمية، فالتعليم ليس مناهج فقط، فالإدارة فى غاية الأهمية، الركيزة الثالثة هى دمج الرقمية فى وجدان العاملين فى الحقل التعليمى والطلبة، ودمج الرقمية لا يعنى توزيع كمبيوتر ولا تابلت، فالرقمية تعنى أن يفكر الجميع رقميا، ويبحث رقميا ويحصل على المعلومة رقميا، ويوثق رقميا وهذا يحتاج إلى وقت وخطة، الركيزة الرابعة هى بناء الشخصية، وهذا يتم بمعايشة والعامل الأساسى فيها هو المدرس، وهذا لن يحدث دون وجود فن وموسيقى ورسم ورياضة ومسرح، لخلق وجدان التلميذ، الركيزة الخامسة وهى التنافسية، والقدرة على التنافس المحلى والإقليمى والعالمى، وهذه الركائز لم يتحقق منها شىء حتى الآن، ولا يمكن تطبيق تطوير التعليم بالشكل المركزى الحالى، فلابد من أن تكون كل محافظة فى حد ذاتها وحدة تطوير، وأعتقد أن المال لم يعد المعوق، فقد كنت رئيسا للجنة التعليم للبرلمان منذ 2000 إلى 2005 وكانت موازنة التعليم 18 مليار جنيه، الآن موازنة التعليم أصبحت فوق المائة مليار، 85% منها مرتبات تهب إلى أشخاص ليس لهم علاقة بالتعليم، والحكمة تقول أنه لا يوجد نظام تعليمى يفوق مستوى مدرسيه.

< كيف ترى معوقات البحث العلمى فى مصر؟

<< معوقات البحث العلمى فى مصر تنقسم فى رأيى إلى ثلاثة، المعوق الأول أن الدولة لا تعلن عن أهدافها البحثية التى تتوافق مع التنمية ولابد ألا تنفق موازنة البحث العلمى على المرتبات ولكن تطرح فى مناقصات لتدخل مراكز البحوث والجامعة فيها حتى تحصل على الموازنة اللازمة للبحث، ففكرة إقامة مراكز بحوث فى كل الوزارات دون أن تقدم جديدا وتنفق ميزانياتها على المرتبات هى فكرة لا تخدم البحث العلمى، ثانيا يقاس البحث العلمى بثلاثة أشياء إما أبحاثا منشورة فى الدوريات البحثية العالمية ولها أثر متعارف عليه، وإما براءات اختراع، وبحوث لها تطبيق محلى فلا أحد يستخدم هذه المعايير الثلاثة من أجل البحث العلمى، ثالثا من الممكن قياس البحث العلمى بإجراء تنافسى، ومن الدول التى تنافس مصر فى

المنطقة، وأزعم أنها إيران والسعودية وإيران وإسرائيل وتركيا الذى لا يجعله مؤثرا فى حياة المجتمع ولا أن يرى خارجيا، فهناك جهود جيدة جدا، وهناك بعض الجامعات بدأت تطور نفسها لكن هذا ليس حجما حرجا ينقل البلاد من نقطة إلى أخرى.

< فى السابق وصفت ثورة يناير بأنها أعظم حدث فى تاريخ مصر وأنها لم تكن ثورة جياع أو ثورة اشتراكية يسارية أو دينية لكن بعد ذلك غيرت رأيك فما السبب؟

<< الثورة فى -رأيى- كانت من 25 حتى 28 يناير أى ثلاثة أيام فقط وهى التى اجتمع فيها الناس، وارتفعت آمالهم وطالبوا بالحرية والعدالة، لكن بعدما تحول مسارها إلى ارتفاع فى سقف المطالب تدريجيا وأصبحت انتقامية من وضع بشكل حاد جدا؛ أرى أنه لا يمكن لمليون شخص أن يمكثوا فى مكان واحد 19 يوما دون وجود تنظيم وإمداد وسكن وأكل وهذا لا يتم بمفرده، ولكن لابد من جهات منظمة تقف وراءه، ومثلما قال «جوستاف لوبان» الفيلسوف الفرنسي: «أنت داخل التجمعات الكبيرة تستطيع قيادة التجمعات إلى التوجهات التى تريدها»، لدرجة أن الإنسان يفقد هويته، ومن الممكن أن يكون عنيفا أو سويا، وفى رأيى أن الإخوان بعد 28 يناير كان تدخلهم مؤثرا فى أخذ هذه الثورة مع المخابرات الأجنبية وبالتحديد البريطانية والأمريكية قادت هذا التوجه إلى إقصاء الرئيس مبارك رغم أنه أعلن عدم ترشحه، فالثورة كانت ربيعا فى الثلاثة أيام الأولى ثم دخلت فى الخريف والشتاء بسرعة شديدة جدا.

< جئت أمينا عاما للحزب الوطنى الحاكم فى 5 فبراير 2011 إبان نظام الرئيس الراحل «مبارك» خلفا لصفوت الشريف ثم قدمت استقالتك 11 فبراير 2011 فما الذى استفدته من هذه التجربة؟

<< ما تعلمته من هذه التجربة مهم جدا، وهو أن هناك أشياء قليلة من الممكن فعلها أثرها كبير جدا وهناك كلام كثير يمكن فعله لكن دون تأثير، المدخل الوحيد الذى يديم التطوير والتنمية هو تحديد مدة الرئاسة بمرتين والتداول السلمى للسلطة وهما أمران فى غاية البساطة وأعتقد أن هذين الأمرين لو بقيا بعد ثورة يناير ستكون الثورة نجحت، لأن مجرد تحديد مدة الرئاسة والتداول السلمى للسلطة يؤكد أن هناك تراكما للخبرة والتداول السلمى يعنى أن الحكم يتغير ليس بثورة وليس بهدم ولا اغتيال لكنه تطور طبيعى الكل يعرف أن سيحاسب وسيخرج من السلطة، فهذان الأمران إذا كان الرئيس الراحل مبارك قام بتغييرهما فى دستور 2007 كان سيدخل التاريخ.

< فى عام 2009 حذرت من تزاوج السلطة بالمال فلماذا؟ وهل توقعت كأحد الإصلاحيين فى الحزب الحاكم نهاية نظام مبارك وحزبه؟

<< طبعا.. فقد عرض علىّ منصب وزير الصحة عام 2004 وقلت وقتها إن هذا تضارب مصالح، فأنا أملك واحدا من أكبر المستشفيات وشركة تأمين فلا يصلح أن أكون وزير صحة، وجاء وقتها الدكتور حاتم الجبلى وزيرا للصحة، وكان بنفس المواصفات، وليس لدى مانع أن يكون الشخص ناجحا لكن لا يكون فى مجال تخصصه، حتى لا يتهم فمهما كان أمينا سيكون هناك انطباع بالفساد، والانطباع يصبح حقيقة بلا برهان، وكذلك عندما كنت رئيسا للجنة التعليم بالبرلمان، عرض على تولى رئاسة جامعة القاهرة، فلا يصح أن أحاسب الوزير صباحا وأرسل له تقارير بعد الظهر، فإما الاستقالة من هذه أو تلك، فالقطاع الخاص والناجحون من رجال الأعمال من الممكن أن يدخلوا السياسة، وهذا حق طبيعى لأنهم مواطنون، لكن دون تضارب فى المصالح.

< ما تقييمك للمشروعات القومية التى تتم فى عهد الرئيس السيسى الآن وهل هى ضرورية فى الوقت الراهن؟

<< أى ثورة وأى انهيار، حتى نرده إلى الاستقرار يحتاج إلى بنية تحتية، فالمشاريع فى السنوات الأربع الأولى كانت مهمة جدا أن نعمل فى البنية التحتية والطرق والمواصلات وغيره، إضافة إلى أنه عندما وصلنا إلى نمو اقتصادى 7.5% ولا أعتقد أننا وصلنا إلى هذا المستوى قبل ذلك، سألت وزير الاقتصاد وقتها الدكتور يوسف بطرس غالى لماذا لا نصل إلى 11 أو 12% مثل الصين، فأجابنى لأننا لا نملك البنية التحتية التى تتحمل هذا الحجم من الاستثمار، فنحن نكبر البنية التحتية حتى نستطيع جذب الاستثمار، فكلها مشروعات مهمة وواجبة وقطاع المقاولات هو أكثر قطاع يشغل العمالة بشكل سريع لكننا لدينا قاطرات تنمية لابد من اللجوء إليها ومن غيرها الاقتصاد لا ينهض، وأدعى بحكم خبرتى أن هناك ثلاثة قطاعات فى غاية الأهمية مؤسسة العدالة وتطبيق القانون ويشمل القضاء والشرطة فهما الميزان الذى لا يسمح لا بتغول سلطة ولا فساد، ثانيا: التعليم، والتعليم الذى أقصده يدخل فيه الخمس ركائز السابق ذكرها وإلى جانب الثقافة والشباب والإعلام، وثالثا كما كانت تبنى الحضارات حول ضفاف الأنهار تبنى الحضارة حول الطرق التى تنشأ حتى يمكن نشر السكان بدلا من تركيزهم فى أماكن محددة.

< ملف الفساد ترى هل الدولة اتخذت إجراءات أمنية وقضائية للتصدى للفساد الذى استشرى فى العديد من القطاعات؟

<< مهم جدا، يقلقنى جدا حديث الناس حول الفساد كجريمة، فالفساد انطباع وليس جريمة والفساد مرتبط بموظف الحكومة، فالفساد تعريفه العالمى مرتبط باستخدام سلطتك للحصول على مميزات، فالناس يعتقدون أن الفساد جريمة فقط، فعندما يكتشف الفساد أصبح جريمة إذن فكرة الكشف عن الفساد ومحاسبة الجريمة لا تنهى الفساد، أما ما ينهى الفساد هو معرفة أسبابه، والأسباب الرئيسية للفساد هى زيادة عدد موظفى الدولة إلى 7 ملايين شخص، بينما نحن نحتاج إلى 2 مليون فقط، ثانيا حوكمة الإدارة وكيفية أداء الخدمة هى التى تخلق الفساد، كما أن الذى يخلق الفساد عدم كفاءة إدارة الدولة، مما يجعل الموظف لديه المساحة التى يفسد فيها ويصبح المواطن مستسيغا لذلك، فمعالجة الفساد تبدأ من معالجة أسبابه وليس بالكشف عنه فقط، فلابد من إدارة أفضل بكفاءة أعلى وعدد موظفين أقل واستخدام التكنولوجيا وإصدار قانون الشفافية والإعلان وأن تكون الصحف رقيبا وأن المجتمع المدنى يصبح رقيبا وهذا لا يحدث.

< ماذا عن سمات الإعلام المسئول فى نظرك؟

<< الإعلام المسئول هو إعلام حر، لكن الإعلام الحر لا يعنى الفوضى، فالإعلام الحر لا ينشر أكاذيب، فحدود الحرية هى وجود قانون، فإذا أردنا التغيير فى مساحة الحرية لابد من تغيير القانون نفسه، ولذلك أرى أن أهم شىء هو الحرية، ثانيا الكفاءة المهنية وهى لا تأتى فى لحظة ولكن بتراكم الخبرة، وتراكم الخبرة يحتاج التداول السلمى للسلطة، فليس كل نظام يأتى بترك كل ما سبقه، فالإعلام يحتاج إلى الحرفية فى الأداء المهنى.

< كيف ترى الأحزاب وهل من الضرورى أن يكون هناك حزب حاكم يتبع الرئيس؟

<< أرى أن الأحزاب السياسية بشكلها التقليدى تتغير فى العالم كله والحكم على التجمعات الإنسانية التى تمثل إيديولوجية معينة لم يعد مثل السابق، إذن الفاعلية والإنجاز هى الأساس، لكن لابد أن أعرف أفكار رئيس الحكومة ورئيس الدولة، سواء الاقتصادية والسياسية حتى أستطيع الحكم عليها، وهذا يستدعى وجود كيان، هذا الكيان هو ما يسمى بالحزب وفى إطار ذلك نعرف من سيأتى خلف هذه القيادة.

< ما رؤيتك للنقاشات التى تدور حاليا حول تجديد الخطاب الدينى؟

<< لا أعلم تعريف للخطاب الدينى، فعندما نتحدث عن تطوير الخطاب الدينى لم نتحدث عن تطوير الفكر الدينى مثلما حدث بين رئيس جامعة القاهرة وشيخ الأزهر فى الخلاف حول ماهية التراث، فلابد من تعريف للخطاب الدينى أولا والتراث، فالتراث إذا كان هو أقوال الله عز وجل فلن نستطيع النقاش فيه أما إذا كان من أقوال بشر فمن حق الجميع أن يناقشها ويقبلها أو لا يقبلها، إذن الفكرة الرئيسية هى تطوير الفكر الاجتماعى وهو ما يدخل فيه الدين والعلم ومنهج التفكير، وأرجو أن يتم تغيير مصطلح الخطاب الدينى لأنه يوحى لى أنه تجديد شكلى فى طريقة عرض نفس الفكرة.

< أخيرا.. كيف قرأت مشهد جنازة الرئيس الأسبق الراحل مبارك وما توقعاتك للمستقبل؟

<< كان مشهدا يدل على تحضر الشعب المصرى وحكمة من الرئيس السيسى فى التعامل معها، وفى نهاية الأمر الرئيس الراحل كان وطنيا ورجل واجه الموقف وعاش ومات فى بلده كما قال وكما أراد، أما المستقبل فأنا أخشى من الفراغ السياسى، فالفراغ السياسى لابد أن يملأه شىء، ولن يملأه إلا الممول والمنظم والذى يمتلك فكرا وللأسف هم ما زالوا التنظيمات الإسلامية السياسية، هذا الفراغ تملأه الآن أجهزة الأمن، بنية حسنة، ألا يترك فارغا، لكن هذا تصرف غير مستدام، ولابد أن يملأه العمل السياسى، ولابد أن يكون هناك حوار مجتمعى، لكن اليوم ليس هناك إلا توجه واحد ومن يقول غيره يصبح عدوا، وهذا خطر سياسى شديد.

التعليقات

التعليقات