الإثنين , 23 سبتمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / الفرصة للإنقاذ(٣)‏‎ ‏ تحدي التمويل‎

الفرصة للإنقاذ(٣)‏‎ ‏ تحدي التمويل‎

الفرصة للإنقاذ(٣)‏‎ ‏
تحدي التمويل‎
بدأت هذه المجموعة من المقالات برصد تسعة تحديات تأتى ‏فى مقدمة ما يفرضه تطوير التعليم والواقع السكاني ‏وحق المواطنين الدستوري علينا مواجهتها، وذكرنا أربعة أسباب رأيت أن معظم هذه التحديات ترجع إليها، ‏ورصدنا تداعيات ثلاثة ‏ستحدث فى حال استمرار عدم مواجهة هذه التحديات بالإصرار اللازم والأولوية ‏الواجبة، ‏وأشرنا إلى بعض التحديات التطبيقية، وفى هذا المقال والتالي له سوف نتناول بشيء من التفصيل ‏واحد من أهم ‏التحديات التطبيقيه وهو تحدى عدم ملاءمة موازنا ت التعليم لاحتياجات التطوير .‏
ولكي نكون قادرين علي الإنتقال الي المستقبل علينا أن نحلل الحاضر ونعلم أسباب الفشل في الماضي وإلا ‏سنعيد فعل نفس الشئ في إنتظار نتائج مختلفه وهو تعريف أينشتين للغباء ‏
وعليّ أن أذكر هنا أن كل ما يصدر من الدولة من توجهات أغلبه يرقي إلي مستوي ما نرجوه ولكن القضية ‏الرئيسية هي الفجوة بين ما تقوله الحكومة وما يتم تطبيقه علي أرض الواقع. ‏
‏ لقد خصصت الجزء الأول من المقال المنشور اليوم تحليل للوضع والجزء الثاني الذي سينشر الأسبوع القادم ‏يقترح سياسات للخروج من المأزق . ‏
‏ لقد أ ستمر إنفاق الدولة على التعليم في التراجع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، رغم إلزامها دستوريًّا ‏بزيادته إلى حدود دنيا ، نص عليها الدستور المصري في ‏‎2014‎، على أن تصل تلك النسبة للمعدلات العالمية ‏تدريجياً، فقد بلغت نسبة الإنفاق على التعليم في موازنة العام الجاري ‏‎(2023/2024) ‎أقل مستوى لها خلال ‏سبع سنوات.‏
فرغم زيادة المبالغ السنوية التي يتم تخصيصها للإنفاق على التعليم، تتراجع نسبتها من الناتج المحلي بشكل ‏منتظم، تمامًا على عكس ما يلزم به الدستور الحكومة من الوصول بنسبة الإنفاق إلى ‏‎4% ‎من الناتج القومي ‏كحد أدنى للتعليم الأساسي، مضافا إليها ‏‎2% ‎أخرى للتعليم الجامعي ‏‎(‎بإجمالي ‏‎6%)‎، بداية من عام ‏‎2016-‎‎2017.‎
واتخذ الإنفاق مسارًا نزوليًا منذ هذا التاريخ، حتى وصل لأقل مستوى له في العام الجاري، بنسبة ‏‎1.94%‎، أي ‏أقل من ثلث النسبة المقررة دستوريا .‏
ودأبت الحكومة خلال السنوات الماضية على الالتفاف حول هذه الحقيقة وإدعاء التزامها بالنسب الدستورية، إلا ‏أن رئيس الجمهورية أقر للمرة الأولى في يونيو الماضي بأن الحكومة لا تلتزم بالحد الأدنى الدستوري للإنفاق ‏العام على كل من التعليم والصحة.‏
تلتهم‎ ‎الأجور‎ ‎النسبة‎ ‎الأكبر‎ ‎في‎ ‎ميزانية‎ ‎التعليم،‎ ‎حيث‎ ‎بلغت‎ ‎نسبتها‎ 70.5٪، ‎في‎ ‎موازنة‎ 2024/2023. ‎وفي‎ ‎المقابل‎ ‎تستحوذ‎ ‎الاستثمارات‎ ‎على‎ ‎نسبة‎ 19.1٪ ‎من‎ ‎إجماليها، ‎الأمر‎ ‎الذي‎ ‎ينعكس‎ ‎على‎ ‎بطء‎ ‎وتيرة‎ ‎بناء‎ ‎المدارس‎ ‎الحكومية‎ ‎وإنشاء‎ ‎فصول‎ ‎جديدة،‎ ‎والذي‎ ‎أدى‎ ‎إلى‎ ‎زيادة‎ ‎كثافة‎ ‎الطلاب‎ ‎في‎ ‎الفصول،‎ ‎بالإضافة‎ ‎إلى‎ ‎عمل‎ ‎بعض‎ ‎المدارس‎ بنظام ‎الفترتين‎ ‎والثلاث‎ ‎فترات‎ ‎لتعويض‎ ‎النقص‎ ‎في‎ ‎المباني‎ ‎الدراسية
وتنخفض‎ ‎معدَّلات‎ ‎الإنفاق‎ ‎الحكومي‎ ‎على‎ ‎التعليم‎ ‎في‎ ‎مصر‎ ‎عن‎ ‎المعدَّلات‎ ‎السائدة‎ ‎على‎ ‎مستوى‎ ‎العالم،‎ ‎والمتوسط‎ ‎السائد‎ ‎في‎ ‎مجموعة‎ ‎الدول‎ ‎ذات‎ ‎الدخل‎ ‎المتوسط،‎ وعدد ‎من‎ ‎الدول‎ ‎ذات‎ ‎الأوضاع‎ ‎والظروف‎ ‎الاقتصادية‎ ‎التي‎ ‎يمكن‎ ‎مقارنتها‎ ‎بالاقتصاد‎ ‎المصري
ويهمني أن نعلم أنه رغم الإنفاق الحكومي المتدني علي التعليم فإن هذا الإنفاق ليس مرشدا وإنه رغم إعلان ‏الحكومة أن عدد المعلمين يقترب من ٩٠٠ ألف فإن من يدخل الفصول لا يصل الي ٦٠٠ ألف وأن وزارة التربية ‏والتعليم تنفق مرتبات لأكثر من ٢ مليون موظف ولا يمكن و لا يجب أن يحسب هذا الإنفاق ضمن استحقاقات ‏التعليم . ‏‎.‎
وأذكر القارئ أن المحور الأول من رؤية ‏‎2030 ‎‏ في التعليم هي الإتاحة والجودة وعدم التمييز، وأن ‏استراتيچيات تنفيذ ثلث هذه رؤية هذا المحور ” الإتاحة” هي أيسر التحديات من وجهة نظري لأن حسابات ‏الإحتياجات للفصول الدراسية و أعداد وتخصصات المعلمين لمدة خمسين سنة قادمة تحتاج فقط معرفة واقع النمو ‏السكاني في كل قرية ومدينة ومحافظة وهي حسابات يسيرة ويتبقي توفير الإحتياجات المالية من الدولة ‏وتوفير الأراضي والتفكير خارج الصندوق في كيفية استدامة توفير ذلك. ‏
لا ننسي التعليم‎ ‎الحكومي ‏‎ ‎يضم‎ ‎أغلب‎ ‎أبناء‎ ‎الطبقات‎ ‎الوسطى‎ ‎ومحدودي‎ ‎الدخل،‎ ‎الأمر‎ ‎الذي‎ ‎يوضح‎ حجم ‎وأهمية‎ ‎الإنفاق‎ ‎الحكومي‎ ‎عليه. ‏‎. ‎
‎ ‎
وفي‎ ‎محاولة‎ ‎من‎ ‎الحكومة‎ ‎المصرية‎ ‎لعلاج‎ ‎انخفاض‎ ‎الإنفاق،‎ ‎عن‎ ‎النسب‎ ‎السابقة‎ ‎المقررة‎ ‎وفقًا‎ ‎للاستحقاق‎ ‎الدستوري،‎ ‎لجأت‎ ‎الحكومة‎ ‎إلى‎ اعتبار ‎المبالغ‎ ‎التي‎ ‎تنفقها‎ ‎جهات‎ “‎الحكومة‎ ‎العامة‎” ‎على‎ ‎التعليم‎ ‎والتي‎ ‎تشمل‎ ما ‎تنفقه‎ ‎الوزارات‎ ‎والمصالح‎ ‎التابعة‎ ‎لها،‎ ‎والهيئات‎ ‎العامة‎ ‎سواء‎ ‎كانت‎ ‎خدمية‎ ‎أو‎ ‎اقتصادية،‎ ‎أو‎ ‎أي‎ ‎مراكز‎ ‎علمية‎ ‎وبحثية‎ ‎حكومية،‎ ‎أو‎ ‎أي‎ ‎مبالغ‎ ‎مخصصة‎ ‎ضمن‎ ‎الاحتياطيات‎ ‎العامة،‎ ‎بالإضافة‎ ‎إلى‎ ‎إنفاق‎ ‎شركات‎ ‎القطاع‎ ‎العام‎ ‎وقطاع‎ ‎الأعمال‎ ‎العام‎ باعتبار ‎أن‎ ‎كل‎ ‎ذلك‎ ‎يدخل‎ ‎في‎ ‎مفهوم‎ ‎الإنفاق‎ ‎الحكومي‎ ‎العام‎ ‎على‎ ‎التعليم،‎ ‎ووفقًا‎ ‎لهذا‎ ‎التعريف‎ ‎‎(‎الموسع‎) ‎لإنفاق‎ ‎الحكومة‎ ‎العامة،‎ ‎فإن‎ ‎الدولة‎ ‎المصرية‎ ‎تكون‎ قد ‎حققت‎ ‎بالفعل‎ ‎جزء كبير من التزامها‎ ‎الدستوري‎ ‎المتعلق‎ ‎بالإنفاق‎ ‎على‎ ‎التعليم الذي يجب أن يحدد بما تنفقه الحكومة علي كل طالب وتلميذ ومقارنته بما تنفقه ‏الدول التي تنافس مصر حضارياً علي تلاميذها، فإن كانت مصر تنفق علي كل تلميذ ما يقرب من ٦٠٠٠ جنيه ‏مصري سنويا فيجب مقارنة ذللك بما تنفقه إسرائيل علي كل طالب وهو أكثر من ١٠٠ ألف جنيه سنويا ‏‎.‎
‏ والمرعب هو أن يتم سداد جزء من ديون مصر الخارجية خصما من موازنة التعليم فالدولة تلجأ إلى‎ ‎تحقيق‎ ‎التزامها‎ ‎الدستوري‎ ‎‏ عبر اعتبار سداد ‏ما ‎يعادل ١٥‏‎٪ ‎من‎ ‎قيمة‎ ‎سداد الديون إلى‎ ‎مخصصات‎ ‎التعليم‎..‎
وفقًا‎ ‎لبحث‎ ‎الدخل‎ ‎والإنفاق‎ ‎الصادر‎ ‎عن‎ ‎الجهاز‎ ‎المركزي‎ ‎للتعبئة‎ ‎العامة‎ ‎والإحصاء‎ 2020/2019، ‎فإن‎ متوسط ‎الإنفاق‎ ‎السنوي‎ ‎للأسرة‎ ‎على‎ ‎التعليم ‏‎ ‎يصل ‏‎ ‎الي٢٥٪؜ في ‏‎ ‎المدارس‎ ‎الحكومية،‎ ‎والتي‎ ‎يتراجع‎ ‎فيها‎ دور ‎المدرسة‎ ‎التعليمي،‎ ‎في‎ ‎ظل‎ ‎تكدس‎ ‎الفصول وتتدني في المدارس الأنشطة الطلابية التي تبني الشخصية كما هو وارد في ‏رؤية التعليم المعلنة. ‏
‏1.‏ هذا وقد أعلن‎ ‎الدكتور‎ رضا ‎حجازي‎ ‎وزير‎ ‎التربية‎ ‎التعليم السابق ‏، ‎العام‎ ‎الماضي،‎ ‎في‎ ‎بداية‎ ‎مقترحه‎ ‎لتقنين‎ ‎مراكز‎ ‎الدروس‎ ‎الخصوصية‎ – ‎أن‎ ‎الدروس‎ ‎الخصوصية‎ ‎تكلف الأسر ما يقرب من ‏خمسين مليار جنيه لا تراهم ‏‎ ‎‏ الدولة ‏‎ ‎ولا‎ ‎الوزارة،‎ ‎على‎ ‎حد‎ ‎قوله‎. ‎
‏2.‏ ‎ ‎وتشيرتقديرات‎ ‎سابقة‎ ‎لوزارة‎ ‎التربية‎ ‎والتعليم‎ ‎إلى‎ ‎وجود‎ نقص ‎في‎ عدد ‎المعلمين‎ ‎يتجاوز‎ 320 ‎ألف‎ ‎معلم‎.‎ولأول‎ ‎مرة‎ ‎وبعد‎ سنوات ‎طويلة‎ ‎من‎ ‎أزمة‎ نقص ‎أعداد‎ ‎المعلمين،‎ ‎أصدر‎ ‎الرئيس‎ ‎عبدالفتاح‎ ‎السيسي‎ ‎قرارًا‎ ‎في‎ ‎يناير‎ 2022، ‎بإجراء‎ ‎إعلان‎ ‎لتعيين‎ 30 ‎ألف‎ ‎مدرس‎ ‎سنويًّا،‎ ‎لمدة‎ 5 ‎سنوات،‎ ‎ليصل‎ ‎إجمالي‎ ‎المعينين‎ ‎إلى‎ 150 ‎ألف‎ ‎معلم،‎ ‎بميزانية‎ ‎سنوية‎ 1.4 ‎مليار‎ ‎جنيه‎.‎والقرار‎ ‎الحكومي‎ ‎رغم‎ ‎أهميته‎ ‎فإنه‎ ‎لن‎ ‎يقضي‎ ‎على‎ ‎أزمة‎ نقص ‎أعداد‎ ‎المعلمين‎ ‎بالمدارس‎ ‎الحكومية،‎ ‎حيث‎ ‎أن‎ ‎خطة‎ ‎التعيينات‎ ‎السابقة‎ ‎بعد‎ ‎انتهائها،‎ ‎ستكون‎ قد ‎أضافت‎ 150 ‎ألف‎ ‎معلم‎ ‎فقط،‎ ‎في‎ ‎حين‎ ‎أن‎ ‎التقديرات‎ ‎لحجم‎ ‎العجز‎ ‎فى‎ ‎المعلمين‎ ‎تبلغ‎ 320 ‎ألف‎ ‎معلم،‎ ‎وهي‎ ‎تقديرات‎ ‎تتزايد‎ ‎بشكل‎ ‎مستمر،‎ ‎نظرًا‎ ‎إلى‎ ارتفاع ‎أعداد‎ ‎الملتحقين‎ ‎بالتعليم‎ ‎الحكومي‎ ‎عامًا‎ ‎بعد‎ عام.‎ورغم‎ ‎إعلان‎ ‎الحكومة‎ ‎المصرية‎ ‎الأخير،‎ ‎بزيادة‎ رواتب ‎العاملين‎ ‎بالقطاعات‎ ‎الحكومية‎ ‎ومنها‎ ‎المؤسسات‎ ‎التعليمية،‎ ‎فإن‎ ‎هذه‎ ‎الزيادات‎ ‎لا‎ ‎تتناسب‎ مع موجات ‎التضخم‎ ‎المستمرة‎ ‎التي‎ ‎رفعت‎ ‎أسعار‎ ‎كل‎ ‎السلع‎ ‎والخدمات،‎ ‎وخفضت‎ ‎من‎ ‎القيمة‎ ‎الشرائية‎ ‎للجنيه‎ ‎المصري‎. ‎
‏3.‏ ‎ ‎‏ الأخطر هو التوجيه الخاطئ‎ ‎للموارد‎ ‎المالية‎ ‎الحكومية‎ ‎المحدودة‎: فنجد ‎أن‎ ‎الدولة‎ ‎اتجهت‎ ‎إلى‎ ‎تخصيص‎ ‎مبالغ‎ ‎كبيرة‎ ‎لإنشاء‎ مدارس ‎حكومية‎ ‎بمصروفات‎ ‎عالية‎ ‎لن‎ ‎تكون‎ ‎في‎ ‎متناول‎ ‎الطبقة ‏الفقيرة وأغلب الطبقة الوسطي وكأن الدولة تسعي لمنافسة القطاع الخاص الذي لا تبلغ نسبة ‏تأثيرة أكثر من ١٤٪؜ في الحضر و٣٪؜ في الريف. ‏
‏‏
‏4.‏ أنا لا أمانع بل أرحب بمبادرات من الحكومة في إنشاء نماذج جديدة من المدارس مثل المدارس ‏اليابانية ومدارس النيل وأمثالها ولكن عليها أن تعلن خطتها في التوسع وكيفية بيان كيف ‏ستستفيد منها الطبقة الوسطة والفقيرة وكما هو الواجب في التعليم العالي ‏‎ ‎‏ فيجب إنشاء أساليب ‏لتمويل الطلاب والأسر غير القادرة في هذه المدارس لتعم الفائدة علي غالبية أصحاب المصلحة ‏علماً بأن‎ ‎الحكومة‎ ‎المصرية‎ ‎خلال‎ ‎السنوات‎ ‎القليلة‎ ‎الماضية‎ قد ‎أقامت‎ ‎كثيرًا‎ ‎من‎ ‎المشروعات‎ ‎العملاقة‎ ‎والقومية‎ ‎الخاصة‎ ‎بالنقل‎ ‎والطرق‎ ‎والكباري‎ ‎الجديدة،‎ ‎وهو‎ ما ‎يظهر‎ ‎قدرة‎ ‎الحكومة‎ ‎المصرية‎ ‎على‎ ‎توفير‎ ‎الاستثمارات‎ ‎المالية‎. ‎
5. إننا يجب أن نؤكد ‏‎ ‎على‎ ‎ضرورة‎ ‎توجيه‎ ‎الموارد‎ ‎المالية‎ ‎الحالية‎ ‎المحدودة،‎ ‎إلى‎ دعم ‎التعليم‎ ‎الحكومي‎ ‎المجاني الذي هو حق لأطفال مصر وشبابها وليس سلعة مدعومة يتم بيعها للأسر ‏وتطبيق فلسفة الدولة بتخفيض الدعم الإجتماعي ، تدريجيا عليها فالتعليم بدون ‏
تكلفة علي المواطن حق دستوري وإلا فقدت مصر أهم موارد ثروتها الإنسانية.

التعليقات

التعليقات