الجمعة , 29 نوفمبر 2024
الرئيسية / صحافة / حوارات صحفية / الدكتور حسام بدراوى فى حوار مع «الوفد»: جينات مصر الحضارية أسقطت جماعة الإخوان

الدكتور حسام بدراوى فى حوار مع «الوفد»: جينات مصر الحضارية أسقطت جماعة الإخوان

الدكتور حسام بدراوى فى حوار مع «الوفد»:
جينات مصر الحضارية أسقطت جماعة الإخوان
ولد الدكتور حسام بدراوى فى مدينة المنصورة أول سبتمبر 1951م ثم انتقل مع أسرته إلى القاهرة عام 1960م. تخرج فى كلية الطب قسم أمراض النساء والتوليد، وعين معيدًا فى الكلية، حصل على الماجستير بتفوقٍ عام 1977، واستمرت رحلته العلمية فى الولايات المتحدة الأمريكية حتى أكمل الدراسات العليا وحصل على الدكتوراه من جامعة «واين ستين» بولاية ميتشجان عام 1980، كما حصل على تدريب تخصصى فى جامعة (نورث ويسترن) بولاية شيكاغو عام 1982، ثم ماجستير فى التعليم من جامعة بوسطن 1983.
كانت أمام «بدراوى» فرصة للبقاء فى الولايات المتحدة والعمل هناك، بسبب تفوقه فى دراساته العليا، ولكنه كان يعلم منذ البداية أنه فى مهمة لنقل ما يراه لتطبيقه فى مصر، فعاد للقاهرة وعمل مدرسًا فى كلية الطب وأستاذا فى طب أمراض النساء والتوليد وباحثًا فى طرق وأساليب تطوير التعليم ونشر عشرات الكتب والأبحاث فى هذا المجال وأسس مستشفى كبيرًا على نيل القاهرة.
نشر أكثر من 120 بحثًا وشارك فى تأليف العديد من الكتب المتخصصة فى مجاله، وكتب أخرى حول الرؤية المستقبلية لتطوير مجال الصحة والتعليم والبحث العلمى، أملا فى تحقيق التنمية المستدامة لمصر، كما تقلَّد العديد من المناصب، حيث انتخب عضوًا فى البرلمان ورئيسًا للجنة التعليم والبحث العلمى منذ عام 2000 حتى عام 2005 وعمل جاهدًا لوضع رؤية شاملة حول إصلاح التعليم والبحث العلمى، وأدخل فكرة ضمان الجودة والاعتماد فى التعليم والصحة، كما انتخب عضوًا بمجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، وأسس جمعية «الحالمون بالغد» إيمانا منه بأهمية دور الجمعيات الأهلية المهتمة بنشاطات خدمة المجتمع.
لعب «بدراوى» دورًا محوريًا أثناء ثورة 25 يناير 2011 وشغل منصب الأمين العام للحزب الوطنى لمدة 5 أيام عبر خلالها عن رأيه السياسى، حتى قدَّم استقالته من المنصب والحزب الوطنى لاختلافه مع قادة الحزب فى طريقة التعامل مع الثورة.
«الوفد» ترصد أهم محطات مشوار المفكر السياسى الكبير الدكتور حسام بدراوى، فى هذا الحوار.
فى تصريح سابق لك قلت إن جينات مصر الحضارية أسقطت جماعة الإخوان سريعًا.. نريد تفسر ذلك؟
الصفات الجينية فى أى مجتمع هى صفات مستمرة ولا تزول لكن قد تظهر الصفة فى لحظة معينة، وفى رأيى أن ما قامت به مصر بالخروج من تحت الحكم الدينى فى سنة 2013، لابد أن يكون وراءه صفة جينية، وهى أن المجتمع المصرى لم يقبل هذا التوجه، فالفكرة السياسية وراء الحكم الدينى كانت أن حجاب المرأة هو دليل تدينها، لكن حقيقة الأمر أن الذين خرجوا فى 30 يونيه كان من بينهم محجبات أيضاً، إذن مسألة الزى والدقن والجلباب والحجاب هى مسألة سياسية أساسا، وليست مسألة دينية.
وصفت ثورة يناير بأنها أعظم ثورة فى تاريخ مصر ثم أكدت أنها لعبة مخابراتية وأن الربيع العربى يهدف إلى تفكيك الوطن العربى فما تفسيرك؟
هذا صحيح، فأول ثلاثة أيام فى ثورة يناير كانت ثورة غير مسبوقة فى مصر، لأنها ضمت تجمعًا من الشباب للرغبة فى الكرامة والعزة والاحترام والتغيير، فلم تكن ثورة فقراء ولا ثورة دينية، لكن بعد الثلاثة أيام الأولى وتحكم الإخوان فى الميدان انقلبت الثورة إلى شىء آخر، وما زلت أعتبر ثورة يناير ثورة محترمة، لكننى أود القول إننى بتركيبتى السياسية والعقائدية والمعرفية لا أحب الثورات، لأن الثورة هى الخروج على الشرعية، لأن الناس حينما تغلق أمامها الأطر الشرعية للتغيير يلجأون للثورات، وكل الثورات تبدأ وتنتهى بالهدم، فإذا كان أى نظام حاكم أمس أو اليوم أو غدًا أغلق طرق التغيير السلمى فى الإطار الشرعى، فهو يعرض نفسه لثورات أو انقلابات أو اغتيالات.
الفكر لا يواجه إلا بالفكر.. وهناك صدام قائم بين الدولة وجماعة الإخوان منذ أن سقطت من سدة الحكم حتى إنها استخدمت حروب الجيل الرابع لبث أفكارها وسمومها وألاعيبها السياسية.. فهل المواجهة الأمنية تكفى مع هذه الجماعة؟
التعليم، المعرفة، الثقافة، الإعلام، فالمواجهة الأمنية وحدها لا تكفى ويجب أن تكون هناك مواجهة فكرية وثقافية وتنويرية، فالمواجهات الأمنية عبر السنين نجحت وفشلت وأريد القول أن الإخوان والسلفيين مازالوا أكثر ضجيجًا من المجتمع المصرى كله، بمعنى أن حادثة تحدث، أو إجراء يتم، نرى أن من يتصدر المشهد هم رجال الدين والسلفيون الذين يحرمون ويمنحون الجنة والنار لمن يشاءون، وهذا كله وجدان سلفى، وعندما تتصدى الدولة للتنمية، فلا يصح أن تتصدى للتنمية بنفس لغة السلفية، فمثلًا إذا تحدث أحد المسئولين قائلاً «ربنا هيحاسبنى» فهذا أمر مرفوض، نعم الكل سيحاسب، لكن من يحاسب المسئول هو البرلمان، أو الإعلام، ففكرة عدم الاعتراف بأن السلطات هى التى تحاسب بعضها البعض، تدخلنا فى إطار سلفى، فليس هناك اعتراض على أن الله سيحاسبنا جميعًا، لكن هذا على أحوالنا المرتبطة بالله عز وجل، لكن عند بناء مستشفى أو طرق أو اتخاذ قرار سياسى، فالمواطن هو الذى يحاسب المسئول، ففكرة أن نرد أمر المحاسبة فقط إلى الله عز وجل هى فكرة سلفية، بالضبط مثل أيام حرب 73 بدلًا من أن نشيد بعظمة الإعداد والتنظيم والنصر، يقولون إن الملائكة نزلت تحارب، بمعنى أن هناك من حارب بدلًا منا، أقصد أن هناك مسئولين فى السلطة يتحدثون أحياناً بنفس لغة الإخوان والسلفيين، ولابد من تغيير لغتهم، فإذا كان لدينا شركة تخسر فهل تتم محاسبة مجلس الإدارة أم الجمعية العمومية، فلابد من محاسبة مجلس الإدارة، لكن هنا الأمر خطأ فإذا خسر المسئول حمل الشعب الخطأ، وهنا الشعب بمثابة الجمعية العمومية، فالشعب هو الذى يحاسب المسئول ويغيره، لكن الحكومات لا تحاسب الشعوب فهو يختار ممثلين لمحاسبة المسئولين وهنا تظهر قيمة الاختيار والانتخابات الحرة فى المجالس المحلية التى لا توجد، وفى الإدارة اللامركزية غير الموجودة، وفى البرلمان الذى نعلم تمامًا أنه يمثل السلطة التنفيذية، فالحساب هنا أصبح غير موجود، ومن هنا يلعب المسئول على الوجدان الدينى بأن الله سيحاسبه لكننا نريد أن يحاسب البرلمان المسئول ويغيره كحكومة عندما تخطئ، فالدولة لا تحارب الفكر الدينى لكنها تستخدمه.
حذرت من قبل من تزاوج السلطة بالمال؟
لا أحذر دائمًا من تزاوج السلطة بالمال ولكننى أحذر من تضارب المصالح، فليس لدى مصلحة فى التعليم، ولذلك يمكن أن أكون واضعًا للسياسات لكن إذا كان هناك شخص ما جيد جدًا من الممكن أن يكون وزير صحة لكنه يملك 3 مستشفيات وشركة تأمين صحى، فهنا يأتى تضارب المصالح، فمهما قدَّم من عمل فلن يراه الناس إلا أنه يعمل من أجل مصلحته، ففى عام 2004 عرض على أن أكون وزير صحة لكننى رفضت لتضارب المصالح، لأننى كنت أملك واحدًا من أكبر المستشفيات ولدىّ شركة تأمين صحى، مما سيحدث تضارب مصالح، ليس لأننى أنتوى عمل شىء خطأ، لكن لأن المجتمع سوف ينظر لى نظرة أخرى، فكل من دخلوا الحكومة عام 2004 شخصيات جيدة جدًا، وذات كفاءة عالية جدًا، لكن لا أستطيع تعيين وزير للسياحة لديه شركات سياحية، فالمسألة هنا ليست منع أصحاب الثروة من العمل العام، ولكن الابتعاد عن تضارب المصالح، وهذا له قوانين تحكمه، فما أريده هو ألا أحرم أحدًا من المشاركة لكن إذا كان هناك بينى وبين وظيفتى تضارب مصالح فلابد أن تكون هناك قواعد شفافية أمام المجتمع.
ماذا عن رؤيتك لخريطة التحالفات السياسية بالمنطقة ورصدك لملف السياسة الخارجية فى مصر وهل ترى أن هذا الملف نجح بعد فترة حكم الإخوان؟
حكمى على السياسة الخارجية لمصر سيكون قاصرًا، لأننى ليس لدى كل المعلومات التى يمكن من خلالها أن أحكم، خاصة أن الأمور أصبحت متعددة المداخل، لدرجة أن الرأى سيكون سطحيًا، لكن نحن فى إطار تغيير دولى ما بين قطب واحد إلى عالم متعدد الأقطاب، وبين تهديدات عسكرية وإرهابية، وتهديدات من مصادر المياه وتهديدات نابعة من الداخل بسبب الفقر والأمية، كما أرصد أن العداء الذى كان بيننا وبين إسرائيل كانت مصر هى القوة العسكرية الوحيدة التى من الممكن أن تحارب إسرائيل، وفى إطار السلام الذى نريده أصبحت الحرب غير موجودة، فلم يصبح العدو عدوًا، وأرصد وأفكر أن مصر كانت مصدر تنوير فى إطار الفن والثقافة، وبالقطع هناك تغير يحدث وانتقل ذلك من مصر ولبنان إلى الخليج، فلم نعد نحن مصدر الإلهام الثقافى، حتى اللهجة المصرية التى كانت هى الأساس لم تعد اللهجة التى تسمعها أذن العالم العربى الآن، وأرصد وأخشى أنه فى كل الأوقات كان تعليم العالم العربى كله مسئولية مصر، لكننا فقدنا هذه القيمة، فنحن فى إطار جديد أن قيمتنا المعنوية والمادية نقصت، ونحتاج إلى أن نمسك بأيدينا وأسناننا فيما لدينا من إمكانات تجعل لمصر قيمة فى السياسة الخارجية، لأن السياسة الخارجية هى سياسة مصالح، فالعالم ينظر إلينا من مدخل المصلحة، فإذا لم يكن له مصلحة معك فلن يهتم بك، والمصلحة الأهم عند العالم الآن أن السوق المصرى له قيمة لديهم إذا كان سوقًا اقتصاديًا كبيرًا، أى لديه قدرة شرائية، وإذا كان سوقًا ضعيفًا فلن يكون لنا قيمة فى العالم، فقد كانت لنا قيمة قومية وقت ازدهار القومية وكانت مصر تؤثر على أفريقيا كلها فى نشر ثورات التحرر، أما الآن فعلاقتنا مع الدول الأفريقية غير مرتبطة بقيمة دفع ثورات التحرر، أما بالنسبة للعالم الخارجى، فهناك الولايات المتحدة القطب الأكبر، ثم الصين القطب الاقتصادى الثانى، وروسيا وأوروبا الشريك الاقتصادى الرئيسى لمصر، فهناك تغيرات جذرية فى العلاقات، فأين نحن من السياسة الخارجية، يجب حسابها كلها فى إطار المصالح والقيمة النوعية لمصر فى المرحلة القادمة، فنحن نحتاج إلى تغيير جوهرى، وليس معالجة الأمور السياسية فقط.
ما تقييمك لدور الجامعة العربية فى الوقت الراهن فى مختلف القضايا الإقليمية التى تشغل الوطن العربى حاليًا؟
فى رأيى أن الجامعة العربية سياسيا لا قيمة لها، لكن من المفترض أن يكون لها قيمة أكبر اجتماعيًا وثقافيًا وفى مجال التواصل الاقتصادى بشكلٍ كبيرٍ، الوحيد القادر على لم العالم العربى فى هذا الشأن هو الجامعة العربية، فالجامعة العربية لها دور اجتماعى ولها دور ثقافى قد يكون أهم من الدور السياسى لأن الدور السياسى من الواضح أنه لادور لها فيه، وأضرب مثلًا بالأمم المتحدة، فنحن ننظر إليها سياسيا كمجلس الأمن فقط، ولكن لننظر إلى اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية، هذه المنظمات أرست قواعد تعامل العالم مع بعضه البعض فى إطار اجتماعى وثقافى، فلابد للجامعة العربية أن تركز على هذا الجانب.
ما تقييمك لنتائج قمة جدة للأمن والتنمية فى السعودية مؤخرًا وكيف تقرأ العلاقات المصرية–الأمريكية الآن؟
خرجت من قمة جدة بالتوافق الذى حدث بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وسعيد أنهم لم يقعوا فى فخ التعاون الأمنى الإسرائيلى العربى، وأرى أن إعلان السعودية عن المفاوضات مع إيران شىء جيد جدًا، ففكرة أن تخلق عدوًا، نحن وإسرائيل أعداؤه هى فى رأيى فكرة جهنمية تفرق هذا العالم، أن يصبح عدوًا فجأة هو شريكك ضد إيران المسلمة مثلك، وهذا تفكير مخابراتى عبقرى وشرير، ولذلك أن تقول المملكة إننا نود التفاوض مع إيران لإيجاد أطر تعاون هو كلام صحيح، وأرى أن مصر من الممكن أن تلعب دورًا مهمًا جدًا فى ذلك، فمصر طوال عمرها دولة تدمج الفئات المختلفة، فمن الممكن أن نخلق قاعدة توافق، وقد تلعب مصر دورًا مهمًا فى ذلك فى المرحلة القادمة، كما أرى أن مؤتمر جدة أزال الحدة بين الإدارة الأمريكية وبين السعودية، فقد ذهب لإسرائيل والمملكة، أما بالنسبة للعلاقات المصرية الأمريكية فنحن نعلم أن الحزب الديمقراطى الأمريكى هو الذى دعم الإخوان ودعم التيار الدينى فى المنطقة، وهو من أطلق اسم الربيع العربى للربيع العربى، ومازالوا يدعمونهم، فنحن هنا فى إطار عجيب من العلاقات، أما الجمهوريون فكانوا ينعتون حكمنا بالديكتاتورية علنًا، وهؤلاء ينعتون حكمنا بأنه غير شرعى ضمنًا، فعلاقتنا بالولايات المتحدة علاقة غير متزنة فى الوقت الحالى، لكن الشريك الاقتصادى لمصر هو أوروبا ومازال، فلابد أن ننفتح على الصين ودول أوروبا، ففى رأيى أن مصر لابد أن تلعب دورًا فى إعادة العلاقات مع تركيا ومع إيران وتزود وجودها المؤثر مع دول الخليج كشراكة وليس كطلب للمساعدات.
كيف ترى ملف سد النهضة وهل من الممكن أن تلعب الحرب الأهلية والصراعات العرقية فى إثيوبيا دورًا فى هذه القضية؟
لا أستطيع الإجابة، لأننى لم أتعايش هناك، فقضية سد النهضة ليست وليدة الأمس، لكنها من مدة طويلة جدًا، لكننى أرى الخطر لكن لا أعرف مدخلاته ولا بناء رأى لمواجهة هذا الموقف، فالمسألة معقدة، ولابد أن تكون هناك لجنة مصرية تنظر إلى الأمر بصفة دائمة وليس لحظة الانفعال فقط، حتى نكون لنا سياسة مستدامة تجاه هذا الأمر، لكن مصدر المياه الرئيسى سيظل نهر النيل وأساس الحضارة المصرية.
كيف قرأت الحرب الروسية–الأوكرانية ومدى تأثيرها على العالم؟
قراءة كل التحاليل السياسية تتجه نحو اليمين واليسار، لكن أتصور أن أوروبا بدفع من الولايات المتحدة دخلت معركة هى الخاسرة فيها مثلما روسيا خاسرة، وأنَّ الحرب الروسية الأوكرانية مدفوعة من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وخلقت هذه «الفجوة السوداء»التى تجر العالم كله إلى أزمة اقتصادية رهيبة، ولذلك أدين القادة فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وروسيا أنهم انزلقوا إلى ما يهدد البشرية ومستقبلها فى هذا الأمر، لكن ليس فى أيدينا أن نفعل شيئًا سوى أن نعدد مصادر الغذاء وأن نبنى الداخل، فمن لا يستطيع أن يكفى نفسه اليوم سيتعرض لأزمة، فالتنمية المصرية لابد أن تكون جوهر المرحلة القادمة حتى يكون لدينا شبه اكتفاء ذاتى فى أشياء معينة وشراكات اقتصادية مع دول مختلفة ولا نركز فى جهة واحدة فقط.
ما تقييمك لجلسات الحوار الوطنى الأولى التى تمت بناء على مبادرة الرئيس وما أبرز القضايا التى يجب أن تتصدر أجندة الحوار؟
لى رأى فى قضية الحوار الوطنى واضح المعالم، فلابد لنجاح أى حوار من الاتفاق على محددات سابقة له، ووضع إطار نتحدث داخله وأقترح أن يكون ذلك هو الدستور ورؤية مصر 2030 التى أعلنها رئيس الجمهورية فى 2015، ولنبدأ بمبادئ الدستور فهناك مواد علينا الحفاظ عليها ومواد لم تطبق علينا وضعها فى إطار التطبيق مثل الشكل السياسى لإدارة البلاد لا مركزيًا، وأغلب ما يخص الفصل بين السلطات والتوازن بينها، وطريقة تطبيق العدالة واحترام الحريات، إذن الأساس هو بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ولنفكر فيما ذكر فى ديباجة الدستور ونجعلها أساسا للحوار ونسأل أنفسنا بصراحة كيف يمكننا أن نحقق ذلك، ولماذا لم تتحقق مواد من الدستور حتى الآن؟ وهل نحتاج إعادة مناقشة، أم محاسبة للحكومة؟ إذا لم نتفق على المظلة الحامية للمجتمع التى جاءت فى الدستور، فسيكون الحوار عشوائيًا وفوضويًا يفرض الرأى فيه الأعلى صوتًا والأكثر تنظيمًا، وعلينا الحذر من حماية الحوار من البعض الذين يرون، وقد يكون بحسن نية، ولكن بخطأ أن الاستقرار وسلامة المجتمع تأتى بالسكون وعدم التغيير وتجنب فتح أبواب التعددية، حوار بهذا التوجه سيكون هدفه دعم بقاء الحال كما هو عليه. إن أعمدة الدولة الحديثة تقوم على مبدأين أولهما العدالة والتطبيق غير الانتقائى للقانون، وثانيهما هو التنمية المستدامة. إذا كان ذلك مدخلنا للحوار فأهلًا به، أما أن كنا سندور ونلف بهدف الفوز فى جدال أو تحقيق أهداف تمكين فئة أو مؤسسة على أخرى أو بقاء الوضع كما هو عليه، فلن ينجح الحوار.
وهذان الوتدان ليس فيهما اختلاف، الاختلاف هو اختلاف سياسى وهل نحن نؤمن بتداول السلطة وسنقوم به، وهل نحن نؤمن بفصل السلطات عن بعضها البعض، البرلمانية والقضائية والتنفيذية أم لا؟ وهل نحن نتحدث عن حقوق المواطنين بالفعل أم نتكلم عنها ونفعل عكسها، هل التنمية التعليمية والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية مستدامة أم تتغير كل فترة، وهذه كلها مناقشات فرعية، وما يحكم كل ذلك هو الإطار السياسى الحاكم لمصر فقط، نضع الدستور ورؤية مصر 2030 ونتناقش بداخلهما، لكن أن نبتدئ حوارًا عامًا من لا شىء فهذا خطر، الأمر الثانى: كنت أظن أن مجلس الشيوخ هو الذى سيكون معنيًا بالحوار، لكننا أهملنا مجلس الشيوخ والبرلمان، وكأنَّ ذلك اعتراف بأنهما لا يمثلان الناس، فأنا أرى تأثير السلطة التنفيذية وأرى وجودًا ناصريًا واسعًا لا أدرى سببه يتكلم عن مبادئ العالم كله تحرك بعيدًا عنها، فالسلطة التنفيذية مازالت تتحكم فى الحوار الوطنى.
لك سلسلة من المقالات عن الديمقراطية والحرية وأنها فى حالة تلازم أساسى يضمن عدم الوصول للفوضى؟
طبعًا.. الديمقراطية بالأساس فى العالم الغربى تتغير، وتغيَّرت بتغير السياسة، الشيوعية سقطت، الرأسمالية تغوَّلت، والديمقراطية اختل توازنها فى العالم كله، وليس هناك أيديولوجية الآن تحكم البلاد، فالمطلوب فى أى بلد كفاءة الحكم وتداول السلطة ووجود نظام عدالة ناجز، وتنمية إنسانية. ولنبتعد عن تصنيف الأشخاص والأحزاب ونتحدث عن برنامجٍ متكاملٍ عن الحقوق الإنسانية التى تضم جزءًا سياسيا والجزء الأكبر هو حقوق الحصول على التعليم والصحة والسكن والمواصلات والغذاء وهذا أهم شىء لبناء أى مجتمع.
هناك تشجيع من الدولة للقطاع الخاص فهل ترى أن الرأسمالية فى مصر نجحت فى تنفيذ دورها المطلوب منها لإعادة بناء الدولة خاصة أن المجتمع يرى أن القطاع الخاص متهم بأنه يكسب بشكلٍ مبالغٍ فيه؟
القطاع الخاص متهم فى مصر منذ أيام الناصرية، وكلما نما القطاع الخاص تتغير الحكومات وتنقلب عليه ويتهم الإعلام القطاع الخاص بأنه عندما يحصل على ربح فهو حرامى، مع أن القطاع الخاص كان يمثل 70% من إنتاج البلد فى 2011، فكرة أنك دولة تملك كل أدوات الإنتاج فكرة فشلت فى مركز إنشائها وهو الاتحاد السوفيتى، فالمسألة واضحة المعالم، ولم يعد هناك كلام، حتى الصين تمارس سياستها الاقتصادية فى إطار القطاع الخاص، وحريتك كقطاع خاص فى الإنتاج والحصول على الربح وسداد الضريبة الملزمة بك وتعيين موظفين هى حرية وليست منحة، ومن المفترض أن تكون حقًا أيضاً، لكن لدينا التباس فى كل مرحلة من المراحل يهيئ لنا أن الدولة منتج أفضل ومدير أفضل، لكنها فى حقيقة الأمر أثبت التاريخ أنه عندما تقوم الحكومات بإدارة الاقتصاد تكون الخدمة أسوأ والكفاءة تكون أقل والفساد يزداد ويخسر المجتمع كله حتى إذا كسب فى لحظة.
كنت رئيسًا للجنة التعليم والبحث العلمى فى البرلمان..كيف ترى تطور العملية التعليمية فى مصر الآن وماذا عن نشاطك الحالى فى مجال التعليم؟
جوهر التحدى فى التعليم والصحة عدم استدامة تطبيق أى سياسة، فمنذ سنة 2000 أنظر إلى هذه المسألة بروية، نحن لا نستثمر فى أى سياسة أبدًا، فى عام 2014 استدعيت لأقود مجموعة من الخبراء كانوا 50 شخصًا وأصبحوا 70 شخصًا فى نهاية الأمر لوضع رؤية مصر 2030 فى التعليم، وهى الرؤية التى أعلنها رئيس الجمهورية فى 2015، وأصبحت ملزمة كنظام سياسى، هذه الرؤية تتكلم عن 5 محاور، كل محور منها بداخله أهداف رئيسية وفرعية ومشاريع لتحقيقه، وسائل لقياسه، تكلفة مالية، مدة زمنية، وهذه المحاور الخمسة منها المحور الأول وهو الإتاحة والجودة وعدم التمييز، ولم يتحقق، ثانيًا: حوكمة إدارة العملية التعليمية والتوجه نحو المركزية، بحيث نصل خلال 20 عامًا إلى أن تكون المدرسة هى محور إدارة التعليم، ثالثًا: الرقمية ولا أقصد بها الأجهزة بل خلق وجدان رقمى للتلميذ والمدرس والناظر والدولة. رابعًا: بناء الشخصية بحيث يكون كل واحد من شبابنا الذين يمثلون 65% من المجتمع إنسانا جادًا متقنًا لعمله، يعمل فى فريق ويحترم تاريخ بلاده يحافظ على حاضره فى إطار القانون، لديه أمل وحلم فى مستقبلها، يقبل المختلف عنه، يستطيع خوض حوار معه، قادرًا على تذوق الجمال، وكل هذا لن يحدث بمنهج ولكن بمعايشة داخل المؤسسة التعليمية فيها ممارسة للفنون والرياضة وعمل فى المجتمع المحيط بالمدرسة والجامعة يسمح للطالب أن يكون جزءًا من المجتمع، فالقضية الرئيسية فى التعليم هى المعلم والأستاذ، المحور الخامس: القدرة التنافسية، فسوق العمل المصرى لن يستوعب العمالة إلا بنمو اقتصادى، ولابد أن يكون النمو الاقتصادى ثلاثة أضعاف النمو السكانى على الأقل، فالمسألة كلها بناء القدرات، وتكافؤ الفرص وتوفيرها، فعمل الدولة هو بناء والمعارف والمهارات وتوفير الفرص، فالعدالة الاجتماعية تقتضى أن يكون الحصول على الفرصة بعدالة.
وهل كل تجربة تعليمية ناجحة فى دولة متقدمة من الضرورى أن تنجح لدينا؟
نعم.. من الممكن جدًا.
قلت إن التحدى السكانى هو عددى ونوعى وجغرافى وليس عدديًا فقط فماذا تعنى بذلك؟
الزيادة السكانية إذا كانت جاهلة وليست لديها معرفة وليست متعلمة ستكون عبئًا، لكن إذا كانت نوعية السكان أعلى بنظام تعليمى محترم، فستصبح إضافة للثروة، وحقوقهم متاحة فى الرعاية الصحية والحركة، فالعدد شىء والنوعية شىء آخر، والتوزيع الجغرافى شىء ثالث، لأن السكان مكدسون فى أماكن محددة، ولذلك أحيى الدولة أنها تريد خلق مدن جديدة، لكن أقول أن المدينة الجديدة مثل الطفل تنشأ وتنمو وتنضج فحتى تستوعب مدينة 6 أكتوبر والشيخ زايد التى تعدّ من أفضل المدن الجديدة أخذت 30 سنة حتى يسكنها 2 مليون نسمة، فلن نبنى مدينة اليوم ويسكنها 10 ملايين غدًا فلن يحدث ذلك، ولذلك نحتاج هنا إلى الاستدامة فى العمل، فبناء المدن ليست طرقًا ومبانى بل هى خدمات ومتعة وجمال حتى تكون جاذبة، وليست بدفع الناس دون إرادتهم ليسكنوا المدينة، ولكن لابد من جذبهم بوسائل جذَّابة للمدينة، فهذه المسألة لاتختص بجيلٍ واحدٍ بل بثلاثة أجيال متتالية، وهنا تبدو أهمية الاستدامة.
تلعب الدولة الآن على توفير حياة كريمة للريف فى كافة المحافظات فما رؤيتك لهذه المبادرة؟
مبادرة ممتازة، وفكرة الحديث عن حياة كريمة جيدة جدًا، لأن هدف السياسة هو الحياة الكريمة، هدف السياسة هو إسعاد الناس، وحياة كريمة تضم داخلها اقتصاد وصحة وتعليم ومواصلات، وحياة كريمة عندما تتوجه للريف والقرى تترك أثرًا جيدًا، لكننى لا أعرف قياس الأثر الذى فعلته حياة كريمة، لأننى ليس لدى معلومات كافية لكن الفكرة جبارة.
أخيرا.. ماذا عن كتابك الجديد «حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة» وما أهم الخطوط العريضة التى أردت طرحها خلال هذا الكتاب؟
هذا كتاب يحمل آمالًا عريضة للوطن ويطرح أفكارًا ورؤى، يعقبها حوارات مع شباب الحالمين بالغد، الدافع الرئيسى وراء الكتاب هو شغفى بالإصلاح ورغبتى فى المشاركة الإيجابية لتحقيق الاستدامة فى التنمية وتراكم الجهود لجعل مصر دولة عظمى وهى تستحق، لخصت فى الفصل الأول تحت عنوان»رؤية متكاملة للجمهورية الجديدة عشرة توجهات واختيارات وآمال، شملت عشر دعامات للجمهورية الجديدة، وقد قسمت الكتاب إلى فصول تتحدث عن بعض هذه التوجهات وليس كلها، وفى كل فصل وضعت ما أراه مناسبًا ليوضح بعض ما يجب أن نضعه فى الاعتبار لبناء الجمهورية الجديدة.
ولأنى أعلم أن السياسة ونظام الحكم أمر جوهرى فى تحديد إمكانية نجاح أى توجه تنموى، فقد أخذ هذا الفصل مساحة كبيرة، تلاه الفصل الخاص بالتعليم والتعلم والفصل الخاص بالعدالة، وقد اخترت بعد تفكيرٍ عميقٍ أن أضع فصلًا أخيرا أسميته «مراجعة التاريخ قد تصحح المستقبل»وضعت فيه مقالات وفصولًا من كتب صيغت قبل عام 2014 وبعضها قبل عام 2011 شاملة مشروعات لم تستكمل، ومبادرات أعيد طرحها وكأنها لم توجد، لأننى رأيت أن أطرحها رغم مرور سنوات قد يعطى القارئ نفس مقدار الدهشة التى تنتابنى عندما أفكر فى الفرص الضائعة من هذا الوطن، وأهمية استدامة تطبيق الخطط والاستراتيجيات ورصد واستعمال هذا التطبيق فى الجمهورية الجديدة.
May be an image of 5 people and text
سعد الجمل, Sherif Aref and 67 others
17 comments
6 shares
Like

Comment
Share

التعليقات

التعليقات