الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / تحديات أمام تطوير التعليم

تحديات أمام تطوير التعليم

سألنى شباب الحالمين بالغد بنقد عن رأيى فيما يحدث في تطبيق نظم التقويم الجديدة في التعليم فقلت لهم:
إننى أتأنى جدا قبل انتقاد ما يحدث في نظام التقويم في التعليم هذه الأيام. ولكنى لا أستطيع تجاهل أن فكرة جعل امتحان أولى ثانوى ورابعة ابتدائى وسنوات النقل امتحانا لكل مصر في نفس الوقت هو مركزية غير مطلوبة واختلاق لمشكلة لم تكن موجودة بدون داع. هذه مراحل تقييم على مستوى المدارس في كل مكان في العالم. ولابد لنا من تأكيد اللامركزية في إطار قواعد عامة.
سألتنى الشابة المثقفة: وما هي مرتكزات التقويم الطلابى وفلسفته؟
قلت: إن مرتكزات التقويم وفلسفته لا تتغير بتغير وسيلته لأنها تعتمد على معايير عالمية هي:
– الصلاحية: أي أن الامتحان يقيس فعلا ما هو مطلوب قياسه وفق المنهج المحدد.
– الموثوقية: أي أن الامتحان يعطى ذات النتائج للطلاب حتى إذا تغيرت وسائله.
– العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص.
إننا يجب أن نتجه إلى تحويل التقويم الطلابى إلى عملية ممتعة وعادلة وشمولية تختبر ما يعرفه الطلاب فعلاً كما تختبر كيفية أدائهم وتعمل على تنمية مهارات التعلم وتحقيق الذات، لكى لا تبقى تلك العملية مرعبة (قلق الامتحانات) وتكرس ممارسات سلبية مثل الدروس الخصوصية، والغش في الامتحانات للخروج من مأزق علامات التقدير المنخفضة التي تؤدى إلى المقارنة بالآخرين والحكم المطلق بالفشل. لقد تغيرت النظرة إلى مفهوم التقويم، فأصبحنا نراه على أنه وصف بدلاً من قياس، أداء وليس اختبارا، ملف أعمال بدلاً من درجة، بنائى تشخيصى بدلاً من مصدر أحكام، أداء تعاونى وتأمل وتقويم للذات بدلاً من التنافس وتقويم الآخرين.
في حقيقة الأمر أن النجاح في الامتحانات هو دلالة لنجاح المدرس وليس الطالب، لأن التلاميذ والطلاب كلهم عندهم القابلية للنجاح إذا تم تعليمهم جيدا.
.. إلا أننى أؤكد أن الإقدام على تجربة الامتحان الرقمى شجاعة تستحق التقدير شابها أخطاء، ولابد سيتم تصحيحها. ولكن على الوزارة الاستمرار وليس التراجع أمام ضغوط تريد بقاء الأمر على ما هو عليه اكتفاء بالشكوى والانتقاد.
الاستقرار يا شباب يأتى بالمضى نحو الحداثة وليس بالسكون والتوقف حتى لو أخطأنا أحيانا.
يقول أينشتاين: «من لم يخطئ في حياته، لن يتعلم أي شىء جديد».
سأل الشاب الأول: ما الذي يعانى منه نظامنا التعليمى، ولماذا لا نتحرك بالسرعة المطلوبة؟
قلت: المشكلة الرئيسية هي عدم استدامة التطبيق، وإن أولوية التعليم كلامية أكثر منها فعلية. والحقيقة أن النظام التعليمى المصرى بكل عناصره العديدة يعانى من تحديات زادتها أزمة الكوفيد حدة. ولابد لنا أن نعترف بأن الانتقال من الرؤية والسياسة إلى التطبيق يواجه دائماً مستجدات جديدة، وأننا يجب أن نقف أمامها، نواجهها، ونناقشها بالعقل والموضوعية، ساعين إلى تخطيها وصولاً إلى النتائج المرجوة منها، وعلينا أن نتشارك مع المجتمع في فهم هذه التحديات، والثبات على هذه السياسات حتى يمكن الانتقال من المكان الذي نقف فيه إلى المكان الذي نقصده.
إن الرغبة المستمرة تجاه تطوير التعليم والواقع السكانى في مصر فرض علينا مجموعة من التحديات الواجب مواجهتها، يأتى في مقدمتها.
(أولا): ضعف ثقة المجتمع في مؤسسات التعليم الحكومية الرسمية وظهور نسق لا نظامية موازية للنظام التعليمى التعليم خارج المدرسة والانتشار الكبير للدروس الخصوصية. (لم يزل ذلك التحدى حتى الآن).
(ثانيا): ضعف الثقة في الركن الأساسى للعملية التعليمية وهو المعلم وانخفاض قدره الاجتماعى وتقليص صلاحياته في تقويم التلميذ. (لم يزل ذلك التحدى حتى الآن).
وتجدر الإشارة إلى أن انحسار ريادة المعلم، وتراجع دور المدرسة التنويرى، ومحاولة وضع قوالب جامدة للتفكير يأتى في مقدمة التحديات التي يجب مواجهتها.
(ثالثا): انخفاض درجة إتقان اللغات بما فيها اللغة العربية وضعف المستوى في الرياضيات والعلوم، وابتعاد الشباب عن التخصص فيها. (لم يزل ذلك التحدى حتى الآن).
(رابعا): انخفاض حجم الأنشطة الطلابية أو انعدامه في كثير من الأحوال، بكل ما يحمل من معان سلبية في بناء الشخصية. (لم يزل ذلك التحدى حتى الآن).
(خامسا): وجود فجوة كبيرة في مناهج التعليم وعدم ملاحقتها للتسارع الحادث في المعارف وضرورة الربط بينها وبين احتياجات المجتمع وسوق العمل. (لم يزل ذلك التحدى حتى الآن).
(سادسا): الانتشار الجغرافى غير المسبوق للمدارس في كل مصر، بما فيه من إيجابية الإتاحة، وبما يحمله من تحد كبير في إداراتها مركزيا، وصعوبة في الارتفاع بمستواها وتقييم أدائها. (لم يزل ذلك التحدى حتى الآن).
(سابعا): وجود أكثر من فترة دراسية في حوالى 20% من المدارس، وبالتالى انخفاض ساعات وجود التلاميذ بالمدرسة وزيادة ظاهرة غياب التلاميذ بشكل ملحوظ عن المدارس، خصوصا في المرحلة الثانوية، مما يهمش دور المدرسة في بناء شخصية التلاميذ ويهدر القيمة التربوية لوجودها. (لم يزل ذلك التحدى حتى الآن).
(ثامنا): ضغط الامتحانات العامة بشكلها الراهن سواء التقليدى أو ما نتج عنها من أساليب جديدة نظراً لجائحة كورونا، وأثر ذلك على الطلاب وعلى الأسرة المصرية وكونها تحديا من قدرات الطلاب ولا تقيس قدرات التفكير العليا والإبداع وتخلق مناخا اجتماعيا وسياسيا من الغضب والإحساس بالظلم ينعكس على ازدياد فقدان الثقة في مصداقية المؤسسة التعليمية. (للأسف زادت المركزية).
(تاسعا): غياب الفهم السياسى الذي يتعامل مع الزيادة الطردية للقوة المقاومة للتغيير والتطوير مما يعوق محاولات التقدم في العملية التعليمية ويحمل الوزارة وحدها مسؤولية إحداث التغيير وإدارته.
(عاشراً): عدم توافق واكتمال البنية التحتية للتحول الرقمى في التعليم للطلبة في منازلهم والمدرسين في فصولهم والإدارة المدرسية البعيدة كل البعد عن الرقمية..
وسيظل العامل البشرى وقصور تدريب المدرسين على التعامل الرقمى سببا رئيسيا في تأخر حركة التطوير.
ونرى أن التباطؤ في مواجهة تلك التحديات بإرادة قوية ووفق خطة متكاملة معلنة سيؤدى بشكل مباشر إلى:
(أولاً): تهميش أكبر للفقراء، وعدم قدرة التعليم بوضعه الحالى على دعم الحراك الاجتماعى الإيجابى كناتج مباشر أو غير مباشر له.
(ثانياً): انتقال الفئات الأكثر قدرة إلى التعليم الخاص والأجنبى، داخل وخارج مصر، وأثر ذلك على الثقافة العامة واستخدام اللغة العربية، والانفصال الاجتماعى بين الطبقات.
(ثالثاً): تحميل الفئات الأكثر فقرا تكاليف تزيد عن طاقتها نسبيا في الدروس الخصوصية، وعدم استفادة مؤسسات التعليم الرسمية من هذا الإنفاق الخاص، وهو ما يعنى كثيرا من الفرص الضائعة، والمجانية غير الحقيقية، والأثر الاجتماعى السلبى على الشعور العام.
إننى أعلم أن هناك جهودا محترمة تتم في الوزارة، ومن المجتمع المدنى لا يتم تسليط الضوء عليها بالشكل الكافى للأسف. وهناك استراتيجية ٢٠٣٠ التي وافقت عليها الدولة، وأتمنى أن تلتزم بها ويأخذ البرلمان بمحتوياتها للرقابة والمتابعة.
وأذكر القارئ بمحاور رؤية ٢٠٣٠ في التعليم والتى خرجت منها أهداف رئيسية وأهداف فرعية، وتم الاتفاق على معايير قياسها والمدة الزمنية والتكلفة والمسؤولية، ووضعت لها برامج لتحقيقها ولا نرى لا الصحافة ولا البرلمان يعطيها الأهمية ولا الأولوية اللازمة والمتابعة الواجبة.
المحور الأول: تعليم عالى الجودة ومتاح للجميع دون تمييز.
المحور الثانى: خلق إطار مؤسسى كفء وعادل ومستدام لإدارة التعليم والبحث والتطوير بشكل لا مركزى.
المحور الثالث: التمكين الرقمى والتكنولوجى للطالب والمعلم وتطوير الإدارة المدرسية وسائل التدريس.
المحور الرابع: بناء الشخصية المتكاملة للتلميذ والطالب ليصبح مواطنا سويا معتزا بذاته، مستنيرا، مبدعا، فخورا بتاريخ بلاده، شغوفا ببناء مستقبلها وقادرا على الاختلاف وقابلا للتعددية بممارسة الرياضة والفنون والمعايشة الديمقراطية داخل إطار المؤسسات التعليمية.
المحور الخامس: أن يكون الخريج مبادرا قادرا على التكيف مع تغير الظروف حوله، وخالقا لفرص عمل جديدة، ومنافسا لأقرانه إقليميا وعالميا.
وجاء هذا التقسيم حتى يمكننا تبسيط المتابعة وجعلها مفهومة للمجتمع ورصد التنفيذ باستخدام مؤشرات قياس متفق عليها مع الحكومة.

التعليقات

التعليقات