الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / الجامعات الخاصة والأهلية.. الفرصة والمحنة والدهشة!

الجامعات الخاصة والأهلية.. الفرصة والمحنة والدهشة!

الجامعات الخاصة والأهلية.. الفرصة والمحنة والدهشة!
لقد رحبت الدولة بمبادرات القطاع الخاص منذ عام ١٩٩٢ لإنشاء جامعات خاصة وصل عددها الآن إلى ٢٦ جامعة، تستوعب على الأكثر حوالى ٢٠٧.١٥٤ طالب وطالبة، أى أقل من ٦.٢٪ من مساحة الاستيعاب لهؤلاء الشباب فى التعليم العالى بالمقارنة بما يقرب من ٣.٥ مليون طالب فى التعليم العالى عموما. ويوجد فى الطريق العديد من الجامعات المتقدمة للحصول على القرار الجمهورى.
ووفقا لفلسفة التعليم العالى فى رؤية مصر ٢٠٣٠ فإن الجامعات مهما تعددت ملكيتها، للدولة أو للقطاع الخاص أو القطاع الأهلى، فإن عليها أن تعد خريجا متكامل الشخصية مسلحا بالعلم الحديث والمهارات الحياتية والاتجاهات الإيجابية التى تؤهله للمواطنة الصالحة ولمواكبة المستحدثات والمتغيرات اليومية والمرونة والقدرة على استمرار تعلم الجديد طول حياته، ليصبح قادرا على المنافسة العالمية والرقمية.
إننى أرى وجوب تحرير التعليم العالى من هيمنة الحكومة السياسية، وكذلك من دافع تحقيق الربح التجارى إن لم يخضع للوائح والنظم الشفافة الواضحة للمجتمع. ولقد أوضحت، فى أكثر من مجال، أننى أؤيد وأشجع القطاع الخاص فى تقديم خدمات التعليم العالى طالما تتحقق دعامتان أساسيتان.
الأولى: تعرض هذه المؤسسات لأساليب ضمان الجودة والاعتماد من الهيئة التى أنشأتها الدولة لهذا الخصوص أو من هيئات عالمية معتمدة من الدولة، وإعلان نتائج ذلك على المجتمع.
الثانية: أن يواكب فتح المجال أمام القطاع الخاص، بناء أنظمة مؤسسية لتمويل الطلاب، بحيث لا يحرم من هو مؤهل لهذا النوع من التعليم تحت وطأة عدم القدرة المالية على سداد التكلفة.
وهذه مسؤولية على الدولة القيام بها قبل اتهام القطاع الخاص بمسؤوليته عن الإخلال بمبدأ الفصل الاجتماعى للطبقات.
لذلك فإننى أرى فى الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص فى بناء مؤسسات التعليم العالى نموذجا، قد يكون حلا وسيطا بين القطاع الخاص الهادف للربح، والقطاع الأهلى الذى يعتمد كلية على التبرع والهبة والوقف، وهو الذى ينشأ عادة من تراكم الثروة فى القطاع الخاص فى إطار نمو اقتصادى مستدام، وهو كذلك الأمر الذى أراه لن يحدث فى مصر قبل ثلاثة عقود من الزمان لن نستطيع الانتظار خلالها بدون تحرك.
الدولة تملك الأراضى، والخدمات، وتملك الثروة البشرية فى جامعاتها العامة التى أنفقت عليها، واستثمرت فيها، والقطاع الخاص يملك مصادر التمويل التى لا تلقى عبئا على موازنة الدولة، وهذه الشراكة، يمكن لها تحقيق أهداف متعددة، وتقدم نموذجا يستعيد فيه المستثمر أمواله بعد عدد من السنين، ويحقق عائدا عليها، أو قد يرتضى إيقافها على المؤسسة التعليمية، وتستطيع الدولة المالكة للأرض والثروة البشرية استخدام حصتها فى الشراكة كى تتيح التعليم لهؤلاء الذين يملكون القدرة الذهنية والأكاديمية، ويفتقرون للقدرة المالية. إن هذا التوسع قابل للدراسة، ويستطيع استيعاب الحلم، بالفوز لكل الأطراف: الدولة والمستثمر، والطالب والمجتمع.
إن إشراف الدولة على التعليم الخاص لا يجب أن يُترجم فى أى وقت على أنه التحكم فى مرونة وحرية هذه الجامعات فى الابتكار والإبداع والاختلاف عن النظم النمطية. إن هناك فرقا بين المنظم والمراجع لضمان تحقيق الأهداف، والمتحكم والمتداخل بهدف السيطرة السياسية أو منع المنافسة بالتدخل لصالح ما تملكه الدولة من مؤسسات تعليمية قديمة تحت مسمى الجامعات الحكومية أو مؤسسات تعليمية جديدة تحت مسمى الجامعات الأهلية. على الدولة الاحتفاظ بدورها فى التنظيم والتدقيق وتبتعد عن أن تكون منافسا فى نفس الوقت.
أما ما يخص الجامعات الأهلية فإن لها تعريفا دوليا أكاديميا متعارفا عليه، وآخر مصرى مُبتدع. فحسب التعريف الدولى، فالجامعة الأهلية هى التى ينشئها الأهالى وليست الحكومة، وإذا شاركت الحكومة فى إنشائها، فلا تأخذ عائدا على استثمارها، بل يكون استثمارها هبة أو وقفا. والمجتمع الأهلى هو مجتمع المواطنين، ومؤسساته الأهلية التى يكونونها ويُمولونها ويُديرونها فى حدود القانون العام. فمثلا جامعة القاهرة نشأت بدايةً كجامعة أهلية تَسابق على تمويلها المواطنون وأعضاء الأسرة العلوية، ثم تحولت إلى جامعة حكومية. وأحب أن أنوه بأن الخبر الذى طالعتنا به الصحف عن إنشاء عشر جامعات أهلية جديدة فى مصر جاء بعد اجتماع حكومى على أعلى مستوى لم يكن فيه ممثلون للمجتمع المدنى الذين يفترض، بحكم التعريف، أنهم هم الذين سينشئون هذه الجامعات. ووفقا لتصريح الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالى فإن الحكومة هى التى ستوفر الاستثمار والدعم لهذه الجامعات، والذى سيصل إلى قرابة ثلاثين مليار جنيه، وأنه سيتم استرجاع استثمار الدولة فى ٢٥ سنة. أى أنه من الناحية الاقتصادية فهذا ليس استثمارا موفقا، ومن الناحية الفلسفية لتعريف الجامعات الأهلية فإنه لا يحقق هدف كونها أهلية. والواقع أننى أراها جامعات حكومية ولكن بمصاريف، وتتبع المجلس الأعلى للجامعات الذى أصبح هو المتحكم فى الجامعات كلها رغم أن أصل نشأته كان تشاوريا بين الجامعات وليس رقيبا عليها أو متحكما فيها.
ويزداد عجبى واندهاشى عندما أرى نفس الدولة التى تستثمر هذا الاستثمار الضخم تتصرف بعكس توجهها مع الجامعة الأهلية الأولى فى مصر وهى جامعة النيل، وهى أول نموذج للجامعات الأهلية فى مصر حيث الأرض وبعض تكلفة البناء كانت منحة من الدولة لا تطالب بعائد استثمار لها، وهى نفس الدولة التى ترتضى سحب الجزء الأكبر من أرضها لتحولها إلى استثمار له عائد تجارى.
الدهشة هنا، أن جامعة النيل الأهلية قائمة فعلا، وواجهت صعاباً فى أول نشأتها، حيث لم تستطع القيام بواجبها الأكاديمى والبحثى إلا بعد حكم محكمة وفهم وجهد من رئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور (وهو بالمناسبة الذى كان يعطى خطاب التخرج لخريجى هذه الجامعة منذ أيام)، ويعاد سيناريو إعاقة تطورها بعد نضوجها بسحب أراضيها، وهى جامعة أهلية قائمة ومرموقة، وتحقق فلسفة الدولة التى أعلنتها فى رؤية مصر للتعليم العالى، وفى نفس الوقت تنفق نفس الدولة المليارات على جامعات شبه أهلية جديدة تبدأ من الصفر.
أنا أحبذ التوسع فى التعليم العالى، وأثنى على الدولة فى الاستثمار فيه فى إطار فلسفة مستدامة ومفهومة، ولكن لا أحبذ فى نفس الوقت عمل عكس ذلك فيما لدينا من إنجاز.
ألم نفرغ من الفرص الضائعة بعد؟!
عندنا الجامعة الأهلية الأولى، ويديرها مجلس أمناء محترم، ولا تطلب من الدولة موازنات، ومشهود لها بالكفاءة واحترام المعايير، ومع ذلك يتم تهميشها بل وسحب أراضيها.
جامعة النيل هى الجامعة الأهلية رقم واحد فى مصر كونها لا تهدف إلى الربح وتدار بإدارة مستقلة أكاديميًا وماليًا، فأموال الجامعة يتم إعادة استثمارها لصالح البحث العلمى ورفع مستوى التدريس واستكمال بنيانها الأكاديمى، وليس لجامعة النيل شركاء يحصلون على ربح منها. أقول ذلك كى أوضح أن جامعة النيل هى الواقع والنموذج الذى يجب تكراره والبناء عليه. وفى نفس الوقت كما هو فى حدود معلوماتى فإن الجامعة اليابانية هى جامعة أهلية بنفس التعريف ومفترض أن تكون جامعة زويل فى نفس الإطار.
إن مفهوم وفلسفة ودور الدولة فى التعليم العالى لا يجب فيه خلط الدور التنظيمى الضامن للعدالة والدور التحكمى الباحث عن السيطرة أو دور المالك المستثمر المنافس، فلا يجب أن تكون الدولة منافسا وحَكما فى نفس الوقت.
فى النهاية فإننا يجب أن ننظر إلى الجامعات بمفهوم مختلف، حيث إن تعدد واختلاف الملكية يجب ألا يؤثر على معايير الحكم والتقييم للمؤسسة، لأنه فى كل الأحوال يجب أن تتمتع الجامعات، بغض النظر عن الملكية، بالاستقلال الأكاديمى، وأن تٌقيم تقييما محايدا من هيئة ضمان الجودة والاعتماد. وأكرر: إننا يجب أن ندافع عن حق الاستقلال الأكاديمى عن السلطة السياسية، أو السلطة الاقتصادية التجارية، وهو المفهوم الذى لا يجعلنا ننظر للجامعات من مدخل الملكية، ولكن من مدخل جودة الأداء، ومدى قدرة الخريج على التكيف مع أسواق العمل، والاستمرار فى التعلم، وقبل كل ذلك، قدرته على صنع الحضارة، وتنمية الثقافة، والمشاركة فى صنع مستقبل بلاده
لقراءة المقال كامل

التعليقات

التعليقات