الجمعة , 21 فبراير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / الفرصة للإنقاذ (٨)‏ التوسع في إتاحة التعليم العالي ‏منطق متفق عليه وأسلوب مختلف عليه

الفرصة للإنقاذ (٨)‏ التوسع في إتاحة التعليم العالي ‏منطق متفق عليه وأسلوب مختلف عليه

الفرصة للإنقاذ (٨)‏
التوسع في إتاحة التعليم العالي ‏
منطق متفق عليه وأسلوب مختلف عليه
يلتحق حوالي ٣٤٪ فقط من المصريين في الفئة العمرية ما بين ١٨-٢٣ سنة بنظام التعليم ‏العالي المصري وتحدد رؤية مصر أن تصل نسبة الإلتحاق الي‎ 45% ‎في عام ‏‎2030 ‎، ‏ويبلغ إجمالي عدد الملتحقين حوالي ٣ مليون طالب أو أكثر وحتى يتسنى رأب هذا الصدع ‏الكبير ، حيث أن المتوقع من زيادة أعداد السكان من فئة الشباب المستهدفة من بين السكان، ‏يصبح عدد الطلاب المتوقع وجودهم بعد عشر سنوات في الجامعات والمعاهد العليا أكثر من ‏أربعة ملايين طالب وطالبة. إنه يجب التخطيط بدقة لأعمال التوسع هذه خاصة إذا تعلق ‏الأمر بالمؤسسات القائمة، حيث أدى التوسع فيها فيما مضى إلى تدهور مستوى الجودة وتدني ‏الكفاءة الإدارية، وظهور أنماط متعددة من الفساد. . ‏
ويواجه منطق التوسع في التعليم العالي وإتاحة الفرصة للشباب المصري المتطلع إلى ذلك، ‏تحديا من قطاع من قادة المجتمع السياسي تحرجا من ربط زيادة عدد خريجي التعليم العالي ‏بالبطالة وكأن هذا التوسع في المستقبل سيحدث دون نمو اقتصادي متوقع وزيادة فرص العمل ‏المتاحة‎ ‎، وهنا علينا إدراك أن تحقيق أهداف الرؤية متداخل بين أطراف التنمية المستدامة. ‏كذلك لا يرى هذا القطاع من الساسة سوى أن تدهور منتج التعليم العالي سيظل مستمرا دون ‏تحسن، الأمر الذي يتهرب في وجهة نظرنا، من مواجهة رفع مستوى جودة أداء الجامعات ‏والمعاهد العليا الذي سيؤدى بدوره إلى أن يكون خريجي هذه المؤسسات خالقي فرص العمل ‏والمبادرين في المستقبل لبناء الأعمال وريادتها وليسوا فقط طالبي وظائف..‏
إننا لا يجب أن نغفل أن خريجي التعليم العالي هم قادة المستقبل ورواده، وإننا ننافس على ‏ريادة المنطقة بقدراتنا البشرية التي يتم بناؤها في هذه المؤسسات، كذلك يواجه تحدى التوسع ‏في التعليم العالي رؤية ضيقة ترى أن التوسع في التعليم الفني هو بديل عن التعليم العالي ولا ‏يراه جزءا منه وهو منهج يغفل أن حوالي ٥٠٪ من شبابنا بعد المرحلة الإعدادية هم الآن ‏في مؤسسات التعليم الفني المدرسي، ويعانون أكثر من غيرهم من تدني مستوى التعليم قبل ‏الجامعي، والمهارات المكتسبة للجدارة المهنية.‏
إن تعديل رؤية التعليم العالي لتشمل بعض توجهات التعليم الفني والتدريب المهني ‏والتكنولوجيا تجعل التوسع متوازنا ويتيح مساحة أوسع من التوسع خارج نطاق الجامعات ‏التقليدية يتواءم مع رفع قيمة التعليم الفني العالي في إطار رؤية متكاملة للإطار القومي ‏للمؤهلات وهو ما نري الدولة تسعي اليه وما نؤيده . ‏
الوضع الحالي هو أن حوالي ٤٠٪ فقط من شبابنا يتوجه للمرحلة الثانوية المدنية، وإن لم يتم ‏التوسع في التعليم العالي، فإننا ننتقص من حق هؤلاء الشباب بل ونهدر فرص التنمية في ‏مصر، ناهيك عن عدم القدرة على حل عنق زجاجة الثانوية العامة دون التوسع في القبول في ‏التعليم العالي بأشكاله المختلفة مع فتح الطريق للخروج منه والدخول إليه في أي عمر ‏للشباب، ويجب أن يأتي هذا دعما للتعليم المستمر الذي يمثل العمود الفقري لاستمرار التقدم.‏
ويبقى السؤال، هل تستطيع الدولة وحدها أن تقوم بأعمال التوسع هذه مع الحفاظ على جودة ‏التعليم؟ والإجابة في هذا السياق هي النفي بالتأكيد. إذن من يستطيع القيام بذلك؟ إن مثل هذا ‏التحدي يحتاج إلى:‏
‏.‏
‏١- تحفيز غير تقليدي لمبادرات القطاع الخاص غير الهادف للربح .‏
‏٢- تنظيم استثمارات القطاع الخاص الهادف جزئيا أو كليا للربح بشكل يتسم بالشفافية.‏
‏٣- أن تعتبر الدولة ملكيتها للأراضي حصة لها في الاستثمار التعليمي يخفض من التكلفة علي ‏المستثمر وينعكس علي تكلفة التعليم للطلاب و يجتذب الاستثمار دون مغالاة. ‏
وفي هذا السياق، لا ينبغي إنشاء مؤسسات سواء كانت تابعة للقطاع العام أو الخاص، إلا إن ‏كانت قادرة على تقديم مستوى أعلى من الجودة. وأعتقد أن مبادرات القطاعين العام والخاص ‏تستطيع أن تقود التنمية في الفترة الحالية، كما تستطيع الدولة أن توجد المناخ الصالح للتنمية.‏
وفي إطار تولي الدولة مسئولياتها تجاه التعليم العالي المملوك للشعب، فيجب :‏
أولا: إحترام إستقلالية الجامعات الأكاديمية ، وإدارتها الذاتية و أن لا نتعامل مع أساتذة ‏الجامعات على أنهم موظفين بل بعقود مشروطة وحسب إحتياجات كلياتها.‏
ثانياً: يجب على الدولة في هذه الحالة أن تضاعف التمويل الحكومي والاجتماعي الموجه ‏للتعليم العالي الحكومي، مرة كل ثلاث سنوات، على مدار التسع السنوات القادمة وأن تحدد ‏الدولة قيمة الموازنات التي يحتاجها كل طالب عبر دراستة والتي ستوفرها له الدولة .‏
ثالثاً: إيلاء اهتمام خاص للجامعات التي تباشر أنشطة بحثية على مستوى عالمي ومضاعفة ‏موازنتها. ‏
رابعاً: أن ترفع كفاءة استخدام الموارد المتاحة داخل مؤسسات التعليم العالي. (الحوكمة/الحكم ‏الرشيد)، والتخلص من العمالة الإدارية والأكاديمية الزائدة خامساً: تعظم الفوائد التي تأتي ‏بها المعرفة والمزايا المجتمعية لهذه المؤسسات، وضمان انعكاس ذلك على المؤسسة نفسها ‏والعاملين فيها.‏
وكي يتسنى تحقيق مثل هذه المهام، ينبغي أن تحظى مؤسسات التعليم العالي بالمزيد من ‏الاستقلالية (الإدارة الذاتية) وفي ذات الوقت تهتم بالسعي نحو تقوية روابطها بشكل منظم مع ‏المؤسسات والشبكات الإقليمية والدولية. وعلى أي حال يجب أن تكون تلك المؤسسات:‏
مسئولة مالياً. ‏
خاضعة لأنظمة اعتماد صارمة، و لرقابة دقيقة وذلك لضمان الجودة. ‏
ملتزمة بمواثيق النزاهة المؤسسية.‏
إن التزام الحكومة تجاه التعليم العالي لا يعني أن كل مؤسسات التعليم العالي ينبغي أن تملكها ‏الحكومة، وتديرها، فهذا وضع نقل كل الفساد الثقافي الكامن في جنبات القطاع العام وممارسته ‏إلى هذه المؤسسات بدرجات متفاوتة. كما أن مثل هذه المؤسسات لا بد وأن تديرها من وجهة ‏نظري مجالس مستقلة، بتمثيل رباعي متمثل في الدولة والمجتمع المدني والمجتمع الأكاديمي ‏والقطاع الخاص، وهو تصور قابل للتطوير وإضافة أصحاب مصلحة آخرين بأشكال مختلفة، ‏وقد تكون نسب التمثيل أيضا في حاجة إلى المناقشة لضمان التوازن النسبي بين هذه الجهات. ‏
إلا أن هذه الدائرة الجديدة التي من شأنها أن تحل محل الحكومة، تحتاج إلى التطوير والتنمية ‏حتى تصبح مسألة محاسبة مثل هذه المؤسسات أمام المجتمع مسألة واقعية. وبناءً على ما تقدم، ‏فالأمر يحتاج من وجهة نظري إلى فترة انتقالية تصل إلى خمس سنوات لبناء قدرات تلك ‏الجهات التمثيلية، ونرى أنه خلال هذه الفترة يمكن أن يتم تعيين هؤلاء الممثلين من قبل الدولة ‏بشكل شفاف وبناء على معايير معلنة، وبالاتفاق ما بين المجتمع الأكاديمي والدولة على ‏أساليب الاختيار ، والأهم في إطار زمني محدد..‏
وأكرر أنني أشجع مشاركة القطاع الخاص في تقديم خدمة التعليم العالي ولكن بالعلم أنه ليس ‏بديلاً لدور الدولة .‏
‏ قد يعاب على القطاع الخاص في التعليم استقطاب الشباب من الأسر القادرة ماليا بغض ‏النظر عن قدراتهم وكفاءتهم مما يعطى فرصة لذوى الإمكانات المادية دون الاعتداد بتكافؤ ‏الفرص والعدالة الاجتماعية ، وهي في الحقيقة وظيفة الدولة وليس مؤسسي هذه ‏الجامعات. ولولا قصور كفاءة الجامعات الحكومية وعدم قدرتها على استيعاب الطلب ما ‏ظهرت الجامعات الخاصة من الأصل. وعموما طالما انها مؤسسات قانونية ولها شرعية فلابد ‏من احترام وجودها ومساندتها في إطار رؤية واضحة لدورها . ونحن نعلم أن قدرة التعليم ‏الخاص الهادف للربح الآن من الاستيعاب لا يمثل سوى أقل من ‏‎7% ‎‏ من مجموع الطلاب ‏في الجامعات المصرية . ‏
إنني أري دخول الدولة منافساً للقطاع الخاص في التعليم العالي خطئاً إستراتيچياً ، فلا الدولة ‏مستثمر جيد ، ( وهو ما ثبت عبر التاريخ ) ولا هو واجب الدولة في المقام الأول حتي لو ‏أسمينا مؤسساتهاً الخاصة أسماءاً لا تمثل حقيقتها ولا يجب علي الدولة تحويل الجامعات ‏المملوكة للشعب الي قطاع خاص بالتحايل بخلق نظم لتحصيل الأموال من الطلاب . ‏
وعلي العموم فإن تحمل الطلاب وعائلاتهم جزء من تكلفة التعليم العالي يجب أن يكون من ‏خلال نظام تمويل طلابي طويل المدي بدون فوائد يتم سداده فقط عنما يعمل الخريج بعد ‏تخرجه( الأمثلة والنظم متاحة في دول أخري ).‏
لذلك فإنني أرى في الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في بناء مؤسسات التعليم العالي ‏الجديدة نموذجا، قد يكون حلا وسطا بين القطاع الخاص الهادف للربح، والقطاع الأهلي الذي ‏يعتمد كلية على التبرع والهبة والوقف، وهو الذي ينشأ عادة من تراكم الثروة في القطاع ‏الخاص في إطار نمو اقتصادي مستدام، وهو الأمر الذي أراه سيحدث في مصر خلال عقدين ‏من الزمان لن نستطيع الانتظار خلالهما بدون تحرك.‏

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠