الخميس , 28 نوفمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ حوار مع سقراط ‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ حوار مع سقراط ‎

علي مقهي الحالمون بالغد
حوار مع سقراط
مستوحي من كتاب الكيميرا لحسام بدراوي
تصورت الفيلسوف سقراط وقد انتقل الي عالمنا ، وجاء ليحاورني وشباب الحالمون بالغد.. واستخدمت في ‏الحوار كلمات سقراط لتكون معبرة عن فلسفته. ‏
‏ سقراط هو‎ ‎المؤسس الحقيقي للفلسفة عند اليونان، حيث يعتبر أستاذاً للحكيم أفلاطون والذي هو بدوره أستاذ ‏لأعظم الفلاسفة اليونانيين أرسطو. كان المبدأ الرئيسي في فلسفة سقراط هو البحث عن المعرفة، لأنه كان يرى ‏أن المعرفة لا يمكن أن تقوم على أساس صحيح إلا بعد دراسة طرق الوصول إليها. ثم إن الأخلاق نفسها لا يمكن ‏أن تقوم إذا لم تُسبق بالعلم، لأن الفضيلة تقوم على العلم. ‏
‏ ويعتقد سقراط أن الكرامة الحقيقية للنفس إنما تنبثق من العلم الذي هو ميراثها الحق.
‏ جمع سقراط بين المبادئ المقبولة للفيزياء وبين إتقان الجدل . ‏
قال سقراط قبل بدء اللقاء، اشرح لي ماهي الديمقراطية عندكم لأفهم المنطق وراء ما حدث عبر السنين. ‏
قلت: إن الحقوق الإنسانية والانتخابية التى نشأت فى الديمقراطية الغربية فى أواسط القرن العشرين، قد تدرجت ‏فى التعميم على حسب الحاجة إلى الناخبين، فنالها العمال فى البلاد الصناعية قبل أن ينالها الزارع، ونالتها ‏المرأة بعد أن أصبحت عاملة فى المصانع تنوب عن الجنود فى الحرب، ونالها الملونون فى الولايات المتحدة بعد ‏اضطرار الدولة إلى خدماتهم فى المجتمع وفى الجيوش على التدريج فى الحربين العالميتين، ونالتها الشعوب ‏المختلفة نتيجة للضغوط المتبادلة والصراعات بين الطبقات للوصول إلى صيغة سياسية معينة يرتضيها كل ‏الأطراف.‏
‏ أما الحقوق الإنسانية المعترف بها من ناحية المبدأ وليست خططاً عملية يوجبها تكافؤ القوى بين الطوائف ‏وجماهير الناخبين، فتمثلها ديمقراطية إنسانية لا يمكن تصورها دون عناصر المساواة، والمسئولية الفردية، وقيام ‏الحكم على الشورى وعلى دساتير معلومة من الحدود والتبعات… وهى العناصر التى ننادى بها كمبادئ عامة ‏وليست اضطرارا لواقع انتخابى أو خدمة فى الجيوش، ولكنها تمثل إيماناً حقيقياً بكيفية العدالة فى الحكم إعترافاً ‏بحقوق المواطنين، بغض النظر عن مستواهم التعليمى أو موقعهم الإجتماعى.‏
قال واحد من شباب الحالمين:ولكننا نلاحظ ونحن ننظر إلى الديمقرطيه الغربية ، وما يُطبق منها في دول العالم، ‏خاصة الدول النامية، نجِد كثيراً من التناقضات بين الفلسفة والواقع، وتَجَبر السلطات الممنوحة للحكومات، ‏وأحيانا الظلم الاجتماعى لطبقات من الشعوب التي لا تستطيع بمقومات معارفها وقدراتها أن تحصل علي تكافؤ ‏حقيقي للفرص المتاحة كما ندّعي ونقول، فالأكثر تعليماً، والأكثر ثراءً، والأكثر انفتاحاً علي العالم، يحصل علي ‏الفرصة، وتزداد الفجوة بين المواطنين تدريجياً وتضيع في كثير من الأحيان فرص التنمية الإنسانية التي نبتغيها ‏من الحكم الرشيد. الديمقراطية قد تكون قد نجحت جزئياً في أوروبا وأمريكا الشمالية ولكنها فشلت في تطبيقها ‏في الدول النامية والفقيرة. ‏
قالت واحده من الفتيات وسقراط مندهش : ‏
دفعنا هذا الأمر كباحثين يرغبون في إستنفار ردود فعل المواطنين إلى طرح سؤال فلسفي يا استاذ الفلاسفة في ‏السوشيال ميديا نقول فيه “كيف يَتحكم ويَظلم من نختاره فيمن إختاره وهو يعلم أن من يختاره يستطيع تغيير ‏إختياره وأنه رهن إرادة من إختاره !!.‏
‏ وكيف يستهين من تدفع الشعوب لهم مرتباتهم ويدينون بموقعهم لهم بمن يتكلف قيمتها ويعطيهم وظائفهم إلا لو ‏كان النظام غير كفء ولا يعبر عن حقيقه توازن القوي”‏‎. ‎
قال شاب آخر :الشعوب أقوي من حكامها بدون الحاجه لثورات أو مظاهرات إذا إستخدموا حقوقهم في الإختيار ‏وقت الإختيار‎.‎
إمتعض سقراط قليلا وقال: وهل يستطيع الجاهل والفقير و المُستعبد الإختيار الحر؟؟؟ إنه رهن إرادة من يعلم ، ‏ومن يعطي ومن يملك ، أما زلتم تتجادلون بعد ٢٥٠٠ سنة في هذا النوع من الديمقراطية ؟؟. لقد كان لدينا ‏انتقادات لاذعة تجاه هذه الطريقة من الحكم ، انتقادات من الغباء تجاهلها حتي بعد مرور كل هذه السنين. .‏
‏ لقد كنت أحاضر في الماضي حول طبيعة الدولة المثالية وفي مرحلة ما سألت شريكي، أديمانتوس*، من كان ‏سيفضله لادارة وقيادة مركباً عبر البحر, راكب عشوائي، أم قبطان مدرب تدريباً جيداً، متعلم وذو خبرة؟ وبعد ‏اختيار القبطان كخيار واضح، نقلت ‏‎ ‎هذه الاستعارة إلى مفهوم الدولة، وسألت لماذا نسمح لأي شخص جاهل أن ‏يحاول إدارة سفينة الدولة. ‏
الديمقراطية التي تتكلمون عنها ، وكان يجادلني فيها السفسطائيين* ، تجعل جمهور الغوغاء يختار من يقود ‏السفينة ….‏
قلت لأخفف وطأة دهشة الحاضرين ،إن إعتراضات سقراط على الحكم الديمقراطي بالشكل الذي نفهمه الآن ‏يمكن ملاحظتها في أعمال له ، حيث تحدث في حوارات عديدة عن‎ ‎العدد القليل جداً من الناس الذين يمتلكون ‏تلك الفضائل المؤدية للقدرة علي الحكم السليم، وكيف أن عدداً أقل من الناس قادرون على فهم ذلك. ومما لا شك ‏فيه ، لم يعتبر سقراط عامة السكان أذكياء بما فيه الكفاية لإدارة الأمور وحكم الدولة. ‏
قال شاب من الحاضرين : أن هذا منطق ما زال يدور في الأذهان ، هل الحكم يكون بديمقراطية مطلقة يشترك ‏في الإختيار فيها الجاهل والعالم أم ديمقراطية الصفوة من ذوي العلم والخبرة؟!.‏
واضح أن رأي سقراط ، أهم فلاسفة عصره ، أنه يفضل ديمقراطية الصفوة….‏
قال شاب آخر دارس للفلسفة : ولكن هل كان ذلك رأي الفلاسفة الذين أتوا بعد سقراط أيضآ يا دكتور؟.‏
رددت قائلاً : تلاحظون تأثر أفلاطون باستاذه ، ففي أجزاء من كتاب “الجمهورية” العظيم ، أشار‎ ‎‏ أفلاطون بأن ‏الديمقراطية هي واحدة من المراحل الاخيرة في انحطاط الدولة المثالية ، مرحلة رديئة جدا لدرجة أن الشعب في ‏نهاية المطاف ممكن أن يَنتحب‎ ‎ديكتاتور لإنقاذهم من الديمقراطية التي تؤدي في الغالب لغرق السفينة. ‏الديمقراطية باعتقاد سقراط وتلميذه أفلاطون ستجلب الطغاة في النهاية.‏
إبتسمت واحدة من الحاضرين وقالت: والله تجربة دول العالم الثالث تقول ذلك أيضاً ، فهي تستبدل ديكتاتور ‏بآخر باستخدام آليات الديمقراطية…‏
قال سقراط: ألم تتعلموا ، أن الديمقراطية هي النسخة الفاشلة من حكم الجموع ، لقد كنت أرى أن أثينا مدينة ‏متداعية، تبتعد عن دستورها‎ ‎البديع كما وضعه سولون* وبالقطع أفضل من الحكم الثيوقراطي( الحجم الديني ‏بواسطة الرهبان) المستبد باسم الرب .‏
قلت : الفكرة القائلة بأن الديمقراطية تحمل تصدع جوهري كانت منتشرة بشكل واسع وحظت بتأييد في وقت ‏لاحق حتى من قبل المفكرين الليبراليين‎. ‎فولتير مثلاً الذي أيد جميع حقوق حريات التعبير عن الرأي والدين، ‏قال “لكاثارين” حاكمة روسيا في حينها أنه “لم يحدث شيء عظيم في العالم إلا من خلال عبقرية وحزم رجل ‏واحد يكافح تحيزات الجماهير‎” ‎‏. فمفهوم الليبرالية لديه كان منفصلا تماما عن الديمقراطية.‏
التفت سقراط اليّ وقال : لقد اخترع البشر كثير من التعريفات لنفس التصرفات الإنسانية ، وكما فعل السفسطائيين ‏أيامنا لابد أنكم تتجادلون وتقتلون بعضكم علي تعريفات لم تتفقوا علي معانيها. ‏
رددت قائلاً : حكيم أنت وما زلت يا سقراط…‏
قال سقراط : أذكركم أن المسمي ليس هو أهم عنصر لبيان الحقيقة ، فلو أطلقت علي الوردة أي إسم آخر ستظل ‏تشم رائحتها وتري جمالها كما هي…فعليكم البحث عن المعني الذي يعنيه الإسم في عقولكم لتجعلوا للكلمات ‏حيثية…‏
قال شاب من الحاضرين : إذا كانت الديمقراطية سيئة جداً، فلماذا نمارسها الآن؟ لماذا نكرر الخطأ ، ولماذا ندافع ‏عنها؟
قال سقراط : لقد كنت وما زلت قلقا بشأن المشاكل التي يطرحها السكان غير المتعلمين والمنقادين بسهولة في ‏حال حصلوا على السلطة في كنف الدولة. ‏
وأضاف : هذه الحقائق، جنبا إلى جنب مع القوة المكتسبة في مناصب الدولة وتحت أيدي الجمهور المصوت، ‏هي التي كان من شأنها ترحيبي بالموت .‏
أضاف سقراط‎ “‎هناك شئ واحد صالح وهو المعرفة، وشر واحد، وهو الجهل‎”‎‏. فالتعليم هو أفضل أمل ‏للديمقراطية. فالشعب الذي يفهم السمات المطلوبة في زعيم ما، يميز الفرق بين كونه ممثل مخادع أو زعيماً ‏مشروعاً، ويعرف المسار الذي يجب أن يتخذه وهو الفرق بين الديمقراطية الفعّالة والكابوس الذي عانيت منه ‏وأراكم تعانون منه أيضاً . الناخب يحتاج إلى فهم ما يكفي لتحديد الشخص المناسب ليكون في السلطة ممثلا ‏عنه.‏
لقد راجعت نفسي ووجدت أنه حتي لو كان الحاكم متعلماً وجديراً بالحكم ، فلابد تغييره بعد مدة من الزمن والا ‏تحول الي طاغية… هذه هي حقيقة الإنسانية، إذا تَمَلك إنساناً القوه والسيطرة والثروة يتحول الي شرير..‏
‏ وأنا متعجب ومندهش من الجدل حول أمور كنت أعتقد أنها ولابد قد حُسمت في المستقبل، أقصد المستقبل ‏بالنسبة لي. وهو التاريخ بالنسبة لكم…‏
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات