الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / صحافة / مقالات عن د حسام بدراوي / استراحة مفكر كبير – بقلم محمد مصطفى أبو شامة

استراحة مفكر كبير – بقلم محمد مصطفى أبو شامة

استراحة مفكر كبير
===========
محمد مصطفى أبو شامة
===============
الكتابة عن المفكر السياسي متعدد الألقاب والمواهب، الدكتور حسام بدراوي تحتاج إلي إبداع خاص يليق بحجم عطائه الكبير في مجالات الطب والتعليم والسياسة والثقافة والشباب.. والرياضة أيضاً، عطاء بلا حدود وممتد لأكثر من نصف قرن من الزمان، قبل أن يضطر قبل أسابيع لأن يحصل على استراحة محارب، في رحلة علاجية طالت بألمانيا، شفاه الله وعفاه وأعاده سالماً إلي وطنه الغالي عليه وعلينا جميعا.
جمعني لقاء هام مع الدكتور بدراوي قبل سفره بأيام، كان اجتماعا مطولاً بين أوراق «الحوار الوطني»، وطموحات وآمال نتشارك فيها وأفكار كنا نتأهب لصياغتها لتكن على مائدة المتحاورين، وبعضها يعرض على الرأي العام، و كان كعادته متفائلاً رغم متاعبه الصحية التي بدت واضحة، وهي المرة الأولى التي أراه فيها على هذا الحال، منذ جمعنا لقاء البداية لنؤسس جمعية “الحالمون بالغد”، ومعنا مجموعة من خيرة كوادر مصر في عام 1998.
بذل مفكرنا الكبير جهداً خارقاً خلال النصف الثاني من العام المنصرم، فقد كانت فرحته صادقة بالدعوة الرئاسية الكريمة للحوار، فاندفع بحماس الشباب يفتح كل النوافذ، وفي الوقت الذي كنت أبذل قصارى جهدي وأسابق الزمن لإصدار كتابي الجديد “الطريق الثالث” قبل أن ينتهي العام، فاجئني بإصدار ثلاثة كتب من العيار الثقيل فكريا خلال عام 2022، وكانت عناوينها هي: “دعوة للتفكير”، “حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة”، “رومانسيات منسية”، وعندما تم تكليفه بمنصب مستشار الحوار الوطني “لرؤية مصر 2030″، تسابقت عليه وسائل الإعلام تستطلع أفكاره ورؤيته، وكان بوجهه المشرق يبث في قلوب الجميع آمالاً طيبة وطاقة إيجابية تقاوم القبح واليأس والعنف، وتنشد السلام وتبشر بمستقبل أفضل لمصر والمصريين.
نجح بدراوي عبر سنوات ممتدة في العمل العام (إجتماعياً وسياسياً وثقافياً)، أن يؤسس مدرسة فكرية متزنة ومتوازنة، أبحرت باستقلالية رغم قسوة ظروف الرحلة، مدرسة قوامها الاعتدال السياسي والإيجابية الوطنية والحرية المسئولة، مزيج بين الليبرالية والاشتراكية والصوفية. كان صديقاً للجميع رغم شراسة الاستقطاب السياسي الذي عرفته مصر فيما عرف بسنوات الربيع العربي. بقي محايداً، لا ينحاز إلا للوطن ولا يعبر إلا عن قناعاته الأصيلة. توليفة (بدراوية) أنتجتها سنوات من التفكير والتأمل والقراءة والسفر والتجارب في شتى مناحي الحياة المصرية، يظل أهمها على الإطلاق عمله طبيباً للنساء والتوليد، مهنته الأساسية التي منحته سر الحياة وسحرها، وخلقت لديه حيوية دائمة في إنجاب الأفكار، فظل وسيظل يثري الحياة العامة في مصر، منذ أن سطع أسمه في تسعينات القرن الماضي كواحد من نجوم المجتمع، ولأجيال قادمة.
ولأن بيننا تاريخ طويل مشترك في العمل العام، تشرفت فيه (أحيانا) بمزاملته أو وفق تعبيرنا الأثير كانا كلانا للأخر (شريك في الحلم)، كما وصفني دكتور بدراوي أمام الحضور في حفل توقيع كتابي (حوارات على حافة الأزمة) عام 2015، وصفاً أتمنى أن أكون جديراً به: حيث قال أنه يعتبرني (ابن) له، لهذا ربما تكون شهادتي في حقه (مجروحة)، فاستعنت بمن هو أجدر مني بالكلام عنه، وهو أستاذنا الراحل الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد، الذي كتب في صحيفة الأهرام عام 2017، مقالاً يتساءل في عنوانه: “أين حسام بدراوي؟”، وهو نفس السؤال الذي شغل كثيرين مؤخراً، بسبب الاختفاء المفاجئ لمفكرنا الكبير، ولأسابيع متتالية عن المشهد العام، وربما تكون سطوري هذه قد فسرت الأسباب وشرحت سر الغياب.
يقول الأستاذ مكرم رحمه الله: “أعتقد ابتداء أن د. حسام بدراوي أستاذ الطب المتميز بجامعة القاهرة وخبير التعليم الذي ركز جهده العلمي على أهمية تحقيق معايير الجودة والإتقان في نظم التعليم المصري، دون أن تستفيد مصر شيئا من جهده!، وابرز من تصدوا لفساد الحزب الوطني وقامر على مستقبله الشخصي وسمعته وأمنه عندما قرر أن يخوض بمفرده معركة إصلاح الحزب من داخله التي وضعته في حالة خلاف واختلاف مع اغلب رموز الحزب وقياداته لابد لحسام بدراوي الذي كان أول من أشعل شرارة التغيير داخل الحزب الوطني أن يكون جزءا من مستقبل مصر واحد عناصرها ورموزها الفاعلة في هذه المرحلة على وجه التحديد لا أن يجلس علي(دكة الاحتياطي) يجتر آماله وأحزانه دون مسوغ واضح!”.
وقد غادر بالفعل دكتور بدراوي (دكة الاحتياطي) قبل شهور بمشاركته الفاعلة “الحوار الوطني” مستشاراً، قبل أن تبعده الظروف الصحية الطارئة التي حجبت عطائه مؤقتاً، ندعو الله أن تنتهي ويعود قريباً إلى ملاعب العمل العام، يثريها بمهاراته الفكرية وقدراته السياسية، في مرحلة فارقة في تاريخ مصر والعالم، تحتاج جهد كل المخلصين.

التعليقات

التعليقات