الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / التعليم … الفرصة للإنقاذ – بقلم حسام بدراوي ‏

التعليم … الفرصة للإنقاذ – بقلم حسام بدراوي ‏

التعليم…الفرصة للإنقاذ
بقلم
حسام بدراوي
(١)
منشور في المصري اليوم
بمناسبة تعيين وزارة جديدة في الفترة الدستورية الرئاسية الأخيره للرئيس ورغبتي في نجاحه وأملي في إنقاذ مستقبل البلاد، رأيت أن أعود الي الحوار حول التعليم والنظر بإيجابية لما يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في بناء الإنسان المصري من أهم بوابات التنمية المستدامة وهي التعليم.
راجعت رؤية مصر 2030 التي توليت مع د. اشرف العربي عندما كان وزيراً للتخطيط إصدارها مع أكثر من مائة خبير، والتقارير التي أصدرتها لجنة التعليم في البرلمان والمبادرات التي طرحتها عندما توليت مسئوليتها ما بين أعوام 2000ا الي 2005 ، وجميع التقارير التي أصدرتها في لجنة التعليم في الحزب الوطني من عام 2002 الي 2010 ثم ما سجلته في كتابي “التعليم …الفرصة للإنقاذ” الذي كتبته عام 2010 وصدرت طبعته الأولي 2011 وطبعته الثانية 2013 ، وللعجب العجاب فإن ما صاغه الخبراء مازال صالحا اليوم وكأن التعليم في مصر في محلك سر بل زادت عليه تحديات جديدة ضاغطة مرعبة.
لذلك آليت علي نفسي مساندة الحكومة الجديدة بكل الطرق للتحرك الي مستقبل أكثر إشراقاً وأقل ألماً لحال مصر في التعليم.
إن مقومات نجاح أي سياسة تعليمية يجب أن يعتمد على عدد من الأسس من أهمها، أن التعليم والتعلم عمليتان مستمرتان تبدآن من المولد وحتى نهاية الحياة . إلا أن التعليم النظامي يمثل أهم حلقاته ويؤدي الدور الرئيسي في إكساب الفرد مهارات الاتصال ومعرفة اللغة والرياضيات والفنون والحاسب الآلي والقدرة على الحصول على المعلومة والتعلم الذاتي ، والسلوكيات المتصلة بكل ذلك والقدرة على التكيف مع متغيرات المستقبل .
إن تطوير التعليم في المجتمع المصري لا ينبغي أن ينعزل بأي شكل عما يحدث من تطوير في نظم ووسائل التعلم في العالم كله .
وعلينا أن نتذكر ونذكر بعضنا أن التعليم حق للمواطن يكفله الدستور للجميع وليس خدمة عليه أن يسدد ثمنها.. التعليم العام هو الذي يستوعب ٩٠٪؜ من الأطفال والشباب ومشاركة القطاع الخاص مرحب بها ودور الدولة فيه منظم وضامن للجودة ولكنه ليس بديلاً للتعليم العام.
وعلينا أن نتذكر أن المدرسة ما زالت هي وحدة التعليم الأساسية، والمعلم هو خليتها الحية، وإدارتها هي جهازها العصبي، وأي تطوير لابد وأن يعتمد على إعداد المعلم، حيث أنه هو صانع التطوير الأول، وهو وسيلته ولابد من إعادة النظر في أحواله الاجتماعية والمادية والعمل على رفع مكانته الأدبية في المجتمع.
تقول الحكمة أنه” لا يرقي مستوي أي تعليم في أي أمة فوق مستوى مدرسيه”.
كل نجاح لابد له من إستراتيجية ، وفي الأمم كثيرة عدد السكان مثل مصر ، فلابد من تحقيق حجماً حرجاً من الإنجاز له قوة ذاتية محركة لباقي المجتمع تجعله راغباً في نفس النجاح .و لابد من حماية التطوير التدريجي تشريعياً..
وحتي تتحقق رؤية تطوير التعليم في مصر ، فلابد أن نأخذ في الاعتبار أهمية التحديد الدقيق لوضع التعليم الراهن بمنظور مقارن بما يدور حولنا على المستويين الإقليمي والعالمي ، بصدق ، وليس لإرضاء الذات ، أو إرضاء القيادة السياسية، يضاف الي ذلك دراسة أسباب عدم تطبيق رؤية وسياسات التعليم عبر 25 عام متصلة أو تطبيقها بشكل أدي الي فشلها وعدم استدامتها.
إنني أؤكد تكراراً على أهمية استدامة الالتزام بمرجعية وإستراتيجية معلنة، يتم مراجعتها كل عدد من السنوات. وقد اقترحنا في رؤية التطوير تشكيل مجلس أعلى للتعليم يضمن استدامة التطبيق مهما تغيرت الحكومات ولكنه كالعادة نشأ مبتوراً وتكوينه أغلبه سلطة تنفيذية وليس مجتمع الخبراء .
إن الانتقال من الرؤية والسياسة إلي التطبيق يواجه دائماً مستجدات جديدة، يجب أن نقف أمامها ، نواجهها، ونناقشها بالعقل والموضوعية، ساعين إلى تخطيها وصولاً إلى النتائج المرجوة منها، وعلينا أن نتشارك مع المجتمع في فهم هذه التحديات، والثبات على سياسات التطوير حتى يمكن الانتقال من المكان الذي نقف فيه إلى المكان الذي نقصده.. وتحديد التحديات يقود الي الحلول وهي:
(أولاً): ضعف ثقة المجتمع في مؤسسات التعليم الحكومية الرسمية وظهور نسق لا نظامية موازية للنظام التعليمي خارج المدرسة والانتشار الكبير للدروس الخصوصية.
(ثانياً ):ضعف الثقة في الركن الأساسي للعملية التعليمية وهو المعلم وانخفاض قدره الاجتماعي وتقليص صلاحياته في تقييم و تقويم التلميذ.
(ثالثاً) : انخفاض درجة إتقان اللغات بما فيها اللغة العربية وضعف المستوى في الرياضيات والعلوم، وابتعاد الشباب عن التخصص فيهما.
(رابعاً) : انخفاض حجم الأنشطة الطلابية أو انعدامه في كثير من الأحوال، بكل ما يحمل من معاني سلبية في بناء الشخصية..
(خامساً) : وجود فجوة كبيرة في مناهج التعليم وعدم ملاحقتها للتسارع الحادث في المعارف وضرورة الربط بينها وبين احتياجات المجتمع وسوق العمل المستقبلي والتطور التكنولوجي الحادث في العالم .
(سادساً) : الانتشار الجغرافي غير المسبوق للمدارس في كل أنحاء مصر، بما فيه من إيجابية الإتاحة، إلا أنه يشكل تحدياً كبيراً في إداراتها مركزياً، وصعوبة بالغة في الارتفاع بمستواها وتقييم أدائها.
(سابعاً) : انخفاض ساعات التمدرس، وزيادة ظاهرة غياب التلاميذ بشكل ملحوظ خصوصاً في المرحلة الثانوية مما يهمش دور المدرسة في بناء شخصية التلاميذ ويهدر القيمة التربوية لوجودها.
(ثامناً) :ضغط الامتحانات العامة بشكلها الراهن وكونها لا تقيس قدرات التفكير العليا والإبداع وتخلق مناخاً إجتماعياً وسياسياً من الغضب والإحساس بالظلم ينعكس على ازدياد فقدان الثقة في مصداقية المؤسسات التعليمية، زاد عليه تغير في ثقافة أولياء الأمور الذين يساندون الغش بل يدافعون عنه.
( تاسعاً) :عدم اكتمال البنية التحتية للتحول الرقمي في التعليم للطلبة في منازلهم والمدرسين في فصولهم والإدارة المدرسية البعيدة كل البعد عن الرقمية.
أن معظم هذه التحديات يرجع إلى أربعة أسباب:‏
أولا: عدم ملائمة التمويل المتاح رغم تعاظم حجمه عبر السنين لاحتياجات التطوير ,والإنفاق غير الملتزم بالأهداف مما يدني من فاعليته. ‏
ثانياً: مقاومة أصحاب المصالح المستقرة فى ظل الأوضاع كما هى عليه الآن.‏
ثالثاً: عدم إشراك المجتمع وأصحاب المصلحة فى شراكة فعالة وفهم إيجابى لتطوير ‏التعليم.(وظيفة الوزير السياسية)‏
ابعاً: عدم التحيز فى تطبيقات الحكومة للموازنة للتعليم .. فبالرغم من ‏الاعتراف بأولويته فملف التعليم الذى يمس المستقبل تنافسه ملفات أخرى قد يكون ‏لها آثار سياسية قصيرة المدى أو تمس احتياجات المعيشة اليومية.. أراها تفوز ‏فى الأغلب على ملف التعليم عند تطبيق الأولويات ويزيد عليها الاستقطاع من موازنة التعليم لسداد ديون مصر الخارجية!!
أن عدم مواجهة هذه التحديات بالإصرار اللازم والأولوية الواجبة أدى ويؤدي إلى:‏
أولا: تهميش أكبر للفقراء، وعدم قدرة التعليم -بوضعه الحالى- على دعم الحراك ‏الاجتماعى الإيجابى كناتج مباشر أو غير مباشر له.‏
ثانيا: انتقال الفئات الأكثر قدرة إلى التعليم الخاص والأجنبى، داخل وخارج مصر، ‏وأثر ذلك على الثقافة العامة واستخدام اللغة العربية، والانفصال الاجتماعى بين ‏الطبقات.‏
ثالثا: تحميل الفئات الأكثر فقرا تكاليف تزيد عن طاقتها فى الدروس ‏الخصوصية، وزيادة مساحة الغضب المكبوت، ومجانية زائفة غير حقيقية، وأثر اجتماعى سلبى ‏على الشعور العام.‏
السؤال هو …هل نستطيع تخطي كل ذلك؟
والإجابة ….نعم نستطيع.
السؤال الأهم ، هو كيف وليس فقط ماذا ؟
وقد يكون بعضا من إحتياجات ذلك:
١- توفير نسبة الموازنة اللازمة بدون استقطاع كما جاء في الدستور ومراقبة كيفية الإنفاق.
٢-الإعلان عن ، والتمسك باستراتيجية محددة الزمن و مؤشرات قياس معلنة .
٣- تحقيق حجم حرج من النجاح السريع المتكامل رأسيا في كل إستراتيجيات التطوير في عدد من المحافظات، أثناء التطبيق العرضي في كل البلاد الذي قد يحتاج وقتاً أطول.
٤-تسويق- استراتيجية التطوير بين كل أصحاب المصلحة من مقدمي خدمة و طلاب وأولياء أمور وإعلام.
5-البدء بمديري المدارس (مفتاح هام) مما يستلزم تطبيق اللامركزية.
6- الالتزام بقواعد الجودة العالمية المعلنة.
7- تطوير مناهج اللغات ، والرياضيات ، والعلوم ، والتكنولوجيا بما يتفق مع المعايير الدولية.
8- تدريب المدرسين ورفع مستواهم الأكاديمي والعناية الاجتماعية بهم والكليات التي يتخرجون منها والعمل علي تطوير كليات التربية لتكون المصنع الرئيسي لتخريج مدرس المستقبل..
9- حماية التطوير تشريعياً وقانونياً.
10- خلق منافسة بين المحافظات ، مع التحفيز المادي والمعنوي للدخول في قائمة المحافظات التي تحظى بالتطوير الرأسي السريع.
القضية يا سادة في كفاءة إختيار المسئولين السياسيين والمحترفين التنفيذيين المؤمنين بفلسفة التطوير واستدامته ولعل الحكومة الجديدة قد وضعت ذلك في الإعتبار.
هذه المقالة هي الأولي من سلسلة من أربع مقالات تفصيلية أنوي بهم محاولة مساندة الفرصة الأساسية للإنقاذ ….التعليم

التعليقات

التعليقات