علي مقهي” الحالمون بالغد”
في رؤية التعليم…..أساند وأتحفظ
حسام بدراوي
بعد نشر كتابي “حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة” دُعيت في الأسابيع الأخيرة في أكثر من برنامج تلفزيوني حول الحوار الوطني … وفي كل الحوارات أكدت علي أن هذا حوار سياسي من الدرجة الأولي ، وان عمودي إتزان مستقبل الدولة قائم علي تطبيق ناجز للعدالة وتنمية إنسانية مستدامه.. وأكدت ، وأعيد التأكيد انه لابد من مصارحة بدون التفاف حول الحقائق لنجاح هذا الحوار..
ولأن الوقت المتاح لهذه الحوارات التلفزيونيه محدد وقصير ، وموضوع النقاش واسع ومتعدد، فإنه لا يتاح الوقت الكافي لشرح وتمحيص الأفكار ، وقد تُختصر الفكرة في جملة أو إثنتين لا تفي موضوع النقاش حقة..
وحيث أن الجميع ، ودائماً يودون سماع وجهة نظري في التعليم بالذات ، فقد وجدت بمراجعة الحوارات أنني قَصّرت ولم أوضح بشكل كاف إحترامي لجهود عظيمة وعمل جاد لإصلاح التعليم والنهوض به حتي لو لم أراه متكاملاً كما أودّ وأتمني، وظهر من كلامي ما يكون قد فهم بالخطأ أنه نفي للجهود المبذولة من وزارتي التعليم ومشيخة الأزهر التي أعتبرها وزارة تعليم ثالثة، فلا ننسي أن المعاهد الأزهرية تحتوي علي أكثر من 2 مليون تلميذ وتعتبر جامعة الأزهر أكبر جامعة في مصر وتحتوي علي حوالي 500 الف طالب..
أبدأ بسؤال بسيط ، هل يتفق مسئولو التعليم الأزهري و وزيري التعليم مع رؤية مصر 2030 في التعليم أم لا؟
إن كانت الإجابة بلا ، فلا مجال لحواري ولا معني له ويصبح إختلافي الإيجابي معهم لا لزوم له .
إن كانت الإجابة بنعم ، فهنا يظهر لماذا أختلف معهم بمودة وإحترام…
فما هي هذه الرؤية أساساً ، ولماذا آخذها كمرجعية؟؟ ويكتشف القارئ بدون جهد أين هي مواطن تحفظي الذي لا يفسد للود قضية. وقد يكون هناك ما لا أعلمه من جهود تصب في تطبيق الرؤية ولا يعلم بها المجتمع وبالطبع ” اللي إيده في المية مش زي اللي إيده في النار ” كما يقول المثل المصري العامي..
ولابد في الممارسة من تعديل بعض بنوده الرؤية ولكن بدون تغيير فلسفة وجودها، .
تنقسم الرؤية الي خمس ركائز:
أولاً : تعليم متاح للجميع، عالي الجودة دون تمييز. وهو محور بسيط ومؤشراته سهلة القياس..وهو يختلف ما بين التعليم المدرسي والتعليم الجامعي ، وتم تحديد واضح له كما يظهر في (الباركود) المرفق.
ثانياً :وجود إطار مؤسسي كفء وعادل ومستدام لإدارة عملية التعليم والبحث والتطوير.في التعليم المدرسي فالدولة هي مقدم الخدمة الرئيسي ولكن لابد من تطبيق اللامركزية في الإدارة. وحدة التعليم قبل الجامعي هي المدرسة. الإدارة المركزية والإمتحانات المركزية في التعليم قبل الجامعي في دولة بها أكثر من 24 مليون تلميذ هو نظام غير كفء وتتسع فيه الأخطاء .
ولكن في التعليم العالي الدولة منظم وضامن للعدالة وتكافؤ الفرصة وليس مقدم خدمة لأن الجامعات بتعريفها مؤسسات تتمتع بإدارة ذاتية وكل جامعة لابد لها من شخصية مستقلة ورؤية ذاتية.. الفرق جوهري هنا ….
ثالثاً :التمكين التكنولوجي والرقمي للتلميذ والطالب والمعلم وهيئات التدريس الجامعية وتطوير وسائل وطرق التدريس والبحث والتقويم. الرقمية هنا جوهرية ، والمقصود بها رقمية وجدان كل البنية الإنسانية في المؤسسات التعليمية من تلاميذ وطلاب ومعلمين وإداريين.. أما الأجهزة مثل الكمبيوترات والتابلت والتلفونات الذكية فما هي الا وسائل ، ولابد للدولة من الاستثمار في البنية التحتية للإنترنت ليكون متاحا في كل جامعة ومدرسة وفي كل منزل من الريف الي المدينة بدون تكلفة.
رابعاً: بناء الشخصية المتكاملة للتلميذ والطالب في جميع جوانبها ليصبح مواطنًا سوًيا ومعتزًا بذاته ومستنيرًا ومبدعًا وفخورًا ببلاده وتاريخها وشغوفًا ببناء مستقبلها يحترم الاختلاف والمواطنة وقابل للتعددية والعمل في فريق . وهو ما لا يمكن تحقيقه الا بمعايشة داخل المؤسسة التعليمية مع المعلمين والأساتذة ، وممارسة للرياضة والفنون بكافة أنواعها بتنافس بين المدارس وبعضها والجامعات وبعضها. كل ما هو مذكور في هذه الركيزة لابد له من مشاريع وإندماج للمتاح من مصادر وإمكانات من وزارت الشباب والثقافة مع التعليم..)هنا تحفظي كبير لاختفاء الأنشطة والتفاعل الانساني الثقافي الرياضي الفني)
خامساً: أن يكون الخريج مبادرًا ولديه القدرة على التكيف مع المتغيرات من حوله، خالقًا لفرص عمل جديدة وقادرًا على التنافسية مع أقرانه على المستوى المحلي والإقليمي، والعالمي.
كل محور يخرج منه عدة أهداف فرعية وكل هدف فرعي يندرج وينبثق منه مجموعة من المشاريع كان من المنتظر إعلانها ولكل هدف فرعي مؤشرات لقياس الاداء.
وتعالوا نتفق على أهمية استدامة الالتزام بمرجعية وإستراتيجية معلنة، يتم مراجعتها كل عدد من السنوات .ولا إختلاف هنا بين تعليم ديني وتعليم عام ، فالتعليم عابر للحدود ، يبني الإنسان الحر القادر علي التكيف مع متغيرات المستقبل. وعلينا ان وعترف بالواقع حتي نستطيع تغييره).. . .
وفي كل الأحوال علينا أن نفهم أن التطبيق تحدي جبار ولابد من تعديل أسلوبنا بحوكمة رشيدة ، في التوجه نحو اللامركزية في التعليم والرعاية الصحية وإلا نغرق في ضخامة المسئولية..
ونأتي للتعليم العالي : ونسأل أنفسنا هل الجامعات بناة حضارة أم مجرد مقدمي خدمة تعليمية. أن وظيفة تحديث المجتمع تقع على عاتق هذه الجامعات و على المتعلمين المثقفين صانعي الحضارة. عملية التحديث هي مسئولية مؤسسات التعليم العالي خصوصا في المجتمعات النامية . وحتى يتسنى لنا تعريف الحداثة وفهم مضامينها المؤدية إلى التغير الاجتماعي والتطور العلمي ينبغي للجامعات أن تقوم بمسح البيئة التي تنشأ فيها وأن تدرك تعقيدات التغيير المحتملة (وهذا يعني الحرية الأكاديمية). ويجب على الجامعات أن تضع رؤيتها تجاه التزاماتها نحو هذا التحول وأن تحدد كيفية استخدام أصولها بأفضل السبل الممكنة (وهذا يعني الاستقلالية المؤسسية). ولابد من توافر المساءلة.حسب مؤشرات متفق عليها.
بالنظر إلى رؤية مصر ٢٠٣٠ فهناك عشر سياسات رئيسية وضرورية للمضي قدما على نهج الإصلاح الجاد في مجال التعليم العالي بمصر حسبما جاء في الرؤية وأدعو القارئ لقرائتها في البار كود المرفق..
إن مبادئ إعلان بولونيا الذي تلتزم به الجامعات في أغلب بلاد العالم يؤكد:
1. أن الجامعة مؤسسة مستقلة في قلب المجتمعات ؛ إنها تنتج وتفحص وتقيم وتنشر الثقافة عن طريق البحث والتعليم، لتلبية احتياجات العالم من حولها ،و يجب أن يكون تعليمها البحثي مستقلاً أخلاقياً وفكرياً عن كل سلطة سياسية أو قوة إقتصادية أو توجه ديني.
2. أن أساس وجود الجامعة هو الحرية في البحث والتدريب هي المبادئ الأساسي للحياة الجامعية ، ويجب أن تضمن الحكومات والجامعات ، كل على حده ، احترام هذا المطلب الأساسي.
إن ما أختلف فيه مع الحكومة الحالية ، وهو ما ألمسه من هيمنة لا تفرق بين المنظم والراعي للعدالة وبين مقدم الخدمة المباشر.. فالدولة تتحكم في الجامعات الحكومية من خلال المجلس الأعلي للجامعات ،كذلك تبني الدولة جامعات جديدة ، وأنا سعيد بذلك ، لضمان بند الإتاحة لشباب مصر ، ولكني أتحفظ أن تكون هذه الجامعات جامعات خاصة تحت مسمي جامعات أهلية وهي ليست كذلك وتسمح للجامعات الحكومية بإنشاء فروع بمصاريف وتفرق بين طلاب نفس الجامعات حسب قدراتهم المالية ..
أن دور القطاع الخاص في تقديم خدمة التعليم العالي لا يمكن أن يكون بديلاً للجامعات العامة المملوكة للشعب . ونحن نعلم أن قدرة التعليم الخاص الهادف للربح الآن من الاستيعاب لا يمثل سوى أقل من 7% من مجموع الطلاب في الجامعات المصرية البالغ عددهم قرب 3 مليون طالب.
إن الدولة ليست مستثمراً جيداً ، ( وهو ما ثبت عبر التاريخ ) ولا يجب علي الدولة تحويل الجامعات المملوكة للشعب الي قطاع خاص بالتحايل بخلق نظم لتحصيل الأموال من الطلاب ولا بتفريغ هذه الجامعات من مصادر ثروتها البشرية بجذبهم للنموذج الحكومي الخاص .
إن إشراف الدولة على التعليم العالي لا يجب أن يُترجم في أي وقت على أنه التحكم في مرونة وحرية الجامعات العامة والخاصة في الابتكار والإبداع والاختلاف عن النظم النمطية وعن بعضها. إن هناك فرقاً بين المنظم والمراجع لضمان تحقيق الأهداف (regulator)، ومقدم الخدمة (provider ) أو والمتحكم والمتداخل و تغيير قواعد المنافسة بالتدخل لصالح ما تملكه الدولة من مؤسسات تعليمية جديدة تحت مسمى الجامعات الأهلية . علي الدولة الاحتفاظ بدورها في التنظيم وضمان العدالة وتبتعد عن أن تكون منافسا للقطاع الخاص رغم صغر حجمه ، ولا لنفسها في نفس الوقت.