الجمعة , 29 نوفمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / الفرصة للإنقاذ (٤)‏ سياسات ‏‎‎ومبادرة لتمويل التعليم

الفرصة للإنقاذ (٤)‏ سياسات ‏‎‎ومبادرة لتمويل التعليم

الفرصة للإنقاذ (٤)‏
سياسات ‏‎‎ومبادرة لتمويل التعليم
بقلم
حسام بدراوي
بدون فلسفة ورؤية واضحة وصدق مع النفس وكفاءة إدارة المنظومة التعليمية فسنظل ندورحول أنفسنا نتكلم ولا نحقق ‏الأهداف. كلنا يعلم أنه لابد من زيادة التمويل لمؤسسات التعليم بمختلف مراحله على أن ترتبط هذه الزيادة برفع جودة المنتج ‏وقياس مؤشراته‎ ‎وهو الأمر الذي لن يتحقق سوي بنمو مستدام لأكثر من ٨٪؜ سنوياً لثروة البلاد. ‏
كذلك يجب تنويع مصادر التمويل بهدف تقليل الاعتماد على التمويل الحكومى ذى المحدودية ‏وفتح مجالات مستقبلية لزيادة ‏التمويل متعدد الروافد مع حسن إدارة الموارد الحالية والمستقبلية وترشيد إنفاقها..‏
‏ أما التوسع فى تشجيع القطاع الخاص كى يساهم مساهمة فعالة و ‏مشاركة فى إنشاء مؤسسات تعليمية أو تخصصات جديدة، ‏فضلاً عن دوره فى تمويل ‏وتحسين المؤسسات القائمة بالفعل فيجب ألا يكون بديلا عن الحق في الحصول علي تعليم عالي ‏المستوي للفئات محدودة الموارد.‏
علينا أن نتفهم أن موارد التعليم ستزيد فقط بزيادة ثروة البلاد ، التي ستأتي من نمو مستدام لفترة من الزمن.. كذلك و؛أنا لست ‏خبيراً إقتصادياً؛ ، أعلم أن هناك فرق بين قيمة الأصول وما نتكلم عنه من مخصصات ورقية حتي لو كانت دستورية ، وحقيقة ‏السيولة المالية (‏cash flow) ‎‏ التي ستوفر إنفاقاً علي أهم أعمدة البناء الإنساني في مصر .‏
ولتحقيق هذه السياسات يجب مراعاة الأمور الآتية:‏
أولا: حتمية الاعتماد فى المستقبل القريب من الناحية الواقعية على تمويل الدولة ‏كمصدر أساسى مع التدرج فى الاعتماد على ‏مصادر أخرى مستقبلياً، و إن مربط الفرس فى ‏ترجمة أولوية التعليم هو عندما تنافسه ملفات أخرى فى الموازنة، إن هذا لن ‏يكون اختيارا ‏منفردا من الحكومة، بل يجب أن يكون اختياراً مجتمعياً، يعمل بإيجابية نحو توجيه ‏تمويل أكبر للتعليم على ‏حساب ملفات أخرى، نعلم أنها مؤثرة فى المدى القصير على ‏المواطنين.‏
وعندما تتوفر سيولة تسمح بزيادة الإنفاق علي التعليم كأولوية عامة ، فهناك أولوية أخري علي الدولة تقديرها…..أولوية ‏الإنفاق لما هو متاح ، وهناك إختيارات صعبة علينا إعتبارها….‏
هل يتم الإنفاق عرضياً عي كل التعليم في كل المحافظات ، ولأنه أساساً قليل، فلن يتم الإستفادة منه بل سيذوب الإنفاق ‏وتتسطح الإستفادة. ‏
قد يكون الحل هو الإعتراف بالواقع وإنجاز التطوير في حجم حرج من المدارس أو في بعض المحافظات حتي يظهر الأثر. قد ‏لا يكون في ذلك تحقيق العدالة ولكن الإختيار سيكون بين تحقيق النجاح في عدد محدود ولعدد محدود من التلاميذ الذين قد ‏يكونوا أكثر تأثيراً في المستقبل .. ‏
ثانيا: إن أي سياسات مطروحة هى حزمة سياسات مجتمعة لا تؤدى إحداها منفردة ‏الغرض بل يجب توظيف الأمثل منها ‏بشكل لا مركزى، ضماناً لتحقيق أفضل النتائج.‏
ثالثا: هذه السياسات يجب أن تتفاعل ‏وتتنامى فى ظل المناخ التشريعى القائم ويمكن إجراء تعديلات محدودة فى بعض ‏القوانين ‏والممارسات إن لزم الأمر .‏
رابعا: أن تنطلق هذه التوجهات من سياسات يتم الاتفاق عليها وتعلن ويتم متابعتها خاصة التوجه نحو اللامركزية وسياسات ‏رفع الجودة والسعى ‏نحو استقلالية مؤسسات التعليم العالى وحريتها الأكاديمية ووضع بذرة نظام تمويل طلابي خصوصاً في ‏التعليم العالي.‏
و يتضح من هذا الطرح أنه يتحتم علينا لتحقيق مستوى التمويل المنشود أن نطرح ‏مجموعة من الإقتراحات :‏
أولا: زيادة تمويل الدولة وقطاعات المجتمع المختلفة وربطه بمعايير الأداء و وجوبية زيادة مخصصات ‏الدولة للتعليم ‏الأساسي حسبما جاء في الدستور كتوجه عام و وكان واجب التحقيق منذ خمس سنوات ، على أن يحسن توجيه هذه ‏الموازنة للمدارس والجامعات ‏والمعاهد فى المناطق الريفية وإعطاء مخصصات أكبر للمحليات .‏
ثانيا: إيجاد وتعزيز مصادر بديلة للتمويل التقليدى: و قد تشمل طرح سندات أو أذون خزانة ‏بمسمى «تمويل التعليم» وذلك ‏بأسعار فائدة متميزة ولآجال طويلة. كما يمكن تحصيل ‏رسم رمزى على بعض المعاملات الحكومية لصالح الهدف نفسه إلا ‏أننا نعلم أن هذا الطرح لا فائدة منه في ظل فقر الموارد، فهو إقتراض مرة أخري من المجتمع واجب السداد من الأجيال ‏القادمة.. ‏
وقد يكون استخدام عائد نظام اليانصيب ( اللوتاري) بعد التسويق له في تمويل التعليم ذو مردود جيد( اليانصيب قانوني في ‏مصر ومستخدم لتمويل التعليم في بلاد متعددة)‏
ثالثا:تشجيع أنماط المشاركة مع القطاع الخاص فى بناء ‏المدارس ثم تأجيرها للدولة مما يساعد في توفير الإتاحة اللازمة ‏حسب الدراسات الإكتوارية) وهناك دراسة سابقة لهذا التوجه محسوبة بدقة مما يحقق ربحا مشتركا بين الدولة وبين القطاع ‏الخاص
‏ ويجب وضع أهداف رقمية ذات آليات واضحة لجمع التبرعات والهبات، نظير ‏تسمية المنشآت أو أجزاء منها بأسماء ‏متبرعيها
إن رؤيتنا أن يستوعب القطاع الخاصة ‏نسبة 20% من التلاميذ فى التعليم قبل الجامعى، شاملا أشكال التعليم التعاونى أو ‏‏الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص.. برؤية واضحة للدولة لضمان الجودة والهوية ‏الوطنية. أما بخصوص تكافؤ الفرص ‏والعدالة الاجتماعية فمن المحتم والواجب على ‏الدولة وضع بذور نظم تمويل الطلاب حتى لا توضع أعباء على الأسر، إذا ‏توفر لأبنائهم ‏القدرة الذهنية والرغبة فى التعليم العالي، رابعا: الاعتماد على البحث العلمى والأنشطة المجتمعية كمصادر ‏تمويلية: حيث تحدد ‏كل مؤسسة هدفا ونسبة تمويلية تسعى إلى تحقيقها من خلال هذه الأنشطة، بما يتناسب ‏مع دورها ‏ورسالتها. وتشمل هذه الأنشطة الأبحاث والاستشارات وأعمال الترجمة ‏والنشر وغيرها. كما تشمل تسويقاً لمنتجات التعليم ‏الفنى بمدارسه ومعاهده والبرمجيات ‏بأنواعها، فضلا عن الخدمات المجتمعية من دورات تدريبية أو منح شهادات أو ‏استغلال ‏مقنن لإمكانيات المؤسسة من قاعات ومعامل وأجهزة.‏
خامسا: إصلاح هيكل وأنظمة الإدارة المالية للتغلب على الهدر في الإنفاق أو تيسير إستقبال التبرعات والمساهمات وتذليل ‏عوائق الصرف ‏والطرح والمناقصات. وهى سياسة تهدف إلى تحقيق اللامركزية وتسعى لتحقيق قدر ‏من الاستقلالية فى ‏إدارتها المالية وفقا لحاجتها. وقد يتطلب هذا الإصلاح بعض ‏التعديلات التشريعية المحدودة وبعض التعديلات الإجرائية.‏
سادسا: تسويق المنتج التعليمى المصرى بالخارج لاجتذاب الطلبة والدارسين، ويستلزم ذلك إعادة الثقة في المؤسسات التعليمية ‏برفع جودة أداءها ، ولنا رؤية فى تشجيع الطلبة ‏الوافدين والاستفادة من مصروفاتهم لدعم التعليم، لكن يجب أن تتوفر البنية ‏التحتية، ‏وارتفاع مستوى التعليم، على أن يكون مرئيا ومفهوما فى إطار معايير التعليم العالمية.‏
سابعا: حسن توجيه المساعدات الدولية فى التعليم من خلال وضع أولويات للمنح ‏والمساعدات الدولية بحيث تنبع من احتياجات ‏المجتمع وسوق العمل لتضييق الفجوات ‏التمويلية. ونوصى بأن تراجع خريطة المنح الخارجية والاتفاقات الدولية لتشجيع ‏‏الاستثمارات الخارجية فى التعليم وعقد اتفاقيات جديدة تخدم هذا الغرض وتبادر ‏بشراكات جديدة وتعزز دور مصر فى ‏المنطقة.‏
ثامنا: ترشيد الإنفاق فى مؤسسات التعليم وإجراء مراجعة للفاقد فى المواد واستهلاك الخدمات، على أن ُتشجع مؤسسات التعليم ‏‏الراشدة بأن يقابل التوفير الحادث بها بزيادة فى موازناتها يتم توجيهها لأغراض أخرى ‏تخدم رسالتها.‏
تاسعا: التوسع فى أنماط التعلم غير التقليدية: ويكون ذلك من خلال التوسع الموضوعى ‏فى أنماط التعلم الحديثة نسبيا مثل التعلم ‏عن بعد والاستفادة –بقدر محسوب- من ‏الوسائل والمساعدات التعليمية التكنولوجية منخفضة التكاليف والتى لا تحتاج إلى ‏‏تكاليف تشغيل وصيانة مرتفعة أو لمساحات كبيرة. وذلك يساهم أيضا فى زيادة عدد ‏المتعلمين وترسيخ مفاهيم التعليم المستمر.‏
إن مسؤولية الدولة عن التعليم المدرسى سيظل معتمدا على موازنة الدولة ‏بالدرجة الأولى، المسؤولة دستورياً عن الإنفاق ‏عليه. ولاشك أن زيادة مساحة استيعاب ‏القطاع الخاص المنضبط بقواعد حاكمة تحقق له وللمجتمع الفائدة، ، ‏بأنواع المدارس ‏المختلفة كما هو وارد فى الطرح، الذى سيتيح للدولة تركيز الإنفاق من ‏المتاح، الواجب زيادته، على مدارس المجتمع المملوكة ‏له بشكل أفضل، يتيح جودة ‏أعلى للخدمة التعليمية.‏
ولعل التحدى الأكبر فى إدارة التعليم قبل الجامعى،هو إتاحة القوى البشرية ‏المؤهلة للقيام أهم وظيفة في البلاد وهو المعلم، هو ‏تحد سياسي و مجتمعى .. أن نسبة كبيرة من الإنفاق ‏على العاملين فى وزارة التربية والتعليم، يجب أن تكون مسؤولية وزارة ‏التضامن ‏الاجتماعى( رمزيا) وليس وزارة التعليم.. فهى إعانات لغير القادرين وليست تعويضا عن عمل ‏يمس جوهر التعليم.‏
إن الحقيقة المرة أن هناك مساحة واسعة لترشيد الإنفاق المتاح، رغم ضآلته النسبية، ‏تحتاج إلى إرادة سياسية مؤيدة من ‏المجتمع إن كان التعليم هو الأولوية الحقيقية كما ‏يقول المجتمع.‏
أما التعليم العالى، فموارده متعددة فعلا، إذا حصلت مؤسساته على حريتها الأكاديمية، ‏واستقلالها الإدارى واتبعت سياسات ‏التطوير كما ذكرناها. الحقيقة أن مؤسسات التعليم ‏العالى هى الفرصة وليست المحنة التى تواجهنا.‏

التعليقات

التعليقات