الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي “الحالمون بالغد” لحظة رهبة واتساع زمان

علي مقهي “الحالمون بالغد” لحظة رهبة واتساع زمان

سقطت الطائرة من علوها في مطب هوائي عميق ، إستغرق ثانية او إثنتين ، في عمر زمن الساعة ، ويوماً أو يومين في عمر الإحساس .. فكيف تمر في الذهن كل هذه الأحداث والذكريات في ثانية واحدة.
صرخ الركاب ، وبكي البعض ذعراً وخوفاً، وضحك البعض بعد الحادث ضحكاً هيستيرياً، وتَمَسكت كل أمٍ بولدها.
إنتهت اللحظة ، وساد الصمت إلا من بعض الدعوات وحمد الله .
إنتابني أنا شعور غريب ، في اللحظة وما بعدها. وسألت نفسي مع من يتكلم الله الآن ..في هذه الثانية.
وعندما طَرحت السؤال تخيلت ان الله يتواصل معي مباشره قائلا، أنا أقرب إليك من حبل الوريد ، أنا أتواصل مع كل خلقي ، إنساناً كان أم نباتاً ، حيواناً كان أو حشرة أو حتي جماداً.. ولأنه مد الإنسان بما لم يعطي غيره، وهو القدرة علي التفكير والوعي بنفسه وبغيره ، و بخالقه، ومده بالعقل والإرادة ، فتواصله معه دائم ومستمر . أما الانسان فيفتح خط التواصل مع ربه عند الرغبة ، عند الخوف والرهبة ، عند المرض والشكوي ، والأغلبية إختارت عدم الاستماع المباشر لله الا من خلال وسيط حتي لو كان زمنه قد ولي من آلاف السنين.
نظرت حولي فوجدت أطفالاً وشباباً وشيوخاً وكهولاً.. هل يتحدث الله اليهم بنفس اللغة ؟ ، وهل يرونه بنفس العقول ؟.
وخطر علي بالي أن الله قد أنزل بحكمته أديانه السماوية تدريجياً حسب درجة نضوج البشرية، فهذا موسي والتوراة في مجتمع صغير ، ونظام طائفي ، وسحر وقوة مادية كادت تطغي علي قوة العاطفة، وقدر كبير من الأنانية تعتبر الله مخصص لبني إسرائيل وحدهم ..منطق يشبه الأطفال وأنانيتهم المخلوقة..ثم جاءت المسيحية بعاطفة المحبة والمثل العليا وشخصية المسيح المعجزة بسلامه ورقته وكأنه مرحلة شباب البشرية. إلي أن رأت حكمة الله أن البشرية قد وصلت لمرحلة النضج ، للوصول الي الحقيقة بالعقل والتفكير ، فأرسل الله رسول الإسلام ليس لفئة بعينها بل لكل البشرية، وليس بمعجزات مادية ، ولكن بمعجزة الكلمة والعلم والمعرفة.
وحتى الصلاة التي فرضها علينا ، فهمها أغلبنا شكلا وطقوساً عبر الزمان وليس مضمونا. وأغلب البشر يعتقدون أنها مجرد فريضة وعبادة ودليل طاعة ، وهي في الحقيقة هدفها تذكير الإنسان بالتواصل مع الله عز وجل ليرفع من قدره ويحيي ضميره ، فالخط مفتوح من ناحيته طول الوقت ونحن من نحتاج للتذكرة…
وسألت نفسي مره أخري ، وكيف يتكلم الله، ليسمعه الناس…. لقد كان إرسال الرسل والأنبياء يتكلمون عنه ومعنا له زمانه ، الذي إنتهي ، ولكن سار علي نهجهم من بعدهم من ادعي هذه القدرات. بل حتي الإسلام الذي منع الوساطة بين البشر وربهم ، وأسقط الكهانة والقرابين ، يظهر له الآن من يدعّون القدرة علي منح صكوك الحلال والحرام ، والتكفير والإدانة وكأن الله يتكلم معهم فقط ولا يتواصل إلا من خلالهم.
ولكني بعد تفكير. وتعمق ، وبتحليل خبرتي عبر السنين ، وصلت الي أن الله يتواصل معنا الآن من خلال أحاسيسنا ، وأفكارنا، وخبراتنا في الحياه وأخيرا بالكلمات التي قالها في زمنها في صفحات القرآن الكريم وطلب منا ، بوضوح أن نعتبر هذا القرآن صالحاً لكل زمن، فإذا بالمسلمين لا يطورون فهمهم الذي يجب أن يتواكب مع نضوج العقل و توسع المعرفة ، بل يريدون إيقاف الزمان عند وقت نزول القرآن ..وهو عكس ما قالة الرسول وما يوحي به القرآن ،فالكلمات محدودة بأحرف اللغه، أي لغه ، ويمكن
تفسيرها بأكثر من معني، وبمواقف وظروف وزمن قولها، والأهم بإتساع معارف البشر .
إنني أعطي نفس الكتاب المرجع لطالب البكالوريوس وطالب الماجيستير وطالب الدكتوراه ، وكلٌ منهم يفهم ويعي نفس الموضوع بشكل أكثر عمقاً و تحليل لنفس المعلومة بشكل مختلف لنضوج التجربة ومرور الزمن وتكرار القراءة..
كذلك يتواصل الله بالافكار ، ويعطينا أحيانا رسائله بما يخطر وما لا يخطر علي البال أنها رسائل منه، بل يعطينا أحيانا رؤي المستقبل بالخيال وما أنعم به علينا من فضول المعرفة ، وومضات الذكاء التي تجعلنا نستكشف الحياه والعلم و المعارف ، الموجودة فعلا قبل إكتشافها، ونرتقي لمعرفه الكون وخالقه أفضل وأعمق .
يتواصل الله معنا من خلال تجاربنا في الحياه، فالتجربة هي مفتاح الخبرة ، والخبرة طريق الحكمة ، والحكمة تفتح أعيننا لقرب الله لنا ، الذي قد لا نعلمه أو نحس به بالرغم من دوام تواصله معنا.
وتأتي الكلمات بعد الإحساس ، والأفكار والخبرة ، لأنها وسيله يمكن أساءه فهمها ، وأعاده تفسيرها ، بل استخدامها لغير أهداف قولها بعد إقتطاعها من مضمون معاني أشمل.
والغريب اننا بمرور الزمن جعلنا الكلمات فقط هي وسيلتنا للتواصل مع الله ، ونردد كلمه الله، وكلام الله، ونتحدث بإسم الله بل نسمع القرآن، وهو كلام الله فعلا ، وكأنه غناء بدون إنصات، أو حتي محاولة الفهم ،ونتغاضى عن تجاربنا وإحساسنا وأفكارنا التي نستطيع من خلال عقولنا وتراكم معارفنا تفسيرها أفضل من أسلافنا.
كتبت وقرأت ذلك لأسرتي بعد العودة ، فقال لي إبني:
“أحياناً تراود البشر أفكاراً شريرة ،فكيف نفرق بينها وبين رسائل الله التي يبثها الله لنا وفينا” .
فقلت له ” إن رسائل الله لابد فيها الوضوح والحقيقة والمحبة والعدل بل والبهجة. الشر هو إنعدام الخير ، والله لا يخلق سوي خيراً ولا يقول إلا خيرا”.
فسألتني إبنتي ”
“وهل هناك أفراداً بعينهم قادرون علي التواصل دون غيرهم مع الله ؟ هل هناك أوقات مخصوصة للتواصل؟”
فرددت قائلا:
“الكثيرون يعتقدون ان لله طرقاً خاصة للتواصل مع البشر وأن المميزين فقط هم من ينتقيهم.
سؤال يطرحه الناس بل يعتقدون بهذه الخصوصية ، ولكني أري أن كل الناس وكل إنسان هو إنسان مميز ، ولا يوجد وقت محدد لتواصله مع الله . الله يتواصل معنا طول الوقت.
إن خصوصيه تواصل الله مع أفراد بعينهم تُبعد أغلبية البشر من مسئولية التواصل المباشر المتاح مع الله، والاستماع لرسائله، بل وتدفعهم لأخذ ما يقوله آخرين كبديل. في هذه الحال فقد استبدلنا نحن بإرادتنا السلبية ، إستبدلنا الله الذي لا يكف عن التواصل مع كل إنسان ، للاستماع لرسائله من خلال آخرين.. لقد قمنا باختراع بديل ووسيط لما هو متاح لنا مباشرة من خالقنا. لقد قررنا الاستماع الي آخرين بدلا من الاستماع الي الله نفسه ، فقد أرسل لنا كتابه، ويتواصل مع كل واحد منا في أفكاره، وتجاربه في الحياة وأحاسيسه ، ونعتقد اننا قد يسرنا الأمور علي أنفسنا بالإعتماد علي غيرنا في الفهم والتواصل..
لا يوجد في الإسلام وساطة ، ولا يوجد دعوة في آيات الله أكثر من العقل والتعقل والدعوة للتذكر والتفكير..
.
إنك عندما تصلي ، بأي شكل من أشكال الصلاة ، فهي طريق مزدوج ، منك واليك ، وليس طريقا في اتجاه واحد يُقصد به العبادة والطاعة وأداء الفريضة فقط ، فقد تحتاج أنت كإنسان التذكرة للتواصل مع الله ولكن الله يتواصل معك طول الوقت ، أنت فقط لا تري أو تستمع ..
اذا فهم كل إنسان أن الله يرسل له شخصيا رسائله فقد أصبح مسئولا عن ترجمتها وفهمها. كلمات الله في كل شئ حولنا حشرة كانت أو حيواناً أو نباتاً. الكون كله كلمات من الله يتحدث بها إلينا مباشرة بلا وسيط. وهذا أكثر إشراقاً من تفسيرات ما يسمعه الانسان ومجرد الإنصياع لتفسير من عاشوا قبلنا بآلاف السنين.
كذلك فإن الله يغير وسائله ورسائله وإن إحتَفَظت بجوهرها لأنه صانع الزمن ، ويعلم كيف تتغير الأحوال بزيادة المعارف وعمق العلوم، فهو في النهايه مالك العلم والمعرفة ، ولكنه يتيح منها ما نستطيع أن تتحمله عقولنا التي تتطور ومعارفنا التي تتسع. فإذا تمسكنا بتفسير من سبقونا فكأننا ننكر رسائل
الله وتواصله المستمر معنا.
لحظه خوف، ولحظه رهبة، وثانية من عمر الزمن أمدتني بالفكرة والإحساس والتجربة والتفكير في جمال الله والعرفان برحمته..
أشكرك يا رب علي تنويري….
رابط المقالة
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2537954

التعليقات

التعليقات