الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / الزمن والإنسان محاولة لتيسير الفهم حسام بدراوي

الزمن والإنسان محاولة لتيسير الفهم حسام بدراوي

الزمن والإنسان
محاولة لتيسير الفهم حسام بدراوي
تعلمنا ونحن صغار وحدات القياس وفهمناها ودخلت في عقولنا وشكلت نظرتنا للمسافات و للزمن . الكيلومتر والمتر و السنتيمتر والملي متر وهي ماكان ذهننا يستوعبه. كذلك في الأوزان ، الطن والكيلو جرام والجرام وهكذا. أما في الزمن فكان قياسنا هو الساعة والدقيقة والثانية.
ولو سألت أي إنسان عن طول السنة ، لقال لك بلا تردد 365 يوم ، إلا أنه بتحري الدقة فإن السنةالشمسية يتماحتسابعددأيامهامن خلال دوران الأرض حول الشمس، فالدورة الواحدة تعني إتمام سنة شمسية وتستغرق بالتحديد 365 يوماً و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية……… أي ما يعادل 365.2435 يوماً.
ماذا فعل علماء الفلك في ال 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية، التي ستظل تتراكم سنة بعد أخري ؟.
أوجدوا السنة الكبيسة كحل لمشكلة التوافق الزمني بين التقويم الميلادي والدورة الفلكية للأرض حول الشمس ، بإضافة يوم كامل 24 ساعة إلي شهر فبراير كل 4 سنوات ، إلا أن ذلك لم يكن مثالياً ،حيث ستظل السنة التقويمية تتجاوز السنة الشمسية بمقدار 11 دقيقة و 14 ثانية..
وينتج عن تراكم هذه الدقائق والثواني يوم إضافي جديد كل 131 سنة تقويمية، ويستتبع ذلك إلغاء السنة الكبيسة مرة واحده كل 400 عام، وهو ما يساعد علي تقليص الفارق الزمني الذي يحدث بمقدار نصف دقيقة لصالح السنة التقويمية، مما يعني أن السنة
الشمسية ستتأخر عن السنة التقويمية بمقدار يوم واحد كامل بعد 3300 سنة..
ولو لم تُقيد البشرية نفسها بالحساب الدقيق ، )رغم تدخلات السياسة والكنيسة غير العلمية ( وبالسنوات الكبيسة منذ نحو 750 عاما ،لكان التقويم الميلادي سيتوقف عن التطابق مع المواسم في نهاية المطاف و لاختل النظام الذي يضبط حياة الإنسان علي الأرض، فيأتي الشتاء في شهور الصيف والربيع في شهور الشتاء وهكذا ..
ومن ناحية أخري ، تُعرف السنة القمرية بأنها المدة التي يحتاجها القمر ليتم إثني عشر دورة كاملة حول الأرض ، كل دورة تكون شهراً قمرياً، والسنة القمرية بدقة الحساب
. 354يوماو8ساعاتو48دقيقة و34 ثانية
أي أن هناك فرقاً بين السنة الشمسية والسنة القمرية قدره عشرة أيام و ١٦ ساعة و١٢ ثانية ، و نفس الأمر الذي أجراه العلماء مع السنة الشمسية أجروه مع السنة القمرية حتي يتم ضبط السنة وأيامها باستخدام علم الفلك والحسابات الدقيقة، ولكن أسلافنا العرب بعد وفاة الرسول رفضوا إحداث التعديلات الحسابية الواجبة فيها مما جعلها غير متوافقة مع حركة الفصول ، فأصبح شهر ربيع مثلا والذي موعده هو الربيع كما يقول مسماه يأتي مرة في الشتاء ومرة في الصيف واختل موعد شهر رمضان ومواعيد الحج وغيرها من الفصول ، ولهذا تفصيل دقيق وواضح إرتضي المسلمون أن يهملوا حسابه
بلا تدبر فاختلت الشهور القمرية وأصبح التقويم الهجري لا تتلازم فيه الطقوس الدينية بحقيقة دورة زمانها وانتفت منفعته لحياة الإنسان.
الدقة في الحساب ، والعلم إنتقل من السنين والشهور والأيام ، الي الساعات والدقائق والثواني، والآن تنتقل البشرية الي كسور الثواني في عالم ما هو أصغر من الذرة ومكوناتها ، وتم اكتشاف حقائق تفوق الخيال ولكن لم يتم تقريبها الي الذهن البشري بنفس بساطة المقاييس التي استوعبها البشر عبر التاريخ.
اكتشف اينشتين علاقة السرعة بالحجم وقال ببساطة أن الزمن نسبي وغير ثابت، وأن المادة
يقل حجمها بزيادة سرعتها ، والجسم اذا تحرك بسرعة الضوء ينعدم وجوده الكمي.
وأعود الي قياس الزمن الذي بدأته علي مستوي حركة الأرض والشمس والكواكب، وأنفذ الي عالم الكوانتم وحركة الجسيمات داخل الذرة. كلنا يعرف الثانية ولكن أغلبنا لا يستوعب وحدة زمن أقل منها!! لقد عرف الإنسان كل ذلك بداية من خلال خياله ثم نظرياته ثم إثبات علمي لها وسانده ما إخترعه من أدوات تراقب حركة الكواكب والنجوم ففهم قواعد الفيزياء، وأخري تراقب ما هو دون الذري غير المرئي وهو ما يسمي الفيزياء الكمية.. إذن يحتاج الأمر التحقق من وجود الأشياء، ثم مراقبة حركتها ، ثم استخدام وحدات زمن
لقياس سرعتها بالنسبة الي بعض، للوصول الي نتائج علمية لم تخطر علي بال البشر من قبل.
هنا نتفهم أهمية العمل البحثي الذي قام به د. زويل منذ أكثر من عشرين سنة وحصل علي جائزة نوبل عليه . فقد استطاع من خلاله تصوير تفاعلات جزيئات المواد داخل الذرة وقياس سرعة حركتها أن يثبت حقيقة ما كان خيالاً. ولكي اقرب الأمر الي الذهن كما قرأت، فتعالوا نتخيل أننا نريد تصوير سيارة لا تتحرك أو تتحرك ببطء ، لذلك نحتاج الي كاميرا عادية تفتح عدستها وتغلق لالتقاط الصورة ولأن السيارة لا تتحرك أو حركتها بطيئة جداً أبطأ من سرعة فتح وغلق عدسة
الكاميرا أثناء التقاط الصورة لذا تظهر صورتها .
اما اذا كان المطلوب تصوير فأر يجري بسرعة وليس سيارة ساكنة، فهنا لابد ان يتوفر للكاميرا أمرين: أولاً لابد أن تعمل زووم لكي تستطيع تصوير الفأر بحجمه الصغير ، ولابد أن تكون سرعة التقاط الصورة أسرع من سرعة الفأر وهو يجري.
كلام سهل ومنطقي ..
زويل وفريقه اخترعوا كاميرا يمكنها أن تعمل زووم لكي تستطيع تصوير جزيئات لا تشغل من الفراغ سوي جزء واحد من مليار جزء من المتر أو ما يساوي جزء من مليون جزء من المليمتر وهو ما أصبح يسمي نانومتر.
بل أن النانومتر مقسم الي بيكو مترات وهو مقياس أصغر ألف مرة من النانومتر.
أغلق عيناك ، وأترك لذهنك الخيال في الأبعاد!! ……
هذا الجزئ الذي يتم تصويره يتحرك داخل الذرة فلابد لعدسة الكاميرا لكي تلتقطه ان تفتح وتغلق بسرعة حركة ما يتم تصويره، وهي وحدة الزمن التي أصبحت تسمي فيمتو ثانية ، والا فإن هذا الجزيئ سيمر أمام الكاميرا ولا تلتقطه. الفيمتو ثانية وحدة زمنية تمثل مليون مليار )كوادرليون( جزء من الثانية ، والنسبة بين الثانية والفيمتو ثانية كالنسبة بين الثانية و 32 مليون سنة.
جاء الآن عالم آخر مصري أيضا )في جامعة أمريكية أيضا ( ، وفريق آخر من الباحثين ونزل بزووم الكاميرا ١٠٠٠ مرة أقرب من زووم
كاميرة زويل وبالتالي استطاع رؤية الالكترون داخل الذرة ، ولأن الالكترون يتحرك بسرعة الضوء تقريباً ، فلكي يستطيع تصويره فلابد من أن تفتح وتغلق عدسة الكاميرا في وحدة زمن أقل من الفيمتو ثانية وهي الأتوثانية .
أتوثانية هي وحدة زمنية تعادل 18−10 من الثانية، )واحد كوينتليون من الثانية(. ولسياق الموضوع فإن أتوثانية إلى الثانية يعادل زمن ثانية إلى 31.71 مليار سنة أو ضعف عمر الكون. يا إلهي علي المعرفة والعلم……
كل ذلك يحدث داخل الذرات في دائرة قطرها ١ بيكومتر الذي هو أصغر من النانو متر الف مرة يعني ما يعادل جزء من تريليون ) مليون مليون( جزء من المتر الذي يستوعب ذهننا طوله.
نعلم الآن أن الجسيمات الأولية التي تتشكل منها المادة، هي ما يسمي كواركات )التي تضم البروتونات والنيترونات( وليبتونات )تضم الالكترونات(. وتلك هي وحدة بناء المادة ، أي مادة في
الكون كله ومكونة من أوتار خيطية: )String
Theory(. ميكانيكا الكم أوضحت دمج الخاصية الجسيمية والخاصية الموجية ليظهر مصطلح ازدواجية الموجة -الجسيم ، فقد يظهر الجسيم كمادة أحيانا وكموجة أحيانا أخري. وحقيقة أن كل جسيم داخل الذرة هو جسيم وموجة في نفس الوقت )ازدواج الوجود( تجعلنا نتفكر في طبيعة وجودنا. والمذهل في إزدواج الوجود هو أن الطاقة تتواجد كمادة حسب شكل ذبذبات )الأوتار( المكونة للكواركات. .
ولكي أُقرب فهمي غير المحترف للقارئ ، فتخيل أن حروف اللغة ٢٨ حرف ولكن يمكن ان ينتج منها كل هذا المكتوب من الشعر والأدب عبر التاريخ …..وكل الموسيقي بكل اشكالها ونغماتهما تنتج من سلم موسيقي بسيط، وكل مادة الكون تنتج من ذبذبات الأوتار داخل الكواركات وكأن الخالق يعزف سيمفونية بتحريكه هذه الذبذبات كيفما أراد.
استنا ًدا إلى نظریة الأوتار الفائقة فإن الكون لیس وحی ًدا، وإنما ھنالك أكوان عدیدة متصلة ببعضھا البعض، ویرى العلماء أن ھذه الأكوان متداخلة ولكل كون قوانینھ الخاصة بھ، بمعنى أن الحیز الواحد في العالم قد یكون مشغولاً بأكثر من جسم ولكن من عوالم مختلفة.
إذاً يتبلور فهمي البسيط لجملة ” كن فيكون” ليصبح واضحاً في الذهن قدرة الخالق علي
تغيير النغمة عندما يريد فتتغير المادة أو قد ينشأ خلق جديد ، والله أعلم.

التعليقات

التعليقات