العطاء الذي يُغني الروح
بقلم:حسام بدراوي
«الأنهار لا تشرب ماءها، والأشجار لا تأكل ثمارها، والشمس لا تضيء نفسها، والزهور لا تنشر عبيرها لأجلها» — هكذا بدأ البابا فرنسيس تأملَه البديع في معنى العطاء، ليضع أمامنا قاعدة بسيطة وعميقة من قواعد الطبيعة: نحن لا نحيا لأنفسنا فقط، بل نحيا للآخرين. الحياة تُصبح جميلة حين نكون سعداء، لكنها تُصبح أروع عندما يكون الآخرون سعداء بسببنا.
في زمن تسوده الفردية، وتُقاس فيه القيمة بما نملك لا بما نمنح، تأتي هذه الكلمات لتذكرنا بأن العطاء ليس مجرد فعل، بل هو طريقة حياة.
وهنا يحضرنا قول الشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران، حين كتب:
«إنك إذا أعطيت فإنما تعطي القليل من ثروتك، ولكن لا قيمة لما تعطيه ما لم يكن جزءًا من ذاتك، لأنه أي شيء هو ثروتك؟»
بهذه العبارة، ينقلنا جبران من مفهوم العطاء المادي إلى الأعمق: العطاء من النفس، من الوقت، من الحب، من الانتباه، من الإنصات. فالأشياء تذهب وتجيء، لكن ما نمنحه من كياننا يبقى.
ويكتمل المعنى بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
«لا تستحِ من إعطاء القليل، فإن الحرمان أقل منه»
وقوله أيضًا: «افعل الخير وأخفه، حتى لا تعلم يمينك ما أنفقت شمالك».
إن في هذه الكلمات حكمة خالدة: أن العطاء لا يُقاس بحجمه، بل بصفائه، ولا يُطلب مقابلًا، بل يُبذل خالصًا لوجه الخير. وأن أصدق العطاء هو ذاك الذي لا يحتاج إعلانًا، بل يثمر في صمت، كما تزهر الشجرة دون أن تُحدِث ضجيجًا.
في عالم تزداد فيه الحروب، ويتراجع فيه الإحساس بالآخر، يصبح العطاء مقاومة روحية، وفعلًا من أفعال الإيمان بالحياة. أن نمنح منّا للآخرين، لا لنأخذ، بل لنشاركهم نورًا لا ينقص إذا توزّع.
فالعطاء، حين يصدر من القلب، يُغني الروح أكثر مما يُغني المحتاج.