الأربعاء , 18 سبتمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / الفرصة للإنقاذ (11) “وعي المجتمع ومستقبل التعليم” بقلم حسام بدراوي

الفرصة للإنقاذ (11) “وعي المجتمع ومستقبل التعليم” بقلم حسام بدراوي

الفرصة للإنقاذ
“وعي المجتمع ومستقبل التعليم”
بقلم
حسام بدراوي
كل المجتمع يتكلم عن التعليم ، ويعاني منه ويأمل فيه ، والجميع غرقي في تفصيلاته،فرأيت بعد عشرة مقالات ‏متتالية أن أعيد تعريف مقاصدي ، وأن أربط المستقبل بالحاضر والماضي .‏
هناك خلط بين مفهوم التعلم والمعرفة وبين التعليم ، بين الهدف والوسيلة ، فالتعليم وسيلتنا للتعلم وليس هدفنا ‏،الحوار حول المدرسة والمعهد والجامعة، ‏‎ ‎وللأسف يدور حول الوسيلة وليس الهدف..‏
تعالوا معي لرحلة مختصرة عن تاريخ المدرسة والجامعة وكيف بدأت المدارس بادئ ذي بدء ، وكيف تطورت ‏، لنعرف الي أين يقودنا الحوار. ‏
قرأت كتاباً عن أعظم الشخصيات التي أثرت في واقع البشرية فلم أجد في الغالبية العظمي منهم من كان تلميذاً ‏في مدرسة بمفهومها الحالي.. فلا محمد ولا عيسي ولا موسي ولا إبراهيم بكل تأثيرهم في تاريخ البشرية قد ‏تعلم في مدرسة، ولا بوذا و ولا كونفشيوس ، ولا الفارابي ولا أبقراط ، ولا نيوتن صاحب نظرية الجاذبية ‏وقبله المصري الذي كتب علي أوراق البردي، ولا مهندسي المعابد والأهرامات ، ولا من إخترعوا التقويم ، ‏وآلات الزراعة ،ولا أغلب من بدؤا الثورة الصناعية ،ولا جوتنبزج مخترع المطبعة، ولا ليونارد دافنشي ولا ‏شكسبير ، وأنا هنا أذكر أمثلة يعرفها القارئ العادي… ولم يكمل الأستاذ العقاد دراسته المدرسة بعد الإبتدائية ‏ولم يدرس في جامعة وأضيف اليهم من كانوا أسسا للحضارة مثل أرسطو وأفلاطون و ابن رشد وابن خلدون ‏وغيرهم ، كلهم لم يدخلوا مدرسة نظامية بمفهومنا ، والتي هي الشكل والوسيلة التي إرتضيناها نظاميا في ‏القرن الثامن عشر فقط بهدف تعليم الدين واعداد الجيوش.‏
نعم ، الهدف الضمني كان الدعوة للدين بمفهوم رجاله والطاعة والمهارة الحربية بمفهوم الغزو والسلطة.‏
إذن المدرسة بمفهومها النظامي كان ، وللأسف ما زال، إخراج مجموعات البشر الذين يؤمنون بأفكار من وضع ‏لهم نظامهم ، وأن ينجحوا إذا وافقوا علي الإجابة المحددة وأن يرسبوا إذا خالفوها. هناك صح واحد والباقي خطأ، ‏هناك إختبار يقيس مدي توافق التلميذ مع الإجابة المحددة ، مع أن كل من صنع قفزات التاريخ هم من خرجوا ‏عن المعتاد ، وفكروا خارج الصندوق والنمطية ، ورفعوا سقف خيالهم الي أبعد مما قرر جيل سابق لهم..‏
لو نظرنا الي مدارسنا اليوم بمنطق براجماتي عملي ، فلابد لنا من وقفة جادة وإحداث نقلة نوعية حادة..‏
ما هو هدفنا من التعلم ؟؟
المدرسة ونظامنا التعليمي مجرد وسيلة وليست الهدف في حد ذاتها…‏
ماذا نريد من أطفالنا وشبابنا في المستقبل؟؟
وعلينا إيجاد وسائله ، وليس اتباع نفس الوسائل التي أنتجت ما نشكو منه الآن…‏
سأعطيكم مثلاً عملياً:‏
عندك مصنع ، وفيه خطوط إنتاج ، يخرج منها منتجات، هدفها أن تباع في السوق المحلي والتصدير وتصلح ‏لإحتياجات الناس….‏
فإذا أتيت بأفضل والآلات ، وأوقفت علي خط الإنتاج عمال غير أكفاء، وأنتجت ببطء ، منتج لا يحتاجه السوق ‏،( في حالتنا لا يحتاجه مستقبل بلادنا) وخسرت قيمة مدخلاتك الإنتاجية وموادك الخام الممتازة ، ولم تستطيع ‏الاستفادة من مخرجات هذا المصنع ، لأن السوق لا يريده فأنت خاسر و ستفلس لا محالة..‏
المدارس في مصر هي مصانعك لإنتاج البشر الكفء المنافس الذي يرفع قيمة وطنك، فإذا إستمر المصنع في ‏العمل بنفس الطريقة ، فستحصل علي نفس الخسارة سنة بعد سنة وجيل بعد جيل..‏
القليل من الصبر معي علي فهم النظرية ……‏
موادك الخام ، وهم أطفالنا وشبابنا وهم من من أجود الأنواع ومماثلين لأقرانهم في بلاد العالم ، وأستطيع إثبات ‏ذلك تاريخيا وحاضرا… ولكننا قررنا عبر الخمسين سنه الماضية تكرارا ، أن يكون مدرسينا ومسئولي التعليم ‏وهم قوتنا البشرية في ادارة مواردنا هم الأقل كفاءة و الأدني أجراً (طبعاً يوجد طفرات واستثناءات) وأصبحت ‏خطوط إنتاج مصانعنا( أقصد ِمدارسنا) بمعدات غير كفء ،ومنتجنا الذي تظل موادنا الخام داخل خطوط انتاجة ‏‏١٨ عاما متتالية ليست منافسة ولا يحتاجها السوق، ونحن نصر علي استكمال العمل بنفس الطريقة..‏
هل هناك غباء وضبابية رؤية مثل هذا. ‏
المصنع يخسر ، ومهما جددت آلياته ، وغيرت محتوياته ، وأنفقت مليارات علي تكرار بناء مصانع مشابهة ‏فستحصل علي نفس النتيجة، بل تتضاعف الخسارة. ‏
‏ مثل آخر ، كأنك تريد الذهاب الي الإسكندرية وتركب القطار أو السيارة الي أسوان، فمهما جددت في السيارة ‏وغيرت السائق ووسعت الطريق واعدت رصفه عشر مرات ، ففي النهاية أنت ذاهب الي حيث لا تقصد.. ستصل ‏أسوان وليس الإسكندرية..‏
فهل حققت غرضك؟؟
هل وصلت الي مبتغاك؟؟
هل مباهاتك بالإنفاق والجهد والعرق في الوسيلة أوصلتك الي ما تريد؟؟؟
القضية يا سادة ليست في المدرسة لأنها وسيلة ، مصنع للتعلم والحصول علي المهارة والمعرفة ونحن ندير ‏التعليم ولكننا لا نسعي لتحقيق الهدف. ‏
اصبحنا ، كمسئولين وأولياء أمور غرقي في الوسيلة.‏
‏ وللأسف الكل يغش و يرشو ( أنا أعتبر الدروس الخصوصية في التعليم النظامي لجموع الشعب رشوه للحصول ‏علي الشهادة ولا علاقة له بالتعلم والمعرفة )‏
و الكل يصرخ من الامتحانات العامة والنتائج ، لكن لا أحد ينظر الي الهدف.. ‏
إن أهم المهارات التي يحتاجها الشباب هي القدره علي العمل الجماعي، ومهارات التواصل والاتصال والقدرة ‏على التكيف مع التغيير.‏
‏ يضاف اليهم، مهارات القيادة التي تحتاجها الكثير من الوظائف علي مستويات متعددة.. هذا بالإضافة الي ‏المهارات الرقمية و استخدام الحاسب الآلي والتعامل مع الذكاء الاصطناعي ، ومعرفة لغة ثانية بجانب اللغة ‏العربية.‏
ولا تظنوا أن هذا خارج نطاق التخصصات مثل الطب والهندسة والمحاماة والكليات العسكرية والكليات العملية ‏لأن هذه المهارات يحتاجها الطبيب والمهندس والمحامى والضابط والمدرس‎ ‎وكافة التخصصات، فلا مكان في ‏العمل اليوم وقطعاً في المستقبل لمن لا يملكها. ‏
لقد اصبح التعليم والتدريب عن بعد واقعا ،من دون الحاجة لشراء أراضي أو استئجار مباني وإنفاق المليارات ، ‏وتظهر وستظهر الشهادات المتناهية الصغر
‏ ‏‎ (Nano‎‏ ‏degrees) ‎التي لا تُكلف الراغبين موارد كبيرة، ودبلومات مهنية لرفع مستوي أداء الموظفين ‏طالما يتمتع طلابها بالمهارات اللازمة لها. ‏
كذلك فأن التعليم العالي لا ينبغي أن نفكر فيه كرد فعل لحالة سوق العمل الحالي، أو نسب البطالة أو حال مهنة ‏من المهن في لحظة زمنية بعينها..إلا أنه سيظل هذا النوع من التعليم الذي يرسم ملامح المستقبل، ويبنى البشر ‏القادرين على صنع التنمية وليس ملء فراغ الاحتياجات فقط.. يبنى الإنسان صانع الفرصة ومحققها وليس فقط ‏المستفيد منها. يؤهل الشباب ويبني الشخصية السوية التي تحترم الإختلاف وتبتعد عن التطرف. ‏
‏ النظام التعليمي الذي يتجاهل المستجدات والتغييرات التي تشكل الغد ينهي بذلك علاقته أو ارتباطه بحياة ‏الطلاب و سيضمحل شيئا فشيئا، ‏‎ ‎ولهذا يجب إعادة صياغة مؤسساتنا التعليمية منذ ما قبل المدرسة إلى الجامعة ‏لنعد طلابنا الإعداد المناسب للمستقبل وليس للماضي.‏
القضية ليست في منهج نتعارك عليه بل في بناء الشخصية داخل المؤسسة التعليميه الذي لا يتم الآن ولن يتم غداً ‏إلا بالمعايشة داخل المؤسسة التعليميه، بالرياضة التنافسية ، بتذوق الفن وممارسته، بالرحلات التثقيفية والممتعة، ‏بالحوارات بين ومع التلاميذ والطلاب ، غير ذلك ، والسؤال كيف يتم ذلك مع ٢٥ مليون تلميذ في مدارسنا و٤ ‏مليون تلميذ في جامعاتنا..‏
‏ إنني أؤكد أننا نملك رؤية موثقة ، وعندنا استراتيچيات للتعليم ، ولكن ليس لدينا تطبيق ولا قياس أداء ‏وندور في حلقات مفرغة من زمن الي زمن حتي تدني تعليم أولادنا بشكل مرعب وتسربت القيم القويمة وحل ‏محلها قيم سلبية . ‏
مشاكلنا معروفة وحلولها معروفة ، وهي بالقطع ليست في المناهج التي يتعارك عليها المجتمع ، فالدول ‏والتجارب حولنا نأخذ منها ما نريد… مشكلتنا في طرق تطبيق ما تقوله الرؤية و الاستراتيجية التي نتبعها حتي ‏وصلنا الي هذا التدني. ‏
‏ لقد حاورت وزير التعليم الجديد الاستاذ محمد عبد اللطيف ، أكثر من مرة ، ثم ناقشته ومساعديه الأكفاء، ‏وطلبت مرجعيات لكل ما يتم ويُطرح ، وتابعت تركيزه علي التطبيق وعلي حل التحديات علي الأرض، ‏وعلي عكس التيار السلبي الناقد فقد قررت مساندته ومساعدته لأن ما يقوم به يستحق المساندة وقد يكون نقلة ‏نوعيه في مواجهة تدني مستوي اللاتعليم المصري وهو موضوع مقالي القادم الذي أدعوكم لمتابعته. ‏
تتصورا أنني أري فعلا أملاً..‏

التعليقات

التعليقات