الأحد , 30 مارس 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / إستقرار حكم البلاد “واقع و رؤية واقتراح” بقلم حسام بدراوي

إستقرار حكم البلاد “واقع و رؤية واقتراح” بقلم حسام بدراوي

سلسلة الجرأة علي التفكير
إستقرار حكم البلاد
“واقع و رؤية واقتراح”
بقلم
حسام بدراوي
خلال الشهور الأخيرة، وبمناسبة
إجراء إنتخابات رئاسة الجمهورية قمت بإجراء تجربة حية في الشارع السياسي المصري بكل أطيافه مستخدماً التواصل الفعلي وطرح البدائل والاستماع بإنصات لكل الآراء، وذلك لاستكشاف الواقع و الجديد ورسم طريق المستقبل. ولقد خرجت بعد تجربة الشهور الماضية ببعض النتائج التي أوجزها للقارئ ولمؤسسات صنع القرار ، لأنها قد تعطينا تصوراً للخطوات السياسية القادمة؛ التي قد تحمي البلاد وتديم الاستقرار واضعاً في الاعتبار أن أمامنا ست سنوات فقط لبناء شكل مؤسسي يمكنه ترشيح رئيس لمصر عام ٢٠٣٠ يسبقه اختيار للمجالس المحلية و لأعضاء البرلمان القادم بشكل يحترم الدستور الذي يؤكد علي الفصل بين السلطات والتوازن بينها.
يعني كلامي أن أمامنا عمل سياسي ضخم لبناء القاعدة التي يمكن الاختيار منها، وأخطاء نتعلم منها ، ونجاحات ستحدث نبني عليها.
ولأننا نعلم في نفوسنا ومن تاريخنا أن الحكم في مصر رئاسي حتي وإن قلنا غير ذلك ، وأن التنمية في البلاد تحتاج لحكم قوي ولكنه يحترم تداول السلطة ، فإن ما أطرحه للحوار في غاية الأهمية.
تحليلي أن في الوقت الحالي هناك ثماني قوي تؤثر في العمل السياسي في مصر (ليس ترتيباً بقوة التأثير ) :
١-القوة الأولي هي ثقافه أغلب المجتمع السياسي الحزبي بالسعي للاقتراب و التظلل بالسلطة التنفيذية للحصول علي مكاسب أو دور أو مكانة أو الظهور في الإعلام بل يصبح ذلك في حد ذاته نصرا لهم. ولقد لاحظت وبوضوح أن رغبة هذا المجتمع السياسي تدور في فلك الخوف من اعتبارها معادية للأجهزة الأمنية والرغبة الصادقة في نفس الوقت لخدمة مجتمعها المحلي من خلال السلطة التنفيذية القائمة .
إن هذه الأغلبية تحتاج الي الإطمئنان أنه يُنظر اليها أنها مع تيار الدولة وأجهزتها ( كما يسمونها).
٢- القوة الثانية هي قوه المال والتمويل ولقد لاحظت أن تأثير ذلك كبير ولكنه لا يغني عن الاولي .هذه القوة نفوذها يعتمد علي أن نسبة الفقر التي تصل الي أكثر من ٣٠٪؜ ونسبة الأمية التي تصل الي ٢٥٪؜ من المجتمع.
٣- القوة الثالثة هي الأيديولوجية الثورية والمعارضة الحادة بشكل عام علي كل شئ، والتي تقدم هدماً لأي واقع بلا بدائل إيجابية. قليل ممن قابلتهم هم من هذه النوعية ، وصوتهم عال وصراخهم شديد وتأثيرهم سيكون فقط في إيجاد صورة ذهنية سلبية في الداخل والخارج، للإيحاء أن مصر غير مستقرة وتستخدم كل الوسائل لتعظيم الاخطاء وتعميمها. أنا لا أري لهم قيمة انتخابية ولكني أري تأثيرهم في خلق واستدامة طاقة سلبية تستنزف المجتمع وتزيد حنق مجموعات من الشعب الذي يعاني وخاصة الشباب
٤-القوه الرابعة هي التيار السياسي اليساري ذو الصوت العالي إعلامياً، ولكنه عبر التاريخ الحديث لم يحصل مرة واحدة علي أغلبية برلمانية ويميل الي أن يستغل كل القوي الأخري عندما تتاح له الفرصة، لأنهم قد يكونون أكثر تعوداً علي التنظيم السياسي. هذا التيار قد يستطيع في لقطة ما تحريك الاعتصامات والاضرابات بين الموظفين والنقابات ولكنه في أغلبه غير قادر علي التأثر الإيجابي .
٥- القوة الخامسة هي القوي الدينية المباشرة والغير مباشرة ، والتي أخشي، لعدم شعبيتها الواضح الآن، من تغلغلها بين أوساط القوي الأخري لركوب موجات الغضب وقت اللزوم والعمل المستمر لتوسيع الشقة بين الطموحات والواقع والتركيز علي أخطاء الادارة الحكومية في التعامل مع المجتمع . ولكن في هذا الوقت هي قوي لا تستطيع الفوز في الانتخابات إلا متوارية مع مجموعة ما أو حزب ما، ولا ننسي أن الإخوان قد تحالفوا مع حزب الوفد مرتين ، وهو الحزب الليبرالي التاريخي، مرة عام
٨٤ ١٩ ومرة أخري عام ٢٠١٢.
إنني أري أن هذه الكتلة الإنتخابية ستظل تمثل جذباً للانتهازية السياسية من القوي الأخري التي تسعي لحصول علي الأصوات بأي ثمن و شكل وستظل تجربة الوفد مرتين أمامي واضحة.
القوة السادسة هي تجمع النخبة من رجال الدولة الذين يحظون باحترام المجتمع والمؤمنين بالليبرالية الإجتماعية وبالدولة المدنية الحديثة وشاركوا عبر تاريخهم في العمل السياسي بكل أشكاله ويأنون بأنفسهم عن الإشتراك الفعلي خوفا من التلوث بما هو دائر في عالم السياسة الحزبية التي تداخلت مع السلطة الحاكمة بشكل لا يسمح بحرية الحركة ولا التعبير الا قليلا ، ومما جعل أغلب من في المسرح السياسي متهم إما موالي أو معارض شكلا أو عميل أو خائن.
هذه قوة تحظي بتأييد واحترام وشعبية ولكنها غير فاعلة ما لم تجد وسيلة تدمج فيها الفكر وتراكم الخبرة مع العمل المؤسسي السياسي وخاصة مع الشباب.
.
القوة السابعة هي أجهزة الأمن الوطني والمخابرات ، رغم الإختلافات بينهما في إعتبارات العمل السياسي ، إلا أنهما يتحكمان في مداخل العمل الحزبي والإعلامي ، ولأني أحسن الظن فمدخلهما نابع من الإعتقاد والقناعة أن هذا التحكم والتدخل هو الذي يحفظ الإستقرار للبلاد ويمنع الفوضي.
القوة الثامنة هي مؤسسة القوات المسلحة ، فوجودها محسوس ، والجميع يعلم أنه بدون التوافق معها فلن يمكن للعمل السياسي أن ينمو ولا للمجتمع المدني أن يحقق تداولا للسلطة. أعتقد أن المؤسسة العسكرية المصرية المحترمة عبر الزمن تمسك بزمام كل الأمور السياسية بدون تدخل مباشر و تملك زمام الكثير من الأمور الإقتصادية بتواجد مباشر.
لذلك أري أن إيجاد طريق سياسي جديد يتيح للأحزاب السياسية التواصل مع الشعب وتقديم نمازج سياسية محترمة يستدعي الكثير من التضحيات المتبادلة بين القوي السياسية وبناء ثقة مع المؤسسة العسكرية.
إن اختيار عدد من الأحزاب ذات القدرة المؤسسية وإتاحة حرية حركة لها ، وتشجيع كتلة النخبة التي تكلمت عنها لخبرتهم وقدرتهم سيكون مثل تكوين مجلس أمناء مدني غير حكومي للعمل السياسي الإيجابي الفعال.
في جميع الأحوال فلا يجب أن تقوم القوات المسلحة بدور سياسي و إلا يصيبها ما يصيب العمل السياسي من رذاذ سلبي، وعلينا أن نحمي مصداقيتها والرؤية الايجابية لها من أغلب الشعب بالبعد عن العمل السياسي أو الاقتصادي.
حقيقة الأمر أن الرئيس ما زال يملك فرصة تاريخية في القدرة علي تفعيل الحياة السياسية بصفة أنه الرئيس في فترة حكم إستثنائية ثالثة ، مما سيتيح له حرية فتح المجال للعمل الحزبي الحر…فالأحزاب تحتاج الي التواصل الجماهيري ، والي تمويل نشاطها بشفافية، والي تنفيذ برامجها وعرضها كبديل لما تقوم به الحكومة، وقد تتوافق وتختلف مع الحكومة الحالية وهي كلها أمور صحية طالما تتم بشفافية وفي إطار القانون.
أنني متأكد أن فتح أبواب حرية التعبير في الإعلام والعمل الحزبي علي مستوي الشارع والمحليات والبرلمان ستحيي العمل السياسي ، لأن في الضمير الغائب لكل الاجهزة والعقل الباطن لأغلب المسئولين ، مع ثقافة تراكمت هي عدم التصديق بما يفرضه الدستور ،و أنه سيتم البقاء في سجن اللقطة التي تتكرر في تاريخ مصر الحديث و التي تعيشها البلاد مرات متتاليه.
لقد شاهدت الرئيس الأسبق مبارك عشرات المرات وهو ينفي توريث الحكم ، ولكن توطد في نفوس الأجهزة والاعلام أن الحكم سيورث رغماً عن ذلك ، وذلك لأن الانطباع يصبح حقيقة وقد لا يحتاج الي برهان بتكرار بعض الأفعال…
لذلك فإنني أضع المسئولية علي أكتافنا كلنا لمساندة الرئيس للعمل الفعلي مع الأحزاب الجادة وإجراء انتخابات محلية وبرلمانية حقيقية مما سيسمح بظهور قيادات يمكنها التقدم للانتخابات ، وتحرير أجهزة السلطة التنفيذية وتأكيد أنها ضامن للعدالة وتطبيق القانون وليست لاعباً سياسياً منافساً يمنع ويمنح عندما يريد .
ان هناك دور واجب وفعال وهام للغرفة العليا للبرلمان وعلينا الحرص علي أن يقوم بدوره فعلا وليس مجرد شكل.
إنني أخشي من تصور حال البلاد إذا لم يتمكن الرئيس من تحقيق هذه النقلة النوعية في الحياة السياسية ، في الوقت المتاح له ،بحجة تضخم واتساع التحديات الداخلية والخارجية (التي ستكون دائما موجودة ) ، خوفاً من فوضي لا تتحملها البلاد في الوقت الحالي، أو يتأخر ذلك بفعل فاعل ممن يحيطون بالسلطة لأنهم لا يملكون الخيال اللازم لتصور المستقبل المختلف الذي ينقل مصر الي دوله أكثر ثباتاً واستقراراً بشكل مؤسسي لا يعتمد علي شخص ولكن علي نظام وقانون و بحماية من قواته المسلحة لعدم الخروج عن الشرعية.
إنني أتجرأ وأقترح تعيين نائب مدني لرئيس الجمهورية تكون هذه هي مهمته الأساسية السياسية ، و تعيين نائب ثاني للرئيس للشئون المالية والإقتصادية ويكون لديهما الصلاحيات لمتابعة تطبيق السياسات المعلنة لمرحلة حاسمة في مستقبل البلاد ، بل وأزيد وأقول أن خطوة كهذه قد تبث الحياة في المجتمع وتفتح نافذة أمل في عقول ونفوس المواطنين.

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠