Wednesday , December 25 2024
Home / Uncategorized / آين معركة مستقبل مصر ؟ حسام بدراوي

آين معركة مستقبل مصر ؟ حسام بدراوي

آين معركة مستقبل مصر ؟
حسام بدراوي

لا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن التطرف ، حيث لم أري بحوثاً كافية تلقي الضوء على المسارات النفسية المختلفة التي يمكن أن تقود الناس إلى تبني العمل الديني أو السياسي المتطرف.

حتى بعد ثورة ٢٠١١ ، لم أري بحوثاً عن نوعية الشباب الذين كانوا في التحرير في الأيام الأولي وعلاقتهم بهؤلاء الذين تواجدوا في الأيام الأخيرة.. لم أري تحليلا للهتافات ، وأوقات بثها ولا لنوعية الشباب الموجودة ولا درجة تعليمهم. أنا أعتقد مثلاً أن ثورة 2013 كان قلبها الطبقة المتوسطة في مصر المسماه (حزب الكنبة) ، وهو الأمر غير التقليدي في الثورات عبر التاريخ ولكني لم أقرأ تحليلاً علميا يؤكد إعتقادي، ولا بحثاً إجتماعياً ولا إحصائياً فيمن كانوا في تجمع رابعة ولماذا؟؟ حتي لا نُضخم ولا نُقزم بهدف خلق إنطباعات غير حقيقية تترسخ في ذاكرة المجتمع الجمعية..

نحن نحتاج إلى إتباع منهجاً علمياً يعتمد على البحوث الاجتماعية لمعرفة أصول التطرف و لا ننساق وراء آراء قد تكون مهمة ولكنها قد لا تعكس إحصائياً حقيقة علمية نابعة من بحوث واسعة النطاق عبر عدد من السنوات..

إنني أعتقد أن الذين يجدون صعوبة في التكيف مع المتطلبات أو الظروف الفكرية الجديدة والمتغيرة ،يميلون إلى تبني وجهات نظر أيديولوجية وعقائدية أكثر حدة حول السياسة والقومية والدين ويتمتعون بعدم المرونة والاستعداد أكثر لتأييد العنف.

حروب الجيل الرابع والخامس ينتصر فيها من يمتلك أدوات التأثير ، والقادر على امتلاك عقول ووجدان الآخرين. وهذه حروب داخلية وعالمية أيضاً، و تأثيرها يعتمد علي جهل المتلقين من ناحية وغباء إدارة الدول من ناحية أخري. الجهل لا يتيح للمواطنين التفرقة بين الصحيح والمفبرك ، ولا يقودهم للبحث عن الحقيقة بل تصديق ما ليس له مرجعية ،بتكراره ودفعه في الأذهان ، وغباء إدارة الشعوب التي لا تترك للمجتمع وسيلة شرعية للتعبير بحرية عن رأي المواطنين وأحيانا غضبهم …
ة
لقد أثبت العلم أن الانطباع الذي قد يخلقه الغير ، يصبح بعد زمن حقيقة لا تحتاج إلى برهان، بل يدافع عنه البعض ويثورون ويتقاتلون من أجله وهو مخلوق من مجموعات تسعي للسيطرة السياسية أو أجهزة استخبارات أو إعلام موجه له أهداف ، وقد يقود أمم الي فشل وانهيار ،بل و يقضي على الهوية ، ويدفعه لرفض حاضره ويقتل الأمل في مستقبله.

إن خلق التطرف في مصر وتغذيته هو نوع من أنواع حروب الجيل الرابع والخامس لتفتيت إستقرار المجتمع ، والعودة بالمجتمع المصري من الحداثة التي كانت قد بدأت قبل كافة دول المنطقة في بداية القرن العشرين ، إلى الرجعية، ومن المدنية التي تحترم حرية المعتقد وإحترام الاختلاف والتعدد إلي التطرف الديني أحادي الفكر ، والتطرف السياسي الذي لا يري وسيلة للتغيير سوي بالعنف والهدم . إن تغييب التأثير المصري بقواه الناعمة والذكية على المنطقة هو في صالح من يريد أن يهيمن علي مقدرات الشرق الأوسط عسكرياً و إقتصادياً وثقافياً .

أولاً دعونا نفكر ، من هم المنافسين لمصر في التأثير الحضاري ؟ هم اسرائيل وإيران وتركيا والمملكة السعودية الصاعدة، وإن لم نتحالف ونجد أسس إتفاق بين مصر و اختياراتها لهذا التحالف ،”وأري أقربهم هي السعودية ودول الخليج” فإن ريادة مصر ستتدنى للأسف رغم أنها العمود الفقري التاريخي والمستقبلي للتنوير والحداثة حتي لهم…

ثانياً: علينا إدراك أنه لا يقاوم الفكر إلا الفكر، وهي مهمة المثقفين وقادة المجتمع ، وبكل أسف فإنه عبر العقود السابقة كانت هذه المعركة هي مهمة أجهزة الأمن فقط ، ليس لتكاسل المجتمع المدني فحسب ، ولكن أيضا لأن هذه الأجهزة لا تثق فيه ولا تسمح له بالتدخل فيما تظنه عمل أمني حصري . المعركة بلا مواربة كانت في غير صالح المجتمع مما أدي إلى إنهيار سياسي في 2011 ، وصل الإخوان المسلمين من خلاله إلى اختطاف ثورة الشباب ، بل وإلى حكم البلاد وهو نفس الخطأ الذي قد تقع فيه الدولة سياسياً، عندما يري أي نظام حكم أنه لا بديل له، وأن إستقرار البلاد مرهون بوجوده وأن الحرية والتغيير تؤديان الي الفوضي رغم أن التجربة أثبتت أن تداول السلطة السياسية المدنية هو أساس استدامة إستقرار البلاد والحداثة.

أرصد حركة حداثة في المملكة السعودية ودول الخليج ، أحييها ، ولكنها بدون مصر ستصبح لقمة سائغة لحروب الجيل الرابع والخامس ، فلا يجب علي مصر التباهي بدورها في الماضي الذي ساند هذه الدول ولا علي الخليج التعاظم والغرور علي مصر لواقع لقطة تاريخية انكمشت فيها قدراتها الاقتصادية وتأثيراتها السياسية.

الفرصة ما زالت أمامنا سوياً باحترام متبادل لجعل واقع ريادة التنوير والحداثة فارضاً لنفسة علي مؤامرات تُنسج ، وخطط تُبني ، لنهب الثروات والوقيعة بين الشعوب والحكام وبين هذه الأمم وبعضها ..

إن التطرف والإرهاب أساسه فشل في إدارة بلاد عظيمة مثل العراق وسوريا ولبنان والسودان سياسياً ووقوده أغلبه من الشباب ، وكثير منهم من المتعلمين وخريجي أرقى الكليات لأننا لم نعي أهمية وحيوية بناء الوجدان وبناء قواعد التنمية الإنسانية المستدامة فسقطوا في هوة التطرف والعنف رغم جمال هذه الشعوب وثرواتها . .
لا الثروة تحمي الشعوب ، ولا الإلتحاف بمظلة الولايات المتحدة وأوروبا..
درس التاريخ…

ان أما في مصر ، فإن الفكر السلفي المحافظ الرجعي الذي تسلل في وجدان المجتمع لم يختفي بعد 30 يونيو ، بل أراه يزداد إنتشاراً ، ويظهر جلياً في ردود فعل السوشيال ميديا على خصوصيات أفراد المجتمع و إستمرار قوانين مثل ازدراء الأديان ، وتعريف المواطنين بدينهم وليس انتماءهم لمصر في بطاقتهم الشخصية ، بل أن دار الافتاء الرسمية قد أصدرت فتوى في شكل ملابس النساء في مصر وماذا تكشف وماذا تخفي في سابقة لم تحدث من قبل..، المرة الوحيدة التي رأيت فيديو لها حول ذلك كانت في خطاب عام لجمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو يقول فية ان مرشد الإخوان طلب منه تحجب السيدات في مصر ، وكان رد فعل المواطنين الضحك وكأنها نكتة ،لرد فعل عبد الناصر الذكي ، وها نحن بعد ذلك بسبعين عاماً نحقق طلب مرشد الإخوان السياسي جداً .

الحقيقة أنه لا يوجد لتيار الحداثة والتنوير وجود سياسي مستدام في مصر ، وفي كل تغيير نظام حكم شكلي، يظهر تيار الرجعية ويزداد قوة .

إن الذين يستطيع حماية الهوية المصرية والوطن هم شبابنا المتواجدين في فصولنا الدراسية لمدة ١٨ سنة متتالية. كيف يصل إليهم مُخططي حروب الجيل الرابع والخامس ، ويشككون في تاريخهم ويسحبون الأمل من وجدانهم فيتحولوا إلى الهدم وليس البناء.
هذا هو ما يجب أن نعمل عليه ، ويشمله جهدنا في تطوير مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة في البلاد.

إن مواجهة ذلك ليس مسؤولية الجهات الأمنية و المخابراتية والرقابية، بل تقع المسؤولية بشكل أكبر على الإرادة السياسية والتنسيق مع المجتمع المدني ومؤسسات الإعلام والشباب والرياضة والثقافة والتعليم التي لا أراها تعمل بتناغم مؤثر في بناء الشخصية الواعية.

وما الذي يجعل للأخبار الكاذبة والشائعات كل هذا التأثير؟

إن أحد الأشياء التي تدفع انتشار الأخبار المزيفة ، التي بتكرارها تصبح حقيقة، هو الكسل المعرفي واستسهال أن يرى الناس الواقع من خلال عدسة انتماءاتهم السياسية والدينية وأن يكونوا متحمسين لرؤية الأخبار المزيفة على أنها حقيقية لأنها تتوافق مع ما يريدون أن تكون عليه وهي أمور من الممكن تلافيها بالتعليم والإعلام الذكي .

إن الصراع الموجود فى العالم ليس بين الخير والشر بل هو دائما إيمان شخص ضد إيمان شخص أخر..المطلقات هي أقصر الطرق التي تجعل الإنسان بلا بدائل ، ويتحكم فيه من يدًعي حصرية الصلة بالله . عندها يتحول الدين إلى مشكلة بدلا من هدفة الرباني الأساسي وهو المحبة والتعارف ، لأننا نقلصه ليصبح فقط غيبيات وتعليمات ومفسرين ، وليس روحانيات وقيم متفق عليها بين كل الأديان.

الحل يعود بنا إلى التعليم، ونوعيته وأساليبه. المسأله ليست في منهج يُدرس فقط ولا تابلت وتكنولوجيا ولكن في معايشة داخل المؤسسة التعليمية تتأثر بالمُدرس والأستاذ والمناخ الثقافي الذي يخلقونه.

الحلول متاحة ، ولكنها يجب أن تستدام ولا تتغير بتغير الحكومات. إن تأثير التعليم طويل المدي بطئ لأنه يحدث عبر أجيال. وإذا كان هناك حروباً من الجيل الرابع والخامس تعطل شبابنا وتبني أجيالاً مضطربة لا تثق في نفسها ، فلنبحث في ساحة التعليم ، ومعلمي الأجيال القادمة ، فالمعركة الحقيقية هناك.