الخميس , 14 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / الفرصك للإنقاذ (٩)‏ الجامعات الخاصة والأهلية الفرصة والمحنة

الفرصك للإنقاذ (٩)‏ الجامعات الخاصة والأهلية الفرصة والمحنة

الفرصك للإنقاذ (٩)‏
الجامعات الخاصة والأهلية
الفرصة والمحنة
بقلم حسام بدراوي
تطرقت في المقالات السابقة للفرص في التعليم العالي ، ورؤية مصر ٢٠٣٠ فيها بتطوير ‏التعليم بكافة أشكاله ومراحلة في إطار تنمية الإنسان المصري. ‏
التعليم العالي ، قطارُ التنمية وله قواعده وعلي كل قطاعات المجتمع مسئوليات تجاهه. ‏وشرحت دور القطاع الخاص وأنواعه وتاريخه ، وأشرت الي المحنة من بعيد. وأنهيت ‏المقال بوجود حلول للتحديات مع بيان دهشتي وتعجبي من تصرف الدولة أحياناً تجاه ‏سياسات التعليم العالي التي قد لا تتوافق مع الدستور ولا رؤية ٢٠٣٠ ، وعندي أمل في الفهم ‏المتسع للوزير الحالي وقبوله النقد والنصيحة بدون حساسية وهو ما أثني عليه. ‏
إنني علي عكس الكثيرين أري حق الشباب المؤهل والمستعد للتعليم العالي حقاً دستورياً ، لا ‏يستلزم ملاءة مالية ولا انفاق أسري للحصول عليه. ‏
وأري ان توفير تمويل الطلاب المؤسسي للحصول علي هذه الفرصة حق أساسي لهم. ‏
ولا ننسي ان هناك فجوةً في إتاحة التعليم العالي لابد من تخطيها لأن نسبة من يحصلون علية ‏من شبابنا من ٣٣ الي ٣٨ ٪؜ وأن رؤية البلاد هي توفير هذا التعليم ل٥٠٪؜ من هذه الفئة.‏
واذكر القراء بأن التعليم العالي والتعليم العالي المهني هو قاطرة التنمية وأعود دائماً لمقولة د. ‏طه حسين :‏
‏”إن الجامعة لا يتكون فيها العالم وحده، وإنما يتكون فيها الرجل المثقف المتحضر الذي لا ‏يكفيه أن يكون مثقفا، بل يعنيه أن يكون مصدرا للثقافة، ولا يكفيه أن يكون متحضرا، بل ‏يعنيه أن يكون منمياً للحضارة، فإذا قصرت الجامعة في تحقيق خصلة من هاتين الخصلتين ‏فليست خليقة أن تكون جامعة. ‏
ويقول أيضاً” إن الأمية ليست هي أمية القراءة والكتابة فقط بل هي أيضاً أمية القراءة والكتابة ‏والفهم ، فمن لا يفهم يصبح أسيرا لمن يقدمون له معرفة منقوصة أو مُحَورة ويتملكون عقله”‏
وكأنه كان يضع فلسفة اتساع المعرفة وبناء الشخصية والقدرة علي الاختيار الذي يجعل من ‏البشر ، صانعي حضارة ، أمام أعيننا . ‏
انتقل إلي موضوع المقال الأساسي وهو علاقةً القطاع الخاص بالتعليم العالي.‏
إنني أرى في الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في بناء مؤسسات التعليم العالي نموذجاً، قد ‏يكون حلا وسطاً بين القطاع الخاص الهادف للربح، والقطاع الأهلي الذي يعتمد كلية على ‏التبرع والهبة والوقف، وهو الذي ينشأ عادة من تراكم الثروة في القطاع الخاص في إطار نمو ‏اقتصادي مستدام، وهو الأمر الذي أراه قد يحدث في مصر خلال ثلاث عقود من الزمان لن ‏نستطيع الانتظار خلالهما بدون تحرك.‏
الدولة تملك الأراضي، والخدمات، وتملك الثروة البشرية في جامعتها العامة التي أنفقت ‏عليها، واستثمرت فيها، والقطاع الخاص يملك مصادر التمويل التي لا تلقى عبئاً على موازنة ‏الدولة ، وهذه الشراكة، يمكن لها تحقيق أهداف متعددة، وتقدم نموذجاً يستعيد فيه المستثمر ‏أمواله بعد عدد من السنين، ويحقق عائداً عليها، أو قد يرتضى إيقافها على المؤسسة التعليمية، ‏وتستطيع الدولة المالكة للأرض والثروة البشرية استخدام حصتها في الشراكة كى تتيح التعليم ‏لهؤلاء الذين يملكون القدرة الذهنية والأكاديمية، و يفتقرون للقدرة المالية. إن هذا التوسع قابل ‏للدراسة، ويستطيع استيعاب الحلم، بالفوز لكل الأطراف ، الدولة والمستثمر، والطالب ‏والمجتمع.‏
‏ ‏
والآن ما هو الدور الذي يلعبه هذا القطاع في التعليم عموماً، وفى التعليم العالي على الأخص؟ ‏‏. إن التعليم الخاص التجاري الذي يهدف إلى الحصول على مصروفات دراسية تمول إدارة ‏الجامعة الخاصة، ويتحقق بعدها عائد تجارى يمكن توزيع أرباح منه على المساهمين هو شكلٌ ‏،مهما وصل التوسع فيه ، فإنه لن يستطيع أن يستوعب غير عدد محدد من الشباب، فهذه ‏الجامعات بعد ٢٩ سنة من البدء في نموذجها لا تستوعب كما ذكرت الا حوالي ٦.٢٪ من ‏مجموع الطلاب في هذه المرحلة. ‏
إن هذا الشكل من القطاع الخاص في التعليم العالي ينبغي أن يتم التعامل معه بما يضمن ‏حقوق مساهميه، وبما يضمن قبل ذلك حقوق المواطن، لذلك فإنني وضعت من وجهة نظري ‏بعض التوصيات التي أراها واجبة لتحقيق هذا الهدف الثنائي، ألخصها في التالي.‏
‏. ‏
‏(أولا ) وجوبية قيام هيئة الاعتماد وضمان الجودة في التعليم التي جاهدنا لإنشائها بأداء ‏دورها في تقييم هذه الجامعات، حيث أن ذلك سيعطى المجتمع الثقة في أن كافة الجامعات في ‏مصر تخضع لنظام موحد لتقييم الأداء وضمان الجودة، بشكل دوري ومنظم وفي إطار معايير ‏التقييم العالمية. وبذلك نحمي المجتمع من ناحية ونحمي الجامعات الخاصة من الاتهامات التي ‏تعم علي الجميع فتأخذ معها الصالح والطالح في قفص واحد. ‏
‏(ثانياً) الاهتمام والدعوة على أهمية توسيع قاعدة الملكية لأسهم هذه الجامعات، بدلا من الملكية ‏الأحادية أو الأسرية وتحفيز القطاع الخاص علي ذلك ومباركة الدولة لهذا التوجه.‏
‏(ثالثاً) تحديد مسئوليات كل من صاحب رأس المال والإدارة الأكاديمية واليومية للجامعة، ‏بحيث تتوفر الحرية في اتخاذ القرار الأكاديمي وكذلك الإداري اليومي للقائمين على العمل ‏بالجامعة، بدون التدخل من صاحب رأس المال أو من يمثله وبما يحقق رسالة الجامعة وكفاءة ‏الخدمة التعليمية المقدمة للطلبة. وهذا ينطبق علي الدولة كمالك للجامعات الحكومية أو شبه ‏الأهلية. ‏
‏ (رابعاً) إن إشراف الدولة على التعليم الخاص لا يجب أن يُترجم في أي وقت على أنه التحكم ‏في مرونة وحرية هذه الجامعات في الابتكار والإبداع والاختلاف عن النظم النمطية. إن ‏هناك فرقا بين المنظم والمراجع لضمان تحقيق الأهداف، والمتحكم والمتداخل بهدف السيطرة ‏السياسية او منع المنافسة بالتدخل لصالح ما تملكة الدولة من مؤسسات تعليمية قديمة تحت ‏مسمي الجامعات الحكومية او مؤسسات تعليمية جديدة تحت مسمي الجامعات الأهلية . علي ‏الدولة الاحتفاظ بدورها في التنظيم والتدقيق وتبتعد عن ان تكون منافسا في نفس الوقت. ‏
‏ أما ما يخص الجامعات الأهلية فإن لها تعريف دولي أكاديمي متعارف عليه ، وآخر مصرى ‏مُبتدع . فحسب التعريف الدولي فالجامعة الأهلية هي التي ينشئها الأهالي وليست الحكومة، ‏واذا شاركت الحكومة في انشاءها فلا تأخذ عائدا علي استثمارها بل يكون استثمارها هبة او ‏وقف. والمجتمع الأهلي هو مجتمع المواطنين، ومؤسساته الأهلية التي يكونونها ويُمولونها ‏ويُديرونها في حدود القانون العام. فمثلا جامعة القاهرة نشأت بدايةً كجامعة أهلية تَسابق علي ‏تمويلها المواطنين وأعضاء الأسرة العلوية ثم تحولت الي حامعة حكومية. ‏
وأحب أن أنوه بأن‎ ‎قرار إنشاء عشر جامعات أهلية جديدة في مصر جاء بعد اجتماع حكومي ‏على أعلى مستوى لم يكن فيه ممثلين للمجتمع المدني ، الذين يفترض بحكم التعريف أنهم هم ‏الذين سينشئون هذه الجامعات. ووفقا لتصريح الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالى وقتها وما ‏ثبت بعدها فإن الحكومة هي التي ستوفر الاستثمار والدعم لهذه الجامعات والذى سيصل إلى ‏قرابة ثلاثين مليار جنيه وانه سيتم استرجاع استثمار الدولة في ٢٥ سنة ، أي أنه من الناحية ‏الاقتصادية فهذا ليس استثماراً موفقاً ومن الناحية الفلسفية لتعريف الجامعات الأهلية فانه لا ‏يحقق هدف كونها أهلية. والواقع أنني أراها جامعات حكومية خاصة بمصاريف، وتتبع ‏المجلس الأعلى للجامعات الذي أصبح هو المتحكم في الجامعات كلها رغم أن أصل نشأته كان ‏تشاوريا بين الجامعات وليس رقيباً عليها او متحكماً فيها .‏
إن مفهوم وفلسفة ودور الدولة في التعليم العالي لا يجب فيه خلط الدور التنظيمي الضامن ‏للعدالة والدور التحكمي الباحث عن السيطرة ودور المالك المنافس ،فلا يجب ان تكون الدولة ‏منافس وحَكم في نفس الوقت. ‏
في النهاية فإننا يجب أن ننظر إلى الجامعات بمفهوم مختلف، حيث أن تعدد واختلاف الملكية، ‏لا يجب أن يؤثر على معايير الحكم والتقييم للمؤسسة، لأنه في كل الأحوال يجب أن تتمتع ‏الجامعات بغض النظر عن الملكية بالاستقلال الأكاديمي وأن تٌقيم تقيماً محايدا من هيئة ضمان ‏الجودة والاعتماد . وأكرر إننا يجب أن ندافع عن حق الاستقلال الأكاديمي عن السلطة ‏السياسية، أو السلطة الاقتصادية التجارية، وهو المفهوم الذي لا يجعلنا ننظر للجامعات من ‏مدخل الملكية، ولكن من مدخل جودة الأداء، ومدى قدرة الخريج على التكيف مع أسواق ‏العمل، والاستمرار في التعلم، وقبل كل ذلك، قدرته على صنع الحضارة، وتنمية الثقافة، ‏والمشاركة في صنع مستقبل بلاده.‏

التعليقات

التعليقات