مواجهة احتلال العقول من بوابة التعليم
بقلم حسام بدراوي
إننا لا نملك الا خيارا أساسياً واحداً هو خلق انجاز حقيقي، ملموس ومستدام في مجال التعليم والتنمية الإنسانية . ان قوه مصر تكمن في شعبها، وقوه شعبها تتحقق بتنمية الإنسان المصري . ان إيماننا بأولويه التعليم لا يأتي لأن التعليم واحد من أهم الخدمات التي تتعهد اي حكومة في أي مجتمع بتقديمها للمواطنين، ولكن كحق من حقوق كل طفل وشاب، كل اسره ومجتمع صغير وكل مواطن مصري، رجلاً كان او امرأة في كل الاعمار وفي كل الأوقات، وان التعليم يجب ان ينظر اليه من خلال مفهوم تنموي يربط مستقبل هذه الأمه ارتباطا جوهريا بتنمية الانسان المصري ليكون بانيا للحضارة ومنتميا للثقافة. ان هذه الأولوية هي نتاج الدراسات والبحوث العلمية والتاريخية التي تؤكد ان مصر هبه المصريين، وان تنميه الانسان المصري وبناء قدراته لها بوابه رئيسيه هي التعليم.
إن رؤية مصر 2030 في التعليم والتي لا نتكلم عنها كثيرا ولا تتطبق بفاعلية تتلخص في خمس محاور :
ان يكون التعليم متاحاً للجميع دون تمييز، بجودة عالية في إطار نظام مؤسسي كفء، عادل، مستدام، ومرن يرتكز على المتعلم والمعلم الممٌكنين تكنولوجيا ورقمياً، ويساهم في بناء الشخصية المتكاملة في جميع جوانبها، وإطلاق امكانيتها الى أقصى مدى ليصبح مواطن معتز بذاته، مستنير، مبدع، مسئول، قابل للتعددية، يحترم الاختلاف، فخور بتاريخ بلاده، شغوف ببناء المستقبل، وقادر على التنافسية مع الكيانات الإقليمية والعالمية.
الواجب ان تضع الحكومات استراتيجيات تنفيذ ومبادرات مرتبطه ومتابعة لمؤشرات قياس وهو ما لم يحدث بشكل مرضي.
ولعل من أبرز وأهم المحاور المنبثقة من هذه الروية هو (المحور الرابع) الذي يتكلم علي بناء الشخصية المتكاملة للتلميذ والطالب في جميع جوانبها ليصبح مواطناً سوياً، معتزا بذاته وهويته، مستنيراً، واعياً، مبدعا، فخورا ببلاده وتاريخها، شغوفا ببناء مستقبلها، قادرا علي الاختلاف وقابلا للتعددية.
تكمن أهمية هذا المحور تحديدا في بناء الشخصية المتكاملة للأطفال و الشباب ودعم الجانب الوجداني لديهم، وتنمية مجموعة القيم التي نتفق عليها ومنها قيم التسامح وتقبل الأخر وتقبل الرأي المعارض وإدارة الحوار والصدق وحسن الخلق والمظهر والدقة والنظام والاحترام والوفاء والمصداقية والتنافسية واحترام حقوق الاخرين من خلال مشروعات لتعزيز مجموعه القيم الإيجابية والارتقاء بمستوي الوعي لديهم ومكافحه القيم السلبية المتطرفة وظواهرها المختلفة.
ويتحقق هذا المحور بتحقق أهم أهدافه وهو*تمكين الطلاب من المهارات الحياتية وخاصة مهارات القرن الواحد والعشرين
التي تشمل:
1. تعزيز مهارات التفكير النقدي وقدرة الطلاب على حل المشكلات بطرق مبتكرة.
2. تعزيز القدرة على التعلم الذاتي واكتساب مهارات جديدة مدى الحياة لمواكبة التطور التكنولوجي.
3. تعليم مهارات التواصل الفعال والقدرة على التعاون في بيئة عمل جماعية.
4. تعليم استخدام التكنولوجيا بشكل فعال وفهم الأساسيات الرقمية في عصر تكنولوجي.
5. تعزيز مهارات التفكير الرقمي وفهم المسؤولية والأخلاقيات المتعلقة بالاستخدام الرقمي.
6. تعزيز فهم الثقافات المختلفة والتعاون في بيئة متنوعة وشمولية.
7. تنمية القدرة على تحليل المعلومات وتقييمها بشكل نقدي.
8. تعزيز مهارات القيادة والابتكار من خلال الاستفادة من القدرات الفردية والتفكير الإبداعي.
هذه المهارات تساهم في تأهيل الطلاب للمستقبل وضمان تحقيق النجاح والازدهار في عصر التحول والتكنولوجيا المتسارعة.
و جدّ علينا مهارات القرن الواحد والعشرين المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتشمل:
1. فهم تقنيات الذكاء الاصطناعي.
2. تحليل البيانات والاحصاء و القدرة على الفهم والتحليل
3. القدرة على فهم وتطبيق تقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
4. تطوير القدرة على تطوير وتصميم البرمجيات والتقنيات اللازمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
5. القدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي في حل المشكلات المعقدة في مختلف المجالات مثل الطب والسيارات الذكية والتصنيع.
6. التفاعل و القدرة على التفاعل مع الروبوتات والأنظمة الذكية وفهم كيفية التعامل مع التكنولوجيا المتقدمة.
7. تنمية القدرة على فهم وتطبيق إجراءات حماية البيانات وضمان الخصوصية في سياق تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
هذه المهارات تعتبر أساسية في العصر الحالي والمستقبلي حيث يزداد التطور في مجال الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات.
وعلي قادة المجتمع زيادة الوعي بمفهوم حروب الجيل الرابع والخامس ومدي تأثيرها السلبي علي الهوية المصرية وتعزيز ألية التعاطي الإيجابي معهما.
إنها حروب تنتهجها القوى العظمى كاستراتيجية لإسقاط الحكومات والدول والنظم في العالم، دون الدخول في حروب تقليدية، وبدأت الدول الكبرى ذات المصالح في التفكير فيها كبدائل للتدخل العسكري في مختلف دول العالم، لتجنب الخسائر بين صفوف جنودها، وضباطها، وأسلحتها .
ان فلسفة هذا النوع من الحروب ،قائمة على هدم الدولة من الداخل، دون استخدام القوة العسكرية المباشرة، وبعد هدم الدولة، يتم فرض الإرادة الخارجية، وإملاء الشروط عليها، وهو ما كانت لتحققه القوة العسكرية ولكن بخسائر أكبر، وبالرجوع للتعريفات الدولية يتضح أن حروب الجيل الرابع والخامس، هي نوع من الحروب، التي يكون المشارك فيها ليس دولة، بل جهة فاعلة داخل وخارج الدولة، وأحياناً افراداً داخل الحكومات ، بتكليفات مخابراتية وتضيف المراجع العلمية والإستراتيجية أنها حرب معقدة، طويلة الأمد، لامركزية التخطيط، تعتمد على الهجوم المباشر على ثقافة الخصم، وأساسها الحرب النفسية، من خلال وسائل الإعلام الحديثة، وشبكات التواصل الاجتماعي، وتستخدم كل الضغوط المتاحة، سياسياً واقتصاديا وأمنياً، وتتصف تلك الحروب بغياب التسلسل الهرمي، وتتخذ من الإرهاب وتكتيكات التخريب وفى بعض الأحيان حرب العصابات واحدة من أهم أدواتها، وتؤكد معظم المراجع الإستراتيجية أن حروب الجيل الرابع والخامس لا تعتمد بالأساس فقط على خلق تناقضات ما بين افراد المجتمع وجماعاته ، بل تعتمد أيضاً في استراتيجيتها على احتلال العقول لا الأرض، وبعد احتلال العقول سيتكفل المحتل بالباقي، فهو يستخدم العنف غير المسلح، مستغلًا جماعات عقائدية مسلحة، وعصابات التهريب المنظمة، والتنظيمات الصغيرة المدربة، من أجل صنع حروب داخلية، تتنوع ما بين اقتصادية وسياسية واجتماعية للدولة المستهدفة، وذلك لاستنزافها عن طريق مواجهتها لصراعات داخلية، بالتوازي مع مواجهة التهديدات الخارجية العنيفة، والهدف واحد هو أن يتم إسقاط الدولة من الداخل، ليس بقوات عسكرية، حيث إن ما يتم إنفاقه على هذه النوعية من الحروب الجديدة ضئيل نسبيا، وعادة ما يتم التخطيط لهذه الحرب مسبقا، وتدريب العناصر الموكل إليها إشعال الجبهة الداخلية باستغلال الحكم غير الرشيد للبلاد النامية ، تحت شعار مزيد من الديمقراطية للبلاد، وهكذا تتم قيادة الجموع الحاشدة من أفراد الشعب لإسقاط النظام القائم دون استخدام القوة العسكرية.
إن محاور ومرتكزات وآليات تنفيذ حروب الجيل الرابع والخامس داخل الدول هي
- الشائعات والتشكيك في ثقافة وتاريخ وحضارة ورموز الدولة.
- هدم الإنجازات وتحويلها الي نقاط ضعف.
- نشر الفوضى الإدارية في الدولة .
- نشر الفساد في مفاصل أجهزة الدولة وبخاصة الوزارات الخدمية.
- إثارة النعرات العرقية والقبلية.
- استغلال التفرقة بين القوميات.
- استغلال التفرقة بين الأديان وداخل الدين الواحد.
- إظهار ضعف الدولة وعدم قدرتها علي إدارة شئون البلاد.
إن سمات حروب الجيل الرابع والخامس.
(أولاً) أنها حروب داخلية، تنفذ داخل الدول ذاتها، وبالتالي لا تحتاج إلي وجود جيوش نظامية لمواجهة بعضها بعضاً.
(ثانياً) المعركة والمواجهات يكون طرفيها من سكان الدولة، أو بين الدولة ومواطنيها.
(ثالثاً) أنها أكثر انتشاراً وخطورة،
(رابعاً) أنها حروب دائمة، فمن يدخل فيها قد لا يتمكن من الخروج منها لعقود، أو تخطيها وإعادة بناء الدولة مرة أخرى.
(خامساً) تتم بسهولة في الدول التي تعاني من انقسام مجتمعي حاد، إذا تداخلت فيها الروابط القبلية والعرقية والدينية والعائلية وغيرها كما هو الحال في الصومال وتشاد والسودان واليمن والكونغو الديمقراطية وغيرها.
(سادساً) أنها حروب تدار عن بعد، من خلال الصراع بين القوى الكبرى، على بسط السيطرة والنفوذ على دول العالم، ومن مصلحتها إضعاف الدول الأخرى.
لقد تطور مفهوم الأمن التقليدي الذي يستخدم القوة البوليسية او القوة شبه العسكرية الي نوع من الأمن الفكري لكونه يتعلق أساسا بحماية عقول أبناء المجتمع ، وثقافتهم، ويمثل طريقا لتحقيق الأمن بمفهومه الشامل.
إن المؤهلين للقيام بذلك التحدي ليسوا ضباط وجنود الماضي ولكن المؤهلين فكرياً وثقافياً القادرين علي خوض الحوارات ومواجهات التحديات الجديدة و المتجددة.
إن مواجهة هذا لا يتأتي بالمنع او السجن أو القمع أو التخويف بل بالعمل علي مواجهة الفكر بالفكر وتقوية الشباب وبناء قدراتهم علي البحث عن الحقيقة والرجوع للمراجع وعدم تصديق الإشاعات وهو ما يمكن أن يحقق للمجتمع تماسكه و هويته وذاتيته المميزة .