الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / (Re. Setting the world) إعادة ضبط العالم

(Re. Setting the world) إعادة ضبط العالم

قال الشاب القارئ المثقف:
قرأت المقال الذى أرسلته لنا يا دكتور للكاتب جراهام دوكرى (معلق وكاتب أيرلندى)، حول مستقبل العالم بعد وباء الكوفيد، ونود مشاركتك فيما ورد فيه.
قلت: أنا سعيد بأن فكرة المقال حازت اهتمامكم، فمع إطلاق اللقاح المضاد للكوفيد- ١٩، يبدو أن البشرية مستعدة للفوز فى المعركة ضد الفيروس. لكن بعض النخب المؤثرة والحاكمة لاقتصاد العالم وسياساته قد يكونون يخططون لـ «إعادة تضبيط عظيمة للعالم».
إنها فرصة سنحت ولن تمر دون نيات حسنة هنا ونيات تحكمية مسيطرة هناك. أتصور أن لا أحد يريد العودة إلى طبيعة ما قبل الوباء، ولابد من أن هناك عقولا تخطط على مستوى كل دولة أو كل قطاع لشكل العالم الجديد بدلًا من عودة الأمور إلى ما كانت عليه، وإلا تصبح التجربة التى فرضت علينا وكأنها بلا عائد اجتماعى أو ثقافى أو اقتصادى.
قالت الشابة زميلته: لفت نظرى فى المقال ذِكر الكاتب أنه نظرًا لأن عمليات الإغلاق وفرض لبس الكمامات أصبح جزءًا من الحياة اليومية خلال العام الماضى، فقد طلب عديد من السياسيين فى جميع أنحاء العالم من مواطنيهم قبول «الوضع الطبيعى الجديد». لقد أصبحت العبارة منتشرة فى كل مكان، ولكن مع اقتراب اللقاحات من الانتشار، تم استبدال تلك العبارة بعبارة جديدة: «إعادة الضبط الكبرى»، المستخدمة لوصف التغييرات الهائلة التى يحتاجها المجتمع البشرى فى عالم ما بعد فيروس كورونا أو التى ستحدث بغض النظر عن الاحتياج.
قلت: لقد تم كشف النقاب عن «إعادة الضبط الكبرى» فى مايو ٢٠٢٠ من قِبَل الأمير البريطانى تشارلز وكلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى، اللذين أشارا إلى خطة طموح لإنشاء مجتمع عالمى جديد أكثر مساواة وغير نقدى ومتكامل ومستدام. ويبدو أن كثيرًا من قادة العالم قد وقّعوا على الخطة بشكل أو بآخر، حيث ظهرت عبارة «إعادة البناء بشكل أفضل» بشكل بارز فى رسائل حملة الرئيس الأمريكى القادم جو بايدن أيضا. إذن هناك أبجديات جديدة، ولغة تحمل رغبة فى تشكيل جديد لنمط الإنسانية على كوكب الأرض.
قال شاب آخر: هذا الموضوع يشغلنا يا دكتور، فالنظام الشيوعى سقط وفشلت أيديولوجيته، والنظام الرأسمالى تَغوّل وفقد إنسانيته، وشكله فى طريقه للانهيار، وجاءت أزمة الوباء فأظهرت هشاشة نظم الرعاية الصحية وعدم قدرة المجتمعات على حماية الطبقات الاجتماعية الأكثر احتياجا.
ردت زميلته قائلة: كذلك ظهر ضعف نظم الحكم، وأصبحت الحقوق الإنسانية وخصوصية المعلومات منتهكة أو فى طريقها لذلك حتى فى أعتى النظم الديمقراطية. ولعلنى هنا أعود لمجموعة مقالات ومناقشات د. حسام معنا حول ديمقراطية الجيل الرابع والاحتياج لنظم حكم جديدة وديمقراطية تتطور لتلائم التجربة الإنسانية وتتعلم من فشل التطبيق أو عدم ملاءمته للعصر فى ضوء المتغيرات التكنولوجية والتقدم العلمى الواسع والذكاء الاصطناعى.
قلت: معكم حق، هذا ما يجب أن يشغل الفكر.. تطور النظم السياسية والاجتماعية لمنع مثيرى الشغب ومحرضى الجماهير من تحقيق مآربهم المخربة التى تدفع البشرية إلى الوراء، وتتيح نظمًا أفضل تحترم أولويات العصر الجديد بتوازن بين الحريات والحقوق.
قالت الشابة الذكية مرة أخرى: نرجع للوباء وما سيحدث بعده!!.
قلت: من الممكن تقسيم الرأى بين أولئك الذين يعتقدون أن الوباء هو الشكة فى الذراع التى كان يحتاجها العالم ليعيد تنظيم نفسه لمصلحة الجميع، وأولئك الذين يعتقدون أنه لابد من قيادة جديدة لهذا العالم الجديد. ومهما كان رأينا، إليكم نظرة على «الوضع الطبيعى الجديد» الذى ينتظرنا فى عام 2021 وما بعده.
سيتم إصدار جوازات سفر للمواطنين مع حصانة أو شهادات التطعيم، وقد يكون ذلك «مثيرًا للجدل». لكن هذا لن يمنع الحكومات من التلاعب بالفكرة. تقوم بريطانيا مثلا «باستكشاف» فكرة إنشاء قاعدة بيانات رقمية لـ «جواز سفر الحرية»، والتى من شأنها أن تمنح حق الوصول إلى الأماكن العامة فقط للأشخاص الذين يمكن أن يثبتوا سلبية اختبار الكوفيد لديهم، بينما ناقشت أيرلندا وإسرائيل حظر غير الملقحين من التواجد فى أماكن معينة، وقد تحظر فرنسا غير الملقحين من استخدام وسائل النقل العام، وهكذا ستتوالى إجراءات جديدة على حركة المواطنين.
وبالرغم من تعرُّض مثل هذه التحركات لانتقادات شديدة من قِبَل المدافعين عن الحريات المدنية، لكن أولئك الذين يدفعون بهذا التوجه لا يبالون. كتب رئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير الأسبوع الماضى قائلًا: «استعدوا للحصول على شكل من أشكال جواز السفر الصحى الآن». «أعرف كل الاعتراضات، لكنها ستحدث. إنها الطريقة الوحيدة التى سيعمل بها العالم ولن تكون عمليات الإغلاق هى المسار الوحيد للعمل».
قد لا تتمكن الحكومات من إجبار المواطنين على تلقى اللقاح، حتى وإن ظهرت له آثار جانبية، لكنها لن تضطر إلى ذلك. مثلًا قالت صناعة السفر الجوى بالفعل إنها ستحتاج إلى دليل على التطعيم للطيران فى العام المقبل، مما يترك للمسافرين المتمرسين خيارًا بسيطًا: أخذ الجرعة أو البقاء فى المنزل. وقِسْ على ذلك الدخول للأماكن العامة أو ركوب وسائل المواصلات أو الدخول إلى المدارس والجامعات أو المطاعم السينما والمسرح.
سجل التطعيم الخاص بكل واحد سيصبح مجرد جانب واحد من هويته، ويريد مهندسو إعادة ضبط العالم الوصول إليه. فى منشور عشية عيد الميلاد، وضع المنتدى الاقتصادى العالمى مثلًا خطة طموحًا لإنشاء تطبيق هوية رقمية يهدف إلى إعطاء هوية رسمية لأكثر من مليار شخص فى جميع أنحاء العالم، وسيُمكن التطبيق المقترح المستخدمين من الارتباط بـ «المدن الذكية»، وخدمات الرعاية الصحية والمالية، ومقدمى خدمات السفر والتسوق، والدوائر الحكومية.
إن التطبيقات التى انتشرت وستنتشر أكثر ستُمكن الحكومات من تتبع حركة المواطنين واكتشاف الدوائر المختلطة بكل إنسان لمنع انتشار الأوبئة فى المعلوم من الأهداف، وانتهاك الخصوصيات لمنع انتشار الأفكار من ناحية أخرى.
الآلاف يغرّدون حول هذا الموضوع
لقد قطع صندوق النقد الدولى خطوة أخرى إلى الأمام، كما فعلت الصين، حيث اقترح إمكانية استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعى لمسح منشورات الشخص على وسائل التواصل الاجتماعى لتحديد درجة الائتمان الخاصة به.
ويتحدث مؤيدو إعادة الضبط الكبرى عن بناء اقتصاد أكثر مساواة وإنصافًا بعد «كوفيد». ولكن إذا كانت الاتجاهات الحالية هى كذلك، فإن هذا الاقتصاد سيبدو أشبه بإقطاعيات القرون الوسطى، مع وجود مجموعة صغيرة من المليارديرات فى الأعلى والبقية منا فى الأسفل.
لقد كانت عمليات الإغلاق كارثية لأصحاب الأعمال الصغيرة. أعلن رئيس البرازيل إفلاس بلاده، وشهدت سان فرانسيسكو، على سبيل المثال، إغلاق نصف أعمالها الصغيرة، فى حين فقدت الدول التى تعتمد بشكل كبير على السياحة والضيافة 45 فى المائة من أعمالها الصغيرة. وها نحن فى الإغلاق الثانى فى بداية 2021.
ومع ذلك، فإن أصحاب المليارات فى العالم يقومون بعمل مذهل. لقد نمت ثروة عمالقة العالم منذ بدء الوباء. حققت شركة أمازون نتائج مذهلة فى الربع الثانى من عام 2020، وزادت ثروات وترعرت. نمت الثروة المجمعة لأغنى 12 مليارديرًا مثلًا بنسبة 40%. وزادت قوة تأثير الشركات العملاقة على السياسة والسياسيين.. فها هو رئيس أقوى دولة فى العالم، والذى يستطيع بضغطة واحدة من إصبعه أن يدمر الكوكب قد أصبح محرومًا من نشر تغريداته وممنوعًا من نشر تعليقاته
على الـ«فيسبوك».
مع استمرار عمليات الإغلاق حتى عام 2021، ليس هناك ما يشير إلى أن هذا الاتجاه سينعكس فى أى وقت قريب. كل هذا يبشر بماذا.. بالخير أم بالشر للعالم؟!.
إن ما حدث أثناء أزمة الكوفيد سيغير نظم الانتخابات، ونظم الرعاية الصحية، وبالقطع سيغير وسائل التعلم، ونشر وينشر استخدام التكنولوجيا كما نعلم، وفى أحيان كثيرة فيما لا نعلم. ولكننى مؤمن بقدرة البشرية على جعل إعادة تشغيل النظام العالمى لخدمة الجانب الإيجابى لتحقيق سعادة البشر. إنه دور قادة الفكر وضابطى إيقاع الحياة الحرة، وأولًا وأخيرًا قدرة شباب العالم من أصحاب الضمائر الحية ومن ذوى الذكاء الطبيعى المتمرسين فى استخدامات الذكاء الاصطناعى على إدارة المستقبل.

التعليقات

التعليقات