تمنيت لو أنى استطعت تلبية دعوة الدكتور حسام بدراوى إلى حضور افتتاح مدرسة الكمال الابتدائية فى الجمالية، بعد تطويرها على يديه بتكلفة 3 ملايين جنيه خلال ثمانية أشهر.
المدرسة تضم 800 تلميذ، وهى سادس مدرسة تقوم جمعية «تكاتف»، التى يرأسها الدكتور حسام، بمد يد التطوير إليها، على مدى ثلاث سنوات.. فقد سبقتها أربع مدارس فى الدرب الأحمر، ثم مدرسة عبدالعزيز جاويش، التى دمرها الإخوان خلال اعتصام رابعة!
أما تمويل الجمعية فيأتى من تبرعات رجال أعمال، يمارسون دورهم فى مجتمعهم دون ضجيج، ودون صخب، ودون كاميرات، ولا أضواء، ويؤمنون، مع رئيس الجمعية، بحقيقة ساطعة، هى أن أى مستقبل حقيقى، ومختلف لنا لابد أن يمر من بوابة واحدة، بل وحيدة، اسمها التعليم المميز.
وربما يكون الفارق الأساسى بين الدكتور بدراوى وكثيرين غيره فى بلدنا يشاركونه الهم نفسه، أنه يؤمن بتلك الحقيقة الساطعة، ثم لا يتوقف عند حد الإيمان بها.. فجميعنا تقريباً نعتنق الإيمان ذاته.. ولكنه يترجم إيمانه إلى «فعل» وإلى عمل، وإلى شىء حى فوق الأرض على طريقة مجدى يعقوب فى أسوان، لا طريقة أحمد زويل فى القاهرة.. وليست المدارس الست إلا دليلاً قوياً على صدق إيمانه فى هذا الاتجاه، ثم على زيف إيمان آخرين كثيرين حولنا، يصدعون رؤوسنا بالكلام عن التعليم، وعن هم التعليم، وعن مأساة التعليم، ثم.. لا شىء!
تصورت لو أن فى مصر ألف رجل من عينة حسام بدراوى، ثم ضربت وجمعت وطرحت، وتبين لى، بالورقة والقلم، أن وجود ألف رجل مثله عندنا معناه أن نعيد إحياء ستة آلاف مدرسة فى ثلاث سنوات.. وبحسبة أخرى، فإن هذا معناه سوف يكون إتاحة تعليم مختلف لخمسة ملايين طفل تقريباً.. فالرقم هو حصيلة ضرب ستة آلاف مدرسة فى 800 طفل، هم إجمالى عدد الأطفال فى مدرسة الكمال!
وحين أقول إتاحة تعليم مختلف، فإننى أعنيها، لأن «تكاتف» وهى تعمل لا تتعامل مع الحجر وفقط فى المدارس، وإنما تقدم البشر فيها على الحجر، أو تعمل عليهما فى خطين متوازيين لا يتخلف أحدهما عن الآخر.
فكل مدرسة من المدارس الست، قد خضع مدرسوها لدورات تدريبية من النوع الحقيقى، الذى يؤهل المدرس لتخريج طفل يعرف معنى المدرسة، ومعنى أن يتردد عليها، وضرورة أن يعود منها وقد اختلف عقله عما كان عليه، قبل أن يذهب إليها.
وإذا كنا قد قلنا، مراراً، ونقولها، وسوف لا نمل من القول، إن التعليم عبارة عن مدرسة، ومدرس، ثم منهج يدرسه الطالب، فجمعية الدكتور بدراوى تعمل بدأب على الأول والثانى من هذه العناصر الثلاثة، ليكونا على أفضل ما يكون، وليبقى المنهج بعد ذلك شأنا مجرداً للدولة، ومسؤولية كاملة ملقاة على كتفيها، وأتمنى أن يكون مسؤولونا فى البلد منتبهين إلى خطورة المنهج، على نحو ما يجب أن يكون الانتباه، وأن يكون ذلك هماً للدكتور محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم، فى يقظته، وفى منامه!
بقى أن أقول إنه فى الوقت الذى انتهى فيه الدكتور حسام من المدارس الست، ويستعد للانتهاء من السابعة فى السيدة زينب، والثامنة فى السويس، فإن هناك، فى المقابل، آخرين يهدمون من خلال مدرسة بشتيل الإعدادية بنات فى الجيزة، التى يرغم مديرها طالباتها على ارتداء الحجاب، ويخير كل طالبة بين الحجاب الإجبارى أو البحث عن مدرسة أخرى!!